بقلم د : مصطفى طاهر رضوان
مدرس العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر الشريف
من المعلوم أن الصلاة على سيدنا رسول الله ﷺ من أعظم القربات، وأرفع الطاعات، وقد كفى شرفها أنها جاءت في خطاب إلهي عظيم: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.
وقد سأل الصحابة الكرام النبيَّ ﷺ: يا رسول الله كيف نصلي عليك؟ فأرشدهم صلوات الله عليه إلى الصيغة الإبراهيمية، وهي التي نقولها في النصف الثاني من التشهد، وتُعدُّ أبلغ وأصح ما ورد في الباب.
والسؤال الآن: هل يجوز للمسلم أن يُصلي على النبي ﷺ بصيغ غير تلك الواردة في الأحاديث؟
وما حكم الصلاة عليه بالصيغ المنتشرة بين الناس؛ كالصلاة التفريجية، والصلاة الشافية التي تتضمن وصف النبي صلى الله عليه وآله وسلم بطبِّ القلوبِ ودوائِها، حيث ظهر من يبدِّع هذه الصيغ، بل ويَتَّهِمُ قائلَهَا بالشّرك والكفر؟!.
الجواب عند أهل العلم المحققين بإيجاز:
أولًا: إن الأصل في الصلاة على النبي ﷺ أنها عبادةٌ مفتوحة الألفاظ والمعاني، ما دامت خالية من المحظور الشرعي، وقد أمر الله عبادَه المؤمنين بالاعتناء بإظهار شرف نبيّه المبين، وتعظيم شأن سيّد المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم وعليهم أجمعين، واستغراق الوسع في ذلك بالمدح وكثرة الثناء، وتمام المتابعة والاقتداء.
ثانيًا: إنَّ إحسان الصلاة يحصّل بكل ما يؤكد مقاصدها ويبلغ مرادها، ويفصح عن الشرف النبوي، ويبين مظاهر الكمال المحمدي، اعتناءً واقتداءً وتمجيدًا وثناءً، وفي ذلك إذنٌ بالصلاة عليه بكل ما يمكن ذكره به من صيغٍ حسان، وأوصافٍ ومعان، وإذنٌ باستحداث ما يستطاع من الصيغ الفصيحة المعبرة عن ذلك؛ على وسع ما تصل إليه بلاغة المرء في التعبير اللائق عن خير الخلائق صلى الله عليه وآله وسلم من غير تقيد بالوارد؛ كما قرره المحققون ودرج عليه العلماء والصالحون، سلفًا وخلفًا من غير نكير؛ حتى فعل ذلك الصحابة والتابعون، وتتابع عليه العلماء والأولياء والعارفون، عبر الأعصار والقرون، وتفنن علماء الأمة وأولياؤها وعارفوها في صيغ الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم نثرًا ونظمًا بما لم تبلغه أمة من الأمم في حق نبي من الأنبياء صلى الله عليهم وسلم.
ثالثًا: الصيغ المأثورة عن النبي ﷺ أولى وأفضل، لكن كما قلتُ فإن غيرها جائز إذا تحققت الضوابط.
رابعًا: القول بجواز استحداث الصيغ الجديدة، إنما ينبني على أن المراد من الصلاة هو:
تعظيم الجناب النبوي،
واستحضار شرف المصطفى ﷺ،
والتعبير عن المحبة والولاء له،
وذلك كلُّه متحققٌ في صيغ كثيرة أنشأها أهل الله من العلماء والعارفين، فظهرت في الأمة صيغ شتّى، لا تنكرها الشريعة، بل تدل عليها مقاصدها.
فمن ذلك: