
من ديوان أهل الذكر لسيدي برهان الدين أبو الإخلاص رضي الله عنه
يقدمها لكم : الشيخ السيد محمد البلبوشي
خويدم الطريقة الإخلاصية – خطيب بوزارة الأوقاف
هَؤُلَاءِ هُمُ الصُّوفِيَّةُ عِنْدَ الإمامِ عَلِىٍّ ، مَنْ خَالَفَ عَنْ هَذَا فَلَيْسَ بصوفىٍّ .
سَأَلَ هَمَّامُ عَلِيَّاً ” كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ ” فَقَالَ : (صِفُ لِى المتقينَ كأنِّى أَنْظُرُ إِلَيهِمْ ) فَقَالَ : ( هُمُ الَّذِينَ مَنْطِقُهُمْ الصَّوَابُ، وَمَلْبَسُهُمْ الْاقْتِصَادُ ، وَمَشْيُهُمُ التَّوَاضُعُ ، غَضُّوا أَبصارَهُمْ عَمَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيهِمْ، وَوَقَفُوا أَسْمَاعَهُمْ عَلَى الْعَلْمِ النَّافِعِ لَهُمْ نَزَلَتْ أَنْفُسُهُمْ فى الْبَلاءِ كالتى نَزَلَتْ فى الرَّخَاءِ .
لَوْلَا الأملُ الذى كَتَبَ اللَّهُ لَهُمْ لَمْ تَسْتَقِرّ أَرْوَاحُهُمْ فى أَجْسَادِهِمْ طَرْفَةَ عَيْنٍ شَوْقَاً إِلَى رَبِّهِمْ ، عَظُمَ الْخَالِقُ فى أَنْفُسِهِمْ فَصَغُرَ مَا دُونَهُ فى أَعْيُنِهِمْ ، قُلُوبُهُمْ مَحْزُونَةٌ وَشُرُورُهُمْ مَأمُونَةٌ ، وأجسَادُهُم نَحِيفَةٌ ، وَأَنْفُسُهُمْ عَفِيفَةٌ ، صَبَرُوا أيامَاً قَصِيرَةً أَعْقَبَتْهُمْ رَاحَةً طَوِيلَةً ، تِجَارَةٌ رَابِحَةٌ يَسَّـرَهَا لَهُمْ رَبُّهُمْ .
أَرَادَتْهُمْ الدُّنيا فَلَم يُرِيدُوهَا وَأَسَرَتْهُمْ فَفَدَوْا أَنَفْسَهُمْ مِنْهَا .
أَمَّا اللَّيْلُ فَصَافُّونَ أَقْدَامَهُمْ يُرَتِّلُونَ أجزاءَ القُرَآنِ تَرْتِيلَا ، فَإذا مَرُّوا بآيةٍ فِيهَا تَشْوِيقٌ رَكَنُوا إِلَيهَا طَمَعَاً ، وَتَطَلَّعَتْ نُفُوسُهُمْ إِلَيهَا تَشَوُّقَاً ، وَإذا مَرُّوا بِآيةٍ فِيهَا تَخْوِيفٌ صَغَوا إِلَيهَا بِمَسَامِعِ قُلُوبِهِمْ وَظَنُّوا أَنَّ زَفيرَ جَهَنَّمَ وَشَهِيقَهَا فى أَصُولِ آذانِهِم . فَهُمْ جَاثُونَ عَلَى رُكَبِهِمْ . يَطْلُبُونَ مِنَ اللهِ فِكَاكَ رِقَابِهِمْ . وَأَمَّا النَّهَارُ فَحُلَمَاءُ عُلَمَاءُ . أبرَارٌ أتقياءٌ .
قَدْ بَرَاهُمْ الْخَوْفُ بَرْىَ الْقِدَاحِ . يَنْظُرُ إِلَيهِمْ النَّاظِرُ فَيَحْسَبُهُمْ مَرضَى وَمَا بِالْقَوْمِ مِنْ مَرَضٍ . لَا يَرْضَوْنَ مِنْ أَعْمَالِهِمْ بِالْقَلِيلِ . وَلَا يَسْتَكْثِرُونَ الْكَثِيرَ فَهُمْ لِأَنْفُسِهِمْ مُتَّهِمُونَ . وَمِنْ أَعْمَالِهِمْ مُشْفِقُونَ . إذا زُكِّىَ أَحَدُهُمْ خَافَ مِمَّا يُقَالُ لَهُ . فَيَقُولُ أَنَا أَعلمُ بِنفسِـى مِنْ غيرِى . وَرَبِّى أَعلمُ بِنفسِـى مِنِّى . اللَّهُمَّ لَا تُؤاخِذْنِى بِمَا يَقُولُونَ واجعلْنِى أَفْضَلَ مِمَّا يَظُنُّونَ . وَاغْفِرْ لى مَا لَا يَعْلَمُونَ . فَمِنْ عَلامَةِ أَحَدِهِمْ أَنَّكَ تَرَى لَهُ قُوَّةً فى الدِّينِ . وَحُزْنَاً فى لِينٍ . وإيماناً فى يَقِينٍ . وَحِرْصَاً فى عِلْمٍ . وَعَمَلَاً فى حِلْمٍ . وَقَصْدَاً فى غِنَىً وَتَجَمُّلَاً فى فَاقَةٍ . وَخُضُوعَاً فى عِبَادَةٍ . وَصَبْرَاً فى شِدَّةٍ . وَطَلَبَاً فى حَلالٍ . وَنشاطَاً فى هُدَىً . وَتَحَرُّجَاً عَنْ طَمَعٍ . يَعْمَلُ الْأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ وَهُوَ عَلَى وَجَلٍ . يُمْسِـى وَهَمُّهُ الشُّكْرُ . وَيُصْبِحُ وَهَمُّهُ الذِّكْرُ . يَبِيتُ حَذِرَاً . وَيُصْبِحُ فَرِحَاً . حَذِرَاً مِنَ الْغَفْلَةِ . وَفَرِحَاً بِمَا أَصَابَ مِنَ الْفَضْلِ وَالرَّحْمَةِ إذا اسْتَعْصَتْ عَلَيهِ نَفْسُهُ فِيمَا يَكْرَهُ ، لَم يُعْطِهَا سُؤْلَهَا فِيمَا تُحِبُّ . قُرَّةُ عَيْنِهِ فِيمَا لَا يَزَالُ وَزَهَادَتُهُ فِيمَا لَا يَبْقَى . يَمْزِجُ الْعِلْمَ بِالْحِلْمِ وَالْقَوْلَ بِالْعَمَلِ تَرَاهُ قَرِيبَاً أَمَلُهُ . قَلِيلَاً زَلَـلُـهُ . خَاشِعَاً قلبُهُ . قَانِعَةٌ نَفْسُهُ . سَهْلَاً أَمرُهُ . حَرِيزَاً دِينُهُ . مَيِّتَةٌ شَهْوَتُهُ . كَظُومَاً غَيْظُهُ . الْخَيْرُ مِنْهُ مَأمُولٌ . وَالشَّرُّ مِنْهُ مَأمُونٌ . إِنْ كَانَ فى الْغَافِلِينَ كُتِبَ فى الذّاكِرِينَ ، يَعْفُو عَمَّنْ ظَلَمَهُ وَيُعْطِى مَنْ حَرَمَهُ وَيَصِلُ مَنْ قَطَعَهُ . بَعِيدَاً فُحْشُهُ لَيِّنَاً قَوْلُهُ . غَائِبَاً مُنْكَرُهُ . حَاضِرَاً مَعْرُوفُهُ . فى الزَّلازِلِ وَقُورٌ . وَفِى الْمَكَارِهِ صَبُورٌ . وَفِى الرَّخَاءِ شَكُورٌ . لَا يَحِيفُ عَلَى مَن يَبْغَضُ . وَلَا يَأْثَمُ فِيمَنْ يُحِبُّ . يَعْتَرِفُ بِالْحَقِّ قَبْلَ أَن يَشْهَدَ عَلَيهِ . لَا يُضِيِّعُ مَا اسْتُحْفِظَ . وَلَا يُنَابِزُ بالألقَابِ . وَلَا يَضُـرُّ بِالْجَارِ . وَلَا يَشْمَتُ بِالْمَصَائِبِ . إِنْ بُغِىَ عَلَيهِ صَبَرَ . حَتَّى يَكُونَ اللهُ هُوَ الذى يَنْتَقِمُ لَهُ . نَفْسُهُ مِنْهُ فى عَنَاءٍ . وَالنَّاسُ مِنْهُ فى رَاحَةٍ . أَتْعَبَ نَفْسَهُ لِإخوَتِهِ . وَأَرَاحَ النَّاسَ مِنْ نَفْسِهِ . بُعْدُهُ عَمَّنْ يَتَبَاعَدُ عَنْهُ زُهْدٌ وَنَزَاهَةٌ . وَدُنُوُّهُ مِمَّنْ دَنَا مِنْهُ لِينٌ وَرَحْمَةٌ لَيْسَ تَبَاعُدُهُ بِكِبْرٍ وَعَظَمَةٍ وَلَا دُنُوُّهُ بِمَكْرٍ وَخَدِيعَةٍ .