رمضان شهر الانتصارات والعزة والتمكين 

بقلم فضيلة الشيخ : أحمد عزت حسن
الباحث فى الشريعة الإسلامية

 

 

إن المتأمل في أحداث شهر رمضان عبر التاريخ الإسلامي سيجد أمورًا عجيبة، هذه الأمور ليست مصادفة، وكل شيء عند الله عز وجل بمقدار، سيجد أن المسلمين ينتقلون كثيرًا من مرحلة إلى مرحلة أخرى في شهر رمضان، من ضعف إلى قوة، ومن ذلٍّ إلى عزَّة.

 

ففى هذا الشهر الفضيل تمت فيه كبرى انتصارات المسلمين التى فرّقت بين الحق والباطل

لقد كان رمضان هو الوعاء الزمنى الذى تمت فيه انتصارات المسلمين على عدوهم تلكم الانتصارات التى غيّرت مجرى التاريخ مؤكدة أن الطاقة الإيمانية فى قلب الصائم هى أقوى أسلحة النصر على الإطلاق، ولما انتصروا على أعدائهم وعلى التحديات أرهبوا بقوة إيمانهم آخرين من دونهم لا تعلمهم الله يعلمهم فحققوا هذا النصر فى كل المعارك التى خاضوها

ارتبط شهر رمضان بالجهاد بشكل لافت للنظر، حتى آيات الصيام في سورة البقرة بدايةً من قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة: ١٨٣]. وبعد هذه الآيات تأتي آيات كثيرة تحضُّ على الجهاد، يقول ربنا عز وجل: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ . وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ . فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ . وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ} [البقرة: ١٩٠- ١٩٣]

آيات تحضُّ على الجهاد والقتال بشدَّة، والعلاقة واضحة بينها وبين آيات الصيام، فالإعداد للجهاد هو إعداد للنفس، إعداد للجسد، إعداد للأمة كلها.. العلاقة بين الصيام والجهاد وثيقة جدًّا، فالتاريخ الإسلامي يؤكد هذا الارتباط،

ولما انتصروا على أنفسهم وعلى التحديات التي تواجههم سهُل عليهم الانتصار على عدوهم مهما كانت كثرته فى العدد والعُدّة. “فالنفس لا تنتصر في المعركة الحربية إلا حين تنتصر في المعارك الشعورية والأخلاقية والنظامية…كما أنه لا قيمة ولا وزن في نظر الإسلام للانتصار العسكري أو السياسي أو الاقتصادي، ما لم يقم هذا كله على أساس المنهج الرباني في الانتصار على النفس، والغَلَبَة على الهوى، والفوز على الشهوة، وتقرير الحق الذي أراده الله في حياة الناس؛ ليكون كلُّ نصر نصراً لله ولمنهج الله، وليكون كل جهد في سبيل الله ومنهج الله؛ وإلا فهي جاهلية تنتصر على جاهلية” [ د/ عبد الحليم عويس: أوراق زابلة].

والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا تميّز رمضان بقائمة طويلة من المعارك والفتوحات؟ لماذا كانت أغلب معاركه تنتهي بالظفر والانتصار؟.

في الحقيقة أن لرمضان تأثير عجيب على النفس المؤمنة، وصقلها وإعادة ضبطها وفق ما أراد الباري عز وجل.

فرمضان هو شهر الانتصار على النفس، قبل أن يكون انتصارًا على العدو،

▪︎ ففيه تتعلم النفس مجاهدة ما تحب وتتعلق به، وهو يعيد تعريف علاقة الإنسان مع المحيط الخاص به. كالعلاقة مع الشهوات والملذات، ومجاهدة الهوى والتعلق بالأشياء، وبيان أهمية الالتزام بأوامر الله وعبادته، وتقديمها على ما سواها من الأمور الدنيوية. فتجد المرء يترك طعامه وشرابه وشهوته امتثالاً لأمر الله عز وجل، رغم شدة الحر، وطول ساعات الصيام، وكثرة الملهيات والمغريات.

▪︎ كما يتعلم فيه الإنسان كيفية ضبط جوارحه في تعامله مع الناس، فيما يعتبر ثورة أخلاقية، تعيد بوصلته نحو ما يريده الشارع ويسعى لتحقيقه في النفوس والمجتمعات. وفي الحديث القدسي عن الله عز وجل: “إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب، فإن سابه أحد أو شاتمه أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم” (متفق عليه).

“إن الصوم كغيره من العبادات، يهدف إلى إجراء تغيير داخل الأمة وأفرادها، بتحقيق العبودية لله، وجعل المجتمع على أتم الجاهزية للثبات على الحق والسير على خطاه نحو النصر والتمكين”

▪︎ إن رمضان يعتبر فرقانًا في حياة النفوس والمجتمعات التي تتمتع بالإيمان وتسعى لنيل رضا الرحمن، كيف لا وهو شهر تتجدد فيه الصلة بين المؤمنين والقرآن الكريم، مع ما ينتج عنها من التدبر والتأثر وزيادة الإيمان. وكيف لا يترك في النفس أثراً يدفعها إلى فعل كل ما يأمره الله ويحبه، حتى لو كان بالتضحية والجهاد في سبيله؛ لأن النصر منه عز وجل، ومعية الله وتأييده أقوى من كل شيء. يقول الله تعالى: {وما النصر إلا من عند الله} [الأنفال:١٠] ويقول: {إن ينصركم الله فلا غالب لكم} [آل عمران: ١٦٠]

ولا غرابة أن نجد هذا الأمر جلياً في سورة البقرة. فالآيات الكريمة من ١٨٣-١٨٧ قد تطرقت لموضوع الصيام وما يتعلق به من الأحكام، لكنها بينت أهمية ذلك في صلاح المجتمع وتطهيره، فختمت بكلمات: “يتقون” و”تشكرون” و”يرشدون”. ثم تبعها آيتان تتعلقان بالحج، قبل أن يكون الحديث عن الجهاد والقتال. مما يعني أهمية العبادة، وتحقيق غاياتها في الثبات والانتصار على العدو؛ لذا فالأمة الراشدة التي تستغل رمضان خير استغلال، هي أمة تسير بخطى ثابتة نحو ما يريده مولاها عز وجل، وتحقيق ما يطلبه منها، الاستخلاف في الأرض، وحمل لواء الدين وتمكينه في الأرض.

وقفات..

“إن الله قدّر أن يشهد رمضان أول مواجهة عسكرية ضد الكفر وأهله، في غزوة بدر والتي سميت بالفرقان، للتأكيد على أن لا انفصام بين العبادة والجهاد، وطلب النصر والعزة”

 

وفي هذا الصدد لابد أن نشير إلى أن بعض المعارك التي حدثت في رمضان، لم يحدد المسلمون وقتها، وإنما حددتها الظروف والأحداث المتعلقة بها. ولكن لا بد أن ننظر إلى كيفية تعامل المسلمين مع هذه المعارك، وكيف كانت شجاعتهم وبسالتهم. فهم لم يتوانوا ولم يستكينوا أو يضعفوا، بل ثبتوا واستبسلوا، وقدموا للعالم أروع صور التضحية والبطولة، وما هذا إلا نتيجة ما وقر في قلوبهم من الإيمان، وما تركه رمضان والصيام من أثر في نفوسهم.

معارك رمضان

لشهر الصوم أفضال كرام بها قد جاءت أخبار كرام فمنه نصر بدرٍ وفتحٌ به قد أسلم البلد الحرام

١- غزوة بدر الكبرى

إن الله قدّر أن يشهد رمضان أول مواجهة عسكرية ضد الكفر وأهله، في غزوة بدر والتي سميت بالفرقان، للتأكيد على أن لا انفصام بين العبادة والجهاد، وطلب النصر والعزة، أول خروج للمسلمين لقتال مشركي قريش كان في رمضان، وليس المقصود هنا غزوة بدر، فقبْل بدر خرج جيش إسلامي لأول مرة لقتال المشركين بعد الإذن بالقتال وكان في رمضان سنة (1هـ)، ولم يكن صيام رمضان قد فُرض بعد، وكانت هذه هي سرية حمزة بن عبد المطلب عمِّ رسول الله، وكانت السرية في مكان يُعرف باسم (سَيف البحر).

إذًا أول مرَّة يرفع المسلمون سيوفهم للدفاع عن حقوقهم وأنفسهم كانت في رمضان، ولم يحدث قتال في هذه المرَّة، فقد حجز بينهم أحد حلفاء الفريقين، كان اسمه مجدي بن عمرو الجهني.

وتمر الأيام ويأتي شهر رمضان سنة (٢ هـ)، ويحدث في هذا الشهر حدث هائل من أهم الأحداث في تاريخ الأرض، ليس في تاريخ المسلمين فقط، ألا وهو غزوة بدر الكبرى في (١٧ رمضان سنة ٢ هـ)، وقد انتهت بالنصر الباهر للمسلمين، وهي أول صدام حقيقي بين المسلمين وبين مشركي قريش، وكانت قريش تحمل لواء الكفر في الجزيرة العربية.

وكل شيء في حياة رسول الله ﷺ محسوب، فليس فيه أمر صدفة، ليس فيه قولنا: من الممكن أن يكون هذا الحدث في رمضان، ومن الممكن في غير رمضان. فإن الأمر مقصود، فمقصود أن يكون أول لقاء حقيقي مع المشركين في بدر، مقصود ومحسوب، والحِكَم كثيرة جدًّا، قد نعلم بعضها وقد نجهل بعضها! ولكن في النهاية هذا شيء محسوب، لماذا تكون أول غزوة في رمضان؟ لماذا أول صدام حقيقي مع المشركين يكون في رمضان؟ لماذا هذا الانتصار الباهر الهائل يكون في رمضان؟ لماذا لا يكون في أي شهر؟!

أعتبر هذا رسمًا لسياسة الأمة وتخطيطًا لمستقبلها، فأُمَّة لديها شهر تستطيع أن تُغَيِّر فيه نفسها تمامًا، أن تبني نفسها، أن تنتقل من مرحلة إلى مرحلة، يقول ربنا سبحانه: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ…} وأنتم ماذا؟ {وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ} [آل عمران: ١٢٣]. لقد تغير المسلمون تمامًا بعد موقعة بدر، فبعد بدر أصبحت للمسلمين دولة معترف بها، أصبحت لهم شوكة قوية ومكانة ووضع مستقر، انتقل المسلمون إلى مرحلة جديدة، العالم كله سمع عن هذه الدولة، اليهود رعبوا، والمشركون انهزموا، والمنافقون ظهروا.

تغير هائل بدأ يحدث في الأرض في كل شيء، بدر ليست كأي غزوة، فهي غيَّرت مجرى التاريخ، لذلك سماها ربنا عز وجل يوم الفرقان، وربطها بشهر رمضان من أجل أن نتفكر دائمًا في هذا الشهر، فمَنْ مِنَ المسلمين لا يعرف أنها كانت فيه؟! حُفِرَت في وجدان كل صغير وكبير، وفي وجدان كل رجل وامرأة، يجب أن نتذكر علاقتها برمضان دائمًا.

ولكن لماذا غزوة بدر خاصة؟
لماذا يطغى ذكر غزوة بدر على ذكر أي غزوة أخرى من غزوات الرسول ﷺ؟!

 

لأن في بدر وُضِعَتْ كل قواعد بناء الأمة الإسلامية، في غزوة بدر عرف المسلمون أن النصر من عند الله وليس بالعدد ولا العدة، فلا يصلح لأمةٍ بعيدة عن ربها، وبعيدة عن دينها أن تنتصر، واقرءوا سورة الأنفال التي تتحدث عن غزوة بدر: {وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال: ١٠].

 

كيف يمكن لعدد مثل ٣١٣ أن يغلبوا ألفًا، هذا العدد القليل معه ٧٠ سبعون جملاً، والعدد الكبير معه ٧٠٠ سبعمائة جمل، هذا العدد القليل معه فرسان، والعدد الكبير معه مائة فرس، العدد القليل خارج بسلاح المسافر، والعدد الكبير خارج بسلاح الجيوش. كيف؟! كيف يمكن لهذا العدد القليل في كل المقاييس المادية أن يغلب هذا العدد الكبير ذي الأضعاف المضاعفة؟!هذا ليس له إلا أمر واحد، ألا وهو أن الله عز وجل هو الذي نصر المؤمنين، نصر الضعفاء القلَّة الأذلة، كما عبَّر سبحانه في كتابه الكريم، انتصروا بأسلحة غير تقليدية تمامًا، لم ينتصروا بأسلحة دمار شامل، أو ما شابه، انتصروا بالمطر والنعاس، وبالرعب في قلوب الكافرين، وبالتوفيق في الرأي، وبضعف الرأي عند الأعداء، وانتصروا بالملائكة، الملائكة التي نزلت تحارب مع المؤمنين في بدر، أفضل الملائكة، وجبريل عليه السلام على رأس الملائكة: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال: ١٧].

راجعوا غزوة بدر، ففيها زُرِعَ الأمل في نفوس المسلمين إلى يوم القيامة، ما دام الله معك فالنصر لا شك حليفك، قواعد وأسس وأصول وُضِعَتْ في غزوة بدر، وعلينا بوحدة الصف لننتصر، قال ربنا سبحانه: {وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال: ٤٦]. هذه القاعدة وُضعت في بدر.

والتضحية بكل شيء، بالنفس والمال، وبالوقت والجهد ليتم النصر، هذه القاعدة وضعت أيضًا في بدر.

والإعداد قدر المستطاع لمواجهة الأعداء، قال الله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: ٦٠]، هذه القاعدة أيضًا وضعت في بدر.

وطاعة الرسول في كل أمر: {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال: ٢٤]، قاعدة وضعت أيضًا في بدر.

كل قواعد بناء الأمة الإسلامية وُضعت في بدر، كل هذه القواعد نتعلمها في رمضان، نقترب من الله سبحانه وتعالى الذي بيده النصر في رمضان، نزيد من أواصر المودة والأخوة بين المسلمين، وهي قاعدة من أهم القواعد التي تبني الأمة الإسلامية، تضحِّي بمالك وجهدك ووقتك في رمضان، تقوِّي صحتك وبدنك ولياقتك في رمضان.. وبإيجاز يكون الجهاد والإعداد له في رمضان، وكم نخسر عندما نفقد هذه المعاني، ويمر الشهر علينا من غير أن نعرف قيمته في الجهاد في سبيل الله والنصر!

وأكسب الانتصار في تلك الغزوة روحا معنوية عالية للمسلمين، أعطتهم الثقة في أنفسهم لمواجهة أعدائهم من يهود المدينة الذين كانوا يكيدون للمسلمين، وكذلك مواجهة قريش أخرى.

أما في سنة (٨ هـ) فكان الموعد مع حدث من أهم أحداث التاريخ، إنه فتح مكة، اللقاء الأخير والفيصل مع مشركي قريش، فقد خرج الرسول ﷺ وجيش المؤمنين من المدينة المنورة قاصدًا مكة في (١٠ رمضان سنة ٨ هـ)، وفتحها في ٢١ رمضان. والموقف في فتح مكة مختلف عن بدر، ففي غزوة بدر كان الخروج في رمضان على غير اختيار المؤمنين، لأن القافلة المشركة بقيادة أبي سفيان جاءت في ذلك التوقيت فخرجوا لها، لكن الخروج في فتح مكة كان بتخطيط وتدبير من رسول الله ﷺ ومن المؤمنين، كان من الممكن أن يُؤَخِّروا الخروج ثلاثة أسابيع فقط ليخرجوا في شوال بعد انتهاء رمضان، كان من الممكن أن يقول بعضهم: “نستفيد بالصيام والقيام وقراءة القرآن، ونُؤَخِّر الجهاد ثلاثة أسابيع فقط..” لكن كل هذا لم يحدث.

فرمضان شهر الجهاد، ليس فيه تعطيل للقتال، لا توجد به راحة للمؤمن، بل على العكس، عندما انطلق الرسول

ﷺ بالجيش، واقترب من مكة، وكان صائمًا وكان الصحابة كلهم صائمين معه، قيل له: إن الناس قد شق عليهم الصيام، وإن الناس ينظرون فيما فعلت. فماذا فعل الرسول ﷺ؟ هل أخَّر الصيام، أم أخَّر الجهاد؟ لقد “دَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ بَعْدَ الْعَصْرِ”. تخيَّل اليوم قَرُب على الانتهاء، ومع ذلك يُرَسِّخ معنى في غاية الأهمية في قلوب المسلمين، إذ “شَرِبَ وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، فَأَفْطَرَ بَعْضُهُمْ وَصَامَ بَعْضُهُمْ”.

تأمل منهم مَنْ قلد، ومنهم من لم يقلد الرسول ﷺ في هذه النقطة، الأمر على الجواز، فبلغه أن أناسًا صاموا، يا تُرى ماذا قال؟ قال ﷺ: «أُولَئِكَ الْعُصَاةُ» ( رواه مسلم عن جابر)

أولئك العصاة مع أنه في الأيام الأخرى كان يسمح لمن أراد أن يفطر فليفطر، ومن أراد الصوم فليصُمْ، لكن في هذه المرة الأمر مختلف، فهم ذاهبون إلى مكة للجهاد، والجهاد يحتاج إلى قوة وجلد. لم يُؤَخِّر الجهاد بل أفطر، لأن الجهاد متعين الآن، أما الصيام فيمكن قضاؤه بعد ذلك، ولكن الجهاد لا يُؤَخَّر، الجهاد ذروة سنام الإسلام، لذلك أفطر الرسول ﷺ

في هذا اليوم، لأن الرسول ﷺ كان مسافرًا سفرًا طويلاً جدًّا في الصحراء في رمضان، فكان الصيام صعبًا جدًّا.

وكان فتح مكة هو بداية سيطرة الإسلام على الجزيرة العربية بأكلمها، وانتهت أكبر قوة مناوئة لانتشار الإسلام بين العرب. وضعت كذلك في فتح مكة مئات القواعد لبناء الأمة الإسلامية، ففتح مكة كان في رمضان، وكل رمضان نتذكر فتح مكة، نتذكر صدفة أن أول صدام حقيقي مع مشركي قريش كان في رمضان في غزوة بدر، وآخر صدام مع المشركين كان أيضًا في رمضان في فتح مكة، هل يُعقل أن تكون صدفة؟!

هذا الشهر تتغير فيه أحوال الأمة بشكل رائع، علامات في منتهى الوضوح، في هذا الشهر الكريم الرسول هدم صنم هبل، ومعه أكثر من ٣٦٠ ثلاثمائة وستون صنمًا بداخل الكعبة المشرفة، وهذه الأصنام ظلت داخل الكعبة ٢١ سنة، بداية من نزول البعثة على الرسول ﷺ، وبالتأكيد ظلت هذه الأصنام سنين طويلة قبل البعثة موجودة، في كل هذه الشهور السابقة والسنوات السابقة ربنا سبحانه وتعالى يختار أن هذه الأصنام تُدَمَّر وتكسر وتقع في شهر رمضان.

▪︎ في الشهر نفسه بعث الرسول خالد بن الوليد ليهدم صنم العزى، فهدمها.

▪︎ في الشهر نفسه بعث عمرو بن العاص ليهدم صنم سواع، فهدمه.

▪︎ في الشهر نفسه بعث سعد بن زيد ليهدم صنم مناف، فهدمه.

ما هذا؟ أمعقول كل هذا في شهر واحد؟ في شهر رمضان تقع كل هذه الأصنام؟ أمعقول أنها صدفة؟!

هذا شهر إعزاز الإسلام، وتمكين الدين، ونصر المؤمنين، رمضان شهر الإنقاذ والنجدة والنصر والعزة، فلا يصح ألا يعلم المسلمون هذه المعاني، ويظنون أنه شهر الأعمال الفنية الجديدة، والدورات الرياضية، والخيم الرمضانية، ليس هذا هو رمضان الذي يريده ربنا سبحانه.

٣- موقعة البويب

أما في سنة ١٣هـ فحدث في منتهى الأهمية، إذ استطاع المسلمون في موقعة البويب بقيادة البطل الإسلامي الفذ (المثنى بن الحارثة)، وكان عدد المسلمين في هذه الموقعة ٨ آلاف فقط، والفرس مائة ألف بقيادة (مهران) وهو من أعظم قُوَّاد الفرس، وتم اللقاء في الأسبوع الأخير من شهر رمضان سنة ١٣هـ، ودارت موقعة من أشدِّ مواقع المسلمين، أمر فيها المثنى جنوده أن يُفطروا، ليتقوَّوا على قتال عدوهم، اقتدى بفعل الرسول ﷺ في فتح مكة، وثبت المسلمون ثباتًا عجيبًا، وأبلى المثنى وبقية الجيش بلاءً حسنًا، وتنزَّلت رحمات الله وبركاته على الجيش الصابر، فانتصر المسلمون انتصارًا رمضانيًّا هائلاً. تُرى كم من الفرس قُتل في هذه الموقعة؟!

فني الجيش الفارسي بكامله في هذه الموقعة، تجاوز القتلى ٩٠ ألف فارسي من أصل مائة ألف، هزيمة مروعة للجيش الفارسي بعد شهر واحد من هزيمة المسلمين في موقعة الجسر، ولنفكر ونتدبَّر كيف لثمانية آلاف أن يهزموا أكثر من ٩٠ ألفًا، وفي عُدة أضعف من عدتهم، وفي عقر دارهم، كيف يحدث هذا؟ لن تعرف تفسيرها أبدًا إلاَّ أن تقول: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ} [الأنفال: ١٧]. هذا هو التفسير الوحيد لهذه الموقعة التي لا تُنْسَى في التاريخ الإسلامي

٤- فتح جزيرة رودس

وتمرُّ الأيام ويأتي رمضان جديد على المسلمين سنة ٥٣هـ، تفتح فيه جزيرة (رودس) في البحر الأبيض المتوسط، فقد أرسل إليها أمير المؤمنين الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه أحد التابعين الأبرار لفتحها، وهو جنادة بن أبي أمية الأَزْدِي -من قبيلة الأزد اليمنية-، ولم يؤخِّر المسلمون القتال إلى ما بعد رمضان مع الصعوبة الشديدة لقتال البحر، وفي الحديث عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: «غَزْوَةٌ فِي الْبَحْرِ خَيْرٌ مِنْ عَشْرِ غَزَوَاتٍ فِي الْبَرِّ، وَمَنْ أَجَازَ الْبَحْرَ فَكَأَنَّمَا أَجَازَ الأَوْدِيَةَ كُلَّهَا…» [رواه ابن ماجة (4154)، والحاكم (2634) وقال: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي، ]

فلم يُؤَخِّروا الجهاد، لأن الجهاد لا يُؤَخَّر، والمسلمون في جهاد دائم، لذلك لم ينتظروا انتهاء رمضان، بل مَنَّ الله عليهم بفتح الجزيرة في رمضان سنة ٥٣هـ.

٥- معركة بلاط الشهداء:

ما زلنا في التاريخ الأندلسي، فبينما فتح المسلمون نصف فرنسا الجنوبي كله، وكانوا على بعد كيلومترات قليلة من باريس، وفي رمضان ١١٤ هجرية، التقى جيش المسلمين بقيادة عبدالرحمن الغافقي ضد جيوش أوروبا بقيادة شارل مارتل في معركة بلاط الشهداء أو كما تسمى في الغرب بمعركة بواتيه. ودارت مناوشات عديدة بين الجيشين كان الانتصار حليفا للمسلمين فيها، إلا أن المعركة لم تحسم لطرف من الأطراف، وفي وسط القتال استشهد قائد المسلمين عبدالرحمن الغافقي، مما أدى لانسحاب الجيش الإسلامي من المعركة، وكانت هذه آخر محاولات المسلمين لفتح فرنسا. ونريد أن نقف قليلا مع هذه المعركة لأنها شبيه معركة أحد ونستطيع أن نصفها بأعظم الأخطاء في التاريخ

فمنذ ما يقرب من ثلاثة عشر قرنا من الزمان وقع هذا الحدث الجلل بين العرب والفرنج فى سهول فرنسا

على ضفاف نهر اللوار فى أكتوبر عام ٧٣٢م وتغير وجه التاريخ ومُحيت آثار الإسلام من غرب أوروبا وبقيت ذكريات المعركة “بواتييه أو بلاط الشهداء “حية في الغرب ولها موضع التقدير من المؤرخ الغربى وتدور حول الصيحة القديمة: ” لو لم يُرد العرب والإسلام فى سهول تور لما كانت ثمة أوروبا نصرانية بل لعله ما بقيت نصرانية على الإطلاق ولكان الإسلام اليوم يسود أوروبا … إن التاريخ لا يقدّم إلينا حادثًا له من الخطورة والأهمية وبعد الأثر مثل هذه المعركة ، فقد صال وجال المؤرخون الأوروبيون بها وبالغوا فيما حققته من نتائج يقول كريزى : “إن النصر العظيم!!! الذى ناله كارل مارتل على العرب وضع حدًّا حاسمًا لفتوح العرب فى غرب أوروبا وأنقذ النصرانية من الإسلام وحفظ بقايا الحضارة القديمة……..

و يقول شليجل ” وبذا أنفقذ مارتل بسيفه أمم الغرب النصرانية من قبضة الإسلام الفتاكة….

وقبل البداية

افتتح العرب أسبانيا وغنموا ملك القوط فى ٩١-٩٢هج على يد الفاتحين العظيمين طارق بن زياد وموسى بن نصير فى عهد الوليد بن عبدالملك وأضحت ولاية إسلامية مثل مصر والشام ، ولم تلبث الخلافات أن نشبت وأفاقت النصرانية من صدمتها ولقى العرب هزيمتهم الأولى فى موقعة تولوشة بعد هزيمته ومقتل قائده السمح بن مالك وسقط منهم عدة من الزعماء زهاء عشرة أعوام من الاضطراب والفوضى حتى عُيّن عبدالرحمن بن عبد الله الغافقى واليا للأندلس فى صفر ١١٣. وكان ولاريب أعظم ولاه الأندلس وأحبه الجند لعدله ورفقه ولينه وجمعت هيبته كلمة القبائل فساد الوئام

وبدأ فعهد إلى ذوى الكفاية والعدل وقمع الفتن والمظالم ما استطاع ورد إلى النصارى كنائسهم وعدّل نظام الضرائب وفرضها على الجميع بالعدل والمساواة وقضى صدر ولايته في تدارك ما سرى فى عهد أسلافه ، وتأهب لإخماد كل نزعة للخروج والثورة التى كانت توشك أن تنقض على يد ” منوسة ” الذى تحالف مع الدوق ” أودو ” وتفاهم معه وتزوج من ابنته ، ولكن هُزم الدوق وسقطت أكواتين كلها فى أيد المسلمين وواصل الجيش الزحف حتى وصل إلى صانص التى تبعد عن باريس مائة ميل وافتتح نصف فرنسا الجنوبية كله من الشرق إلى الغرب ويقول جيبون ” ولعل أسطولًا عربيًا كان يصل إلى مصب التيمز دون معركة بحرية بل ربما كانت أحكام القرآن تدرس في معاهد أكسفورد وربما كانت منابرها تؤيد لمحمد صدق الوحى والرسالة ” وكان الخطر على الفرنج حقيقيًا لأن المسلمين عبروا البرنيه

فى أكبر جيش حشد وأتم أهبه وعلى رأسه قائد وافر الهمة والشجاعة والبراعة الذى استطاع إنقاذ الجيش فى موقعة تولوشة بعد هزيمته ومقتل قائده السمح بن مالك .

وكان الجيش الإسلامى قد اجتاح جميع أراضى أكواتين التى تقابل اليوم من فرنسا جويان وبريجور وسانتونج وبواتو

وكانت حالته تدعوا إلى القلق والتوجس فإن الشقاق كان يضطرم بين قبائل البربر التى يتألف منها الجيش وكانت تتوق الانسحاب ناجية بغنائمها الكبيرة فقد أثقلوا بما لا يحصى من الذخائر والغنائم والسبى فكادت تحدث الخلل فى صفوفهم وتثير بينهم الخلاف وخشى عبدالرحمن على نظام الجيش ومما تثيره فى نفوس الجند من الحرص والانشغال فحاول أن يحملهم على ترك جزء منها ولكنه لم يشدد فى ذلك خيفه التمرد

وبدأ القتال فى أواخر شعبان ١١٤هج فنشبت بين الجيشين معارك جزئية على مدى سبعة أيام احتفظ فيها كلٌ بمراكزه، وفى اليوم التاسع نشبت معركة عامة اقتتلا بشدة وتعادل حتى دخول الليل واستأنقا فى اليوم التالى وأبدى كلاهما منتهى الشجاعة حتى بدا الإعياء على الفرنج حقيقيا ولاح النصر فى جانب المسلمين ولكن حدث أن افتتح الفرنج ثغرة إلى معسكر الغنائم فارتفعت صيحة من مجهول فى المراكز الإسلامية بأن معسكر الغنائم يقع في يد الفرنج فارتدت قوة كبيرة من الفرسان من قلب المعركة إلى ما وراء الصفوف لحماية الغنائم وتواثب كثير من الجند للدفاع عن غنائمهم فدب الخلل فى صفوفهم ، وعبثا حاول عبد الرحمن أن يهدئ روع الجند وبينما يتنقل أمام الصفوف يقودها ويجمع شتاتها إذ أصابه سهم من جانب الأعداء فسقط من فوق جواده ، وعمّ الذعر والاضطراب فى الجيش واشتدت وطأة الفرنج عليهم وكثر القتل فى صفوفهم ولكنهم صمدوا للعدو حتى جن الليل وافترق الجيشان دون فصل ، واضطرم الجدل بين قادة الجيش الإسلامى واختلف الرأى وسرى التوجس والفزع ورأى الزعماء فقد كل أمل فى النصر فقرروا الانسحاب وغادروا مراكزهم فى جوف الليل تاركين أثقالهم ومعظم أسلابهم غنماً للعدو . وفى فجر الغد لاحظ ” كارل مارتل ” سكون المعسكر فتقدما بحذر فألفياه خاويًا إلا من بعض الجرحى الذين لم يستطيعوا مرافقة الجيش فذبحوهم، وخشى كارل الخديعة والكمين فاكتفى بانسحاب عدوه ولم يجرؤ على مطاردته وأثر العودة إلى الشمال .انظر “مواقف حاسمة فى تاريخ الإسلام د/ محمد عنان “

وبعد أخواتاه فلقد أعادت هذه المعركة ذكريات غزوة أحد بنفس الخطأ الذي وقع فيه الرماه حينما خالفوا أمر الرسول وتركوا أماكنهم لجمع الغنائم بعدما لاح النصر للمسلمين فى أول المعركة واستطاع خالد بن الوليد أن يغير من نتيجة المعركة ، والغريب العجيب أن اتفقت المعركتان في نفس النتيجة وهى عدم حسم المعركة وعدم تعقب العدو لجيش المسلمين الذى ظل يقاتل محتفظا بمراكزه أمام العدو ، ولم يرتد أثناء القتال ولم يُهزم وحافظ على ثباته ومواقعه. أيضًا حذر الفرنج واحجامهم عن مطاردة المسلمين عقب الموقعة وتوجسهم خيفة من الخديعة والكمين

وكان أفدح خسارة هى مقتل عبدالرحمن الذى كان ضربة موجعة وشديدة لمُثل الإسلام ومشروع فتح الغرب

يبدوا أننا لا نريد أن نتعلم من الخطأ وأنه يجب أن نتحمل أخطاء القادة ، ويقع عبء ذلك على الأجيال القادمة

والله غالب على أمره والله المستعان وهو حسبنا ونعم الوكيل

٦- فتح عمورية:

في رمضان من العام ٢٢٣ هجرية، قاد الخليفة العباسي المعتصم بنفسه جيشا كبيرا لفتح عمورية بعد أن استنجدت به امرأة بقولتها المشهورة “وامعتصماه”، وكانت عمورية من أصعب وأمنع المدن الحصينة لدى الروم.

٧- فتح الأندلس

ويتسلسل بنا التاريخ لنصل إلى رمضان سنة ٩١هـ، ليفتح المسلمون أولى صفحاتهم في سِفْر الأندلس الضخم، في رمضان سنة ٩١هـ تنزل الفرقة الاستكشافية المسلمة التي أرسلها موسى بن نصير رحمه الله بقيادة طريف بن مالك رحمه الله، لاستكشاف الأندلس. وفي رمضان سنة ٩٢هـ يلتقي المسلمون وهم ١٢ ألف رجل بقيادة طارق بن زياد رحمه الله بمائة ألف إسباني صليبي بقيادة رودريك أو في الروايات العربية يسمونه لوذريق معركة هائلة داخل أرض الإسبان وفي عقر دارهم، والفارق هائل في العدد، ومع ذلك انتصر المسلمون فيها، وقد استمرت ثمانية أيام متصلة، ليبدأ المسلمون قصة طويلة في الأندلس استمرت أكثر من ٨٠٠ سنة، هذا الانتصار الباهر كان في رمضان سنة ٩٢هـ، وراجعوا ذلك في فتح الأندلس أو موقعة وادي برباط، فهي معجزة عسكرية بكل المقاييس، تغيَّر على إثرها كل تاريخ المنطقة في شمال إفريقيا وفي غرب أوربا، بل تاريخ أوربا كله.

٨- حطين

أما عن جهاد صلاح الدين الأيوبي رحمه الله فحدث ولا حرج، إذ ما كان يُفَرِّق بين رمضان وبين أي شهر من شهور السنة، كل الشهور عنده جهاد، ليست هناك راحة، فما أن انتهى من حطين وفتح بيت المقدس اتجه مباشرة إلى حصار صور في ٩ رمضان سنة ٥٨٣ هـ.

معارك متصلة في كل شهر إلى أن حرَّر رحمه الله صفد في رمضان سنة ٥٨٤ هـ، بعد سنة من حطين، وعندما كان بعض الوزراء يعرضون عليه تأجيل القتال بعد شهر الصوم، كان رحمه الله يرفض ويصر على الجهاد.

٩- عين جالوت

وفي ٢٥ رمضان سنة ٦٥٨هـ حدثت الموقعة التي هزَّت الأرض بكاملها موقعة عين جالوت، وفيها كان الانتصار الإسلامي الباهر بقيادة سيف الدين قطز رحمه الله على جحافل التتار، وكانت جيوش التتار تنتصر على جيوش المسلمين انتصارات متتالية بلا هزائم ولسنوات عديدة، مذابح من أبشع مذابح التاريخ، إبادة لكل ما هو حضاري، تدمير لكل شيء في البلاد الإسلامية، من أول يوم دخل فيه التتار في أرض المسلمين سنة ٦١٦ هـ وإلى هذه السنة سنة ٦٥٨ هـ، ٤٢ سنة متصلة وصل المسلمون فيها إلى أدنى درجات الذل والهوان، ثم تغيَّر الوضع، وعادت الكرامة والعزة للمسلمين مرة أخرى في رمضان سنة ٥٨٦ هـ، وليس كأي انتصار، لقد فني جيش التتار بكامله.

وبعد، فإننا نلاحظ شيئًا عجيبًا جدًّا بعد هذه الرحلة التاريخية في رمضان!

فقد انتصر المسلمون تقريبًا على كل الفرق المعادية للإسلام في شهر رمضان، ▪︎ انتصرنا على المشركين في بدر وفتح مكة،

▪︎ انتصرنا على الفرس عُبَّاد النار في البُوَيْب،

▪︎ انتصرنا على الصليبيين في وادي برباط في الأندلس، وأيام صلاح الدين في فتح صفد،

▪︎ وانتصرنا على التتار في عين جالوت، ▪︎ وعلى اليهود في حرب التحرير العظيمة التي حدثت في العاشر من رمضان سنة ١٣٩٣هـ، التي اشتهرت بحرب السادس من أكتوبر سنة ١٩٧٣م، فتحررت سيناء، وهو انتصار مجيد، فالحواجز التي عبرها الجيش المصري تدخل في عداد المعجزات العسكرية، والروح الإيمانية كانت مرتفعة جدًّا عند الجيش وعند الشعب، فكانت النزعة والتربية الإسلامية في الجيش ملموسة وواضحة، ونداء (الله أكبر) كان يخرج من قلب كل مسلم، والوحدة الإسلامية كانت في أبهى صورها.

كل هذا دفع إلى النصر، نصر رمضان سنة ١٣٩٣هـ نصرًا باهرًا، كان دفعة قوية ليس لمصر وسوريا فقط، بل لشعوب مسلمة كثيرة على وجه الأرض.

إذن لا يوجد عدوٌّ من أعداء الإسلام إلاَّ وحاربناه وانتصرنا عليه في رمضان، سواء كانوا مشركين أو صليبيين أو تتارًا أو فرسًا أو يهودًا، ولا يأتي رمضان إلاَّ ونتذكر هذه الانتصارات، وهذه نعمة عظيمة مَنَّ الله عز وجل بها علينا، لنظلَّ نتذكر الجهاد والانتصار إلى يوم القيامة. ويبقى السؤال

إذا كان رمضان شهر الانتصارات والعزة والتمكين، وقد انتصر فيه المسلمون الأوائل فلماذا نصوم ولا ننتصر؟

والإجابة واضحة ومعروفة

* إن صيامنا غير صيامهم واستعدادنا غير استعدادهم

• صيامهم كان يعنى البذل والعطاء وحمل النفس على ما لا تحب والتصدى لشهواتها التى تضعف أمامها وأمام اغرائها فنجحوا فى الانتصار على النفس فسهُل عليهم الانتصار عدوهم مهما كانت كثرته

• أما نحن فقد هُزمنا أمام أنفسنا وشهواتنا هذه الهزيمة النكراء أمام بطوننا وأمام نفوسنا وشهواتها وبالتالى فشل الصيام فى أن يُوصلنا للأهداف الكبرى والعظمى التى نرجوها ويرجوها أولوا الألباب فكانت النتيجة أننا نصوم ولا ننتصر.

• أما نحن فتصوّرنا شهر رمضان فرصة متاحة لمزيد من اغتنام شهىّ الطعام والشراب، فتحولنا إلى أَكَلَة لا تُبقى ولا تذر واغتنام لذيذ الطعام والشراب فتحول إلى “موسم طعام لا شهر صيام” وما أبعد كل ذلك عن الكرم الذى نصف به رمضان فكيف يأتى النصر؟؟!!

* ومما أسهم فى إفساد ومفهوم هذه العبادة أننا تصورناها بلاءً تفسد معه الأخلاق ومن يُسيئ أو يغضب أو يخرج عن الأخلاق الفاضلة وحدود الأدب يقول: “اعذره إنه صائم” وكأن الصيام هو الشماعة التى تعلق عليها سوء المعاملة أو الأخلاق!!

* كما تصورناه عبادة الكسالى والقاعدين، فأصبح هو الآخر شماعة يُعلق عليها الكسل وتضييع حقوق الناس وتعطيل مصالح الجمهور!! كيف ذلك والصيام يتحدى شهوات النفوس ويقف دون رغباتها ومن المتوقع أن يقل فيه الاستهلاك ونتعود فضيلة الإقتصاد ولكن

ما يحدث هو أننا تحولنا إلى أَكَلَة لا تُبقى ولا تذر!

* وليل رمضان وما أدراك ما ليل رمضان الذى تحول على أيدينا وأيدى شياطين الإنس إلى أقرب ما يكون إلى مسخرة لا ترضى الله ولا رسوله، وارتبط ليل رمضان بما هو منه براء من فوازير ومسلسلات وبرامج أقل ما يقال عنه “إنها تحض على الفسق والرزيلة وتشيع الفاحشة فى الذين ءامنوا”. “فيتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علِموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون”

فلا بد أن نعلم للنصر عوامل وأسبابًا لا بد من الأخذ بها حتى يتم النصر. وأخيرًا وليس آخر فإن

رمضان شهر الانتصارات الداخلية والخارجية

شهر الانتصارات على شهوات النفوس بكبح جماحها وإخلاص العمل لله

انتصارٌ على الشهوات بتوظيفها فى طاعة الله

انتصارٌ على القلب بتطهيره من الحقد والحسد والكراهية

انتصارٌ على الأعداء بأروع الأمثلة لفئةٍ قليلةٍ صدقوا ما عاهدوا الله عليه

إنه شهر النصر والجد والاجتهاد والمثابرة

نتعالوا أيها المسلمون لنطهر صيامنا بالنهار بقراءة القرآن وبالليل بالقيام

نتعالوا لنتعلم كيف ننتصر على أنفسنا وشهواتنا”

ويجب أولًا أن نعلم للنصر عوامل وأسبابًا لا بد من الأخذ بها

عوامل النصر والهزيمة

 

لا يخفى على أحدٍ من الناس ما يعيشه المسلمون اليوم من هزيمة من أعدائهم ، وما ترتب على ذلك من ذلةٍ ومهانة، وما يحيط بهم من ظروف صعبة، وأحوال مريرة؛ تتمثل في كيد الأعداء وتسلطهم على بلاد المسلمين، فالأمة الإسلامية اليوم تواجه واقعاً مأساوياً، ونستطيع أن نلخصه في ثلاث نقاط:

– هزيمة نفسية تنتاب كثيراً من أفراد الأمة: حتى وجد فيهم من ينادي بالانخراط في منظومة (ما يسمى بالنظام العالمي الجديد) لنكون عجلة من عجلات هذا النظام، ويقوده ذلك الرجل الغربي الكافر

– تبعية في مجالات كثيرة: ومن أهمها التبعية الثقافية والفكرية، والاقتصادية، وتبعيات كثيرة .

 

– الأمر الثالث الذي يتضح فيه واقع الأمة: الضعف والذلة والتفرق: فأصبحت الأمة المسلمة أضعف الأمم، وأقل الأمم شأناً في هذا العصر،

وهذا الواقع المرير الذي يعيشه المسلمون اليوم لا يستغرب من قبل العالمين بسنن الله -تعالى- في التغيير، حيث إنَّ هذا الواقع هو النتيجة الطبيعية للبعد عن دين الله، وعدم الاستسلام لشرعه، ولا ننتظر في ضوء السنن الربانية غير هذا، والله يقول: {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ} الرعد ١١

أما الذين يجهلون سنن الله، أو يغفلون عنها وينسونها؛ فهم الذين يستغربون ما يحل بالمسلمين اليوم من محنٍ وويلات، وهزائم متتالية، وهم الذين يتساءلون أنى هذا؟ وكيف يحصل هذا ونحن أصحاب الدين الحق؟

فيجيبهم الله تعالى بما أجـاب به من سأل من أصحاب النبي ﷺ مثل هذا السؤال فقال الله: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} آل عمران ١٦٥

ونتيجة لنسيان هذه السنة الربانية ،أو الغفلة عنها؛ يقع الانحراف في المواقف المختلفة، إزاء هذه الأحوال المريرة التي يمر بها المسلمون، وترى حال المسلمين واحدًا من أربع:

الأول: مسلم يائسٍ من التغيير قد أصابه الإحباط، وألقى بيده ينتظرُ المهدي أو المسيح – عليه السلام – لإنقاذ الأمة، والتمكين لها في الأرض،

والثاني: مسلم مستعجل النصر قد نفد صبره مما يرى من الكفر والنفاق، فقرر الجهاد المسلح والمواجهة مع أعداء الدين غير ملتفت للقواعد الشرعية، وأصول التمكين، وأسباب النصر؛ فنجم عن ذلك من المفاسد الكثيرة ما الله بها عليم،

والثالث: مسلم رأى مهادنة الأعداء، والرضا منهم بأنصاف الحلول، والدخول معهم في مفاوضات ومقايضات لم تـثمر إلاَّ مزيداً من التمكين للمفسدين،

والرابع: هم الذين فقهوا سنن الله في النصر والتمكين والتغيير، وأخلصوا دينهم لله –تعالى-؛ فقد هداهم ربهم سبحانه لما اختلف فيه من الحق، ورأوا أنه لا يصلح آخر هذه الأمة إلاَّ بما صلح به أولها، وذلك بما كان عليه الرسول ﷺ

عوامل النصر

من المعلوم أن للنصر عوامل وأسباب، لا بد من الأخذ بها حتى يتحقق، فمن أسباب النصر:

الإيمان بالله والعمل الصالح؛ فقد وعد الله –تبارك وتعالى– المؤمنين بالنصر المبين على أعدائهم وذلك بإظهار دينهم، وإهلاك عدوهم وإن طال الزمن قال الله تعالى: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} غافر ٥١، وقال سبحانه: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلاً إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاؤُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} الروم ٤٧

نصر دين الله:

فمن أعظم أسباب النصر نصر دين الله -تعالى- والقيام به قولاً، واعتقاداً، وعملاً، ودعوةً قال الله -تبارك وتعالى-: {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ الله لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ ولله عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} الحج ٤٠-٤١

التوكل على الله والأخذ بالأسباب:

فالتوكل على الله -تعالى- مع إعداد القوة من أعظم عوامل النصر، وذلك لقوله جلا وعلا: {إِذْ هَمَّت طَّآئِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ والله وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} آل عمران ١٢٢

ولا بد مع التوكل من الأخذ بالأسباب، لأن التوكل يقوم على ركنين عظيمين:

– الاعتماد على الله، والثقة بوعده ونصره -تعالى-،

– الأخذ بالأسباب المشروعة. وإذا لم توجد الأسباب فهو توكل كاذب بل هو تواكل، ولهذا قال الله -تعالى- حاثاً على العمل بالأسباب: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ} الأنفال ٦٠

▪︎ وجود القيادة المؤمنة القوية:

فالقيادة العلمية القوية وقيادة الدنيا إذا اجتمعتا تحقق النصر والتمكين، أما إذا وجدت القيادة العلمية، ولكن ليس معها قوة تحميها وتدافع عنها وتجاهد لنشرها فإنها لا تقوى ولا تنتصر.

▪︎ إقامة القسط وتوخي العدل قال تعالى مبينًا عاقبة الظلم وخراب البيوت: (فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا) [النمل:٥٢]. وقال ابن تيمية: إن الله ينصر الأمة العادلة، ولو كانت كافرة، وإن الله عز وجل يهزم الأمة الظالمة، ولو كانت مسلمة.

▪︎ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو واجب الأمة جميعًا.

الثبات عند لقاء العدو، وعدم الانهزام والفرار، فقد ثبت النبي ﷺ في جميع معاركه التي خاضها ،وثبت أصحابه –رضوان الله عليهم– من بعده،

الشجاعة والبطولة والتضحية في سبيل الله

فالاتصاف بالشجاعة، والتضحية بالنفس، والاعتقاد بأن الجهاد لا يقدم الموت ولا يؤخره؛ ولهذا كان أهل الإيمان الذين امتلأت قلوبهم إيماناً هم أشجع الناس، وأكملهم شجاعة؛

 

كثرة الدعاء وكثرة ذكر الله:

فمن أعظم وأقوى عوامل النصر الاستغاثة بالله ، وكثرة ذكره، لأنه القوي القادر على هزيمة أعدائه، ونصر أوليائه قال الله تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ} الأنفال ٩

 

عدم العجب والاغترار بالقوة والكثرة:

قال الله -تبارك وتعالى-: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ} التوبة ٢٥

 

الاجتماع وعدم التفرق والتنازع:

فلا يخفى على أحدٍ من الناس أهمية جمع كلمة المسلمين، وأن ذلك سبب في النصر على عدوهم، وقال سبحانه: {وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}

 

عوامل الفشل والهزيمة

أما عن عوامل الاخفاق والفشل ، وأسباب الهزيمة والضعف، فهي كثيرة ومتعددة ومن أهمها عدم الأخذ بأسباب النصر السابقة، ومنها :

عدم الثقة بموعود الله الواحد الأحد

الاغترار بالكثرة والقوة

الإرجاف وتصديق الشائعات ،فالمرجفون هم أهل الشائعات، وهؤلاء الذين يبثون في قلوب الناس والمجتمع الرعب والخوف

التخذيل في صفوف الذين آمنوا، كأن يقول: ما أكثر جيش العدو! وسمعنا أن دباباته كذا وكذا، ويصف لنا بعض الصواريخ التي لم تحدث ولا صنعت في العالم، الترف والترهل، وتنصل الأمة عن أمور الجهاد، وعن أمور التقشف والرجولة، والتكاسل والإحباط المعنوي، واشتغال الأمة بالتوافه في حياتها، والإسراف في المباحات الملهية ، واهتمام الأمة بصغار المسائل على حساب كبارها،

ضياع الهوية الإيمانية قال تعالى: (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [آل عمران: ١٣٩]

 

عدم ربط الأمة بعلمائها، فمن خصائص الإسلام أنه يربط الجيل بعلمائه، ومن خصائص الإسلام أنه لا يصلح حال الأمة، حتى يتولى الريادة والصدارة فيها ورثة محمد ﷺ في شريعته ومنهجه.

أن في الأمة نفاقًا اعتقاديًا ونفاقًا عمليًا فهذا النفاق تعيشه الأمة، ولا يزال الإنسان يسمع بين الفينة والأخرى من يشكك في المعتقد والرسالة.

وأما النفاق العملي فحدث ولا حرج، الأمة فيها من إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان، وهي من عوامل الهزيمة، ويوم تتكمن في أمة فإنها لا تستحق النصر

الأمراض التي تصيب الأمة: والمتمثلة في الركون إلى الدنيا والتحاسد والكبر والرياء… الخ في نفوس أفراد الأمة

أخوتاه

قد يؤخر الله النصر لهذه الامة قليلاً ،حتى يرتفع مستواها ، وتصبح قادرة على تحمل أعباء النصر الذي سيمنحه الله إياها إذا جاء وقته، يقول الله سبحانه: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ الله لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) الحج.

 

وأيضًا: تكون الأمة في مستوى النصر بالإمكانات بالقدرات، فيكون لديها من يستطيعون إدارة البلدان المسلمة لو تيسر لها النصر، أو إدارة العالم لو تمكنت من فتح العالم كله، فإذا أصبحت الأمة في هذا المستوى، وتوفرت لها بقية الأسباب؛ فإن الله جل وعلا يمنحها النصر أمراً مؤكداً لا شك فيه ولا ريب. وقد ذكر صاحب “الظلال” بعض الأمور التي يتأخَّر بسببها النصر ؛ وذكر منها:

أن النصر قد يبطئ؛ لأن بنية الأمة لم تنضج بعدُ نضجها، ولم تستكمل قوتها واستعدادها.

وقد يبطئ حتى تبذل الأمة المؤمنة آخر ما في طوقها من قوة، وآخر ما تملكه من رصيد، فلا تستبقي عزيزاً ولا غالياً إلا وتبذله رخيصاً في سبيل الله.

وقد يبطئ حتى تجرِّب الأمة المؤمنة آخر قواها، فتدرك أن هذه القوى وحدها – بدون سند من الله – لا تكفل النصر.

وقد يبطئ لأن البيئة لا تصلح بعدُ لاستقبال الحق والخير والعدل، فلو انتصرت حينئذ للقيت معارضةً من البيئة، لا يستقر معها قرارٌ.

وقد يبطئ لتُزيد الأمة المؤمنة صلتها بالله، فتعلم يقيناً أنه لا ملجأ ولا منجا منه – سبحانه – إلا إليه.

وقد يبطئ لأن الأمة المؤمنة لم تتجرَّد بعدُ في كفاحها وتضحياتها لله ولدعوته، فهي تقاتل لمغنم تحققِّه، أو حميَّة لذاتها، أو شجاعة، والله يريد أن يكون الجهاد له وحده وفي سبيله.

وقد يبطئ لأنَّ في الشرِّ الذي تكافحه الأمة المؤمنة بقية من خير، يريد الله أن يجرِّد الشرَّ منها؛ ليتمحض خالصًا

– وقد يبطئ لأنَّ الباطل الذي تحاربه الأمة المؤمنة لم ينكشف زيفه للناس تماماً، فلو غلبه المؤمنون؛ فقد يجد له أنصاراً من المخدوعين فيه، فيشاء الله أن يبقى الباطل حتى يتكشَّف عارياً للناس، ويذهب غير مأسوف عليه من ذي بقية.

أيها الإخوة المسلمون

هذه هي بعض عوامل النصر وأسبابه ، وكذا عوامل الهزيمة وأسبابها، والواجب على كل مسلم أن يعمل بأسباب النصر والتمكين ، وأن يبتعد ويتجنب أسباب الهزيمة والفشل ، وأن يلقى الله تعالى بهذه النية مع العمل ، ليكون لبنة صالحة في بناء هذه الامة الميمونة المباركة، وأخيرًا وليس آخر فإن

رمضان شهر الانتصارات الداخلية والخارجية

شهر الانتصارات على شهوات النفوس بكبح جماحها وإخلاص العمل لله

انتصارٌ على الشهوات بتوظيفها فى طاعة الله

انتصارٌ على القلب بتطهيره من الحقد والحسد والكراهية

انتصارٌ على الأعداء بأروع الأمثلة لفئةٍ قليلةٍ صدقوا ما عاهدوا الله عليه

إنه شهر النصر والجد والاجتهاد والمثابرة

تعالوا إلى صومٍ نتقرب به الله لا نفسده بالليل

نتعالوا إلى صومٍ نجرب فيه الاعتدال فى جميع أمورنا بالاستغناء عما لا ضرر عنه

نتعالوا إلى صومٍ حقيقى يناهانا عن الفحشاء والمنكر

نتعالوا إلى صومٍ لا لغو فيه ولا رفث

نتعالوا لنحى ليل رمضان

نتعالوا نطهر صيامنا بالنهار بقراءة القرآن وبالليل بالقيام

نتعالوا لنتعلم كيف ننتصر على أنفسنا وشهواتنا.

فرمضان شهر صيام لا موسم طعام

التبذير في رمضان عادة مذمومة تفسد حلاوة الصيام وترهق جيوب الأسر وتمرض البدن !!!

كما في كل عام يبدأ المسلمون في جميع أماكن تواجدهم بالاستعداد لاستقبال الشهر الفضيل، شهر التقشف والعبادة والرحمة والمغفرة والعتق من النار، ولكن الغريب في الأمر أن الاستعدادات ليست في مجال الروحانيات أو وضع برامج للعبادة بل استعدادات ومشتريات بكميات كبيرة تحضيرًا للولائم التي سيقيمونها، وتبدأ التساؤلات والتخمينات حول أصناف الأطباق التي سيقدمونها وأي الحلويات وأي المقبلات ستزين موائدهم الرمضانية وأي الأنواع من اللحم سيشترون، فتجدهم يعمدون إلى الأسواق لشراء ما لذ وطاب من حاجيات رمضان، بعضهم باقتصاد وفق الحاجة وكثيرون بتبذير يتنافى مع الحكمة التي من أجلها شرّع الله الصيام. وتتكبد الكثير من الأسر المصاريف الشرائية التي تتجاوز ضعف ما تنفقه في الأشهر العادية، أو من خلال السلوكيات الغذائية التي تصيب الصائم بسبب إسرافه في تناول الطعام الذي يؤرق جسده من الناحية الصحية والنفسية، وهناك نساء يتباهين بموائدهن، ويتفنن بأنواع مختلفة من الأطعمة والشراب، ويجعلنها ميدانًا للتنافس مع آخريات.

إن الإسراف والتبذير عادة مذمومة بشكل عام فكم بالحري في شهر رمضان؟! ولا يقتصر التبذير على الأثرياء وميسوري الحال بل نرى أن جميع شرائح المجتمع تنفق في شهر رمضان أكثر بكثير مما تنفقه في الأشهر العادية.

الجميع يعرفون ذلك وهناك الكثيرون الذين يحاولون التخلص من هذه العادة البغيضة لكنهم لم يهتدوا الى الطريقة، ومنهم من يضطر الى أخذ قروض من البنوك لتغطية نفقات رمضان وعيد الفطر الذي يحل في نهايته، وما أن ينتهي العيد حتى نسمع من الكثيرين أن رمضان أرهقهم وأثقل العيش عليهم، فهل هذا أمر محتوم أم أنها عادة سيئة تأصلت فينا بحكم التقليد والمباهاة وقلة الوعي وعدم المسؤولية؟

أما رأي الشرع بممارسات التبذير والبذخ التي تتجلى لدى الأسر العربية على مائدة رمضان فهو: “شهر رمضان به حكم عظيمة وفوائد جليلة وكبيرة منها على سبيل المثال لا الحصر الناحية الصحية، حيث “لا يستفاد أن يبقى الإنسان صائمًا طوال اليوم ثمَّ يتخم نفسه عند الإفطار بأنواع الطعام”، والملاحظ في واقعنا أن الناس في شهر رمضان تصل إلى درجة التبذير في إعداد مائدة الإفطار وهذا لا يجوز بأي حال من الأحوال، والأصل أن تصنع ربات البيوت من الطعام ما لا يزيد عن الحاجة ويلقى في القمامة، ولا مانع من أن يكون متنوعًا لكن في حدود الحاجة.

كما يجب مراعاة مشاعر الجيران محدودي الإمكانيات الذين أضناهم الفقر لقول رسول الله ﷺ: “والله لا يؤمن والله لا يؤمن من بات شبعانًا وجاره جائع -وهو يعلم-“، وقال ﷺ في موضع آخر -موصيًا أبا ذرٍ رضي الله عنه: “إذا طبختَ مرقًا فأكثر ماءها وتعاهد جيرانك”، والمتفحص لأحاديث النبي ﷺ وآيات القرآن العظيم يجدها تحث على الشعور بالآخرين في شهر رمضان. وقال ﷺ: “لا تسرف ولو كنت على نهر جار”.

إن صفة التبذير من صفات الشيطان وهي صفة منبوذة لعدة أسباب أهمها أنه يُشغل الإنسان عن طاعة الله، فالأولى له أن ينشغل بالعبادة وقراءة القرآن، فربة البيت التي تقوم بتجهيز أكثر من صنف من الطعام يؤثر ذلك على ضياع وقت العبادات،

كما أن الإسراف يدعو للخيلاء والمباهاة وهذه أمراض قلبية حذَّر منها الإسلام والصيام يعالجها بالتقوى وبالتالي الإسراف فيه تضييع لنعمة الله تعالى خاصة أن الإنسان يفقد الإحساس بالآخرين.

التبذير في رمضان إفساد لحلاوة الصيام

ومع وجود المبذرين والمسرفين في رمضان إلا أن هناك من يرفض هذه الظاهرة ويعتبرها إفسادًا لحلاوة الصيام فشهر رمضان ليس شهرًا للتخمة وإعداد الأطعمة الدسمة.

بالإمكان إعداد وجبات خاصة ولكن بكثير من الاقتصاد وعدم التبذير والإسراف، وإذا تبقى جزء من الطعام فيمكن أكله في اليوم التالي.

كما أن هناك مجموعة من المفاسد السلبية التي تنتج عن الإسراف وهي أن المبذر لا يشكر نعمة الله عليه والشكر يأتي بالمحافظة عليها وعدم التبذير فقد قال تعالى: “ولئن شكرتم لأزيدنكم”.

وشكر النعمة يكون في حفظها وإنفاقها بالقدر المعقول، كما أنه يوقع الأسرة في مشاكل كثيرة للإيفاء باحتياجاتها، فإن أكثر عوامل الخلافات الزوجية في المجتمع تنشأ بسبب الإسراف والتبذير. وهناك حديث نبوي شريف يقول ﷺ: “ما ملأ ابن آدم وعاء شراً من بطنه، فحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان ولابد فاعلاً فثلثٌ لطعامه، وثلثٌ لشرابه، وثلثٌ لنَفَسِه” وهذه من القيم التربوية العظيمة يجب اتباعها ومنها تنظيم عملية الأكل وكيفية تناوله لتعود الإنسان على أن لا يسرف ويبذر في أكله وشربه.

اترك تعليقاً