أصول طريق التصوف
29 نوفمبر، 2024
منهج الصوفية
بقلم الشيخ : محمد مصطفى صالح
إمام وخطيب بوزارة الأوقاف
تحدثنا فى المقال السابق عن مفهوم التصوف وذكرنا بعض من أقوال السادة الصوفية ونستكمل فى هذا المقال ما بدأناه ونذكر أقوال أكابر أهل الطريق عن أصول التصوف والطريق إلى الله :
أصول طريق التصوف سبعة ذكرها أبو محمد سهل بن عبد الله التُّسْتُرِي من مواليد عام 200 للهجرة ومن وفيات 282 للهجرة أو 83 حيث قال أصولنا سبعة أشياء
“التمسكُ بالقرآن الكريم والاقتداء بسنة النبي ﷺ وأكل الحلال وكف الأذى واجتناب المعاصي والتوبة وأداء الحقوق”
فما تقولون في هذه السبعة ؟! هذه هي الشريعة لاشك فى ذلك!
فهؤلاء العلماء جاءوا لأجل أن نفهم الدينَ فهمًا صحيحًا لأجل أن نُحَوِّلَ هذا الفهم إلى سلوك :
المفسرون هم جزء من الدين علمونا كيف نفهمُ القرآن الكريم .
المحدثون جزء من الدين نقلوا لنا أحاديثَ رسول الله ﷺ.
اللغويون جزء من الدين فهّمونا القرآن الكريم كما تفهمه لغة العرب.
الصوفيون أو أهل الطريق معنيون بأن نحول ما نقرأه من آيات إلى عمل.
يقول أهل لاتصوف أصولنا سبعة أشياء:
“التمسكُ بالقرآن الكريم ، والاقتداء بسنة النبي ﷺ ، وأكل الحلال ، وكف الأذى ، واجتناب المعاصي ، والتوبة ، وأداء الحقوق”
وللعلماء في كل ذلك أقوالٌ رقيقةٌ فائقة.
ففي التمسكِ بالقرآنِ والسنةِ يقولون :
“من لم يكن في يمينه قال الله وفي يساره قال رسول الله ﷺ لا يقتدى به في هذا الأمر” يريدون التصوف
ويقولون أيضاً :
“ادخل على الله ويدك بيد رسول الله ﷺ فالطرق كلها مسدودة عن الخلق إلا من اقتفى أثر النبي ﷺ “
وفي أكل الحلال يقول ميمون ابن مهران :
” لا يكون الرجلُ من المتقين حتى يحاسب نفسه أشدَّ من محاسبةِ شريكِهِ حتى يعلم من أين مطعمه من أين ملبسه من أين مشربه أمن حلالٍ ذلك أم من حرام”
[ما تُشكر إذا صليت وقرأت أوراد من القرآن والذكر صرت من المتقين هكذا يقول أهل التصوف لن تصير من المتقين حتى تراعي الحلال في طعامك وشرابك وملبسك]
وفي كف الأذى واجتناب المعاصي وأداء الحقوق يقولون :
“إذا رأيتم الرجلَ يطير في الهواءِ ويمشي على الماءِ فلا تعجبوا له حتى تنظروا كيف هو عند الأمر والنهي”
[لو رأينا رجلا يمشي فوق الماء ولا يغرق يقول “أهل التصوف” هذا لا قيمة له حتى ننظر كيف هذا الرجل عند أوامر الله ونواهي الله إن كان وقَّافًا عند الأمر فيأتمر وعند النهي فينتهي هذا من الصالحين ولا يهمنا بعد هذا إن طار في الهواء أو لم يطر ليس مشكلة]
[أما إذا رأيته إذا أمره الله لا يأتمر وإذا نهاه لا ينتهي فلا عبرة بهذا الطيران أو هذا المشي بل ربما كان هذا استدراجًا أو إهانةً له]
وفي التوبة يقول ذو النون المصري :
“توبة العوام تكون من الذنوب وتوبة الخواص تكون من الغفلة عن الله”
ثم إن أهل التصوف يؤكدون على ضرورةِ الإخلاص وصحبةِ الشيوخ ولزوم الذكر والحب في الله والأدب مستدلين على كل ذلك بآيات القرآن الكريم وأحاديث النبي ﷺ.
قال الإمام الشافعي رحمه الله :
“صحبت الصوفية فاستفدت منهم ثلاث كلمات قولَهم “الوقت سيف إن لم تقطعه قطعك” وقولَهم “نفسك إن لم تشغلها بالخير شغلتك بالشر” وقولَهم “العدم عصمة” يعني إذا حرمك الله تعالى من أمر من مال من جاه من مكان اعلم بأنه عاصمك من فتن هذا الشيء الذي حرمك منه
وقال أيضًا كما في كشف الخفا “حبب إلي من دنياكم ثلاث تركُ التكلف وعشرةُ الخلقِ بالتلطف و الاقتداءُ بطريق أهل التصوف”
ورد في تنوير القلوب للشيخ أمين الكردي :
كان الإمامُ أحمد رحمه الله تعالى قبل مصاحبته الصوفية يقول لولده عبد الله رحمه الله “يا ولدي عليك بالحديث وإياك ومجالسةَ هؤلاءِ القوم الذين سَمّوْا أنفسهم الصوفية فإنهم ربما كان أحدهم جاهلا بأحكام دينه” قال فلما صحب أبا حمزة البغدادي الصوفي وعرفَ أحوالَ القوم أصبح يقول لولده “يا ولدي عليك بمجالسة هؤلاء القوم فإنهم زادوا علينا بكثرة العلم والمراقبة والخشية والزهد وعلوّ الهمة” ونقلوا عنه رضي الله تعالى عنه أنه قال “لا أعلمُ قومًا أفضلَ منهم”
ومثل هذه الأقوال والنقول كثيرةٌ عن علماءِنا في الحاضرِ والماضي كالسبكي والرازي والشاطبي والسيوطي وابن حجر والجُرجاني وابن خلدون والقشيري والغزالي وابن عابدين والعز بن عبد السلام وأبو زُهرة والندوي والشعراوي والإمام الجعفري وغيرهم ولكني اكتفيت بأقوال الأئمة الأربعة
وقد قال أحد السادة “ما وصل أولياء الله إلى ماوصلوا إليه بكثرة الأعمال وإنما وصلوا إليه بالأدب”
أهل المحبة حين طاب شرابهم
باعوا النفوس لربهم وارتاحوا
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم
إن التشبه بالرجال فلاح