خطبة بعنوان ( مكانة الأم في الإسلام ) لفضيلة الدكتور محمد سالم الشافعى

خطبة بعنوان ( مكانة الأم في الإسلام )
لفضيلة الدكتور محمد سالم الشافعى


لتحميل الخطبة pdf اضغط على الرابط أدناه 
omk somaomk

الحمد لله الذى كرم الأبوين, وقرنهما بعبادته, فقال وهو أصدق القائلين ( وَٱعۡبُدُواْٱللَّهَ وَلَا تُشۡرِكُواْ بِهِ ۦشَيۡـٔٗاۖ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنٗا) (النساء) وقوله جل جلاله ( وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْإِلَّآ إِيَّاهُ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنًاۚ إِمَّا يَبۡلُغَنَّ عِندَكَ ٱلۡكِبَرَأَحَدُهُمَآ أَوۡ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَآ أُفّٖ وَلَا تَنۡهَرۡهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوۡلٗا كَرِيمٗا * وَٱخۡفِضۡ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحۡمَةِ وَقُل رَّبِّ ٱرۡحَمۡهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرٗا ) ( الإسراء) وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأن سيدنا وقائدنا وقدوتنا سيدنا محمدًا صلى الله عليه وسلم وبعد؛؛

فحديثنا اليوم عن أعظم منة ومنحة, عن الوطن, والدفء والأمان, عن السكن والسكينة والحنان, عن الأم ومكانتها, التي لا تضارعها ولا تضاهيها مكانة, ولذا نجد الحق سبحانه, يوصي بالأم بشكل خاص حيث يقول وهو أصدق القائلين: ( وَوَصَّيۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ بِوَٰلِدَيۡهِ حَمَلَتۡهُ أُمُّهُۥ وَهۡنًاعَلَىٰ وَهۡنٖ وَفِصَٰلُهُۥ فِي عَامَيۡنِ أَنِ ٱشۡكُرۡ لِي وَلِوَٰلِدَيۡكَ إِلَيَّ ٱلۡمَصِيرُ * وَإِن جَٰهَدَاكَ عَلَىٰٓ أَن تُشۡرِكَ بِي مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦعِلۡمٞ فَلَا تُطِعۡهُمَاۖ وَصَاحِبۡهُمَا فِي ٱلدُّنۡيَا مَعۡرُوفٗاۖ وَٱتَّبِعۡ سَبِيلَ مَنۡ أَنَابَ إِلَيَّۚ ثُمَّ إِلَيَّ مَرۡجِعُكُمۡ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ )(لقمان) وقوله جل جلاله ( وَوَصَّيۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ بِوَٰلِدَيۡهِإ ِحۡسَٰنًاۖ حَمَلَتۡهُ أُمُّهُۥ كُرۡهٗا وَوَضَعَتۡهُ كُرۡهٗاۖ وَحَمۡلُهُ ۥوَفِصَٰلُهُۥ ثَلَٰثُونَ شَهۡرًاۚ ) ( الأحقاف)

وصية من الله, ووصية الله واجبة النفاذ, وعندما تقف أمام هذا المعني, تجد أنك أن أمام معاني عظيمة, وبلاغة صافية, لن تجدها إلا في كتاب الله, بداية من كلمة وصية, والوصية في اللغة: تعني الصلة, وفيها معني الوصل, وتعني الفرضية وهو المراد هنا, وفيها معنى رقيق عظيم, تشعر بفضل الأم, ومكانتها, فالوصية تكون للشيء النفيس وعن الشيء الثمين, ولما كانت الأم أثمن وأغلى الموجودات فقد وصى الحق سبحانه بها, وعنيت الشريعة لأمرها.

الأمر الثاني: قوله جل جلاله حسنا, بالضم ومنهم من قرأ بالفتح, وتعني كل ألوان البر , حتى وإن أشركا بالله, ثم خص الأم, لعظم دورها, ولذا يقول إمام الدعاة رحمه الله:

إن الأم  تقوم بالجزء غير المنظور في حياة الابن أو غير المُدْرَك عقلًا، بمعنى أن الطفل وهو صغير في الرضاعة وفي الحمل والولادة، وحتى يبلغ ويعقل، الأم هي التي تقدم له كل شيء، هي التي تسهر لترضعه وهي التي تحمل وهي التي تلد، فإذا كبر الطفل وعقَل من الذي يجده أمامه؟ يجد أباه؛ إذا أراد شيئًا فإن أباه هو الذي يحققه له، وإذا أراد أن يشتريَ لُعبة جديدة وملابس جديدة، وإذا أراد مالًا.. الخ، كل هذا يقوم به الأب، إذًا فضلُ الأب ظاهر أمامه أما فضل الأم فمستتر؛ ولذلك جاءت التوصية بالأم أكثر من الأب، لماذا؟ لأن الطفل حينما يحقق له أبوه كل رغباته يحُسّ بفضل أبيه عليه، ولكن نادرًا ما يقدّر التعب الذي تعبته أمه، وهو يزيد أضعاف أضعاف ما يقدمه له أبوه، من هنا جاءت التوصية بالأم

وفي الحديث: «إِنَّ الله -عزَّ وجلَّ- حرَّمَ عليكم: عُقُوقَ الأمهات، وَوَأْدَ النباتِ، ومَنْعًا وهَاتِ، وكرهَ لكم ثلاثًا: قِيلَ وقال، وكثرةِ السُّؤالِ، وإِضاعة المال». ( الشيخان)

وفي الحديث كذلك إنَّ اللهَ يُوصيكم بأمَّهاتِكم، ثم يُوصيكم بآبائِكم، ثم بالأقربِ فالأقربِ ( ابن ماجة)

الجنة تحت أقدام الأمهات

الأم كما ذكرت من أعظم المنن والنعم, وهي جنة الله في الأرض, عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ مُعَاوِيَةَ السُّلَمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي أُرِيدُ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللهِ، قَالَ: «أُمُّكَ حَيَّةٌ؟» فَقُلْتُ: نَعَمْ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْزَمْ رِجْلَهَا فَثَمَّ الْجَنَّةُ»( الطبراني حسن) وفي الحديث:

عن أبي الدرداء – رضي الله عنه –  أنَّ رجلًا أتاه فقال إنَّ لي امرأةً وإنَّ أمِّي تأمرُني بطلاقِها فقال سمِعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ الوالدُ أوسطُ أبوابِ الجنَّةِ فإن شئتَ فأضِعْ هذا البابَ أو احفَظْه ( ابن ماجة بسند صحيح) والشاهد أن فضل الأم عظيم, وأنها من أبواب الجنة, بل أعظم أبوابها, وأن الجنة في لزوم برها وإدخال الفرح والسرور عليها.

وقد ورد في الأثر: أن رجلًا من النساك يقبّل كل يوم قدم أمه، فأبطأ على إخوانه يوما، فسألوه فقال: كنت أفرغ في رياض الجنة، فقد بلغنا أنّ ‌الجنة ‌تحت ‌أقدام الأمهات.

عن معاذ بن جبل رضي الله عنه: أن الله تعالى كلم موسى ثلاثة آلاف وخمسمائة آية، فكان آخر كلامه يا رب أوصيني، قال:أوصيك بأمك، حتى قاله سبع مرات. ثم قال: يا موسى، ألا أن رضاها رضاي. وسخطها سخطي !

ومن وصايا عمر بن عبد العزيز –رضي الله عنه- لا تخلون بامرأة وإن علمتها سورة من القرآن، ولا تصحبن عاقا، فإنه لن يقبلك وقد عق والديه!

أعظم الناس حقًا على الرجل أمه”

وقيل لعلي بن الحسين: إنك من أبر الناس ولا تأكل مع أمك فِي صحفة فقال: أخاف أن تسبق يدي يدها إِلَى مَا تسبق إليه عيناها فأكون قَدْ عققتها.!!

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: «أُمُّكَ» قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أُمُّكَ» قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أُمُّكَ» قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أَبُوكَ» (البخاري)

فأحق الناس بالصحبة, والرفقة, وأولى لناس بالحقوق, وأعظم الناس حقا الأم!

ولذا نجد هذا المعنى في كلمات الفاروق –رضي الله عنه- لما جاءه رجل يقول له: إن لي أما بلغ بها الكبر أنها لا ‌تقضي ‌حاجتها إلا وظهري لها مطية، فهل أديت حقها؟ قال: لا، إنها كانت تصنع بك ذلك وهي تتمنى بقاءك، وأنت تصنعه بها وتتمنى فراقها.! 

وبر الأم مقدم على كل شيء, حتى على الجهاد, كما في الحديث, أمك حية؟ قال: نعم! قال: فيها فجاهد! أي جاهد أن تبرها وأن تسعدها, وأن تجعل الدنيا كلها بين يديها.

وبر الأم مقدم على النوافل, فهذا هشام بن الحسان أحد السلف يقول لإمام أهل البصرة الإمام الحسن البصري: إِنِّي أَتَعَلَّمُ الْقُرْآنَ، وَإِنَّ أُمِّي تَنْتَظِرُنِي بِالْعَشَاءِ, فَقَالَ الْحَسَنُ: تَعَشَّ الْعَشَاءَ مَعَ أُمِّكَ، تَقَرُّ بِهِ عَيْنُهَا، ‌أَحَبُّ ‌إِليَّ ‌مِنْ ‌حَجَّةٍ تَحُجُّهَا تَطَوُّعًا “

فبرك وقربك منها, أحب من حج التطوع والعمرة, ومن القيام بالنوافل, وهي لن تؤخرك, فالعاقل الكيس, من جمع بين الحسنيين, حق الله وحقوق العباد, وإن أولى العباد بالحقوق الوالدين, والأم مقدمة على الوالد!

وورد عن البشر بن حارث – رضي الله عنه- «الْوَلَدُ بِالْقُرْبِ مِنْ أُمِّهِ، حَيْثُ تَسْمَعُ نَفَسَهُ، أَفْضَلُ مِنَ الَّذِي يَضْرِبُ بِسَيْفِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عز وجل، وَالنَّظَرُ إِلَيْهَا أَفْضَلُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ»

وهذا هو الإمام الفقيه العابد الزاهد إمام أهل زمانه, وشيخ الديار المصرية, حَيْوَة بن شُرَيْح ( أبو زرعة) ( 158هـ/ 775م) كان مع علمه, ومجالسه التي تكتظ بطلاب العلم, والمريدين من كل بقاع الدنيا,  تأتي إليه أمه في مجلسه فتقول له: ‌قم ‌يا ‌حيوة ألق الشعير للدجاج. فيقوم!!

آثار طاعة الأم ونتيجة عقوقها

لا شك أن طاعة الوالدين من طاعة الحق سبحانه, وأن الله أوصى وفرض, وبين وقرن طاعتهما بعبادته, وهناك العديد من الآثار المترتبة على أداء تلك الحقوق في الدنيا وفي الأخرة, وفي المقابل هناك العديد من الآثار السلبية الناتجة عن عقوقهما.

أولا: برها وأثره:

  • الجنة تحت أقدام الأمهات, وهما الطريق إلى الجنة كما بين النبي صلى الله عليه وسلم, فأوسع أبواب الجنة, وأكبرها, من بر الوالدين, وإن رضا الخالق سبحانه من برهما وسخطه سبحانه من سخطهما, وفي الحديث عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ–رضي الله عنه-  قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ الْأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ؟ قَالَ: ” صَلِّ الصَّلَاةَ لِمَوَاقِيتِهَا “، قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: ” بِرُّ الْوَالِدَيْنِ “، قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: ” ثُمَّ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ “، وَلَوِ اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِي( مسند أحمد – صحيح) وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ رغم أَنفه ثمَّ رغم أَنفه ثمَّ رغم أَنفه, قيل من يَا رَسُول الله قَالَ من أدْرك وَالِديهِ عِنْد الْكبر أَو أَحدهمَا ثمَّ لم يدْخل الْجنَّة, رَوَاهُ مُسلم

  • البركة في العمر والمال والولد.

من أعظم أثار البر البركة, مصداقا لقول الله تعالى( وَلَوۡ أَنَّ أَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ ءَامَنُواْ وَٱتَّقَوۡاْلَكَفَّرۡنَا عَنۡهُمۡ سَيِّـَٔاتِهِمۡ وَلَأَدۡخَلۡنَٰهُمۡ جَنَّٰتِ ٱلنَّعِيمِ ) ( المائدة)
وقوله جل جلاله ( وَلَوۡ أَنَّ أَهۡلَ ٱلۡقُرَىٰٓ ءَامَنُواْ وَٱتَّقَوۡاْ لَفَتَحۡنَا عَلَيۡهِم بَرَكَٰتٖ مِّنَ ٱلسَّمَآءِوَٱلۡأَرۡضِ)  (الأعراف) فالبركات والرحمات والمنن والمنح, مهرها الطاعة, ومن أولى الأمور التي ينبغي على المسلم أن يتوقف عندها بر والديه, ولذا يقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَجَلِهِ وَيُوَسَّعَ عَلَيْهِ فِي رِزْقِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ» ( الحاكم)
أي من أحب أن يبارك له في عمره, بطول ذكره, وبكثرة أعماله الطيبة, وبثناء الناس عنه بعد مماته, وبتذكره بالخير العميم, والرحمات في قبره, فليصل رحمه وأولى الناس بالصلة والبر والجود والمعروف, الأبوين, وطاعتهما هي سبب النجاح والفلاح والخير,

من الثمرة كذلك بر ولدك بك.

في الأثر «‌بَرُّوا ‌آبَاءَكُمْ تَبَرُّكُمْ أَبْنَاؤُكُمْ» فكما تدين تدان, وما تفعله اليوم يٌفعل بك غدا, إن خيرا فخير, وإن شرا فشر, فمن أحسن إلى والديه, وأنفق عليهما, وخفض الصوت في وجودهما, وكان لين الجانب, يهش لهما, يتجاوز عن السيء منهما, أدرك ثمرة ذلك في ولده, وفي أهله, فإن التربية بالمحاكاة, وما يراك ولدك تفعله, سيفعله بك.

الخليل إبراهيم عليه السلام كان بارا بأبيه رغم كفره, حريص عليه كما صور القرآن الكريم, ﵟيَٰٓأَبَتِ لَا تَعۡبُدِٱلشَّيۡطَٰنَۖ إِنَّ ٱلشَّيۡطَٰنَ كَانَ لِلرَّحۡمَٰنِعَصِيّٗا 44 يَٰٓأَبَتِإِنِّيٓ أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٞ مِّنَ ٱلرَّحۡمَٰنِ فَتَكُونَ لِلشَّيۡطَٰنِوَلِيّٗا 45 قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنۡ ءَالِهَتِي يَٰٓإِبۡرَٰهِيمُۖ لَئِن لَّمۡ تَنتَهِ لَأَرۡجُمَنَّكَۖوَٱهۡجُرۡنِيمَلِيّٗا 46 قَالَ سَلَٰمٌعَلَيۡكَۖسَأَسۡتَغۡفِرُ لَكَ رَبِّيٓۖإِنَّهُۥ كَانَ بِي حَفِيّٗا47ﵞ ( مريم) تلك التربية التي رأى أثرها في ولده لما أمر بذبحه فقال كما حكى القرآن  ﵟفَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ ٱلسَّعۡيَ قَالَ يَٰبُنَيَّإِنِّيٓأَرَىٰ فِي ٱلۡمَنَامِأَنِّيٓأَذۡبَحُكَفَٱنظُرۡ مَاذَا تَرَىٰۚ قَالَ يَٰٓأَبَتِٱفۡعَلۡ مَا تُؤۡمَرُۖسَتَجِدُنِيٓ إِن شَآءَٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّٰبِرِينَ102 ﵞ (الصافات) 

إن ثمار البر كثيرة, كما ذكرنا أبواب الجنة, والخير والبركة, والرزق والفلاح, والتوفيق والسداد.

ولما جاء رجل إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له: يا رسول الله، هل بقي مِن برِّ أبويَّ شيءٌ أبَرُّهما به بعد موتهما؟ فقال: ((نعم، الصلاةُ عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذُ عهدِهما من بعدهما، وصلةُ الرحم التي لا تُوصَلُ إلا بهما، وإكرامُ صديقِهما)) ( أبو داود)

أما العقوق فأثاره مدمرة أذكر منها:

  • وجوب غضب الجبار

في الحديث لا يدخلُ الجنةَ عاقٌّ ، و لا منَّانٌ ، و لا مُدمنُ خمرٍ( النسائي بسند حسن) فرضا الحق سبحانه من رضا الوالدين وسخطه وغضبه من غضبهما, وفي الحديث كذلك, ثلاثٌ لا يدخلون الجنةَ ولا ينظرُ اللهُ إليهم يومَ القيامةِ العاقُّ والدَيه والمرأةُ المترجلةُ المتشبهةُ بالرجالِ والديوثُ وثلاثةٌ لا ينظرُ اللهُ إليهم يومَ القيامةِ العاقُّ بوالدَيه والمدمنُ الخمرَ والمنانُ بما أعطى( النسائي بسند صحيح)

وفي الحديث الذى أخرجه الطبراني بسند صحيح وابن حبان وغيرهما عن أبي هريرة – رضي الله عنه- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ملعونٌ من عمِل عملَ قومِ لوطٍ ، ملعونٌ من عمِل عمَلَ قومِ لوطٍ ، ملعونٌ من عمِل عمَلَ قومِ لوطٍ ، ملعونٌ من ذبح لغيرِ اللهِ ، ملعونٌ من أتى شيئًا من البهائمِ ، ملعونٌ من عقَّ والدَيه

  • أكبر الكبائر

سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الكَبَائِرِ، قَالَ: «الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ» (البخاري)

  • محق البركة في المال والأهل والولد

 يقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم «كُلُّ الذُّنُوبِ يُؤَخِّرُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهَا مَا شَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، إِلَّا ‌عُقُوقَ ‌الْوَالِدَيْنِ، فَإِنَّهُ يُعَجِّلُهُ لِصَاحِبِهِ فِي الْحَيَاةِ» ( الترمذي صحيح)

وأخرج الإمام الذهبي في الكبائر : قَالَ صلى الله عليه وسلم لعن الله من سب أَبَاهُ لعن الله من سب أمه (الحديث في الصحيحين بلفظ أخر) وَقَالَ صلى الله عليه وسلم كل الذُّنُوب يُؤَخر الله مِنْهَا مَا شَاءَ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة إِلَّا ‌عقوق ‌الْوَالِدين فَإِنَّهُ يعجل لصَاحبه يَعْنِي الْعقُوبَة فِي الدُّنْيَا قبل يَوْم الْقِيَامَة (الحاكم بسند صحيح )

 وَقَالَ كَعْب الْأَحْبَار: رحمه الله؛ إِن الله ليعجل هَلَاك العَبْد إِذا كَانَ عاقاً لوَالِديهِ ليعجل لَهُ الْعَذَاب وَإِن الله ليزِيد فِي عمر العَبْد إِذا كَانَ باراً بِوَالِديهِ ليزيده براً وَخيرا وَمن برهما أَن ينْفق عَلَيْهِمَا إِذا احتاجا فقد جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُول الله إِن أبي يُرِيد أَن يحتاج مَالِي فَقَالَ صلى الله عليه وسلم أَنْت وَمَالك لأَبِيك وَسُئِلَ كَعْب الْأَحْبَار, عَن ‌عقوق ‌الْوَالِدين مَا هُوَ قَالَ هُوَ إِذا أقسم عَلَيْهِ أَبوهُ أَو أمه لم يبر قسمهما وَإِذا أمره بِأَمْر لم يطع أَمرهمَا وَإِذا سألاه شَيْئا لم يعطهما وَإِذا ائتمناه خانهماوَسُئِلَ ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما عَن أَصْحَاب الْأَعْرَاف من هم وَمَا الْأَعْرَاف فَقَالَ أما الْأَعْرَاف فَهُوَ جبل بَين الْجنَّة وَالنَّار وَإِنَّمَا سمي الْأَعْرَاف لِأَنَّهُ مشرف على الْجنَّة وَالنَّار وَعَلِيهِ أَشجَار وثمار وأنهار وعيون وَأما الرِّجَال الَّذين يكونُونَ عَلَيْهِ فهم رجال خَرجُوا إِلَى الْجِهَاد بِغَيْر رضَا آبَائِهِم وأمهاتهم فَقتلُوا فِي الْجِهَاد فَمَنعهُمْ الْقَتْل فِي سَبِيل الله عَن دُخُول النَّار ومنعهم ‌عقوق ‌الْوَالِدين عَن دُخُول الْجنَّة فهم على الْأَعْرَاف حَتَّى يقْضِي الله فيهم أمره

يقول بعض العارفين:

نتيجة عقوق الوالدين أربعة أمور:

-أحدها: أن الدنيا تذهب عنه وتبغضه كما يبغض المؤمن جهنم.

-ثانيها: أنه إذا جلس في موضع من المواضع وجعل يتكلم مع الحاضرين في شيء من الأشياء صرف الله قلوبهم عن الاستماع لكلامه، وينزع الله تعالى البركة والنور من كلامه، ويصير ممقوتا بينهم.

-ثالثها: أن أولياء الله تعالى وأحبابه, لا ينظرون إليه نظر رحمة ولا يرقون له أبدا.

-رابعها: أن نور إيمانه لا يزال ينقص شيئا فشيئا. فمن أراد الله به الشقاوة والعياذ بالله، لم يزل كذلك إلى أن يذهب نور إيمانه ويضمحل بالكلية، فيموت كافرا، نسأل الله السلامة، ومن لم يرد به ذلك مات ناقص الإيمان، أعاذنا الله من ذلك.

قال: ونتيجة رضاهم أربعة أمور، هي أضداد لهذه الأمور: تحبه الدنيا كما يحب المؤمن الجنة، ويحلو كلامه بين الناس، ويحن عليه أولياء الله تعالى، ولا يزال إيمانه يزيد شيئا فشيئا

ومضة أخيرة:

لا شك أننا في أيام مباركة, يهل علينا أيام العشر وليالي الفضل والبركة والخير والعتق من النار, فمن خصائصها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجتهد بالعمل فيها أكثر من غيرها، ففي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجتهد في العشر الأواخر مالا يجتهد في غيرها.

وفي الصحيحين عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله. وفي المسند عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يخلط العشرين بصلاة ونوم فإذا كان العشر شمر وشد المئزر.

ففي هذا الحديث دليل على فضيلة هذه العشر. لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجتهد فيها أكثر مما يجتهد في غيرها وهذا شامل في الاجتهاد في جميع أنواع العبادة من صلاة وقرآن وذكر وصدقة وغيرها، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشد مئزره يعني يعتزل نساءه ليتفرغ للصلاة والذكر ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحيي ليله من قيام وقراءة وذكر بقلبه ولسانه وجوارحه لشرف هذه الليالي وطلبًا لليلة القدر

فاجتهدوا بالعبادة والطاعة في تلك الأيام المباركات نسأل الله أن يبلغنا ليلة القدر وأن يجعلنا من عتقاء النار في هذا الشهر الكريم وأن ينعم علينا بالأمن والأمان

 

جمع وترتيب الفقير لعفو مولاه خادم سيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
محمد سالم الصعيدي الأزهري الشافعي
الأستاذ المساعد بالأزهر الأنور

 

لتحميل الخطبة pdf اضغط على الرابط أدناه 
omk somaomk

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *