بقلم . د : إبراهيم المرشدي الأزهري
إمام وخطيب بوزارة الأوقاف والمدرس بجامعة نور مبارك بكازاخستان
يمكن بيان ذلك في نقاط مهمة:
أولًا: الحديث الذي ورد في المسألة: نصه: «مَنْ قَامَ لَيْلَتَيْ الْعِيدَيْنِ مُحْتَسِبًا لِلَّهِ، لَمْ يَمُتْ قَلْبُهُ يَوْمَ تَمُوتُ الْقُلُوبُ» وله ألفاظ أخرى قريبة من هذا.
وهذا الحديث رواه ابن ماجه في سننه (1782)، والطبراني في الأوسط (159)، والبيهقي في “السنن الكبرى” (6293)، والمروزي في “البر والصلة” (63) بلاغًا عن ابن المبارك، وابن الأعرابي في معجمه مرفوعًا (2252)، والأصبهاني في “الترغيب والترهيب” (373) وغيرهم.
والصحيح أنه لا يصح رفعه، فكل طرقه ضعيفة كما جزم شيخ الإسلام النووي وغيره، والمحفوظ أنه موقوف على مكحول وابن المبارك رضي الله عنهما.
وحسَّنه بعضهم بشواهده الواردة عن السلف في إحياء ليلتي العيد، “قال الحافظ الدمياطي في “المتجر الرابح” (743): “رواه ابن ماجه من طريق بقية بن الوليد وهو مدلس، وبقية رجاله ثقات”، وحسنه ابن مفلح الحنبلي في “الفروع”.
ولشدة الاعتناء به وبجمع شواهده بوَّب بعض أئمة الحديث له ولنظائره بابًا مستقلًّا، كما فعل ابن ماجه في سننه: “باب فيمن قام ليلتي العيدين”، والبيهقي في السنن الكبرى: “باب عبادة ليلة العيدين”، والمروزي في “مختصر قيام الليل” باب: قيام ليلة العيد، والأصبهاني في الترغيب والترهيب: “فصل في فضل ليلتي العيد”، والهيثمي في مجمع الزوائد: “باب إحياء ليلتي العيد” وغيرهم.
ثانيًا: حكم إحياء ليلتي العيدين عند أئمة المذاهب من علماء المذاهب الأربعة.
مع أن الحديث الوارد ضعيف إلا أنَّ إطباق الأئمة على استحباب إحياء ليلتي العيد هو الأصل المتفق عليه بين أئمة المذاهب الأربعة المتبوعة، خلافًا للوهابية المعاصرة الذين خرجوا على اتفاق الأمة قاطبة، قال الخطيب الشربيني في “مغني المحتاج” (1/ 592): “وَأَسَانِيدُهُ ضَعِيفَةٌ، وَمَعَ ذَلِكَ اسْتَحَبُّوا الْإِحْيَاءَ لِأَنَّ الْحَدِيثَ الضَّعِيفَ يُعْمَلُ بِهِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ”. وقال ابن الحاج المالكي: “وقد استحب العلماء ذلك في جميع الأقطار” وإليك بعض أقوالهم مما يدلل على ما أقول:
المذهب الحنفي: قال العلامة البدر العيني في “البناية شرح الهداية” (2/ 521): “ويستحب إحياء ليلتي العيدين”. وقال ابن نجيم في “البحر الرائق شرح كنز الدقائق” (صـ 93): “ومن المندوبات: إحياء ليالي العشر من رمضان وليلتي العيدين وليالي عشر ذي الحجة وليلة النصف من شعبان كما وردت به الأحاديث وذكرها في الترغيب والترهيب مفصلة “.
المذهب المالكي: قال ابن الحاج المالكي في “المدخل” (4/ 232): “وينبغي للحاج أن يحيي ليلة العيد بالصلاة. وقد كان عبد الله بن عمر يقوم تلك الليلة كلها وكذلك غيره. وقد استحب العلماء ذلك في جميع الأقطار. لما ورد في الحديث «من أحيا ليلتي العيد أحيا الله قلبه يوم تموت القلوب»”.
وجاء في “الشامل في فقه الإمام مالك” (1/ 142): “ويستحب إحياء ليلتها وإقامتها لمن فاتته، ولمن لا تلزمه فذًّا، وكذا جماعة على الأصح فيهما”.
وفي التاج والإكليل لمختصر خليل” (2/ 574): “(وندب إحياء ليلته) روى أبو أمامة: «من أحيا ليلتي العيد لم يمت قلبه يوم تموت القلوب».
المذهب الشافعي: قال الإمام النووي في “المجموع” (4/ 45): “واتفق أصحابنا على إحياء ليلتي العيدين والله أعلم”. وقال في “روضة الطالبين” (2/ 75): “وَيُسْتَحَبُّ اسْتِحْبَابًا مُتَأَكَّدًا، إِحْيَاءُ لَيْلَتَيِ الْعِيدِ بِالْعِبَادَةِ”. وجاء في “الإقناع” (1/ 188): “وَينْدب إحْيَاء لَيْلَة الْعِيد بِالْعبَادَة وَيحصل ذَلِك بإحياء مُعظم اللَّيْل”.
المذهب الحنبلي: قال أبو علي الهاشمي في “الإرشاد” (صـ 535): “وقيام الليل من النوافل المرغب فيها. وأفضل الليل آخره. و “من أحيا ليلتي العيدين لم يمت قلبه يوم تموت القلوب”. وفي قيام أول ليلة من رجب، وليلة النصف من شعبان، وليلة عاشوراء فضل عظيم”.
وقال ابن مقلح في “المبدع شرح المقنع” (2/ 32): “وَلَيْلَةَ الْعِيدَيْنِ فِي رِوَايَةٍ، وَقَالَ: جَمْعٌ؛ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «مَنْ قَامَ لَيْلَتَيِ الْعِيدَيْنِ مُحْتَسِبًا لَمْ يَمُتْ قَلْبُهُ يَوْمَ تَمُوتُ الْقُلُوبُ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ، وَفِيهِ بَقِيَّةُ، رِوَايَتُهُ عَنْ أَهْلِ بَلَدِهِ جَيِّدَةٌ؛ وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ”.
وقال صاحب “الحاوي في الفقه على مذهب أحمد” (صـ 359): “وفي استحباب اجتماع ليلتي العيدين للصلاة جماعة إلى الفجر: روايتان. ويجوز كل نفل جماعة وفرادى. وقيل: يكره جماعة؛ لأنه لم يرد بها أثر”.
ثالثًا: بم يحصل الإحياء؟
اختلف العلماء فيما يحصل به الإحياء على ثلاثة أقوال: الأول: بالحرص على صلاة العشاء والفجر في جماعة. الثاني: أنه لا يحصل إلا بمعظم الليل. الثالث: يحصل ببعضه ولو بساعة منه.
#رابعًا: هل يجوز جمع الناس لإحيائها في المسجد؟
كره ذلك بعض الفقهاء كالحنفية، ورواية عن الإمام أحمد، واستحب ذلك الشافعية والمالكية وبعض الحنابلة، قال الإمام الشَّافِعِي كما في “البدر المنير” (5/ 40): وَأَخبرنا إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد قَالَ: رَأَيْت مشيخة من خِيَار أهل الْمَدِينَة يظهرون عَلَى مَسْجِد رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة الْعِيدَيْنِ فَيدعونَ ويذكرون الله تَعَالَى حَتَّى تذْهب سَاعَة من اللَّيْل.
قَالَ الشَّافِعِي: وبلغنا أَن ابْن عمر كَانَ يحيي لَيْلَة النَّحْر. قَالَ الشَّافِعِي: وَأَنا أستحب كل مَا (حكيت) فِي هَذِه اللَّيَالِي من غير أَن يكون فرضا