أحداث غزة إختبار وتمحيص لقلوب المؤمنين
9 أبريل، 2025
أخبار العالم الإسلامى

بقلم الأستاذ: حامد عمر
لمن يسأل: أينَ الله؟ ولماذا لا ينتقمُ لغزَّة
روى مسلمٌ، وأحمدُ، والنّسائيُّ، وأبو داود، من حديث أبي هريرة:
أنَّ النبيَّ ﷺجاءَه ناسٌ من أصحابه فقالوا : يا رسولَ اللهِ، نجدُ في أنفسِنا الشيءَ نُعَظِّمُ أن نتكلَّمَ به، ما نحبُّ أنَّ لنا الدُّنيا وأنَّا تكلمْنا به!
فقال لهم النَّبيُّ ﷺ: أوَ قَدْ وجدتموه؟
قالوا: نعم!
فقال لهم النّبيُّ ﷺ: ذاك صريحُ الإيمانِ!
الأزماتُ والفِتنُ ملعبُ الشّيطان وفُرصتُه السّانحة ليُفسدَ على المُؤمنِ إيمانه، ويعبثُ بمقامِ اللهِ في قلبه، ونحن بشرٌ نهاية المطاف، تخفى علينا حكمة الله جلَّ في علاه في بعض الأمور، وليس لنا من الأمر إلا ما نُشاهده، وتدور في العقل أسئلة، يخاف المرءُ أن يتحدّث بها، ويدفعها بالاستغفار، وهذا ليس من نواقض الإيمان بل من كماله، فكلما غابتْ عنكَ الحكمة فسلِّمِ الأمرَ لصاحب الأمر، هو أعدل وأرحم من أن يُراجع في قضائه، أو أن يُسأل عمّا قدَّره في ملكه، وكُلنَّا عبيدٌ في مُلكه!
سيقولُ لكَ الشيطانُ: أين اللهُ عمّا يجري في غزّة، ألا يغضبُ للأطفال يُنتشلون أشلاءً من تحت الأنقاض؟
ما ذنبُ العجائز أن يُقتلنَ، وما ذنبُ الشُّيوخ أن يُسْحلنَ؟أليس قادراً على أن يُعطّل الطائرات ويُلجمَ المدافع؟
أوّلاً: هذه الدُّنيا دار امتحانٍ لا دار جزاء، واللهُ هو الذي يسألُ عبده عمّا فعلَ فيما امتحنه به، لا العبدُ هو الذي يسألُ ربّه: لِمَ امتحنتني في هذا؟ فلنتأدّبْ!
ثانياً: إنَّ الأشياء تُؤخذُ بمحصّلتها النهائية وليس بظرفها الحالي، فلو شهدتَ فرعون يُلقي أبناء الماشطة في الزيت المغلي حتى تطفو عظامهم، ثم يُلقيها معهم حتى تطفو عظامها أيضاً، لسألتَ سُؤال العبد المُتلهّف للانتقام: أين الله؟ ما ذنبُ الأطفال أن يُقتلوا بهذه البشاعة؟ ولمَ لا يدفعُ عن هذه المسكينة؟
ثم ما الذي حدثَ بعدها؟
فرعون أطبقَ الله تعالى عليه البحر وهو خالدٌ مُخلّد في النّار، والماشطة وأولادها شمَّ النبيُّ ﷺ ريحهم في الجنة ليلة المعراج!
ثالثاً: إنَّ الله سبحانه يُملي للظالم ثم يأخذه أخذ عزيز مقتدر، ولكن من قال لكَ أن كلّ الظلم موعده الدُّنيا، فلمَ كان يومُ القيامة إذاً، ولأيِّ شيءٍ كان السراط والميزان والحساب، ولأيِّ شيءٍ خُلقتِ الجنّة والنّار!
أصحاب الأخدود أُحرقوا جميعاً في الدُّنيا، وأنطقَ اللهُ تعالى الرّضيع ليقول لأمه: اثبتي فإنّكِ على الحق! فخاضت غمار النّار!
ولم يُحدّثنا اللهُ تعالى أنه انتقمَ لهم في الدُّنيا، ولكنّه سيفعلُ هذا يوم القيامة!
المعاركُ ليست بنتائجها الظّاهرة، فإن ربحتَ كلّ الصراعات ثمّ أُلقيتَ في النّار فإنّك خاسر، وإن سُحقتَ وأُحرقتَ وأنتَ على الحقّ فأنتَ فائز!
رابعاً: لو أنفذَ اللهُ تعالى انتقامه عند كلّ ظلمٍ لانتفى مبدأ الامتحان في الدُّنيا من أساسه!ولو ربحَ الحقُّ كلّ جولةٍ في صراعه مع الباطل لامتلأتْ صفوفه بعُبَّاد النّتائج!ولكنَّ الله تعالى أراد هذه الدُّنيا زلزالاً للقلوب، وصاعقةً للمبادىء!
فإنْ لم يكُنْ عدوانٌ وإجرامٌ فكيفَ سيُمتحنُ العبادُ بفريضة الجهاد، ثمّ ينقسمون إلى مجاهدين ومتخلّفين، وإلى مُناصرين ومُخذّلين، وإلى مُنفقين في سبيل اللهِ وباخلين في سبيل الشّيطان!