الفقر عند سيدي برهان الدين أبو الإخلاص رضي الله عنه
2 يونيو، 2025
منهج الصوفية

يقدمها لكم : الشيخ السيد محمد البلبوشي
خويدم الطريقة الإخلاصية – خطيب بوزارة الأوقاف
قَالَ اللهُ تَعَالَى :﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الفُقَرَاءُ إِلَى اللهِ ﴾.
( تَحْقِيقٌ ) حَقِيقَةُ الفَقْرِ فِى ظَاهِرِ الطَّرِيقَةِ غَيْرُ مَا هُوَ بَاطِنُ الحَقِيقَةِ ، فَالظَّاهِرُ فَقْرُ الزُّهَّادِ مِنَ الأَعْرَاضِ الدُّنْيَوِيَّةِ ، وَالبَاطِنُ فَقْرُ الأَفْرَادِ مِنَ الأَغْرَاضِ الأُخْرَوِيَّةِ شُغْلَاً بِاللهِ عَمَّا سِوَاهُ لِمَنْ شَهِدَ ذَلِكَ وَرَآهُ .
( تَدْقِيقٌ ) تَفَاخَرَ الغِنَى مَعَ الفَقْرِ، فَقَالَ الغِنَى : ( أَنَا وَصْفُ الرَّبِّ الكَبِيرِ ، فَمَا أَنْتَ أَيُّهَا الحَقِيرُ) ، فَقَالَ الفَقْرُ 🙁 لَوْلَا وَصْفِى لَمَا تَمَيَّزَ وَصْفُكَ ، وَلَوْلَا تَوَاضُعِى مَارُفِعَ قَدْرُكَ ، فَأَنَا وَصْفِى وُسِمَ بِذُلٍّ العُبُودِيَّةِ ، وَأَنْتَ وَصْفُكَ نَازَعَ الرُّبُوبِيَّةَ ، وَمَنْ نَازَعَ قُصِمَ ، وَمَنْ سَلَّمَ سَلِمَ ).
( تَحْقِيقٌ ) التَبَسَ حَالُ الفَقِيرِ عَلَى غَيْرِ النَّبِيهِ ، فَقَالَ: الفَقِيرُ غَيْرُ الفَقِيهِ ، وَمَا عَلِمَ أَنَّ الرَّاءَ هِى الهَاءُ.
إِنَّ الفَقِيرَ هُوَ الفَقِيهُ وَإِنَّمَا رَاءُ الفَقِيرِ تَجَمَّعَتْ أَطْرَافُهَا
( تَدْقِيقٌ ) الفَقِيرُ الفَقِيهُ مَنْ حَطَّ حِمْلَ الرِّحَالِ عَلَى أَعْتَابِ الرِّجَالِ حَتَّى أَرْضَعَتْهُ طَرِىَّ لَبَنِ الصُّدُورِ ، وَأَغْنَتْهُ عَنْ قَدِيدِ مَيِّتِ السُّطُورِ ، فَانْتَصِحْ يَافَقِيهَ القَالِ ، وَاسْمَعْ يَافَقِيرَ الحَالِ ، وَافْنَ بِاللهِ عَنِ الرُّسُومِ ، وَاخْرُجْ عَنْ كُلِّ مَعْلُومِ ، يَافَقِيهَ الجِدَالِ ، هَذَا الجِدَّالُ ادْخُلْ حَانَ أَخْيَارِنَا ، نُصَيِّرْكَ مِنْ أَحْبَارِنَا، وَنَسْقِيكَ صَافِىَ الشَّرَابِ بَعْدَ نَقِيعِ السَّرَابِ ، يَافَقِيهَ النَّقْلِ، يَامَعْقُولَ العَقْلِ، سَتَرَ عَنْكَ نُورَ الكَشْفِ حِجَابُ أَنِيَّتِكَ العَقْلِيَّةِ ، وَالذَّوْقُ غَيَّرَ طَعْمَهُ عِنْدَكَ مَرَارَةُ العُلُومِ النَّقْلِيَّةِ ، يَافَقِيهَ الاسْمِ دُونَ المُسَمَّى ، الغَلَطُ أَوْجَبَهُ تَشَابُهُ الأَسْمَا ، لَوْ عَرَفْتَ مَعْنَى الفَقِيرِ وَالفَقِيهِ كُنْتَ الحَاذِقَ النَّبِيهَ ، الفَقِيهُ مَنْ فَقِهَ عَنِ اللهِ ، وَفَنَى بِهِ عَمَّن سِوَاهُ ، فَلَوْ كُنْتَ بِهَذَا الوَصْفِ كُنْتَ الفَقِيرَ صِدْقَاً وَالفَقِيهَ عِنْدَ اللّهِ حَقّاً .
( تَحْقِيقٌ ) فَضَّلَ قَوَّمٌ الغِنَى عَلَى الفَقْرِ ، وَعَكَسَ آخَرُونَ الأَمْرَ ، وَالحَقُّ أَنَّ غِنَى النَّفْسِ بِالأَعْرَاضِ البَشَرِيَّةِ لَايُخْرِجُهَا عَنِ افْتِقَارِ صِفَاتِهَا الذَّاتِيَّةِ .
( تَدْقِيقٌ ) مَنِ ادَّعَى الغِنَى ، وَقَعَ فِى العَنَا ، بِخِلَافِ مَنْ أَظْهَرَ الفَقْرَ ، فَإِنَّهُ خَلَصَ مِنَ الأَمْرِ .
( تَحْقِيقٌ ) الفَقِيرُ مَنِ اتَّصَفَ بِحَقِيقَةِ الاِفْتِقَارِ ، عَنْ إِرَادَةٍ مِنْهُ وَاخْتِيَارٍ ، لَا عَنْ ضَرُورَةِ رَدَّتهُ لِمرْكَزِ الاضْطِرارِ .
( تَدْقِيقٌ ) مَنِ اسْتَكْبَرَ بِوَصْفِ الغِنَى عَلَى الفَقِيرِ ، اسْتَوْجَبَ حُكْمَ العَكْسِ مِنَ القَدِيرِ .
أَلَم تَرَ أَنَّ الفَقْرَ يُرْجَى لَهُ الغِنَى وَأَنَّ الغِنَى يُخْشَى عَلَيْهِ مِنَ الفَقْرِ
( تَحْقِيقٌ ) سِمَةُ الفَقْرِ سِمَةُ الأَحْبَابِ ، وَحِلْيَتُهُ حِلْيَةُ العَبْدِ الأَوَّابِ ، مَنْ لَبِسَ أَسْمَالَهُ كَانَ ذَلِكَ وَسْمَاً لَهُ فِى وُجُودِ أَهْلِ القَبُولِ ، وَلَهُم مِنَ اللهِ نَيْلُ المَسْئُولِ .
وُجُوهُ عَلَيْهَا لِلْقَبُولِ عَلامَةٌ وَلَيْسَ عَلَى كُلِّ الوُجُوهِ قَبُولُ
( تَدْقِيقٌ ) مَنِ افْتَخَرَ عَلَى الفُقَرَاءِ بِمَالِهِ أَوْ تَبَاهَى عَلَيْهِم بِجَمَالِهِ، افْتَقَرَ وَعَادَ وَقَدِ انْكَسَرَ .
لَاتَفْخَرَنَّ بِمَا أُوتِيتَ مِنْ نِعَمٍ عَلَى سِوَاكَ وَخَفْ مِنْ كَسْرِ جَبَّارِ
فَأَنْتَ فِى الأَرْضِ بِالفَخَّارِ مُشْتَبِهٌ مَا أَسْرَعَ الكَسَرَ فِى الدُّنْيَا لِفَخَّارِ
( تَحْقِيقٌ ) جَوَاهِرُ مَعَانِى الزَّمَانِ أَنْفَسُ مِنْ أَنْ تُضَيِّعْهَا فِى الهَذَيَانِ ، فَيَالِلَّهِ العَجَبُ مِمَّنْ عُمْرُهُ انْقَضَى وَذَهَبَ فِى جَمْعِ الفِضَّةِ وَالذَّهَبِ ، وَهُوَ بِمَا جَمَعَ فَقِيرٌ لَيْسَ لَهُ نَصِيرٌ .
وَمَن يُنْفِقِ السَّاعَاتِ فِى جَمْعِ مَالِهِ مَخَافَةَ فَقْرٍ فَالَّذِى فَعَلَ الفَقْرُ
( تَدْقِيقٌ ) مَنِ افْتَقَرَ إِلَى اللهِ اسْتَغْنَى بِهِ عَنْ كُلِّ شَئٍ وَمَنِ اسْتَغْنَى عَنْهُ افْتَقَرَ إِلَى كُلِّ شَئٍ ، وَمَنِ افْتَقَرَ إِلَى كُلِّ شَئٍ فَقَدْ أَوْحَشَهُ كُلُّ شَئٍ ، وَلَمْ يَتَعَوَّضْ عَنِ اللهِ بِشَئٍ مِنْ كُلِّ شَئٍ .
لِكُلِّ شَئٍ إِذَا فَارَقْتَهُ عِوَضٌ وَلَيْسَ لِلَّهِ إِنْ فَارَقْتَ مِنْ عِوَضِ
( تَحْقِيقٌ ) خَاصِّيَّةُ مِغْنَاطِيسِ فَقْرِ الذَّاتِ ، هِىَ الجَاذِبَةُ لِلْعَطَايَا وَالهِبَاتِ ، فَمَنْ كَانَ وَصْفُ افْتِقَارِهِ أَكْثَرُ ، كَانَ نَصِيبُهُ أَجْزَلُ وَأَكْبَرُ .
( تَدْقِيقٌ ) اخْتِصَاصُ الفُقَرَاءِ بِالسُّؤَالِ ، خُصُوصِيَّةٌ لَهُم فِى الحَالِ وَالمَآلِ ، يَعْرِفُهَا مَنْ وَجَدَ ثَمَرَ المَطَالِبِ ،قُضِيَتْ لَهُ الحَاجَاتُ وَالمَآرِبُ .
( تَحْقِيقٌ ) اتِّصَافُ الرَّبِّ سُبْحَانَه بِوُجُودِ الغِنَى المُطْلَقِ ، هُوَ الَّذِى أَوْجَبَ لَنَا الفَقْرَ المُحَقَّقَ ، وَبِهَذَا الاتِّصَافِ حَصَلَتِ الأَلْطَافُ ، لِأَنَّ مِن رَحْمَةِ الغَنِىِّ أَن يَجُودَ عَلَى الفَقِيرِ ، وَيَجْبُرَ المِسْكِينَ الكَسِيرَ .
( تَدْقِيقٌ ) مَا أَتَى بَابَ الغَنِىِّ الكَرِيمِ فَقِيرٌ فَخَابَ ، وَلَا قَصَدَ حِمَاهُ فَغَلَّقَ دُونَهُ الأَبْوَابَ .
عَلَى بَابِكَ الأَعْلَى مَدَدْتُ يَدَ الرَّجَا وَمَنْ جَاءَ هَذَا البَابَ لَاَ يَخْتَشِى الرَّدَى