خطبة بعنوان ( نغرس ويأكل من بعدنا)
لفضيلة الشيخ : احمد عبدالله عطوة
العناصر الرئيسية
1:/تعريف الإتقان.
2:/ الإتقان صفة من صفات الرحمن.
3: /الإتقان شريعة النبي العدنان
4:/ مجالات الإتقان.
الخطبة الأولى
أمة الإسلام:حديثنا في هذا اليوم الطيب الميمون عن قضية القضايا التي غفلت عنها أمة خير البرايا إنها قضية الإتقان التي ما عرف التاريخ أمة ولا كتاباً يدعو إلى الإتقان مثلما دعا لذلك شرع الرحمن.
انظروا عباد الله إلى ما وصلنا إليه وما آل إليه حال الأمة من ضعف وهوان مرد ذلك كله أن الأمة فقدت الإتقان في جميع مناحي الحياة سواء الدينة أو الدنيوية أو الأخروية.
إننا أمة اقرأ.. عباد الله أصبحت منتجاتنا أقل جودة ورجعنا إلى الوراء وأمسينا نتهافت على منتجات غيرنا لعلمنا أن بضعتنا غير جيدة.
لذا عباد الله كان لزاما وأجل مسمى أن نتكلم عن قضية الإتقان من خلال القرآن وسنة النبي العدنان.
1/فما معنى الإتقان؟ 2/ وما هي مجلاته؟
أعيروني القلوب والأسماع.
العنصر الأول: تعريف الإتقان
أمة الإسلام، اتقان العمل هو: أداء العمل دون خلل فيه والالتزام بمتطلبات ذلك العمل وأداؤه في الوقت المحدد دون تأخير.
العنصر الثاني: الإتقان صفة من صفات الرحمن:
والإتقان أيها الآباء صفة من صفات رب الأرض والسماء فهو الذي أتقن كل شيء خلقة وأحسن كل شيء أبدعه قال الله تعالى ﴿ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ﴾[النمل: 88] فأحسنه وجوده وأتقنه، والذي يتأمل إتقان الله تعالى لمخلوقاته وكيف انه أعطى كل شيء خلقه ثم هدى لهتف لا إله الا الله.
قصة: يحكى أن رجلا وابنه كانا تحت نخلة في بستان فاراد الولد أن يجادل أباه فقال له: يا أبت انظر إلى هذه النبتة الصغيرة ” نبتة البطيخ ” تثمر ثمرة كبيرة جدا بينما هذه النخلة على طولها ثمرتها صغيرة…ولا نسبة بينها وبين البطيخة…وكان المفروض أو المعقول أن تكون ثمرة النخلة في عظم البطيخة ” لتتناسب مع حجم الشجرة ” بينما تكون ثمرة نبات البطيخ في حجم التمرةفقال له: يا بني ” لعل لله حكمة لا نعرفها.ثم استلقى الفتى على ظهره ليستريح واستلقى أبوه إلى جواره…وما إن غفت عين الفتى قليلا حتى سقطت من أعلى النخلة تمرة فأصابت وجهه وآلمته وصاح من أثرذلك فقال له أبوه ماذا بك؟فقال تمرة من فوق النخلة أصابتني فقال الوالد: يا بني ” احمد الله أنها لم تكن بطيخة.
• انظر حولك ترى إتقان الرحيم الرحمن: يقول الله تعالى ﴿ أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَاداً * وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً * وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجاً * وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً * وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً * وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً * وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً * وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً * وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجاً * لِنُخْرِجَ بِهِ حَبّاً وَنَبَاتاً * وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً ﴾ [النبأ : 6- 16].
العنصر الثالث الإتقان شريعة النبي العدنان:؟
اعلموا أمة الإسلام أن الله تعالى حثكم على الإتقان فقال -عز وجل-: ﴿ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ (البقرة: 195). هذا الإحسان، هو الإتقان والإحكام، وهذه القضية وهي تجويد شيء وإحسانه وإتقانه من المطالب الشرعية العظيمة في ديننا، والمتأمل في التكاليف والفرائض ة الأوامر يجدها مبنية على أساس محمك ألا وهو الإتقان الذي هو سمة أهل الإيمان.
الإتقان في كل شيء حتى وأنت تقوم بالذبح نْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَصْلَتَيْنِ، قَالَ: ” إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ ” رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
عن عاصم بن كليب عن أبيه قال: شَهدت مَعَ أَبِي جَنَازَة شَهِدَهَا رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا غُلاَمٌ أَعْقِلُ وَأَفْهَمُ، فَانتُهي بِالْجَنَازَةِ إِلَى الْقَبْرِ وَلَمْ يمكَّن لَهَا.
قَالَ: فَجَعَلَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((سَوّوا لَحْدَ هَذَا)).
حَتَّى ظَنَّ النَّاسُ أَنَّهُ سُنَّة، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِم فَقَالَ: ((أَمَا إِنَّ هَذَا لاَ يَنْفَعُ الْمَيِّتَ وَلاَ يَضُرُّهُ، وَلَكِنَّ اللهَ يُحِبُّ مِنَ الْعَامِلِ إِذَا عَمِلَ أَنْ يُحْسِن)) وفي لفظٍ (( ولكن أن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه )) أخرجه البيهقي في شعب الإيمان.
عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلا أَنْ يُتْقِنَهُ».
وإذا عمل أي عمل من الأعمال أتقن ذلك العمل، ولا من أجل أن يأخذ الجزاء من الناس، ليس من أجل أن يترقى، ولكن ابتغاء مرضات الله سبحانه وتعالى.
العنصر الرابع مجالات الإتقان:
والإتقان كما ذكرت لكم عباد الله في كل شيء في الأعمال والأقوال وهاك بيان ذلك أخي الحبيب.
المجال الأول: إتقان العبادات:
فالناظر في العبادات التي أمرنا بها يجد أن أساسها الإتقان والله –سبحانه- لا يقبل عملا لم يتقنه صاحبة:
إتقان الوضوء: وإتقانه يكون بإسباغه أما من لا يكمل الوضوء ويترك جزء من الأعضاء فهذا لم يتقن الوضوء وهو متوعد بالويل والثبور.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: تَخَلَّفَ عَنَّا رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فِي سَفَرٍ سَافَرْنَاهُ، فَأَدْرَكَنَا وَقَدْ أَرْهَقَتْنَا الصَّلَاةُ -صَلَاةُ الْعَصْرِ- وَنَحْنُ نَتَوَضَّأُ، فَجَعَلْنَا نَمْسَحُ أَرْجُلَنَا، فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا: “وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ”. أخرجه البخاري.
2- إتقان الصلاة بالخشوع إتقانها يكون بإتمام أركانها والاطمئنان فيها والإتيان بالخشوع فيها و قد مدح الله تعالى أهل الإتقان في الصلاة فقال سبحانه -﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾ [المؤمنون: 1، 2].
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، في قوله: ﴿ الذين هم في صلاتهم خاشعون ﴾ يقول: خائفون ساكنون.
أما من لم يتقنها ولم يتم أركانها فتلك صلاة المنافق وهي مردودة في وجهه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى ثُمَّ سَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَرَدَّ عَلَيْهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ”، حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مِرَارٍ، فَقَالَ الرَّجُلُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أَعْلَمُ غَيْرَ هَذَا.فَقَالَ: “إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ بِمَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، وَافْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا”. البخاري (6251)، ومسلم (397) (46).
عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ حُذَيْفَةَ الْمَسْجِدَ فَرَأَى رَجُلًا يُصَلِّي لَا يُتِمُّ رُكُوعَهُ وَلَا سُجُودَهُ فَقَالَ لَهُ حُذَيْفَةُ: ” مُنْذُ كَمْ صَلَّيْتَ؟.
” قَالَ: مُنْذُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، فَقَالَ لَهُ حُذَيْفَةُ: ” مَا صَلَّيْتَ وَلَوْ مُتَّ مُتَّ عَلَى غَيْرِ الْفِطْرَةِ الَّتِي فَطَرَ اللهُ عَلَيْهَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ الرَّجُلَ قَدْ يُخَفِّفُ صَلَاتَهُ، وَيُتِمُّ رُكُوعَهَا وسُجُودَهَا “شعب الإيمان.
ويقول سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه:إن الرجل ليشيب في الاسلام ولم يكمل لله ركعة واحدة!!قيل: كيف يا أمير المؤمنين قال: لا يتم ركوعها ولا سجودها.ويقول الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: يأتي على الناس زمان يصلون وهم لا يصلون،وإني لأتخوف أن يكون الزمان هو هذا الزمان”
فماذا لو أتيت إلينا يا إمام لتنظر أحوالنا؟؟؟.
وهكذا بقية العبادات من صوم وزكاه وحج؟
المجال الثاني – إتقان الأعمال الدنيوية:
وهذا يشمل جميع الأعمال والحرف التي يقوم بها الفرد فالعمل الذي يقوم به المرء أمانة وسيسأله الله تعالى عنها يوم القيامة فمن اخذ الأجر حاسبه الله تعالى على العمل،و لقد ضرب لنا القران الكريم صورا لإتقان الأعمال نكر منها.
1- الإتقان في التعمير والإنشاء:
كثيرا ما نسمع عن انهيار مبنى حديث البناء أو تصدع جسر (كوبري) قبل تسليمه.ترى ما هو السبب في ذلك الانهيار؟اذا بحثنا لوجدنا أن ذلك سببه عدم الإتقان الذي غاب عن المهندس والمقاول الذي قام بالإنشاء.
و لقد ضرب الله تعالى مثالا فريدا في الانشاء والتعمير الا وهو إتقان ذي القرنين- في بنائه السد.﴿ حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْماً لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً*قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً ﴾ ما أخذ منهم قرشاً ﴿ قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ ﴾ (الكهف:94-95).
فقد استخدم ذو القرنين اعلى مواصفات التقنية في البناء والإحكام لذلك السد يقول العلامة ابن كثير – رحمه الله -: وأما السد فقد بناه ذو القرنين من الحديد والنحاس وساوى به الجبال الصم الشامخات الطوال، فلا يعرف على وجه الأرض بناء أجل منه ولا أنفع للخلق منه في أمر دنياهم. فلو قيل ما هو أنفع بنيان في العالم، فهو سد القرنين، لأنه لو لم يكن موجوداً لخرجوا على الناس وأفسدوا الدنيا، فلا الأهرامات، ولا تمثال الحرية، ولا برج إيفل، ولا البرجين التوأم، ولا الفنادق الشامخات، أكثر بنيان فيه فائدة للبشرية، ما هو سد العالي ولا السد الواطي، هو سد ذي القرنين.
أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم الكريم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما.
أما بعد:
• الإتقان في حياة نبي الله سليمان عليه السلام:
و تأملوا إلى قمة التقدم والإتقان الذي شيد به سليمان عليه السلام ذلك القصر ﴿ قيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ (هذا القصر كله أرضه وسقفه وجدرانه) مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [النمل:44]
قال ابن كثير رحمه الله: وذلك أن سليمان، عليه السلام أمر الشياطين فبنوا لها قصرًا عظيما من قوارير، أي: من زجاج، وأجرى تحته الماء، فالذي لا يعرف أمره يحسب أنه ماء، ولكن الزجاج يحول بين الماشي وبينه.( هذا من باب الإقحام في الدعوة، والإبهار للكفار حتى يستسلموا ويدخلوا في دين الواحد القهار ) فلما شاهدت ما شاهدت علمت أن هذا نبي، تابت ورجعت إلى الله قائلة ﴿ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ ﴾.
• القصة الثانية: (كان هناك نجار تقدم به العمر، وطلب من رئيسه في العمل وصاحب المؤسسة أن يحيله على التقاعد ليعيش بقية عمره مع زوجته وأولاده. فرفض صاحب العمل طلب النجار ورغّبه بزيادة مرتبه إلا أن النجار أصر على طلبه!! فقال له صاحب العمل إن لي عندك رجاءً أخيراً وهو أن تبني منزلاً أخيراً وأخبره أنه لن يكلفه بعمل آخر ثم يحال للتقاعد فوافق النجار على مضض وبدأ النجار العمل ولعلمه أن هذا البيت هو الأخير فلم يحسن الصنعة واستخدم مواداً رديئة الصنع وأسرع في الإنجاز دون الجودة المطلوبة..!! وكانت الطريقة التي أدى بها العمل نهاية غير سليمة لعمر طويل من الإنجاز والتميز والإبداع!! وعندما انتهى النجار العجوز من البناء سلّم صاحب العمل مفاتيح المنزل الجديد وطلب السماح له بالرحيل، إلا أن صاحب العمل استوقفه وقال له: إن هذا المنزل هو هديتي لك نظير سنين عملك مع المؤسسة فآمل أن تقبله مني!! فصعق النجار من المفاجأة لأنه لو علم أنه يبني منزل العمر لما توانى في الإخلاص في الأداء والإتقان في العمل).لقد ندم المقاول كثيرا على تفريطه؛ لأنه لو علم أنه يبني منزلا لنفسه لما تردد أن يضع فيه كامل عصارة خبرته، وأفضل الأدوات والمعدات، ولأعطاه ما يستحقه من وقت.
عمرو بن العاص رضي الله عنه:
ولما ولَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحابي الجليل عمرو بن العاص رضي الله عنه إمارة سرية ذات السلاسل، ووضع تحت إمرته عظماء الصحابة وسابقيه إلى الإسلام. فإنه لم يفعل ذلك لأنه كان يرى أن عمرو بن العاص أكثر منهم علمًا بأمور الشرع والدين، وإنما لأنه صلى الله عليه وسلم كان يرى أنه أعلمهم بأمور الحرب، وفنون القتال والنزال والمناورة، وهو الذي لم يكن قد مضى على إسلامه بعد أكثر من خمسة شهور فقط. ومن ثم تجده صلى الله عليه وسلم وقد قال في وضوح: “لقد وليته لأنه أبصر بالحرب”.
وتتجلى قمت الإتقان والتخطيط العسكري في حفر النبي – صلى الله عليه وسلم – للخندق هو وأصحابه الكرام حتى أن ذلك الجيش الجرار المؤلف من قبائل العرب ولديهم أحنك القواد واشجع الفرسان لم يستطيعوا أن يجدوا فيه ثغرة واحدة،إنه الإتقان.