خطبة بعنوان : ( كلمة أنا ومدلولاتها في القران الكريم ) ( أنا نور ونار ) لفضيلة الشيخ : ثروت سويف
بتاريخ 12 شوال 1446هـ ، الموافق 11 أبريل 2025م
اقرأ في هذه الخطبة أولاً : أنا نار أو نور ثانياً:الأنا بطراً وكبراً طريق الي النار ثالثاً : الأنا تواضعا وعبودية نور في طريق الجنة رابعاً: كن لله عبدا فأنت الي الله سائر
الخطبة الأولي
الحمد لله الذي لا ناقض لما بناه.. ولا حافظ لما أفناه.. ولا مانع لما أعطاه.. ولا رادّ لما قضاه.. ولا مظهر لما أخفاه.. ولا ساتر لما أبداه.. ولا مضلّ لمن هداه.. لا هادي لمن أعماه..
سبحانه.. أنشأ الكون بقدرته.. وما حواه.. ورزق الصون بمنّته ومنّة من والاه ..{ وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إيّاه} [ الاسراء23].
سبحانه.. خلق آدم بيده وسوّاه.. وأسكنه في حرم قربه وحماه.. وأمره كما شاء ونهاه.. ثم أجرى عليه القدر بموافقته هواه.. فنزعت يد التفريط ما كساه.. ثم تاب الله عليه فرحمه واجتباه.. وحاله ينذر من يسعى فيما اشتهاه.
طرد إبليس وكانت السموات مأواه.. فأصمّه بمخالفته كما شاء وأعماه.. وأبعده عن بابه للعصيان وأشقاه.. وفي قصته نذير لمن خالف الله وعصاه..
ألان الحديد لداود كما تمنّاه.. يأمن لابسه من يلقاه.. ثم صرع صانعه بسهم قد ألقاه.. فلما تسوّر المحراب خصماه.. أظهر جدال التوبيخ فخصماه.. { وظنّ داود أنّما فتنّاه} [ ص: 24].
ذهب ذو النون مغاضبا فالتقمه الحوت وأخفاه.. فندم لما رأت عيناه ما جنت يداه.. فلما أقلقه كرب ظلام تغشاه.. تضرع مستغيثا ينادي مولاه.. { إني كنت من الظالمين} [ الأنبياء: 87] فنجيناه..
أحمده سبحانه وتعالى… تعالى ربنا سبحانه وحاشاه.. أن يخيب راجيه وينسى من لا ينساه..
أخذ موسى من أمه طفلا ورعاه.. فساقه لى حجر عدوة فربّاه.. وجاد عليه بنعم لا تحصى وأعطاه.. فمشى في البحر وما ابتلت قدماه.. وتبعه عدوّه فأدركه الغرق وواراه.. حتى إذا قال: آمنت.. إذا جبريل بالطين يسد فاه.. وكان من غاية شرف موسى ومنتهاه.. أنه خرج يطلب نارا فناداه.. {ياموسى إني أنا الله} {القصص: 30].. شرف أمته شرفا بما أولاه.. فقال ربنا لهم: { وأني قد فضلتكم على العالمين} [البقرة: 47] ولكن جئنا بـ { كنتم خير أمة أخرجت للناس} [آل عمران:110 ] أخذناه.. فالحمد لله.
خلق محمدا فاختاره على الكل واصطفاه.. صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقربه منه حتى كان قاب قوسين وأدناه.. فأوحى إليه من سرّه وكلمته ما أوحاه.. ووعده المقام المحمود فاللهم بلّغه مناه..
الحمد لله الذي دلنا بنبيه عليه وعرفناه.. وأجلنا بالقرآن العظيم وعلمناه.. وهدانا الى بابه بتوفيق أودعناه..
أحمده سبحانه حمدا لا ينقضي أولاه ولا ينفد أخراه.. فالحمد لله.. الحمد لله.. الحمد لله..
وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله.. صلى الله على محمد ما تحركت الألسن والشفاه.. وعلى آله وصحبه صلاة دائمة تدوم بدوام ملك الله.. ثم سلم تسليما كثيرا.
أما بعد
فيقول الله عز وجل ( مَّا يَلۡفِظُ مِن قَوۡلٍ إِلَّا لَدَيۡهِ رَقِيبٌ عَتِيدٞ 18) ق
فما من كلمة ولا حرف إلا لديك ملكان يكتبان حتى الصفير يقول اكتب صفير وعلي الله التفسير
نعم تبعا لنيتك فإن خطر الكلمة كبير
أولا: أنا نور ونار
عباد الله : إن المرء لا يتكلم بكلمة الا كتبت له او عليه فاياك من كلمة الكبر والعظمة كلمة ( أنا ) التي يراد بها ازدراء الناس فهى نار
وما من كلمة هي أثقل على أذن السامع وأبغض إليه من كلمة «أنا»، وما حديث أكره إلى الناس من حديث المرء عن نفسه فالحكم على كلمة (أنا) ليس على إطلاقه، والسياق يفرق، فأحياناً يجوز استعمالها، وأحياناً لا يجوز استعمالها
فهناك فرق بين ( أنا امان لكم ) ( أنا فرط لكم ) وبين ( أنا خير منه ) ( أنا أكثر منك مالاً وأعز نفرا )
ومن هنا تعلم أن بعض الفضلاء من الناس إذا قال كلمة (أنا) تعوذ، وقال: أعوذ بالله من كلمة (أنا) ، ولا يوجد تثريب شرعي في أن يقولها الإنسان، وإنما نقمها الله على فرعون وعلى إبليس لما بعدها لا للفظة نفسها
وليحذر الإنسان كل الحذر من طغيان ثلاث كلمات: من طغيان أنا، ولي، وعندي، فإن هذه الألفاظ الثلاثة ابتلي بها إبليس وفرعون وقارون، فـ {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ} [الأعراف:12] لإبليس، و {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ} [الزخرف:51] ابتلي بها فرعون، و {إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي} [القصص:78] ابتلى بها قارون.
وأحسن ما وضعت له (أنا) في قول العبد: أنا العبد المذنب المخطئ المستغفر المعترف ونحوه، ولي في قوله: لي الذنب، ولي الجرم، ولي المسكنة، ولي الفقر والذل، وعندي في قوله: اغفر لي جدي وهزلي، وخطئي وعمدي، وكل ذلك عندي
ثانياً : الأنا بطراً وكبراً طريق الي النار
ان هذه الأثرة آفة الإنس والجن وغول فضائلهما، فإذا سيطرت نزعتها على المرء محقت خيره ونمت شره، وحاصرته في كل صنائعه، وجعلته محصورا في نطاق ضيق خسيس، ولا يعرف فيه غير شخصه، ولا يشعر بفرح أو حزن إلا لما يحسه من خير أو شر لنفسه.
هذا الصنف من الناس وقع في عبودية الذات، ولا يحصل منه الخير أبدا، يعامل الناس في حدود ما يصل إليه عن طريقهم، لا يعرف إلا تحقيق آماله هو ولو على حساب الآخرين، وهذا عنوان الكبر الذي هو بطر الحق وغمط الناس، وهذا بريد التعاسة
وَكَانَ مِنْ أَشَدِّ الْمَلائِكَةِ اجْتِهَادًا، وَأَكْثَرِهِمْ عِلْمًا، فَذَلِكَ الَّذِي دَعَاهُ إِلَى الْكِبْرِ، وَكَانَ مِنْ حَيٍّ يُسَمُّونَ جِنًّا وكان مع الملائكة يتعبد معهم، فلما أمروا أن يسجدوا لآدم سجدوا أبى إبليس، فلذلك قال الله عز وجل: «إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ ))
روي الطبري في تاريخه أيضا عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ إِبْلِيسُ مِنْ حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْمَلائِكَةِ يُقَالُ لَهُمُ: الْجِنُّ خُلِقُوا مِنْ نَارِ السَّمُومِ مِنْ بَيْنَ الْمَلائِكَةِ، قَالَ: وَكَانَ اسْمُهُ الْحَارِثَ، قَالَ: وَكَانَ خَازِنًا مِنْ خُزَّانِ الْجَنَّةِ، قَالَ: وَخُلِقَتِ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ مِنْ نُورٍ غَيْرَ هَذَا الْحَيِّ، قَالَ: وَخُلِقَتِ الْجِنُّ الَّذِينَ ذُكِرُوا في القرآن من مارج من نار، وَهُوَ لِسَانُ النَّارِ الَّذِي يَكُونُ فِي طَرْفِهَا إِذَا أُلْهِبَتْ، قَالَ: وَخُلِقَ الإِنْسَانُ مِنْ طِينٍ، فَأَوَّلُ مَنْ سَكَنَ الأَرْضَ الْجِنُّ فَأَفْسَدُوا فِيهَا وَسَفَكُوا الدِّمَاءَ، وَقَتَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، قَالَ: فَبَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهِمْ إِبْلِيسَ فِي جُنْدٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ وهم هَذَا الْحَيُّ الَّذِينَ يُقَالُ لَهُمُ الْجِنُّ، فَقَتَلَهُمْ ابليس ومن معه حي أَلْحَقَهُمْ بِجَزَائِرِ الْبُحُورِ وَأَطْرَافِ الْجِبَالِ، فَلَمَّا فَعَلَ إِبْلِيسُ ذَلِكَ اغْتَرَّ فِي نَفْسِهِ، وَقَالَ: قَدْ صَنَعْتُ شَيْئًا لَمْ يَصْنَعْهُ أَحَدٌ، قَالَ: فَاطَّلَعَ الله على ذلك من قبله، وَلَمْ تَطَّلِعْ عَلَيْهِ الْمَلائِكَةُ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ
وروي الحاكم في المستدرك عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ مِنْ أَدِيمِ الْأَرْضِ كُلِّهَا، فَخَرَجَتْ ذُرِّيَّتُهُ عَلَى حَسْبِ ذَلِكَ، مِنْهُمُ الْأَبْيَضُ وَالْأَسْوَدُ، وَالْأَسْمَرُ وَالْأَحْمَرُ، وَمِنْهُمْ بَيْنَ بَيْنِ ذَلِكَ، وَمِنْهُمُ السَّهْلُ، وَالْخَبِيثُ، وَالطَّيِّبُ» هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ
وقد قيل: إن سبب هلاك ابليس كان من أجل أن الأرض كان فيها قبل آدم الجن، فبعث الله إبليس قاضيا يقضي بينهم، فلم يزل يقضي بينهم بالحق ألف سنة حتى سمي حكما، وسماه الله به، وأوحى إليه اسمه، فعند ذلك دخله الكبر، فتعظم وتكبر، وألقى بين الذين كان الله بعثه إليهم حكما البأس والعداوة والبغضاء، فاقتتلوا عند ذلك في الأرض ألفي سنة فيما زعموا، حتى إن خيولهم تخوض في دمائهم، قالوا: وذلك قول الله تبارك وتعالى: «أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ» ، وقول الملائكة: «أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ» ! فبعث الله تعالى عند ذلك نارا فأحرقتهم قالوا:
فلما رأى إبليس ما نزل بقومه من العذاب عرج إلى السماء، فأقام عند الملائكة يعبد الله في السماء مجتهدا لم يعبده شيء من خلقه مثل عبادته، وكان يقال عنه طاووس الملائكة فلم يزل مجتهدا في العبادة حتى خلق الله آدم، فكان من امره ومعصيته ربه ما كان من عدم السجود مع الملائكة ولما سأله لما لم تنفذ أمري قال انا خير منه في مادتى أأسجد لمن خلقت طينا
أَحَدُهَا- أَنَّ مِنْ جَوْهَرِ الطِّينِ الرَّزَانَةَ وَالسُّكُونَ، وَالْوَقَارَ وَالْأَنَاةَ، وَالْحِلْمَ، وَالْحَيَاءَ، وَالصَّبْرَ. وَذَلِكَ هُوَ الدَّاعِي لِآدَمَ عليه السلام بَعْدَ السَّعَادَةِ الَّتِي سَبَقَتْ لَهُ إِلَى التَّوْبَةِ وَالتَّوَاضُعِ وَالتَّضَرُّعِ، فَأَوْرَثَهُ الْمَغْفِرَةَ وَالِاجْتِبَاءَ وَالْهِدَايَةَ والهمه كلماته فَكَانَ آدم عليه السلام، أول من دَعَا فَأُجِيب، وامتحن فأثيب، وَخرج من ضيق وكرب، إِلَى سَعَة ورحب، وسلى همومه، وَنسي غمومه، وأيقن بتجديد الله عَلَيْهِ النعم، وإزلته عَنهُ النقم، وَأَنه تَعَالَى إِذا استرحم رحم.
فأبدله تَعَالَى بِتِلْكَ الشدائد، وعوضه من الابْن الْمَفْقُود، وَالِابْن الْعَاق الْمَوْجُود، نَبِي الله شِيث صلى الله عَلَيْهِ، وَهُوَ أول الْأَوْلَاد البررة بالوالدين ووالد النَّبِيين
فلما لم يتكبر ادم ولم يقل أنا تاب فتاب الله عليه قال تعالي ✸{فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37)}.
قيل: إن (هذه) الكلمات مفسرة بقوله تعالى: {قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23)} [الأعراف] وروى هذا عن مجاهد
نور الأنا لادم عليه السلام كانت سبباً في أن يتوب إلى الله فيتلقي من الله الكلمات فيتوب عليه
عن عبيد بن عمير أنه قال: قال آدم: يا رب!، خطيئتي التي أخطأت شيء كتبته علي قبل أن تخلقني، أو شيء ابتدعته من قبل نفسي؟ قال: بل (كتبته) عليك قبل أن أخلقك. قال: فكما كتبته عليَّ فاغفره لي
وقال ابن أبي نجيح، عن مجاهد – أنه كان يقول في قوله تعالى: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ} – قال: الكلمات: اللهم لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك، رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي إنك خير الغافرين، اللهم لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك؛ رب إني ظلمت نفسي فارحمني إنك خير الراحمين، اللهم لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك، رب إني ظلمت نفسي فتب عليَّ إنك أنت التواب الرحيم
عن النبي صلى الله عليه وسلم: “لما أُهبط آدم إلى الأرض، طاف بالبيت سبعًا، وصلى خلف المقام ركعتين، ثم قال: اللهم إنك تعلم سري وعلانيتي، فأقبل معذرتي، وتعلم حاجتي، فأعطني سؤلي، وتعلم ما عندي، فاغفر ذنوبي، أسألك إيمانًا يباشر قلبي، ويقينًا صادقًا حتى أعلم أنه لن يصيبني إلا ما كتبت لي. قال: فأوحى الله إليه: إنك قد دعوتني بدعاءٍ استجبت لك فيه، ولمن يدعوني به، وفرجت همومه وغمومه، ونزعت فقره من بين عينيه، (واتجرت) له من وراء كل تاجر، وأتته الدنيا وهي
كارهة، وإن لم يردها”. رواه الطبراني في “معجمه الكبير
وعدو الله فرعون اودت به الأنا الي النار قال تعالي {أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ} يعني فرعون لعنه الله بذلك أنه خير من موسى عليه الصلاة والسلام، وقد كذب في قوله هذا كذبًا بينًا واضحًا، فعليه لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة. ويعني بقوله: {مَهِينٌ} حقير.
وقال قتادة والسدي: يعني ضعيف
{وَلَا يَكَادُ يُبِينُ} أي: لا يكاد يفهم.
وقال قتادة والسدي وابن جرير: يعني عيي اللسان.
وقال سفيان: يعني في لسانه شيء من الجمرة حين وضعها في فمه وهو صغير، وهذا الذي قاله فرعون لعنه الله كذب واختلاق، وإنما حمله على هذا الكفر والعناد وهو ينظر إلى موسى عليه الصلاة والسلام بعين كافرة شقية، وقد كان موسى عليه السلام من الجلالة والعظمة والبهاء في صورة يبهر أبصار ذوي الألباب
وإنما أراد الترويج على رعيته فإنهم كانوا جهلة أغبياء وهكذا قوله: {فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ} وهي ما يجعل في الأيدي من الحلي. قاله ابن عباس وقتادة وغير واحد {أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ} أي: يكنفونه خدمة له ويشهدون بتصديقه، نظر إلى الشكل الظاهر ولم يفهم السر المعنوي هو أظهر مما نظر إليه لو كان يفهم، ولهذا قال تعالى: {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ} أي: استخف عقولهم فدعاهم إلى الضلالة فاستجابوا {إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ}
✸{فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24)}.
قال ابن عَبَّاسٍ ومجاهد: وهذه الكلمة قالها فرعون بعد قوله: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص: 38] بأربعين سنة
قال الله تعالى: {فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (55)} قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: {آسَفُونَا} أسخطونا.
وقال الضحاك عنه: أغضبونا، وهكذا قال ابن عباس
عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِذَا رَأَيْتَ اللَّهَ يُعْطِي الْعَبْدَ مَا يُحِبُّ وَهُوَ فِي ذَلِكَ مُقِيمٌ عَلَى مَعَاصِيهِ، فَإِنَّمَا ذَلِكَ مِنْهُ اسْتِدْرَاجٌ» ثُمَّ تَلَا {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ} [الأنعام: 44] الْآيَةَ. المعجم الأوسط للطبراني
وكفر الرد والإباء يؤدي إلى زوال أصل الانقياد من القلب، وأصل العبودية خضوع وانقياد مع حب، فإذا زال من القلب أصل الخضوع كفر المخلوق والعياذ بالله، فهذا إبليس كفر مع إقراره بوجود الله، ومع إقراره أن الله خلقه، ومع إقراره بيوم البعث، ومع إقراره أن الله هو الذي يمد في العمر ومع كل ذلك كفر إبليس؛ لأنه انتفى من قلبه أصل الانقياد، وانتفى من قلبه الخضوع لله عز وجل، فآدم عليه السلام عصى، وإبليس عصى، وآدم لم يكفر عليه السلام، وإبليس كفر؛ لأن آدم لما عوتب قال: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا} [الأعراف:23].
وشتان بين من قال: {لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ} [الحجر:33]، وبين من قال: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا} [الأعراف:23]! وهذا فرق كبير جداً بين إنسان تأمره بطاعة الله فيقول: أنا مخطئ، أنا مقصر، وبين آخر يقول: دعنا من الشرع! لا ألتزم ولا أطيع! فهذا هو الذي يرد شرع الله عز وجل.
ثالثاً : الأنا تواضعا وعبودية نور في طريق الجنة ………….
والمؤمن لا بد أن يكون في قلبه أصل الحب والانقياد، وأصل الخضوع لله عز وجل، ولذا يقال: طريق معبد أي: مذلل، فالعبودية أصلها من الذل والخضوع، ولذلك إذا زال من القلب أصل الخضوع -بمعنى: أنه لا يرى لله عليه أمراً يطاع- زال من قلبه الإيمان ولو أطاع في أوامر أخرى، ولو كان يعبد الله قبل ذلك بسنين فإنه لا يكون مؤمناً، لذا كان مرض الكبر والعياذ بالله مرضاً منتشراً أيضاً في بني آدم، والذرة منه تمنع دخول الجنة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر)
وما أحسن هذه الأنانية المفصحة عن حقيقة العبودية
وفي “سنن أبي داود” عن عائشة رضي الله تعالى عنها: أنَّ رَسُوْلَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كانَ إِذَا سَمعَ الْمُؤَذِّنَ يَتَشَهَّدُ قَالَ: “وَأَنَا، وَأَنَا” (1
فليس الأمر كما أطلق من ظن أن كلمة (أنا) مكروهة لمجرد مشابهة إبليس، خاصة أن هناك نصوصاً كثيرة تناقض هذا القول، حيث استعملت فيها كلمة (أنا) في موضعها، فلا حرج من استعمالها في موضعها، فمن ذلك قول الله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} [الكهف:110]، وقال عز وجل حكاية عن نبيه صلى الله عليه وسلم: {وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام:163]، وقال: {وَمَا أَنَا مِنْ الْمُتَكَلِّفِينَ} [ص:86]، وقال: {إِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ} [العنكبوت:50]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم (أنا) في عدة أخبار مثل قوله: (أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب)، وقوله أيضاً صلى الله عليه وسلم: (أنا سيد ولد آدم ولا فخر)، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أصبح منكم اليوم صائماً؟ قال أبو بكر: أنا، قال: من عاد منكم اليوم مريضاً؟ قال أبو بكر: أنا) فقول أبي بكر (أنا) لا محذور فيه؛ لأنّه كان حاضراً في المجلس ويرونه، بخلاف ما لو كان في الاستئذان.
(قال: من شهد منكم اليوم جنازة؟ قال أبو بكر: أنا، قال: من أطعم اليوم مسكيناً؟ قال أبو بكر: أنا، قال مروان بن معاوية: بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما اجتمعت هذه الخصال في رجل في يوم إلا دخل الجنة).
وعن أبي بكر رضي الله عنه قال: أي سماء تظلني، وأي أرض تقلني إذا أنا قلت في كتاب الله عز وجل بما لا أعلم؟! وقال علي رضي الله عنه: أنا الذي سمتني أمي حيدرة.
وعن بريدة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى المسجد وأبو موسى يقرأ، قال: فجئت فقال: من هذا؟ قلت: أنا بريدة )
ومما يمكن أن يتميز أنا ويجعلها نور التكافل وإعانة المَدِين (الغارم) بسداد دَيْنه، حتى إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فتح الله عليه الفتوح، واستغنى بيت مال المسلمين، قال: «أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن تُوفِّي من المؤمنين، فترك دَينًا، فعليَّ قضاؤه ..»
قال صاحب الجنتين لصاحبه وهو يحاوره، أي يجادله، ويخاصمه يفتخر عليه ويترأس {أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا} أي: أكثر خدمًا وحشمًا وولدًا، قال قتادة: تلك والله أمنية الفاجر، كثرة المال وعزة النفر .
وأنا تكون نورا وتواضعا لانه ما تواضع احد الا رفعه الله
فَفَلَقَ رَأْسَ مَرْحَبٍ بِالسَّيْفِ، وَكَانَ الْفَتْحُ عَلَى يَدَيْهِ . مسلم
وتكون انا نورا في التواضع وتسكيفا وأمانا للخائف
عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ، قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ، فَكَلَّمَهُ، فَجَعَلَ تُرْعَدُ فَرَائِصُهُ، فَقَالَ لَهُ: «هَوِّنْ عَلَيْكَ، فَإِنِّي لَسْتُ بِمَلِكٍ، إِنَّمَا أَنَا ابْنُ امْرَأَةٍ تَأْكُلُ الْقَدِيدَ» سنن ابن ماجة وأخرجه الحاكم في “مستدركه
أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، الحمد لله الذي خلق الأرض والسموات، الحمد لله الذي علم العثرات، فسترها على أهلها وأنزل الرحمات، ثم غفرها لهم ومحا السيئات، فله الحمد ملء خزائن البركات، وله الحمد ما تتابعت بالقلب النبضات، وله الحمد ما تعاقبت الخطوات، وله الحمد عدد حبات الرمال في الفلوات، وعدد ذرات الهواء في الأرض والسماوات، وعدد الحركات والسكنات.
وأشهد أن لا إله إلا الله لا مفرّج للكربات إلا هو، ولا مقيل للعثرات إلا هو، ولا مدبر للملكوت إلا هو، ولا سامع للأصوات إلا هو، ما نزل غيث إلا بمداد حكمته، وما انتصر دين إلا بمداد عزته، وما اقشعرت القلوب إلا مِن عظمته، وما سقط حجرٌ من جبل إلا من خشيته.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله قام في خدمته، وقضى نحبه في الدعوة لعبادته، وأقام اعوجاج الخلق بشريعته، وعاش للتوحيد ففاز بخلته، وصبر على دعوته فارتوى من نهر محبته،.. صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه، ومن سار على نهجه واستن بسنته وسلم تسليمًا كثيرا إلى يوم الدين
أما بعد
فأين انت يا من تقول انا انا
نح علي نفسك يا ضعيف كما تنوح ستموت وإن عمرت عمر نوح
أين أنا العظمة والكبرياء عندما تدفن في قبرك وحيداً ذليلا
عَن أبي الْحجَّاج الثمالِي رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول الْقَبْر للْمَيت حِين يوضع فِيهِ وَيحك يَا ابْن آدم مَا غَرَّك بِي ألم تعلم أَنِّي بَيت الظلمَة وَبَيت الْفِتْنَة وَبَيت الْوحدَة وَبَيت الدُّود مَا غَرَّك بِي إِذْ كنت تمر بِي فدادا قَالَ فَإِن كَانَ مصلحا أجَاب عَنهُ مُجيب الْقَبْر فَيَقُول أَرَأَيْت ان كَانَ مِمَّن يَأْمر بِالْمَعْرُوفِ وَينْهى عَن الْمُنكر فَيَقُول اني إِذا أَعُود إِلَيْهِ خضرًا وَيعود جسده عَلَيْهِ نورا وتصعد روحه إِلَى رب الْعَالمين . نوادر الأصول
أنا يجب أن تكون لخدمة الضعيف فتقول انا معك أنا افديك أأنت أعظم ام يوسف لن يعقوب الكريم بن الكريم بن الكريم بن الكريم
إن نبي الله يوسف طمأن أخاه بنيامين وكان يوسف نبيا عظيماً عزيزاً لمصر فقص علينا ربنا ذلك بقوله
يخبر تعالى عن إخوة يوسف لما قدموا على يوسف ومعهم أخوه شقيقه بنيامين، وأدخلهم دار كرامته ومنزل ضيافته، وأفاض عليهم الصلة والألطاف والإحسان، واختلى بأخيه فأطلعه على شأنه وما جرى له، وعرفه أنه أخوه، وقال له: لا تبتئس؛ أي: لا تأسف على ما صنعوا بي، وأمره بكتمان ذلك عنهم، وأن لا يطلعهم على ما أطلعه عليه من أنه أخوه، وتواطأ معه أنه سيحتال على أن يبقيه عنده معززًا مكرّمًا
هذا وصلوا وسلموا تسليما كثيرا علي سيدنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين
اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، واعل بفضلك كلمتي الحق والدين، اللهم اقبلنا وتقبل منا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا ديناً إلا أديته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا عاصياً إلا هديته، ولا طائعاً إلا ثبته، ولا حاجة لك فيها رضى ولنا فيها صلاح إلا
قضيتها ويسرتها يا رب العالمين.
إن الله يأمر بثلاث وينهي عن ثلاث يأمر بالعدل والإحسان وايتاء ذي القربى وينهي عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون
اذكروا الله يذكركم واستغفروه يغفر لكم واقم الصلاة إن الصلاة كانت علي المؤمنين كتابا موقوتا