خطبةُ بعنوان ( إذا استنارَ العقلُ بالعلمِ أنارَ الدنيا ) لفضيلة الشيخ احمد ابو اسلام

إعداد الشيخ أحمد أبو اسلام
إمام وخطيب بوزارة الأوقاف المصرية

بتاريخ 19 شوال 1446هـ – الموافق 18 أبريل 2025م.

عناصر الخطبة

1))فضل العلم
2))بعث النبي صلى الله عليه وسلم معلما
3))العلم ميراث النبي
4))العالم العامل له منزلة عظية في الدنيا والآخرة
5)) طالب العلم لا يشبع منه
6)) أهل العلم هم الثقات العدول الذين يقبل الله شهادتهم
7)) العلماء هم امناء الله على خلقه
8))وفي الختام

 

المقدمة

الحمد لله الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم، ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين، الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا، وجعل منه مصدر هداية وإشعاع وأمل يوصل المسلم إلى أسمى الغايات وأرفع الدرجات، فقال جل وعلا {الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4)} [الرحمن: 1 -4]

 

نحمده على ما أنعم ووفق وأعان، ونصلي ونسلم على المعلم الأول محمد بن عبد الله ورسوله إمام العلم والتقى والسراج المنير خير من علم الأمة، وعمل بما علم، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه مصابيح الدجى وأقمار المعارف ونجوم الهدى، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين

العلم هو نبراس الحياة، وهو النور الذي تستضيء به البشرية، وتعرف حقوق خالقها سبحانه وتعالى، وحقوق العباد، وكيفية التعامل مع افراد المجتمعات سواء في الأطر الدينية، أو الإقتصادية وتبادل المصالح، أو في الأطر الإنسانية.,فالعلم هو أساس التمدن، والتطور، وهو أساس الرقي بالأمم، وليس صحيحاً أن التخلي عن الدين يؤدي إلى التطور، فديننا الإسلام يحث الناس على العلم والمعرفة قال الله تبارك وتعالى (أفلا يتفكرون) وقال سبحانه (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) وقال سبحانه (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات) وقال سبحانه (وقل رب زدني علماً(

دين النبي محمد أخبار نعم المطية للفتى آثار
لا ترغبن عن الحديث وأهله فالرأي ليل والحديث نهار
العلم قال الله قال رسوله قال الصحابة هم أولو العرفان

أحبتي في الله

فضل العلم

إن للعلم فضلٌ عظيم، وأجرٌ جسيم، العلم أثمن درة في تاج الشرع المطهر ولا يخفى على كل مسلم أن العلم مهم، حتى إن كل إنسان يدعيه لنفسه حتى الجاهل لا يرضى أن يقال عنه جاهل، ويفرح أن يقال عنه عالم!

قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: “كفى بالعلم شرفاً أن يدعيه من لا يحسنه ويفرح به إذا نسب إليه وكفى بالجهل ذمّاً أن يتبرأ منه من هو فيه، العلم أشرف ما رغب فيه الراغب، وأفضل ما طلب وجدَّ فيه الطالب، وأنفع ما كسبه واقتناه الكاسب.(( فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب:

العلم زَين وتشريف لصاحبه فاطلب هُدِيتَ فنون العلم والأدبا

العلم كنز وذخر لا نفاد له نعم القرين إذا ما صاحباً صحبا

قد يجمع المرء مالاً ثم يُحْرَمُه عما قليل فيلقى الذل والنصب

وجامع العلم مغبوط به أبداً ولا يُحاذر منه الفوت والسَّلَبا

يا جامع العلم نعم الذخر تجمعه لا تعدلن به دراً ولا ذهبا

بعث النبي صلى الله عليه وسلم معلما

فها هو سيد الأولين والآخرين النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حينما دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَرَأَى مَجْلِسَيْنِ، أَحَدُهُمَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ، وَالْآخَرُ يَتَعَلَّمُونَ الْفِقْهَ، وَيَدْعُونَ اللَّهَ، وَيَرْغَبُونَ إِلَيْهِ فَقَالَ: «كِلَا الْمَجْلِسَيْنِ عَلَى خَيْرٍ، وَأَحَدُهُمَا أَفْضَلُ مِنَ الْآخَرِ، أَمَّا هَؤُلَاءِ فَيَدْعُونَ اللَّهَ، فَإِنْ شَاءَ أَعْطَاهُمْ، وَإِنْ شَاءَ مَنَعَهُمْ، وَأَمَّا هَؤُلَاءِ فَيَتَعَلَّمُونَ وَيُعَلِّمُونَ الْجَاهِلَ، وَإِنَّمَا بُعِثْتُ مُعَلِّمًا، فَهَؤُلَاءِ أَفْضَلُ، ثُمَّ جَلَسَ مَعَهُمْ»

((تنبيه الغافلين بأحاديث سيد الأنبياء والمرسلين للسمرقندي (1 / 427):

وهاهو مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، قَالَ: ” دَخَلْتُ مَسْجِدَ الْبَصْرَةِ، وَالْأَسْوَدُ بْنُ سَرِيعٍ يَقُصُّ عَلَى النَّاسِ، وَقَدِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْمَسْجِدِ، وَخَلْفَهُ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ جُلُوسٌ فِي نَاحِيَةٍ أُخْرَى يَتَحَدَّثُونَ الْفِقْهَ وَيَتَذَاكَرُونَ فَرَكَعْتُ بَيْنَ الْحَلْقَةِ وَالذِّكْرِ، فَلَمَّا فَرَغْتُ قُلْتُ: لَوْ أَتَيْتُ حَلْقَةَ الْفَقِيهِ لَعَلِّي أَسْمَعُ كَلِمَةً لَمْ أَسْمَعْهَا، فَأَعْمَلَ بِهَا.,فَلَمْ أَزَلْ أُخَيِّرُ نَفْسِي فِي ذَلِكَ حَتَّى جَاوَزْتُهُمْ، فَلَمْ أَقْعُدْ مَعَ أَحَدٍ مِنْهُمْ، فَلَمَّا كَانَتْ تِلْكَ اللَّيْلَةُ أَتَانِي آتٍ فِي الْمَنَامِ فَقَالَ: أَمَا إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَ الْحَلْقَةَ، الَّتِي كَانَ يُذْكَرُ فِيهَا الْفِقْهُ، لَوَجَدْتَ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَعَهُمْ جَالِسًا

احرص على طلب العلم فقد كانت الأئمة الأعلام تحرص عليه فهذا هو الإمام أحمد بن حنبل : ” كانت أمه تشفق عليه من طول السهر في مدارسة العلم , وتقول له : متى تستريح ؟ فيقول : عندما أضع قدمي في الجنة أما الآن فمع المحبرة حتى المقبرة “

وكان أول ما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم من ربه عز وجل هي كلمة اقرأ فنحن أمة اقرأ ,فقد أمر الله نبينا صلى الله عليه وسلم بأن يقرأ في أول ما نزل عليه صلى الله عليه وسلم ولذالك امتثل النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الأمر

فقد كان سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم أسرع الناس في تنفيذ أوامر ربه ,فعنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ: «اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ» العلق: 1. جَاءَ النَّبِيُّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -إِلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فَقَالَ: أُمِرْتُ أَنْ أَعْرِضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ سُورَةَ كَذَا وَكَذَا. قَالَ:يعني أبي بن كعب قُلْتُ ,وقد سَمَّانِي اللَّهُ لَكَ؟ فَقَالَ: نعم! فذرفت عيناه! وقال رسول الله.

قل بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ. قَالَ عَفَّانُ فِي حَدِيثِهِ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ: وَأُنْبِئْتُ أَنَّهُ قَرَأَ عَلَيْهِ: لَمْ يَكُنِ]

((الطبقات الكبرى ط العلمية (2 / 260))

العلم ميراث النبي صلى الله عليه وسلم

فالعلم ميراث النبي صلى الله عليه وسلم , فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ مَرَّ بِسُوقِ الْمَدِينَةِ، فَوَقَفَ عَلَيْهَا، فَقَالَ: «يَا أَهْلَ السُّوقِ، مَا أَعْجَزَكُمْ» يعني ما أوقفكم هنا قَالُوا: وَمَا ذَاكَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: «ذَاكَ مِيرَاثُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقْسَمُ، وَأَنْتُمْ هَاهُنَا لَا تَذْهَبُونَ فَتَأَخُذُونَ نَصِيبَكُمْ مِنْهُ» قَالُوا: وَأَيْنَ هُوَ؟ قَالَ:

« فِي الْمَسْجِدِ» فَخَرَجُوا سِرَاعًا إِلَى الْمَسْجِدِ، وَوَقَفَ أَبُو هُرَيْرَةَ لَهُمْ حَتَّى رَجَعُوا، فَقَالَ لَهُمْ: «مَا لَكُمْ؟» قَالُوا: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ فَقَدْ أَتَيْنَا الْمَسْجِدَ، فَدَخَلْنَا، فَلَمْ نَرَ فِيهِ شَيْئًا يُقْسَمُ. فَقَالَ لَهُمْ أَبُو هُرَيْرَةَ: «أَمَا رَأَيْتُمْ فِي الْمَسْجِدِ أَحَدًا؟» قَالُوا: بَلَى، رَأَيْنَا قَوْمًا يُصَلُّونَ، وَقَوْمًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ، وَقَوْمًا يَتَذَاكَرُونَ الْحَلَالَ وَالْحَرَامَ، فَقَالَ لَهُمْ أَبُو هُرَيْرَةَ: «وَيْحَكُمْ، فَذَاكَ مِيرَاثُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» (( المعجم الأوسط (2 / 115))

فهذا هو الميراث الذي يجب أن يحرص عليه الناس ليورثوه أبناءهم؛ إن الشيء الوحيد الذي ينبغي أن يغبط المرء إذا حصّله هو العلم، كما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه الإمام البخاري: (لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله علماً فهو يعلمه الناس، ورجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق).

العالم العامل منزلته عظيمه في الدنيا والآخرة

أحبتي في الله:

العالم العامل له منزلة عظيمة في الدنيا والآخرة ,

فها هو أبو يوسف قال: (تُوُفِّي أبي: إبراهيمُ بن حبيب، وخلَّفني صغيرًا في حجر أمي، فأسلمتني إلى قَصَّارٍ أخدمه، فكنت أدَعُ القصَّار وأمر إلى حلقة أبي حنيفة، فأجلس أستمع، فكانت أمي تجيء خلفي إلى الحلقة، فتأخذ بيدي وتذهب بي إلى القصَّار، وكان أبو حنيفة يُعنَى بي لما يَرَى من حضوري وحرصي على التعلم، فلما كثَرُ ذلك على أمي، وطال عليها هربي، قالت لأبي حنيفة: “ما لهذا الصبي فساد غيرك، هذا صبيٌّ يتيم لا شيء له، وإنما أطعمه من مِغزلي! وآمُلُ أن يكسب دانقًا يعودُ به على فسه”، فقال لها أبو حنيفة: “مُرِّى يا رَعْنَاء، هو ذا يتعلَّم أكلَ الفالُوذَج بُدهْن الفُسْتَق”، فانصرفت عنه وقالت له: “أنت شيخٌ قد خَرِفْتَ وذهبَ عقلُك”).قال أبو يوسف: (ثم لَزِمتُ أبا حنيفة، وكان يتعاهدني بماله، فما ترك لي خَلَّة، فنفعني الله بالعلم، ورفعني حتى تقلَّدتُ القضاء، وكنت أجالس هارون الرشيد، وآكل معه على مائدته، فلما كان في بعض الأيام قُدم إلى هارون الرشيد فالوذج، فقال لي هارون: “يا يعقوب كُلْ منه فليس يُعمل لنا مثلُه كل يوم”، فقلت: “وما هذا يا أمير المؤمنين؟ “، فقال: “هذا فالوذج بُدهْن الفستق”، فضحكت، فقال لي: “مِمَّ ضحكتَ؟ “، فقلت: “خيرًا أبقى الله أمير المؤمنين”، قال: “لتخبرني” -وألحَّ عليَّ- فأخبرته بالقصة من أولها إلى آخرها، فعجب من ذلك، وقال: “لعمري: إن العلم ليرفع وينفع دينًا ودنيا”، وترحَّم على أبي حنيفة، وقال: “كان ينظر بعين عقله ما لا يَراه بعين رأسه”).(( علو الهمة (1 / 379))

احرص أيها الحبيب على أن تتعلم لله عز وجل ابتغاء وجه الله واجعل هذه النية مصاحبة لك في طلب العلم حتى تكون من الناجين يوم القيامة من عذاب النار ,فقد ورد عن أبي هريرة في صحيح مسلم) أن النبي – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قال: ” إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لِأَنْ يُقَالَ: جَرِيءٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ، وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ، وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ: عَالِمٌ، وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ: هُوَ قَارِئٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللهُ عَلَيْهِ، وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ كُلِّهِ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلَّا أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ: هُوَ جَوَادٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ، ثُمَّ أُلْقِيَ فِي النَّارِ “،

حبيبي في الله طلبك للعلم الذي يكون مصدره الكتاب والسنه والشرع الحنيف أو أي علم نافع تنفع به المسلمين والإنسانية هذا يجعل الملائكة والعالم كله يستغفر لك فقد ورد عَنْ كَثِيرِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا مَعَ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، فِي مَسْجِدِ دِمَشْقَ فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ جِئْتُكَ مِنْ مَدِينَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثٍ بَلَغَنِي أَنَّكَ حَدَّثْتَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَا جِئْتَ لِتِجَارَةٍ وَلَا لِحَاجَةٍ وَلَا جِئْتَ إِلَّا لِهَذَا؟ قَالَ: مَا جِئْتُ إِلَّا لِهَذَا.

قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ بِهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ طَرِيقًا مِنْ طُرُقِ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَصْنَعُ، وَإِنَّ الْعَالِمَ يَسْتَغْفِرُ لَهُ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ، وَمَنْ فِي الْأَرْضِ، وَالْحِيتَانُ فِي جَوْفِ الْمَاءِ، وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ، كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ , وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ، وَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِرْهَمًا وَلَا دِينَارًا، وَإِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ فَقَدْ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ ))

طالب العلم لا يشبع منه

لذالك من ذاق طلب العلم تجده لا يشبع منه أبدا فإنها مجالس الذكر والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم واستزادة في العلم وهذا ما قاله رسول الله قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: ” مَنْهُومَانِ لَا يَشْبَعَانِ طَالِبُ الْعِلْمِ، وَطَالِبُ الدُّنْيَا، وَهُمَا لَا يَسْتَوِيَانِ، أَمَّا طَالِبُ الْعِلْمِ فَيَزْدَادُ رِضًا مِنَ الرَّحْمَنِ، وَأَمَّا طَالِبُ الدُّنْيَا فَيَزْدَادُ فِي الطُّغْيَانِ.

ثُمَّ قَرَأَ: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28] ، وَقَرَأَ: {كَلَّا إِنَّ الإِنْسَانَ لَيَطْغَى {6} أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} [العلق: 6-7]

((تنبيه الغافلين بأحاديث سيد الأنبياء والمرسلين للسمرقندي (1 / 426):

العلماء هم امناء الله على خلقه

فللعلم مقام عظيم في شريعتنا الغراء، فأهل العلم هم ورثة الأنبياء، وفضل العالم على العابد كما بين الأرض السماء., والعلماء هم أمناء الله على خلقه، وهذا شرف للعلماء عظيم، ومحل لهم في الدين … خطير؛ لحفظهم الشريعة من تحريف المبطلين، وتأويل الجاهلين، والرجوع والتعويل في أمر الدين عليهم، فقد أوجب الحق سبحانه سؤالهم عند الجهل.قال تعالى: ” فاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ” [النحل/ 43] ,وهم أطباء الناس على الحقيقة، إذ مرض القلوب أكثر من الأبدان، فالجهل داء، ودواؤه العلم (لحديث جابر في صحيح أبي داوود) أن النبي – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قال: ” فإنما شفاء العي السؤال.

ومرضى القلوب لا يعرفون مرضهم، كما أن من ظهر على وجهه برص ولا مرآة له لا يعرف برصه ما لم يعرفه غيره، والدنيا دار مرض؛ فكما أنَّه ليس في بطن الأرض إلا ميت، فكذلك ليس على ظهرها إلا سقيم، والأسقام تتفاوت وتتنوع، والعلم هو ترياقهم فتدبر في (حديث أسامة بن شريك في صحيح السنن الأربعة) أن النبي – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ” تداووا فإِنَّ اللّه تعالى لم يضع داءً إلا وضع له دواءً غير داءٍ واحدٍ: الهرم.

أهل العلم هم الثقات العدول

فأهل العلم هم الثقات العدول الذين استشهد الله بهم على أعظم مشهود، وهو توحيده جل وعلا، وهذا هو العلم الحقيقي، العلم بالله تعالى وأسمائه وصفاته، وموجب ذلك ومقتضاه من الإيمان برسله وكتبه والإيمان بالغيب حتى كأنه مشاهد محسوس.لذالك قال الله تعالى: ” شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائمًا بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم ” [آل عمران / 18]

((فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب:)

وأختم بكلام سيدنا معاذ حينما تحدث عن أهل العلم وطلاب العلم فقال رضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، قَالَ: تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ فَإِنَّ تَعَلُّمَهُ حَسَنَةٌ، وَطَلَبَهُ عِبَادَةٌ، وَمُذَاكَرَتَهُ تَسْبِيحٌ، وَالْبَحْثُ عَنْهُ جِهَادٌ وَتَعْلِيمَهُ مَنْ لَا يَعْلَمَهُ صَدَقَةٌ، وَبَذْلَهُ لِأَهْلِهِ قُرْبَةٌ، أَلَا إِنَّ الْعِلْمَ سَبِيلُ مَنَازِلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَهُوَ الْمُؤْنِسُ فِي الْوَحْشَةِ، وَالصَّاحِبُ فِي الْغُرْبَةِ، وَالْمُحَدِّثُ فِي الْخَلْوَةِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى السَّرَّاءِ، وَالْمُعِينُ عَلَى الضَّرَّاءِ وَالزَّيْنُ عِنْدَ الْأَخِلَّاءِ وَالسِّلَاحُ عَلَى الْأَعْدَاءِ يَرْفَعُ اللَّهُ بِهِ أَقْوَامًا فَيَجْعَلُهُمْ فِي الْخَيْرِ قَادَةً أَئِمَّةً تُقْتَفَى آثَارُهُمْ، وَيُقْتَدَى بِأَفْعَالِهِمْ، وَتَرْغَبُ الْمَلَائِكَةُ فِي خِلِّهِمْ، وَبِأَجْنِحَتِهَا تَمْسَحُهُمْ، وَيُصَلِّي عَلَيْهِمْ كُلُّ رَطْبٍ وَيَابِسٍ، وَحِيتَانُ الْبَحْرِ، وَهَوَامُّ الْأَرْضِ، وَسِبَاعُ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، وَالْأَنْعَامُ، لِأَنَّ الْعِلْمَ حَيَاةُ الْقُلُوبِ مِنَ الْجَهْلِ، وَمِصْبَاحُ الْأَبْصَارُ مِنَ الظُّلْمَةِ، وَقُوَّةُ الْأَبْدَانِ مِنَ الضَّعْفِ، وَيَبْلُغُ بِالْعَبْدِ مَنَازِلَ الْأَخْيَارِ وَالْأَبْرَارِ، وَالدَّرَجَاتِ الْعُلَى فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَالتَّفَكُّرُ فِيهِ يُعْدَلُ بِالصِّيَامِ، وَمُذَاكَرَتُهُ تُعْدَلُ بِالْقِيَامِ، وَبِهِ تُوصَلُ الْأَرْحَامُ، وَبِهِ يُعْرَفُ الْحَلَالُ مِنَ الْحَرَامِ، وَهُوَ إِمَامٌ، وَالْعَمَلُ تَابِعُهُ، وَيُلْهَمُهُ السُّعَدَاءُ، وَيُحْرَمُهُ الْأَشْقِيَاءُ

(تنبيه الغافلين بأحاديث سيد الأنبياء والمرسلين للسمرقندي (1 / 429):)

وفي الختام

وصفوة القول: إنّه يجب الاعتناء بأمر التعليم، وإعطائه الأولوية في الاهتمام بالنسبة لحاضر العالم الإسلامي؛ لأنه مدخل أساس لتحقيق تنمية حضارية شاملة، والتخلص من حال التراجع الحضاري الذي أرخى سدوله على الأمة الإسلاميّة منذ أمد بعيد، ناهيك عن أنّ عمليّة تنمية العالم الإسـلامي وما يبذل في سـبيل ذلك من جهود، لن تجدي نفعاً إذا لم تعن بأمر التعليم وتنميته قبل غيره من مجالات التنمية الأخرى، ذلك أنّ التنمية عملية حضارية تشمل مختلف أوجه النشاط في المجتمع بما يحقق رفاهية الإنسان وكرامته، فضلاً عن كونها بناءً للإنسان، وتحريراً له، وتطويراً لكفاءاته، وإطلاقاً لقدراته، كما أنها اكتشاف لموارد المجتمع وتنميتها وحسن الاستفادة منها، بحيث تعود بالنفع على المجتمعات الإنسانيّة، دون المساس بسعادتها وأمنها، وذلك كلّه مفتقر إلى العلم ومحتاج إلى التعليم، في البدء والختام.

اللهم ارزقنا العلم النافع

الدعاء

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *