«كفاكم لعبًا بالنار… فأنتم وقود الفتنة، لا أنصار القضية»

بقلم فضيلة الشيخ : أحمد السيد السعيد
(واعظ عام، وعضو لجنة التحكيم والمصالحات بالأزهر الشريف)

 

كلما اشتدت النوازل في فلسطين، خرج علينا قومٌ لا يحسنون إلا الملامة، يرمون غيرهم بالتقصير وهم أول المتخلفين، ويتكلمون باسم الجهاد وهم أبعد الناس عن ميادينه.

يسألون: لماذا لا تفعل مصر كذا؟
ولماذا لا يُفتح كذا؟
ولماذا لا تُجتز الحدود؟!
ونحن نسألهم نفس الأسئلة:
وأنتم… ماذا فعلتم؟
هل حملتم أولادكم على أكتافكم وتوجهتم إلى الثغور؟
هل بعتم ما زاد عن حاجتكم، وأنفقتم في سبيل من تزعمون نصرتهم؟
هل بادرتم بأنفسكم، أم اكتفيتم بدور المحرّضين من خلف الشاشات والهاشتاغات؟!
ابدؤوا بأنفسكم، ولا تنتظروا من غيركم أن يضع عنكم الأمانة.

كفاكم تزويرًا للوعي.
كفاكم خلطًا بين العاطفة والشرع.
أأنتم من يقرر متى يكون الجهاد فرض عين؟!
أأنتم من يوزع التهم؟!
تُصورون للناس أن من لم يأخذ برأيكم فهو خاذل للقدس، وخادم للعدو؟!
اتقوا الله… فالفتنة لا تأتي إلا من هذا الباب!

إننا نعرف حجم المعاناة في فلسطين، ونشعر بكل لحظة وجعٍ فيها، ولكن الطريق إلى النُصرة ليس بالتهور، ولا بتعريض الضرورات للهلاك، ولا بتجاوز قواعد الشريعة التي جاءت لحفظ الدين والنفس والدم.

وهذه بعض ضوابط دفع الضرر في الشريعة؛ فإنها ميزان لا يميل بالعاطفة

ليست الشريعة مبنية على العواطف الجياشة، بل على قواعد راسخة تُراعي المآلات، وتحفظ الكليات، ومن أهم ما قرره العلماء في هذا الباب:

الضرر لا يزال بالضرر

لا يجوز إزالة ضررٍ بإحداث ضررٍ أعظم منه، بل يجب أن تكون الوسيلة في دفع الضرر راجحة النفع، محسوبة العواقب.

دفع أعظم الضررين بارتكاب أخفهما

إذا تعارضت مفسدتان، قُدِّم الأخف لتحصيل دفع الأشد، بشرط أن يكون ذلك بميزان دقيق لا يتكئ على الظن أو الحماسة.

الوسائل لها أحكام المقاصد

فإن كانت الوسيلة إلى النُصرة تُفضي إلى فتنة داخلية، أو سفك دماء بغير قدرة حقيقية، فهي محرّمة، ولو كانت النية صالحة.

القدرة مناط التكليف

قال تعالى: “لا يُكلف الله نفسًا إلا وُسعها”، وقال الفقهاء: العجز مسقط للواجبات، فلا يُؤمر المرء بما لا يطيق؛ فالأمرُ مقيَّد بالاستطاعة؛ إذ لا أمرَ مع عجزٍ ولا نهي مع اضطرارٍ، قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «إذا أمرتُكم بشيءٍ فأتوا منه ما استطعتم…».

درء المفاسد مقدم على جلب المصالح

حتى لو وُجد في الفعل نُصرة، فإنْ ترتب عليه فساد أكبر، رُجّح تركه اتقاءً للفتنة، وهذا أصل من أصول الموازنة الفقهية.

فمن أراد أن يُنصر الدين، فليأخذه بقواعده لا بانفعاله.
ومن صدق في نصرة فلسطين، فباب البذل مفتوح، قبل باب المزايدة.

وإن عجز، فليكف لسانه عن تأليب الناس، فإن من الفتنة ما هو أشد من القتل.

اللهم انصر إخواننا المستضعفين، وداو جرحى المسلمين، واحفظ ديار المسلمين، وصن أعراض المسلمين، وقو رجال المسلمين، اللهم يا غياث المستغيثين أعث إخواننا، رُحماك يا الله، لطفك يا الله، وا غوثاه، وا غوثاه، وا غوثاه!

اللهم احفظ مصر من خيانة الخائنين ومكر الماكرين وشر الأشرار وكيد الفجار، واجعلها فى ضمانك وأمانك إلى يوم الدين، اللهم آمين.

اترك تعليقاً