حكم استعمال الدف ذي الجلاجل في الحفلات الدينية


بقلم الشيخ: (نور عبدالبديع حمودة الأزهرى الشافعي)
إمام وخطيب بوزارة الأوقاف

 

المقدمة:
الحمد لله الذي وسع شرعه العقول، وجعل الخلاف رحمة، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، خير من بيَّن الحلال والحرام، وعلى آله وصحبه الكرام، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

كثُر الحديث في هذا الزمان عن بعض المظاهر المرتبطة بإظهار الفرح والسرور في المناسبات الدينية، كالموالد النبوية، أو في المناسبات الاجتماعية كالأعراس والولائم. ومن جملة هذه المظاهر: ضرب الدف المصحوب بالجلاجل. وقد استنكر بعض الناس ذلك، بل وصفه بعضهم بالبدعة والضلال دون علم ولا روية، وهذا من التسرع في الفتيا والجرأة على أهل العلم.

لذا وجب البيان المؤصل من أقوال الفقهاء المعتبرين، خاصة من مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه، ليتبين وجه المسألة بعيدًا عن التعصب أو الغلو.

أولاً: حكم ضرب الدف في المناسبات الدينية والاجتماعية

قال الإمام النووي رحمه الله في كتابه [منهاج الطالبين]:
“ويجوز دُفٌّ لِعُرْسٍ وخِتَانٍ، وكذا غيرهما في الأصح، وإن كان فيه جلاجل”.

فقد نص صراحة على جواز ضرب الدف، حتى وإن كان فيه جلاجل، وذلك في العرس والختان، وغيرهما من المناسبات، كالعيد والقدوم من السفر، والولادة، وغيرها.

ثانياً: شرح العلماء لهذا النص وتأييده بالأحاديث النبوية

قال الإمام الخطيب الشربيني في شرحه لهذا الموضع في [مغني المحتاج]:
“(وكذا غيرهما) أي العرس والختان، مما هو سبب لإظهار السرور كولادة، وعيد، وقدوم غائب، وشفاء مريض، (في الأصح)…”.

ثم استشهد بحديث صحيح رواه الترمذي وابن حبان:
“أن النبي ﷺ لما رجع إلى المدينة من بعض مغازيه؛ جاءته جارية سوداء، فقالت: يا رسول الله، إني نذرت إن ردك الله سالمًا أن أضرب بين يديك بالدف. فقال لها: (إن كنت نذرتِ؛ فأوفي بنذرك)”.

وهذا الحديث صريح في جواز ضرب الدف في مناسبة دينية، وهي عودة النبي ﷺ سالمًا من الغزو، وفيه دليل على أن الدف مشروع في غير العرس أيضًا.

ثالثًا: مسألة الجلاجل داخل الدف

قال الخطيب الشربيني:“(وإن كان فيه) أي الدف (جلاجل) لإطلاق الخبر، ومن ادعى أنها لم تكن بجلاجل فعليه الإثبات”.

ثم ذكر تنبيهًا مهمًا في تحديد معنى الجلاجل:
قال ابن أبي الدم: “المراد به الصنوج، جمع صنج، وهي الحلق التي تجعل داخل الدف، والدوائر العراض التي تؤخذ من صفر وتوضع في خروق دائرة الدف”.
فهذا يوضح أن الجلاجل المقصودة ليست آلات موسيقية مستقلة، بل هي جزء من الدف المألوف المعروف.

رابعًا: هل يختص جواز ضرب الدف بالنساء؟

قال الإمام ابن حجر الهيتمي في [تحفة المحتاج بشرح المنهاج]: “ولا فرق بين ضربه من رجل أو امرأة، وقول الحليمي: (يختص حله بالنساء)؛ رده السبكي”.

ففي هذا رد على من قصر جواز الدف على النساء فقط، إذ أقر ابن حجر تبعًا للسبكي بأن الرجال يجوز لهم استعمال الدف كذلك في المناسبات المذكورة.

خامسًا: تفصيل البلقيني في ضرب الدف في مقدم العلماء أو الصالحين

أضاف الإمام البلقيني رحمه الله تفصيلًا نفيسًا بقوله: “واستثنى من محل الخلاف ضرب الدف في أمر مهم، من قدوم عالم، أو سلطان، أو نحو ذلك”.

وهذا يدل على أن ضرب الدف في مقدم العلماء والأولياء والصالحين، بل والسلاطين إذا كان من باب الفرح والاحترام، له وجهٌ معتبرٌ في المذهب.

الخلاصة
:

ضرب الدف جائز في العرس والختان والعيد والموالد، وغيرها من مظاهر السرور، في أصح قولي الشافعية.

وجود الجلاجل داخل الدف لا يمنع من جوازه، وقد نص العلماء على ذلك صراحة.

جواز الضرب بالدف لا يختص بالنساء، بل يجوز للرجال أيضًا.

من شنّع على من فعل ذلك، فقد خالف أقوال الأئمة المحققين، ووقع في الغلو في الدين، والتنطع في غير محله.

ختامًا:
دين الإسلام دين يسر وسماحة، وقد شرع الله الفرح والسرور في مواضع، وجعل لها مظاهر وألوانًا، شريطة أن لا تخرج عن حدود الشرع. وضرب الدف في المناسبات الدينية والاجتماعية، مع الالتزام بالآداب الشرعية، لا يُعد بدعة، بل هو من الأمور الجائزة بإجماع طائفة من الفقهاء.

قال رسول الله ﷺ: “إن هذا الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وأبشروا”. [رواه البخاري].

والله أعلم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.