الإصلاح في المجتمع الصوفي: نقد الواقع وبناء المستقبل

بقلم الدكتور : محمد لطفي الحسني
شيخ الطريقة القادرية البريفكانية في مصر

يُعد التصوف الإسلامي أحد الروافد الروحية العميقة في التراث الإسلامي، وقد لعب أدواراً تاريخية محورية في تهذيب النفس، ونشر الإسلام في الآفاق، وتكوين مجتمعات متسامحة تقوم على المحبة والخدمة. غير أن المجتمع الصوفي، كغيره من التكوينات الدينية، ليس بمنأى عن التحديات التي تفرضها التحولات الاجتماعية والثقافية.

وتبرز الحاجة إلى مشروع إصلاحي متكامل يُعيد للتصوف حيويته وفاعليته، دون أن يمس بجوهره الروحي وأصالته المنهجية.

أولاً: واقع المجتمع الصوفي المعاصر
رغم ما يحتفظ به التصوف من رصيد روحي وأخلاقي عميق، إلا أن الواقع المعاصر للعديد من الطرق الصوفية يكشف عن نقاط قوة وضعف:

نقاط القوة:
* الحفاظ على روحانية عالية في زمن تسوده المادية.
* تكريس مفاهيم المحبة والتواضع وخدمة الناس.
* التراث الضخم من الكتب، والممارسات التربوية، والمدائح الروحية.

نقاط الضعف:
* الجمود على تقاليد شكلية، دون تجديد فكري أو اجتماعي.
* ضعف في بناء مؤسسات تعليمية حديثة تنقل التصوف بروحه وأدواته الجديدة.
* غياب الانخراط المؤثر في قضايا المجتمع المعاصر.

ثانياً: التحليل النقدي للواقع الصوفي
1. توريث المشيخة بشكل غير مؤهل
تحولت بعض الطرق إلى ما يشبه الأسر الدينية، حيث تُورّث المشيخة للأبناء دون النظر في مؤهلاتهم العلمية أو التربوية.
وهذا يضع القيادة الروحية في يد غير مؤهلة، فيُضعف الهيبة العلمية للطريقة.
2. التلاعب بالمصطلحات الصوفية
يُلاحظ شيوع استخدام مصطلحات مثل “القطب”، و”الفناء”، و”السر”، دون فهمها ضمن سياقها الشرعي والتربوي، ما يجعلها أداة غامضة للتأثير والتوجيه غير المنضبط.
3. الغلو في الشيخ والطريقة
يتحول بعض المريدين من العلاقة التربوية مع الشيخ إلى نوع من التعصب الشخصي والطائفي، يصل أحيانًا إلى التقديس، ورفض النقد أو المحاسبة.
4. الاختلاط العشوائي بين الجنسين
في بعض الزوايا والأنشطة الجماعية، يحدث اختلاط غير منضبط بين الرجال والنساء، مما يتعارض مع مقاصد التصوف في تهذيب النفس وضبط السلوك.
5. الانحرافات في بعض الموالد

تشهد بعض الموالد ممارسات خاطئة، مثل:
* تعاطي المخدرات أو المشروبات المحرّمة.
* اختلاط فوضوي لا يراعي الحياء أو الآداب.
* استغلال المناسبة لجمع المال أو الترويج للخرافات.
* غياب الجانب الروحي لصالح مظاهر فلكلورية سطحية.

6. الركون للطقوس دون أثر تربوي
يتحول الذكر والورد اليومي عند بعض الجماعات إلى ممارسة شكلية تفتقر إلى روح التزكية والفهم، ما يخلق انفصالًا بين “الذِكر” و”الأخلاق”.

ثالثاً: خطة إصلاحية شاملة
1- إصلاح القيادة الروحية
* وضع معايير واضحة لتولية الشيخ: العلم، الخبرة، الأخلاق.
* إلغاء التوريث التلقائي للمشيخة.
* إنشاء مجالس شورى داخل الطرق لمتابعة الأداء وتقويم القادة.

2- ضبط المصطلحات الصوفية
* إصدار معاجم معاصرة تشرح المصطلحات بلغة مفهومة.
* ربط المصطلحات بالنصوص القرآنية والحديثية لتقريب المعاني.

3- محاربة الغلو
* تعليم المريدين أن الشيخ مرشد لا معصوم.
* غرس ثقافة النقد الذاتي والمساءلة التربوية.

4- تنظيم العلاقة بين الجنسين
* توفير مساحات خاصة للنساء.
* الالتزام بآداب الحشمة والبعد عن الأجواء المختلطة العشوائية.
* إشراك النساء في الأنشطة التربوية بطريقة تحفظ الكرامة والخصوصية.

5- ضبط تنظيم الموالد
* الإشراف المباشر من مشايخ الطرق على كل تفصيل في المولد.
* التعاون مع الجهات الرسمية لضبط الأمن والسلوك.
* تحويل المولد إلى موسم تربوي معرفي من خلال ندوات ودروس.

6- إحياء التصوف الاجتماعي
* الانخراط في العمل الخيري والمبادرات البيئية والتعليمية.
* إنشاء جمعيات صوفية تنموية تساهم في تحسين واقع المجتمع.

7- الانفتاح على التيارات الأخرى
* عقد ندوات مشتركة مع علماء من مذاهب وتيارات إسلامية أخرى.
* إبراز القواسم المشتركة لتقريب الصف الإسلامي العام.

ليس الإصلاح في التصوف عيبًا أو تهديدًا، بل هو امتداد لرسالته الأصيلة في تزكية النفس وعمارة الأرض. ما نحتاجه هو تصوف واعٍ، يجمع بين الروح والعقل، بين الذكر والعمل، بين الشيخ والمجتمع.

التصوف الذي نطمح إليه ليس عزلة، بل مشاركة واعية وفاعلة في بناء الإنسان المسلم المتوازن. ومن هنا، يبدأ الإصلاح الحقيقي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *