تدين مشوّه.. حين يصبح دم أطفال غزة وسيلة لتلميع صورة القتلة

بقلم الدكتور : فارس  أبوحبيب
إمام وخطيب ومدرس بوزارة الأوقاف المصرية

 

في الوقت الذي تُرتكب فيه المجازر في غزة، يخرج علينا بعض “الدعاة” أو من يسموا أنفسهم دعاة السلفية ممن يتخذون من الفضائيات ومواقع التواصل منابر دعوية، لا ليواسي الناس أو يثيروا الحمية، بل ليقولوا: “شكراً نتنياهو لأنك كنت سبباً في دخول أطفال غزة الجنة!” وكأن القاتل قد أصبح سببًا في الهداية، وكأن الدم الفلسطيني أرخص من أن يُدان القاتل لأجله!

أولاً: هذا الخطاب يُجافي مقاصد الشريعة:

الشريعة جاءت لحفظ النفس، وقد قرر القرآن ذلك صراحة: {من قتل نفسًا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعًا} [المائدة: 32]
فكيف يُبرر القتل وتُمنح شرعية دينية ضمنية للعدو، بزعم أنه “سبب لدخولهم الجنة”؟ وهل إذا دخل الطفل الجنة نُسقط حقه في الحياة ونشكر قاتله؟!

ثانيًا: البلاء لا يعني الرضا بالجريمة، بل يوجب دفعها:

نعم، البلاء قد يكون تكفيرًا للذنوب ورفعًا للدرجات، لكن لم يقل أحد من العلماء إننا نفرح به ونبرر أسبابه! بل الواجب أن نرفعه.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: “من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان” [رواه مسلم]
فهل تبرير العدوان بالجنة تغيير منكر؟ أم دعم خفي له؟

ثالثًا: لا يجوز تحميل الضحية ذنب الجريمة:

هذا النوع من الخطاب يُحمّل المظلومين في غزة مسؤولية مصابهم، ويُلمّح أن النساء اللواتي لم يتحجبن، أو الرجال الذين قصّروا، هم السبب في الهزيمة!
وهذا يناقض قول الله تعالى: {ولا تزر وازرة وزر أخرى} [الأنعام: 164]
فلا يجوز شرعًا إلصاق نتائج الجريمة بالضحايا بدلاً من المجرمين.

رابعًا: النبي لم يبرر الظلم، بل دعا إلى مقاومته:

النبي محمد صلى الله عليه وسلم، حينما قُتل طفل في إحدى الغزوات، قال غاضبًا: “ما بال أقوام جاوز بهم القتل اليوم حتى قتلوا الذرية؟”
فقال رجل: يا رسول الله، إنهم أولاد المشركين!
قال: “أليس من خياركم من كان ولد مشرك؟ كل نسمة تولد على الفطرة” [رواه البخاري ومسلم]
فلم يُبرر قتل الأطفال حتى في الحرب، فكيف يُبرره دعاة التلفاز بعد القصف الصهيوني؟!

خامسًا: الصمت عن الباطل خير من الكلام المشوّه:

إذا لم تستطع أن تقول كلمة تواسي بها أمًا ثكلى، أو تُدين بها المجرم، فاصمت.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت” [متفق عليه]

ختامًا:

هذه الأمة لا تحتاج إلى خطاب يُبرر ضعفها، بل إلى من يُوقظ فيها روح العزة والكرامة.

إن صمتَ البعض عن كلمة الحق لا يعني أن يتحدثوا بالباطل. وإن كانت الجنة مأوى الشهداء، فإن الدنيا لا تزال أرض التكليف، والعمل، والجهاد، لا الاستكانة، ولا التبرير للقاتل.

غزة لا تحتاج إلى شكر لنتنياهو، بل إلى وقفة حق، وموقف رجال، ونُصح صادق لا يشوّه الدين باسم التوحيد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *