ينبغي على المتخصصين دراسة الحالة النفسية للداعية عبدالله رشدي والظروف المؤثرة فيها نظرا لتقلباته من أقصى النقيض الى النقيض في غضون سنوات قليلة.
ليس من أجل اغتياله معنويا كما يفعل خصومه اليساريون، بل لأنه داعية مؤثر في أوساط الشباب خرج عليهم مفتول العضلات لبق الكلمات في حُلة جديدة وإهاب جديد يختلف كثيرا عن الأزهري التقليدي المعمّم. وقد أبهر كثيرا من الشباب عند ظهوره وصار له محبون ومريدون من كل البلاد العربية وغير العربية. فالداعية محل البحث والدراسة يُعد شخصية عامة وان شئت قل “قدوة” في الأوساط الشبابية لا لعلم معتبر او مصنفات مطبوعة بل لأنه “داعية شاب” بزغ نجمه في دوائرهم وعلى المنصات والفضائيات حيث الساحة فارغة من هذا النمط والنفوس متعطشة لهذا الصنف الذي يلقى قبولا عند شباب اليوم.
الإشكال أن الداعية عبدالله رشدي لم يوفق لسد هذا النقص ولم يستغل مكانته هذه بما ينفع جمهوره ويرتقي بهم كتقديم محتوى منهجي موجه للشباب وقريب من أفهامهم. لكن الأمر أكبر منه بكثير كفرد والتيار جارف لا تصمد أمامه المؤسسات ناهيك عن أفراد بجهود مشرذمة. فبدلا من أن يؤثر فيهم تأثر بهم سلبا سعيا وراء المحتوى الرائج “الترند” الذي يولي اهتماما بالغا للإثارة لا الإنارة.
فما بين شعار “الازهر قادم” وشعارات أخرى وقضايا كلامية جدلية أخرى يثيرها الداعية الجدلي بين الفينة والأخرى كثير يُروى وكثير يُطوى. فهل ثمة أسرار وراء ذلك كله؟ هل من حلقة مفقودة لفهم الدواعي لمثل هذه “التحولات”؟
قبل كل شيء، يجب أن ندرك أن عبدالله رشدي، بحق وبامتياز، أنموذج فريد معاصر للداعية الشعبوي المتفيقه، تغذى على أمية البسطاء وازدهر في أوساط العوام الملتفين حوله خصوصا الشباب. أنموذج فعلا يليق بالمرحلة الحالية الحالكة مثله مثل غيره ممن تصدروا في الساحة الدعوية الافتراضية.
ولما لا فالعامة بطبعهم يحبون المناظرات ويعجبهم أسلوب قصف الجبهات والمناكفات كالتي في المبارايات الرياضية والدعوة عندهم نوع من السجالات الكلامية، فيعشقون “الفوضوي بطبعه” مثلهم ويعتبرون”عشوائي الفكر” واحدا منهم معبرا عنهم.
ولمعرفة طبيعة الحالة النفسية للداعية يستلزم معرفة نشأته وأثرها في تكوين شخصيته ومراجعاته الفكرية وتحولاته وميوله وافكاره وانتمائاته المستغربة عند الكثير. نعم، الكثير تعجب كل العجب عقب تحول الداعية عبد الله رشدي من ولائه للأزهر الشريف وكونه أحد أئمة مساجد آل البيت وتبنيه قضايا الأزهر العقدية والفكرية إلى نشره لأفكار فرق “السلفية المعاصرة” أو “الوهابية” وتبنيه لمقالاتهم ودفاعه عنهم وظهوره بلا خجل في لقاءاتهم ومع رموزهم. لا بأس في ذلك، الرجل يملك مطلق الحرية والارادة في الميل إلى أي جانب يريد والجنوح لأي معتقد يقتنع به.
لكن السؤال هنا: هل ما عليه الان هو تحول فكري في مساره أم نزوة ثورية جراء ماحدث له مع الازهر والأوقاف من خلاف؟!
الحق كل الحق أن الداعية عبدالله رشدي لم يتغير ولم يتحول أو يتراجع عن فكره بل رجع الى أصله الذي كان عليه منذ البداية وتربى عليه منذ الصغر على يد أبيه الشيخ محمد رشدي السعداوي. الداعية عبدالله رشدي حاول أن يرتدي قناعا لا يليق عليه وليس حريٌ به. حاول أن يقف موقف الازهري المدافع عن الأزهر لكن بأسلوب الفرق والجماعات ذات الطابع الاستعدائي الاستهزائي على عكس منهج الازهري العقلاني. في بداياته مالئ القوم تقية ليجد مكانه في المجتمع ثم لما نبذوا فكره وعابوا أسلوبه ظهرت سريرته وبانت حقيقته. وهاهو يعود أدراجه لفكره الذي تربى عليه ونشأ فيه بل ودرس أصوله وتشبع بها.
وهنا يزول العجب فليس كل مايلمع ذهبا وليس كل مدعٍ صادق.
والداعية عبدالله رشدي نفسه رمز لعشوائية فكرية تضرب بأطنابها في كافة مناحي الفكر والثقافة والدين في ظل مجتمع متخبط يؤثر فيه ويتأثر به. الرجل معذور في كثير مما وصل اليه ونحن كذلك معذورن فيما وصلنا اليه.