بقلم الدكتورة : حنان محمد ( واعظة بوزارة الأوقاف المصرية )
عزيزي القارئ كما أن شهر رمضان هو شهر الصيام والقيام وقراءة القرآن، والصدقة والإطعام والعبادات الكثيرة، فإن شهر رمضان أيضًا هو شهر الانتصارات، نزول القرآن؛ كان انتصارًا للنور على الظلام، والحق على الباطل، والتوحيد على الشرك، والطهارة والنقاء على الفحش
في شهر رمضان حقق المسلمون عدة انتصارات كانت بمثابة المحطة الفارقة والنقطة الفاصلة في حياة الأمة الإسلامية، وأُولى هذه الانتصارات كانت يوم الفرقان يوم التقى الجمعان، يوم بدر، في العام الثاني من الهجرة، عندما التقت الفئة المؤمنة جند الرحمن، مع جند الشيطان الفئة الكافرة، وقد تراءت الفئتان من أول صدام بين الحق والباطل والإيمان والكفران، ويتنزل نصر الله عز وجل على المؤمنين، ليكون أعظم انتصارات الإسلام.
ومن روعة الانتصار أيها المسلمون وعظمة المشهد، أنزل الله عز وجل في الواقعة قرآنًا يتلى إلى يوم الدين في سورة الأنفال التي نزلت معظم آياتها في شأن غزوة بدر، وقد سماها المولى عز وجل يوم الفرقان؛ لأنها كانت فرقانًا بين عهد الاستضعاف والقلى وتسلُّط الأعداء، إلى عهد القوة والانتشار والنصر على الأعداء، واستحق أهل بدر صك المغفرة والعتق من النيران الذي أصدره رب البرية على لسان رسول البشرية: “لعل الله اطَّلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم…”؛
قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ *
وفي رمضان من العام الثامن من الهجرة كانت محطة فارقة ونقطة فاصلة في حياة الأمة، عندما فتحت جيوش الصحابة بقيادة الرسول صلى الله عليه وسلم مكة، وأعلنوا سقوط عاصمة الشرك والاستكبار الجاهلي التي طالَما استغل المشركون منزلتها وفضلها في التحريض ضد الإسلام والمسلمين، وأعلنوا تحرير بلد الله الحرام من أدران الشرك والأوثان، لتبدأ مرحلة جديدة في حياة الأمة اتحدت فيها بلاد الحرمين، الأصل والمهجر، وأعلن عن قيام الدولة الإسلامية على حدود جديدة.
وتوالت بعدها عدد كبير من الفتوحات والانتصارات فى رمضان وغيره.
عزيزى القارئ المتأمَّل في التاريخ الإسلامي وما نقله أهل السير والمغازي ليلتمس جلبًا أن شهر رمضان المبارك هو شهر الانتصارات العظيمة للإسلام والمسلمين،
فـ السالك إلى الله لا بُدَّ أن يجعل رمضان فرقانًا في حياته، يترقَّى بروحه إلى المقامات العليَّة،
ففي رمضان يكون الانتصار على النفوس أقوى ما يكون أن ينتصر المسلم على نفسه التي بين جنبيه، وهي أعدى أعدائه، وذلك بمخالفتها وتعويدها على الطاعات واجتناب المنهيات؛ قال تعالى: ﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا ﴾ [الشمس 7-10].
أقول قولى هذا وأستغفر الله لي ولكم.