ضيق الصدر.. حين تعجز النفس ويُضيء النور من السماء
1 يونيو، 2025
منبر الدعاة

بقلم فضيلة الشيخ : ايهاب توفيق عبد الفتاح
( امام وخطيب بالاسكندرية )
المقدمة:
رحلة إلى راحة القلب بعلاج قرآني ونبوى
كثيرٌ من الناس يمرّون بلحظات ضيقٍ وكآبة لا يعرفون لها سببًا..
ينامون متألمين، ويستيقظون دون طاقة، يتأوهون في صمت: “مش قادر.. قلبي مخنوق!”
ولكن.. هل خطر في بالك أن هذا الشعور قد مرّ به خير الخلق محمد ﷺ؟
وأن الله سبحانه وضع لك الدواء في كتابه؟
وأن أولياء الله العارفين بالله، ذاقوا هذا الضيق ثم دلّونا على الطريق؟
تعال نفتح المصحف، نقرأ السنّة، وننهل من كلام القوم.. لعلنا نرتاح.
أولًا: ما معنى “ضيق الصدر”؟
قال الله تعالى:”وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّ صَدْرَكَ يَضِيقُ بِمَا يَقُولُونَ” (الحجر: 97)
أي يا محمد، نعلم أنك تتألّم من تكذيبهم وأذاهم، ولكن لك في الله عون.
وقال سبحانه:”فمن يُرِدِ اللهُ أن يهديه يشرح صدره للإسلام، ومن يُرِد أن يُضله يجعل صدره ضيقًا حرجًا كأنما يصعد في السماء” (الأنعام: 125)
فالضيق حالة قلبية وروحية، قد تكون لأسباب ظاهرية أو غيبية، والعلاج يبدأ من الداخل.
ثانيًا: لماذا يضيق الصدر؟
الذنوب والمعاصي:
قال تعالى:”كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ” (المطففين: 14)
قال الإمام القرطبي: “الرّان هو ما يغشى القلب من السواد بسبب الذنوب، فيجعله ضيقًا لا ينشرح للخير.”
قلة الذكر والانشغال بالدنيا:
قال الله تعالى:”وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا” (طه: 124)
كثرة الهموم وعدم التوكل:
قال ﷺ:”من جعل الهموم همًا واحدًا، كفاه الله هم دنياه، ومن تشعبت به الهموم لم يبال الله في أي أوديته هلك.”(رواه ابن ماجه)
الابتلاء والاختبار:
فالله تعالى يختبر عباده بالضيق ليرجعوا إليه، لا ليعذبهم.
ثالثًا: العلاج من القرآن
الذِّكر:
“أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ” (الرعد: 28)
وقال الإمام الشافعي: “دواء القلب خمسة: تلاوة القرآن، وقيام الليل، ومجالسة الصالحين، وذكر الله، وقلة الطعام.”
القرآن نفسه شفاء:
“وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ” (الإسراء: 82)
الصبر والتسليم لأمر الله:
“فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ۖ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ” (يوسف: 18)
التوبة والاستغفار:
“اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ… يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا” (نوح: 10–11)
قال بعض المفسرين: حتى راحة القلب تُرسَل على المستغفرين.
رابعًا: العلاج من السنة النبوية
دعاء النبي ﷺ في الكرب:
“اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والبخل والجبن، وغلبة الدين وقهر الرجال.”(رواه البخاري)
الاستغفار واللجوء إلى الله:
“من لزم الاستغفار، جعل الله له من كل هم فرجًا، ومن كل ضيق مخرجًا.”(رواه أبو داود)
الصلاة والوقوف بين يدي الله:
“وكان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة.”(رواه أحمد)
دعاء النبي ﷺ عند الشدة:
“اللهم رحمتك أرجو، فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين…”(رواه أحمد)
خامسًا : الذكر والانشغال بالله هو أصل الراحة.
قال الإمام ابن عطاء الله السكندري:”ما نفع القلب شيء مثل عزلة يدخل بها ميدان فكرة.”
ومن حكمه أيضًا:”إذا أردت أن يفتح الله لك باب الرجاء، فاشهد ما منه إليك، وإذا أردت أن يفتح لك باب الخوف، فاشهد ما منك إليه.”
يعني: راقب عطايا الله، لا تقصيرك، تجد قلبك يرتاح.
وقال الإمام الغزالي في “إحياء علوم الدين”:”إذا أظلم القلب، فذاك من الذنب، وإذا انشرح، فذاك من التوبة والصدق.”
أما الإمام الشعراوي فقال:”الضيق النفسي نداء من الروح أنك بعيد عن المصدر، فارجع إلى الله.”
وكان الصالحون يقولون:”كلما ازدادت الدنيا ضيقًا، وسّعناها بالصلاة والذكر.”
سادسًا: نصائح عملية تريح القلب
-
لا تترك أذكار الصباح والمساء أبدًا.
-
خُذ وردًا يوميًا من القرآن، حتى لو صفحة واحدة.
-
خُذ وقتًا للجلوس مع الله بلا هواتف، في سكون.
-
لا تستعجل الفرج، فإنه آتٍ، ولكن بلُطف وتدرّج.
إذا شعرت بالضيق: توضأ، صلِّ ركعتين، وادعُ بهذا الدعاء:
“اللهم إني عبدك، ابن عبدك، ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماضٍ فيّ حكمك، عدل فيّ قضاؤك…” (حديث نبوي شريف يُقرأ عند الكرب)
سابعًا: دعاء ختامي مؤثر
اللهم يا فارج الهم، ويا كاشف الغم، ويا مجيب دعوة المضطرين، اللهم اجعل لنا من كل ضيق فرجًا، ومن كل هم مخرجًا، ومن كل بلاء عافية. اللهم اجعل صدورنا منشرحة بذكرك، وقلوبنا مطمئنة برضاك، وارزقنا لذة القرب منك، وأعذنا من ضيق الدنيا وضيق القبر وضيق يوم العرض، برحمتك يا أرحم الراحمين.
ختامًا:
إذا ضاق صدرك، فلا تظن أن الله نسيك، بل لعله ناداك لتعود..
فارجع، وافتح قلبك للنور.. فإن الشفاء في آية، والطمأنينة في سجدة، والانشراح في لحظة صدق مع الله.