بحث مهم في : حب التناهي شطط .. خير الأمور الوسط .. وبيان قيمة الوسطية

بحث مهم في : حب التناهي شطط .. خير الأمور الوسط .. وبيان قيمة الوسطية
لفضيلة الشيخ : رضا الصعيدى

لتحميل المبحث pdf اضغط على الرابط أدناه
حب التناهي شطط خير الامور الوسط وبيان قيمة الوسطية

ما معنى الوسطية في الإسلام؟وما أهميتها في ضوء القرءان والسنة ؟ وكيف كان الفكر الوسطي راحة في شئون الدين والحياة ؟ مع ذكر مواقف من حياة الرسول والسلف الصالح؟ وكيف كانت الوسطية أعجازا في الكون والأنفس ؟ وما الواجب علينا؟

تنبيه  هام :خذ ما يكفيك في حدود الوقت المتاح .

قال العلماء: ما أمر الله بأمر إلا وللشيطان فيه نْزغتان:إما إلى تفريط وإضاعة, وإما إلى إفراط وغلو. ودين الله وسط بين الجافي عنه, والغالي فيه, كالوادي بين جبلين, والهُدَى بين ضلالتين, والوسطِ بين طرفين ذميمين. فكما أن الجافي عن الأمر مضيع له, فالغالي فيه مضيع له, هذا بتقصيره عن الحد وهذا بتجاوزه الحد .

بل أمر الشرع بنقيض الغلو والتشدد ؛ وهو اليسر . وذلك رحمةً بعباده ولطفَه بهم ، وهو مقتضى اتصافه تعالى بصفات الرحمة ،والرأفة ،والرفق ، واللطف.

ما معنى الوسطية في الإسلام؟

إنه الخيار العدل في كل شيء، وهو الخيار الأفضل في كل شيء لا إفراط وغلو من جانب ولا تفريط ولا تقصير من الجانب الاخر.

ولذلك فإن الشيطان حريص على الإنسان أن يجعله مغالياً متشدداً في أمر إلى درجة أن يخرجه عما أراد الله، أو مقصراً ومضيعاً  في الأمر، قال بن القيم -رحمه الله-: “ما أمر الله -عز وجل- بأمر إلا والشيطان فيه نزعتان: أما تقصير وتفريط، وإما إفراط وغلو، فلا يبالي بما ظفر من الغبن من الخطيئتين..

 قال الله تعالى ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ﴾ [البقرة: 143]، وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الضعيف “خير الأمور أوسطها“...

الوسطية هي: حق بين باطلين، وصواب بين خطأين، وخير بين شرين، واعتدالٌ بين طرفين؛ ذلك أن صراط الله مستقيم، وسبل الضلالة تتشعب عن يمينه وشماله؛ فمن كان على ذلك الصراط المستقيم فهو على الوسطية الربانية ..الوسطية: هي الرّاجح دليلاً من الكتاب والسنة، والضعيفُ والشاذّ ليس من الوسطية في شيء.

الوسطية: ليست اتهام المخالف بالتطرُّف والتشدُّد؛ لمجرّد أنه يخالفُ ما أراه.

الوسطية: هي يُسر الإسلام، وليس اليُسرُ معناه: أسهل الأقوال وأخفّها، بل أرجحها وأقواها وأتقاها.

فالإسلام وسط بين الذين عظَّموا الأنبياء وقدَّسوهم ورفعوهم فوق منزلتهم حتى جعلوهم آلهة، أو أبناء لله، وبين الجفاة الذين كذبوهم وأهانوهم، بل عذبوهم وقتلوهم..

من مظاهر الاعتدال والوسطية في الإسلام؛ ما يلي:

1-مجال الاعتقاد :

في مجال الاعتقاد، هناك من كفر المسلمين بارتكاب الكبائر، وجعله مخلداً في النار، وتشددوا في تكفير المسلمين وهم: الخوارج، وذيولهم حالياً هم فرقة داعش أو غيرهم، وقد يأتي غيرهم مستقبلا، وهم الذين خرجوا على المسلمين فقتلوا فيهم وكفروهم، فهؤلاء عندهم غلو وتشدد في الدين.

وهناك على النقيض فرق كالمرجئة المتهاونين في ارتكاب الكبائر بحجة أنه لا يضر مع الإيمان كبيرة، فتساهلوا في المعاصي، وارتكبوا الفواحش.

وأما أهل السنة والجماعة فقد كانوا معتدلين فلم يكفروا أحدا من المسلمين، ولم يكفروا مرتكبي الكبائر، بل قالوا ينقص إيمانهم بقدر معصيتهم، فهذا الوسط في دين الله -عز وجل-...

إن الإسلام وسط بين المغالين الذين يجعلون العبد مجبورا على فعله، والمفرطين الذين يجعلونه خالق أفعاله، لينطلقوا بعد ذلك إلى الحكم على الناس بالتكفير والإخراج من الملة، بمجرد أفعال صدرت من هذا أو ذاك، وإن لم يستحلوها.

الإسلام وسط في عباداته وشعائره بين الأديان والنحل التي ألغت الجانب ” الرباني ” ــ جانب العبادة والتنسك والتأله ــ من فلسفتها وواجباتها، كالبوذية التي اقتصرت فروضها على الجانب الأخلاقي الإنساني وحده. .

وبين الأديان والنحل التي طلبت من أتباعها التفرغ للعبادة والانقطاع عن الحياة والانتاج، كالرهبانية المسيحية.

2- في الصلاة :

وعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: كُنْتُ أُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم– الصَّلَوَاتِ فَكَانَتْ صَلَاتُهُ قَصْدًا، وَخُطْبَتُهُ قَصْداً-  أي: كانت معتدلة، وسطًا بين الطول والقصر-رواه مسلم (866)...

3- وسطية التشريع :

تشريعٌ وسط في التحليل والتحريم بين اليهودية التي أسرفت في التحريم، وكثرت فيها المحرمات، مما حرمه إسرائيل على نفسه، ومما حرمه الله على اليهود، جزاء بغيهم وظلمهم كما قال الله تعالى: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا (160) وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ} [النساء: 160، 161]

وبين المسيحية التي أسرفت في الإباحة، حتى أحلت الأشياء المنصوص على تحريمها في التوراة، مع أن الإنجيل يعلن أن المسيح لم يجيء لينقض ناموس التوراة، بل ليكمله.

فالإسلام قد أحل وحرَّم، ولكنه لم يجعل التحليل ولا التحريم من حق بشر، بل من حق الله وحده، ولم يحرم إلا الخبيث الضار، كما لم يحل إلا الطيب النافع. ولهذا كان من أوصاف الرسول -صلى الله عليه وسلم- عند أهل الكتاب أنه: { يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ } [الأعراف: 157]

وحين نرى الانتقام بسبب وبلا سبب عند اليهود ، ونرى الاسراف والتعطش في سفك الدماء للأبرياء ….ونرى النصرانية تدعوا إلى الإفراط في التسامح والعفو، وفي هذا يقول إنجيلهم: (من ضربك على خدك الأيمن فأدِرْ له الخد الأيسر ) ويقول: ( أحبوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم، أحسنوا إلى مبغضيكم ) ولا شك أنها نظرة مثالية محمودة، ولكنها ليست متوازنة لأن الإنسان بطبيعته وفطرته يميل إلى الدفاع عن نفسه وردِّ الاعتداء الواقع عليه، والانتقام ممن أهانه أو غضَّ من كرامته، فإذا وقع الاعتداء، وطلب منه إلزاما أن يعفو ويصفح، فلا شك أنه سيكبت غضبه وغيظه على كُرهٍ ومضض، وسيحاول التنفيس عن غضبه وغيظه حينما تسنح الفرصة المناسبة.

أما الإسلام، فلأنه دين متوازن وواقعي، فإنه سيأتي وسطا في هذه القضية، بأن يراعي في النفس البشرية نوازع الرغبة في الانتقام والثأر، فأباح للمعتدى عليه أن يرد الاعتداء بمثله فقط، بحيث لا تنتقل المسألة من خانة رد الاعتداء إلى خانة التشفي والظلم، يقول تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194]  ويقول سبحانه: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40]

ولكن الإسلام وهو يبيح ردّ الاعتداء، فإنه يرغِّب في العفو والتسامح، أي أنه يطلب من المعتدى عليه أن يتسامى بغريزة رد الاعتداء إلى مستوى أعلى وأفق أرحب. .

 كما بيَّن الإسلام أن العفو والتسامح هو المسلك الأولى والأجدر بالقبول، وذلك في ختام الآية الثانية {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ } [الشورى: 40].

ويقول سبحانه: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [فصلت: 34 – 36].

وبهذا أقام الإسلام التوازن في خلق المسلم، فلا إفراط ولا تفريط، ولا وكس ولا شطط..

الوسطية في تناول الطيبات:

قال تعالى{يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف: 31].

وَقَالَ النَّبِيُّ صَلى الله عَلَيهِ وسَلمَ: كُلُوا وَاشْرَبُوا وَالبَسُوا وَتَصَدَّقُوا، فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ، وَلاَ مَخِيلَةٍ.

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كُلْ مَا شِئْتَ، وَالبَسْ مَا شِئْتَ، مَا أَخْطَأَتْكَ اثْنَتَانِ: سَرَفٌ، أَوْ مَخِيلَةٌ.(صحيح البخاري).…الـمَخِيلَةُالكِبْرُ، على وزن “مَفْعَلَةٌ” مِن اخْتالَ، أيْ: تَكَبَّرَ، يُقال: هو ذُو خُيَلاءَ، وذُو خالٍ، وذو مَخِيلةٍ، أيْ: ذو كِبْرٍ ..

قال تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} القصص 77 ..

الوسطية في الإنفاق:

قال تعالى{وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا} [الإسراء: 29].

وقال تعالى{وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان: 67].

وفي القبور: 

المسلمون  وسط بين من يغلو فيها, فيزخرفها أو يشيدها, أو يتخذها مساجد, ويصلي عنده أو إليها, أو يطوف بها, ويذبح عندها ويدعو أصحابها. وبين من يهينها, أو يطأ عليها ولا يعرف لأصحابها حرمة. بل يوارون أهلها على ما يقتضيه الشرع, ويزورون القبور للسلام على الميت والدعاء والإستغفارله, ولا يتجاوزون ذلك.

في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: المسلمون وسط بين أهل الغلو من الخوارج والمعتزلة الذين يغلون في الإنكار حتى يصل بهم الأمر إلى إخراج المسلم من الإسلام واستحلال دمه, والخروج على ولي الأمر المسلم وشق عصا الطاعة وسفك الدم وزعزعة الأمن. وبين من يسعون لتعطيل شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

بل يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر على ما توجبه الشريعة لأن الله أمرهم بذلك, وجعل أمة محمد صلى الله عليه وسلم خير الأمم لقيامها بهذا الركن العظيم، ويلزمون جماعة المسلمين، ويرون السمع والطاعة بالمعروف لولي الأمر المسلم براً كان أو فاجراً في العسر واليسر والمنشط والمكره, إلا أن يُؤمروا بمعصية الله ..

في أداء العبادات الظاهرة, كالصلاة والصيام وسائر العباداتفلا ينقطعون بها عن الدنيا والسعي في تحصيل ما ينفعهم مما أباح الله, ولا ينشغلون بالدنيا عنها. بل يفعلون ما أوجب الله عليهم. ويكملونه بالنوافل على حسب القدرة والإستطاعة, ويعتقدون جازمين أن الوسطية في ذلك لا تتحقق إلا بمتابعة النبي صلى الله عليه وسلم, لأن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم, فلا يزيدون على هديه بعبادات لم تُشرع, ولا ينقصون.

وفي الأخلاق لا غلظة ولا ذلة  :يقول سبحانه: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [فصلت: 34 – 36].

الصديق كان شديدا على المرتدين ، لكنه كان رحيما بالفقراء والمساكين ..وهكذا كان عمر بن الخطاب ..

عثمان بن عفان جمع بين الغنى والزهد ..

علي بن ابي طالب جمع بين البطولة في المعارك والتفقه في الدين..

الوسطية بين التطرف والتهاون : فالتطرف الفكري هو تعصب أعمى للمذهب اوللحزب اوالجماعة وتقديس الأشخاس يعمى ويصم عن الحقيقة وقبول الرأى الآخر ولو كان صوابا يؤدى الى الغلو.. ولذا نهى الله ورسول الله عن العصبية يقول الله تعالى ذاماً أهل الحمية لغيرالدين: إِذْ جَعَلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِى قُلُوبِهِمُ ٱلْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ ٱلْجَـٰهِلِيَّةِ [الفتح:26]،وجاء في سنن أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم: ((ليس منا من دعا إلى عصبية، وليس منا من قاتل على عصبية، وليس منا من مات على عصبية))، وروى الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إنَّ اللهَ قد أذهب عنكم عُبِّيَّةَ الجاهليةِ وفخرَها بالآباءِ))..
يقول تعالى : ﴿فَلاَ وَرَبِّك لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُم ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِم ْحَرَجاًّ مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواتَسْلِيمًا﴾ [النساء: 65]. ويقول: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِن ٍوَلَامُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَ ّضَلالًا مُّبِينا).

أهمية الوسطية :

في الإسلام جانب فكري، وجانب نفسي، وجانب سلوكي، فحينما ينمو جانب من هذه الجوانب نمواً زائداً عن حدّه الطبيعي، ويكون هذا عادة على حساب الجوانب الأخرى عندئذ يكون التطرف..فالوسطية  تمثل الأمان والبعد عن الخطر، فالأطراف عادة تتعرض للخطر والفساد بخلاف الوسط، فهو محمي محروس بما حوله، والتوسط أمن واستقرار، أن الإنسان ركب من عقل وشهوة، فإن قاده عقله إلى معرفة ربه، وضبط شهوته وفق منهج خالقه سما وسما حتى تجاوز في سموه الملائكة المقربين، وإن عطل عقله، أو أساء استخدامه فنسي سرّ وجوده، وجهل منهج ربه، وتحكمت به شهواته ونزواته سقط حتى صار أدنى من الحيوان. من دروس الدكتور النابلسي ..

الوسطية في الكون والأنفس  للدكتورالنابلسي :

أولا في الكون :

من ملامح الوسطية أو التوازن في الكون أن الكواكب والنجوم والمجرات كلها تتحرك في مسارات مغلقة حول بعضها، وقد لخص القرآن الكريم هذه الحقيقة بشكل معجز، قال تعالى:

﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ (11) ﴾ – سورة الطارق.

أي أن كل متحرك في السماء، أي في الكون يرجع بعد حين إلى مكان انطلاقه النسبي، وينشأ من حركة كل نجم حول نجم آخر قوة نابذة تكافئ قوة جذب النجم المركزي، فلولا هذه القوة النابذة الناشئة عن الحركة المغلقة لعملت قوى التجاذب وحدها، فجمعت الكون كله في كتلة واحدة..

بما أن مسار الأرض حول الشمس بيضاوي الشكل فحينما تقترب الأرض من الشمس تزداد سرعتها لئلا تنجذب إلى الشمس، لتنشأ قوة نابذة جديدة تكافئ القوة الجاذبة الجديدة، وحينما تبتعد الأرض عن الشمس تتباطأ سرعتها لئلا تتفلت من جاذبيتها، أرأيتم إلى هذا التوازن بين قوى الجذب وقوى النبذ ؟ ولو أن الأرض ازدادت، أو تباطأت سرعتها فجأة لانهدم كل ما عليها..

ثانيا :الوسطية في الأنفس:

من الثابت أيها الأخوة أن دم الإنسان إذا زادت ميوعته نزف كله من جرح صغير، وعندها يموت، ولو زادت لزوجته عن الحد المعقول تجمد في العروق كالوحل في الطرقات، فإذا وصلت خثرة منه إلى القلب أو الدماغ قضى الإنسان نحبه، لذلك يفرز الجسم هرموناً يميع الدم وهرموناً آخر يجلطه، ومن التوازن الدقيق بين إفراز الهرمونين يحافظ الدم على مستوى من السيولة تسمح له بالحركة عبر الأوعية الدقيقة، ويحافظ الدم على مستوى من اللزوجة تمنع نزيفه من أدق الجروح.

أرأيتم إلى هذا التوازن بين هرمون التميع وهرمون التجلط ؟

ومن الثابت أيضاً أن الغدة النخامية ( ملكة الغدد الصماء )، وأن من مفرزاتها ما يحث الغدة الدرقية المسؤولة عن الاستقلاب ( أي تحويل الغذاء إلى طاقة )، وأن من مفرزات الغدة الدرقية ما يثبط الغدة النخامية، وأنه من خلال التأثير المتبادل بين الغدتين يستقيم التوازن بين حاجة الإنسان إلى الغذاء، وحاجته إلى الطاقة، أرأيتم إلى هذا التأثير المتبادل بين الغدتين ؟ وكيف أن كل إفراز غدة يثبط أو ينشط الغدة الثانية... كل ما  سبق من دروس الدكتور النابلسي .

الواجب علينا :

1-الدعاء :

﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7) ﴾..

﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201)﴾..

وكان صلى الله عليه وسلم يدعو فيقول:اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمـــري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير، واجعل الموت راحة لي من كل شر..[مسلم عن أبي هريرة].

2- الاعتدال في النفقات :

لا تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يُسأل… عن ماله من أين اكتسبه؟ وفيمَ أنفقه؟

عبدالملك بن مروان عندما أراد أن يزوِّج ابنته فاطمةَ لعمرَ بنِ عبدالعزيز، امتحنه، وسأله هذا السؤال؛ ليعرف ميزانه في الحياة وكيفية عيشه؛ فقال له: يا عمر ما نفقتك؟ (أي: كيف تنفق مالك؟) فقال عمر بن عبدالعزيز: يا أمير المؤمنين، نفقتي حسنة بين سيئتين؛ ثم تلا هذه الآية: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ﴾ [الفرقان: 67]؛ فالسيئة الأولى هي الإسراف، والسيئة الثانية هي الإقتار؛ وهو البخل، والحسنة التي بينهما: الوسطية والاعتدال في النفقة، فعلِمَ عبدالملك أهلية عمر للزواج بابنته فاطمة، فزوَّجها له.

3- وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَٰلِكَ سَبِيلًا (110):

كان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن ، فلما سمع ذلك المشركون سبوا القرآن ، وسبوا من أنزله ، ومن جاء به .قال : فقال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : ( ولا تجهر بصلاتكأي : بقراءتك فيسمع المشركون فيسبوا القرآن ) ولا تخافت بها ) عن أصحابك فلا تسمعهم القرآن حتى يأخذوه عنك ) وابتغ بين ذلك سبيلا ) .أخرجاه في الصحيحين (.

 وروي أن أبا بكر كان إذا صلى فقرأ خفض صوته ، وأن عمر كان يرفع صوته ، فقيل لأبي بكر : لم تصنع هذا ؟قال : أناجي ربي – عز وجل – وقد علم حاجتي .فقيل :أحسنت . وقيل لعمر : لم تصنع هذا ؟قال : أطرد الشيطان ، وأوقظ الوسنان . قيل أحسنت . فلما نزلت : ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلاقيل لأبي بكر : ارفع شيئا ، وقيل لعمر : اخفض شيئا .

ويستفاد منها عدم ازعاج الاخرين ،عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف في المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة فكشف الستر وقالألا إن كلكم مناجٍ ربه، فلا يؤذينّ بعضكم بعضاً، ولا يرفع بعضكم على بعض بالقراءةرواه أبو داود والنسائي والبيهقي والحاكم.

والبعض يصلى بلا تحريك شفتيه :قال اللهُ تبارَك وتعالى :أنا مع عبدِي ما ذكَرني وتحرَّكَتْ بي شَفَتاهُ. الراوي : أبو هريرة | المحدث : ابن حبان | المصدر : صحيح ابن حبان | الصفحة أو الرقم :815 .

4- اعمل ما تطيقه حتى تداوم عليه :

 وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: «أدومها وإن قل»، وقال: «اكلفوا من الأعمال ما تطيقون»

وقال :عليكم بما تطيقون، فوالله لا يمل الله حتى تملوا، وكان أحب الدين إليه ما داوم عليه صاحبه..أخرجه البخاري (6326) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

وقال: «يا أيها الناس، عليكم بالقصد (ثلاثاً) فإن الله لا يمل حتى تملوا»أخرجه ابن ماجه (4241) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال الشيخ الألباني: صحيح..

والقَصْدَ القَصْدَ تَبْلُغُوا”..أخرجه الإمام البخاري..والقَصْدَ القَصْدَ أي: اقْتَصِدوا في الأمورِ، والزَموا الطَّريقَ الوَسَطَ المعتَدِلَ، وتجنَّبوا طَرَفَيِ الإفراطِ والتَّفريطِ، فالقَصْدُ هنا هو التوسُّطُ (الدرر السنية)..

وحذر من الوصال في الصوم .. ومن نذر أن يمشي ولا يركب  ، ومن نذر أن يقوم ولا يقعد ، ومن نذر أن يصوم ولا يفطر …..

وقال أن الله غني عن تعذيب النفس ..أخرجه البخاري (1865) ومسلم (1642)…وفي رواية :وإياكم والغلو في الدين..

وفي الحديث :ما خُيِّر النبي بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يأثم، فإذا كان الإثم كان أبعدهما منه»…أخرجه البخاري (6404) ومسلم (2327)...

كان يقول: «اقرؤوا القرآن، ولا تغلوا فيه،…أخرجه أحمد (15568) من حديث عبد الرحمن بن سبل رضي الله عنه..

5- التوسط في صيام النوافل :

التوسط والاعتدال في الصيام والقيام وغيرهما من العبادات يحفظ على العابد صحته، ويزيد في قوته، ويشد من أزره عند الكبر، فيظل ماضياً على ما كان عليه من أنواع العبادات حتى يلقى الله – عز وجل – ولذلك نصح الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الصحابي بقوله : “وإنك عسى أن يطول بك عمر” أي لعل عمرك يطول فلا تستطيع أن تقوم بما كنت تقوم به من الصيام والقيام وقراءة القرآن، فيشتد حزنك وأسفك على عجزك وعدم قدرتك على ما كنت تقوم به، وتندم فلا ينفعك الندم ، وأشار عليه بأمر وسط لا قصور فيه ولا تقصير، فقال: “وَإِنَّ مِنْ حَسْبِكَ أَنْ تَصُومَ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ؛ فَإِنَّ بِكُلِّ حَسَنَةٍ عَشْرَ أَمْثَالِهَا فَذَلِكَ الدَّهْرُ كُلُّهُ” ، أي: وإن مما يكفيك عمله زمنك كله أن تصوم ثلاثة أيام من كل شهر، لم يعينها له، فمتى شاء صامهن من الشهر، وبذلك يكون كمن صام الدهر كله؛ فإن السنة اثنتا عشرة شهراً، وثلاثمائة وستون يوماً تقريباً، فإذا صام ثلاثة أيام من كل شهر، فقد نال ثواب صيام السنة كلها؛ لأن الحسنة بعشر أمثالها

6- الشورى وعدم الاستبداد بالرأى:

وكان هذا المبدأ فى خير القرون قرن النبى صلالله عليه وسلم الذى حققه على أكمل وجه حين قال له ربه (وشاورهم فى الامرفاذاعزمت فتوكل على الله …)

وأخيرا:

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ؛ ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم…ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم. ﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾[البقرة: 201]، ﴿ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾[الصافات: 180 – 182]..

 

تم بحمد البحث بحمد الله 

 

اترك تعليقاً