السالكون … والرؤى !

بقلم الدكتور : أحمد شتيه
الأستاذ بكلية الآداب – جامعة دمنهور

المريدون في طريق أهل الله صنوف ومراتب ، فمنهم السائر وهو المبتديء. والسالك وهو من فتح له الباب. والواصل وهو من حط رحاله بعد نجحان رحلته ووصوله إلى المعرفة بربه.

السائر في بداية أمره وتركه حياة الغفلة يفتح له باب البشارة. وربما باب التوجيه. والتربية بأشكال عدة. من جملة تلك الأشكال : الرؤى والمنامات.

يحتاج السائر والسالك أيضا إلى هذا الباب من أجل ثبات قدمه. والاطمئنان لسلامة الطريق الذي يسير فيه. مع صحبة شيخه وملازمة توجيهاته. وكان المعصوم صلى الله عليه وسلم يشير لذلك حين كان يطلب من الصحب عليهم رضوان الله أن يقصوا ما رأوا من الرؤى.

قد تأتي الرؤى لتثبيت اليقين في السلوك وفي الطريق وفي الشيخ. لكن هناك صنفا يجب أن يحذر منه المريد كل الحذر. وهي الرؤى التي تشير إلى حال المريد مع ربه. فهي من أكبر أبواب الاستدراج .

ربما يرى المريد أن قدره صار كبيرا ، وأنه نال الولاية العظمى. وأنه صار من الأقطاب. وأنه وأنه . وهذا كثييييير جدا من حيث حدوثه. بل إنه يحدث كل لحظة.

ربما يرى المريد في رؤاه أمورا يسلم لها ويؤمن بها وهي من مداخل إبليس. لأن المريد في بداياته لا يملك البصيرة النافذة التي يفرق بها بين ما كان من الله وما كان من النفس وما كان من الشيطان.

ربما نصب الشيطان للمريد فخا بالاتفاق مع هواجس النفس يهوي بالمريد إلى هاوية ( الوهم ). كأن يسول له أمرا محرما ويجعله موقنا بأنه من الحلال بل ربما أقنعه بأنه من أسباب الفتح. كشرب خمر أو صحبة مدع أو ما إليه .

وربما كشف الله للمريد حالا لأخيه الذي يشار إليه بالخير أو الصلاح غير محمودة. ليمتحن نفس المريد في أخيه. هل يكشف ستره؟ هل تعلو نفسه ؟ ….

كل الإشكال المتعلق بالرؤى ينتهي لو فهم المريد أمرين مهمين … جدا … هو أن المطلوب من المريد دوما أن يكون مجاهدا لنفسه. غير راض عنها. لا يظن فيها الخير. بل يؤدبها مستعينا بربه. فإن بدأ له منها خير فالنظر إلى ربه بالشكر. مع رجاء الستر والثبات. فلو بدا له في الرؤى أنه صار قطب زمانه فليتهم نفسه. وليحذر. وليعتبر ذلك من صنوف الامتحان. حتى ترسخ قدمه. ويتم الله فتحه. هذا الأول .

الأمر الثاني : أن يحذر المريد من معنى المخالفة الشرعية للكتاب والسنة. فإن كانت له معاص مقطوع بها. ثم رأى في الرؤى أنه على الصواب وعلى الخير فليعلم أن هذا ( محض استدراج) لأن إبليس يدخل له من الباب الذي يحب. ليسول له من ألوان المعاصي ما يحب. فليتنبه. وليحذر.

وإن رأى المريد شيئا مخالفا للكتاب والسنة. كأن يكشف له عن جاره في قعر بيته ما يفعل. فليعلم أن القوم سمّوه كشفا شيطانيا. لأنه مخالف للشريعة .

قال سيدي أبو الحسن الشاذلي قدس سره : إذا عارض كشفك الكتاب والسنة فاترك الكشف والزم الكتاب والسنة . فإن الله ضمن العصمة فيهما ولم يضمنهما في جانب الكشف.

وليس أدل على ذلك عند القوم من قصة سيدي عبد القادر الجيلاني قدس سره حين تبدى له إبليس في هيئة التجلي الإلهي. وأمره بترك الصلاة. فلعنه ونجا منه لشدة فقهه وتمسكه بالكتاب والسنة.

لذلك فالمريد دوما محتاج إلى قص تلك الرؤى على شيخه الذي يجب أن يكون لديه البصر النافذ في روح مريده. أو على الأقل لديه القواعد العامة التي تؤهله لتوجيهه في هذا وفي غيره بل في كافة شؤونه.

كثير من المنتسبين لديهم أخطاء شرعية كبيرة. لكنهم إن رأوا من الرؤى ما يسرهم عن نفوسهم. تركوا ما يعرفون عن نفوسهم وصدقوا تلك الرؤى الاستدراجية. وهنا الكارثة كل الكارثة.

اترك تعليقاً