يوم الشهيد .. دماء على طريق المجد

بقلم الدكتور : فارس  أبوحبيب
إمام وخطيب ومدرس بوزارة الأوقاف المصرية

 

 

في صفحات التاريخ، هناك سطور لا تكتب بالحبر، بل تكتب بدماء الأبطال، أولئك الذين جعلوا من أرواحهم جسورًا نعبر عليها نحو العزة والكرامة، يوم 9 مارس ليس مجرد تاريخ يُذكر، بل هو يوم تضيء فيه أسماء الشهداء، تذكرنا بأن الأوطان لا تُصان إلا بالتضحيات، ولا تُحفظ كرامتها إلا بدماء من آمنوا بأن الوطن أغلى من الحياة.

إنه يوم الشهيد، يوم الوفاء لمن تركوا الدنيا خلفهم ليعيش الوطن،
فماذا يعني لنا هذا اليوم؟
وكيف كرّم الإسلام الشهداء؟
وما هو واجبنا تجاه من ضحوا ليحيا الوطن؟

الشهادة.. مقام عظيم في الإسلام:

الشهيد في الإسلام ليس مجرد من سقط في ميدان المعركة، بل هو رمز للصدق والإخلاص، فهو الذي قدم نفسه لله، وباع دنياه بآخرته، قال تعالى:

﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ﴾ (التوبة: 111).

وفي الحديث الشريف، قال النبي ﷺ:
“للشهيد عند الله ست خصال: يُغفر له في أول دفعة، ويُرى مقعده من الجنة، ويُجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويُحلَّى حُلة الإيمان، ويُزوج من الحور العين” (رواه الترمذي).

وهذه النصوص تدل على عظمة منزلة الشهيد، فهو لا يموت كما نراه، بل هو حي عند الله يُرزق، كما قال تعالى:

﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ (آل عمران: 169).

فأي منزلة أعظم من أن يكون الشهيد ضيفًا عند الله في نعيم لا يفنى؟

الشهداء في تاريخنا.. رموز خالدة:

لم يكن الشهيد مجرد شخص رحل، بل هو رمز خالد في ذاكرة الوطن، فلكل بلدٍ شهداؤه الذين خطوا بدمائهم معاني التضحية والبطولة.

في مصر، كان الشهيد عبد المنعم رياض أحد الرموز الخالدة، الذي استشهد في 9 مارس 1969، وهو في الصفوف الأمامية بين جنوده، ليصبح يوم استشهاده يومًا للشهيد في مصر.

وعلى مدار التاريخ، كان أبطال القوات المسلحة ورجال الشرطة هم السد المنيع في وجه الأعداء، يقدمون أرواحهم فداءً للوطن.

في فلسطين، وفي كل أرض تحت الاحتلال ، هناك رجال لم يرضوا بالذل، فجعلوا من أجسادهم أسوارًا تحمي الأرض والعرض.

قال الشاعر محمود سامي البارودي:
سَقى اللَهُ جَدْثًا بِالرَّبيعِينِ أَنْهُرًا **مِنَ الفَضْلِ ما هَطَّتْ سَماءٌ وَهَامَتِ


واجبنا نحو الشهداء:

الشهداء رحلوا، لكن أثرهم باقٍ، فكيف نرد لهم جميلهم؟

1- الحفاظ على الوطن الذي ماتوا لأجله: الوطن ليس مجرد حدود، بل هو هوية وكرامة، ومن العار أن نفرط فيه بعد أن قدموا دماءهم فداءً له.

2- تكريم أسر الشهداء: فقدوا أحبابهم ليبقى الوطن، فهل نتركهم دون دعم واهتمام؟

3- التربية على حب الوطن والتضحية: علينا أن نعلم أبناءنا أن الأوطان لا تُحفظ بالكلام، بل بالعمل والبذل.

4- محاربة الفساد والخيانة: فلا طائل من تضحيات الشهداء إن كنا نهدر الوطن بيدنا.

قال الشاعر أحمد شوقي:
وللأوطانِ في دمِ كُلِّ حرٍّ **يدٌ سَلَفَتْ ودَيْنٌ مُستَحِقُّ

خاتماً:

يوم الشهيد ليس مجرد ذكرى، بل هو تجديد للعهد، أن نحافظ على ما ضحوا لأجله، وأن ندرك أن الأوطان تبنى بسواعد الأحياء ودماء الشهداء.

فلنقف اليوم وقفة إجلال، نقرأ الفاتحة لأرواحهم، ونستعيد وصاياهم، ونعاهدهم أن تبقى راية الوطن مرفوعة، وأن تظل دماؤهم مشعلاً ينير لنا درب الكرامة.

سلامٌ على الشهداء.. سلامٌ على من جعلوا الحياة ممكنة بدمائهم الطاهرة!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *