خطبة بعنوان (تعزيزُ الهويةِ ودورُهَا في صناعةِ الحضارةِ) لفضيلة الدكتور أيمن حمدى الحداد

خطبة بعنوان (تعزيزُ الهويةِ ودورُهَا في صناعةِ الحضارةِ)
لفضيلة الدكتور أيمن حمدى الحداد


لتحميل الخطبة pdf  يرجى الضغط على الرابط أدناه

تعزيزُ الهويةِ ودورُهَا في صناعةِ الحضارةِ

عناصر الخطبة

♦أولاً: استقلال الأمة فى هُويتها.

♦ثانياً: مكانة مصر والحفاظ على الهُوية.

♦ ثالثاً: نضال مصر من أجل الحفاظ على الهُوية.

نص الخطبة

الحمد لله الملك الحق الديان وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له المنعم المنان؛ وأشهد أن سيدنا محمداً عبدالله ورسوله المؤيد بالحق والبرهان اللهم صلّ وسلم وبارك عليه حق قدره ومقداره العظيم، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وأصحابه الغر الميامين، ومن أتبع هداهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد؛ فيا أيها المسلمون: إن الهُوية تمثل أهم وأقوى عوامل الثبات والصمود في مواجهة التحديات فهى تعبر عن مدى تمسك الإنسان بدينه ولغته وأخلاقه وتاريخه؛ قال تعالى: ﴿صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ﴾(البقرة: ١٣٨)، وعن أبى سعيد الخدري رضي الله عنه قال رسول الله ﷺ: «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَن قَبْلَكُمْ شِبْرًا بشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بذِرَاعٍ، حتَّى لو سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ؟» رواه البخاري

 

عباد الله: إن تمسكنا بالهُوية يكون من خلال إيماناً بالأتى؛

♦أولاً: استقلال الأمة فى هُويتها؛ لقد أكد سيدنا رسول الله ﷺ على أهمية استقلال هُوية المسلم؛ فعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال رسول الله ﷺ: «لا تَكونوا إمَّعةً، تقولونَ: إن أحسنَ النَّاسُ أحسنَّا، وإن ظلموا ظلَمنا، ولَكن وطِّنوا أنفسَكم، إن أحسنَ النَّاسُ أن تُحسِنوا، وإن أساءوا فلا تظلِموا» رواه الترمذي.

وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال رسول الله ﷺ: «من تشبَّهَ بقومٍ فَهوَ منْهم» رواه أبو دواد.

وقال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إنا كنا أذل قوم، فأعزنا الله بالإسلام، فمهما نطلب العز بغير ما أعزنا الله به، أذلنا الله.. رواه الحاكم وغيره.

– ولقد حاول المشركون طمس هُوية الأمة فعرضوا على سيدنا رسول الله ﷺ، أموراً من أجل جعل قضية الدين خليطاً بين الإسلام والوثنية لكنه ﷺ رفض ذلك كما أمره ربه جل جلاله؛ قال تعالى: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ﴾(الكافرون: ١-٦)

– قال ابن إسحاق رحمه الله: واعترض رسولَ الله ﷺ وهو يطوف بالكعبة -فيما بلغني- الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى، والوليد بن المغيرة، وأمية بن خلف، والعاص بن وائل السهمي، وكانوا ذوي أسنان في قومهم. فقالوا: يا محمَّد هلمّ فلنعبد ما تعبد، وتعبد ما نعبد، فنشترك نحن وأنت في الأمر، فإن كان الذي تعبد خيرًا مما نعبد، كنا قد أخذنا بحظنا مثله، وإن كان ما نعبد خيرًا مما تعبد كنت قد أخذت بحظك منه، فأنزل الله تعالى: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ …﴾

– وعن عكرمة عن ابن عباس: أن قريشاً وعدوا رسول الله ﷺ أن يعطوه مالاً فيكون أغنى رجل بمكة، ويزوجوه ما أراد من النساء، ويطئوا عقبه، فقالوا له: هذا لك عندنا يا محمد، وكف عن شتم آلهتنا، فلا تذكرها بسوء، فإن لم تفعل، فإنا نعرض عليك خصلة واحدة، فهي لك ولنا فيها صلاح قال: «ما هي؟» قالوا: تعبد آلهتنا سنة: اللات والعزى، ونعبد إلهك سنة، قال: «حتى أنظر ما يأتي من عند ربي» فجاء الوحي من اللوح المحفوظ: ﴿قل يا أيها الكافرون﴾ السورة، وأنزل الله: ﴿قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ﴾(الزمر: ٦٤-٦٦)

– ومن التأكيد على المحافظة على الهُوية الأمر بمخالفة هدي المشركين في شعائر دينهم؛ فعن المسور بن مخرمة قال: «خطبنا رسول الله ﷺ بعرفة فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد: فإن أهل الشرك والأوثان كانوا يدفعون من ها هنا عند غروب الشمس حين تكون الشمس على رؤوس الجبال مثل عمائم الرجال على رؤوسها، فهدينا مخالف لهديهم، وكانوا يدفعون من المشعر الحرام عند طلوع الشمس على رؤوس الجبال مثل عمائم الرجال على رؤوسها، فهدينا مخالف لهديهم» رواه الطبرانى.

 وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «لما كثر الناس، ذكروا أن يعلموا وقت الصلاة بشيء يعرفونه، فذكروا أن ينوروا ناراً، أو يضربوا ناقوساً، فأمر بلال أن يشفع الأذان – ويوتر الإقامة».

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان المسلمون حين قدموا المدينة، يجتمعون، فيتحينون الصلاة، وليس ينادي بها أحد، فتكلموا يوماً في ذلك، فقال بعضهم: اتخذوا ناقوساً مثل ناقوس النصارى، وقال بعضهم: قرناً مثل قرن اليهود، فقال عمر: أو لا تبعثون رجلاً ينادي بالصلاة؟ فقال رسول الله ﷺ: «يا بلال قم فناد بالصلاة» متفق عليه.

– وإن المتأمل في القرآن الكريم يجد التأكيد على المحافظة على الهُوية الإسلامية من خلال التمسك

بالوحى والإعتصام بإخوة الإيمان؛ قال تعالى: ﴿فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ﴾(الزخرف: ٤٣-٤٤)، وقال تعالى:﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾(التوبة: ٧١)،

– إن قضية الهُوية محورية فيجب المحافظة عليها حتى لاتذوب وتتلاشى ولقد كشف القرآن الكريم عن كيد الأعداء المتواصل ليل نهار من أجل طمس هُويتنا؛ قال تعالى: ﴿وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا﴾(البقرة: ٢١٧)، وقال تعالى:﴿وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً﴾(النساء: ٨٩)،

– والهُوىة تربط بين أبنائها برباط وثيق: فتجعل الولاء بين أتباعها والمحبة بين أصحابها وتربط بينهم برباط الأخوة والمحبة والنصرة والموالاة، فهم جسد واحد؛ قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾(الحجرات:١٠)، وعن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال رسول الله ﷺ: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى سائر الجسد بالسهر والحمى» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

قال ابن حجر: فتشبيهه المؤمنين بالجسد الواحد تمثيل صحيح، وفيه تقريب للفهم وإظهار للمعاني في الصور المرئية، وفيه تعظيم حقوق المسلمين والحض على تعاونهم وملاطفة بعضهم بعضاً.

– الاقتباس من الأمم الأخرى في العلوم والصناعات والاختراعات المادية مشروع؛ لأنها ليست حكراً على أحد، وليست شعاراً لأمة من الأمم، بل الجميع فيها شركاء، ولا تؤثر على هوية الأمة الدينية، ولا شخصيتها الاجتماعية، ولهذا لم يتردد عمر رضي الله عنه من تدوين الدواوين واقتباسها من الفرس والروم، والاستفادة من النظم الإدارية لتطوير الدولة الإسلامية.

– لكن الإقتباس الممنوع هو ما كان فيه ضرر ومخالفة لتعاليم الإسلام الحنيف وهو نوع من التقليد الأعمى؛

قال العلامة رشيد رضا: ثم كان من شؤم التقليد الذي أصبنا به أن أنتقل جماهير المسلمين في هذه الأزمنة من التقليد في الدين والعلم إلى التقليد في العادات، حتى غلبت عليهم عادات الأمم الأخرى فوهت قوتهم، وسحلت مرائرهم.

♦ثانياً: مكانة مصر والحفاظ على الهُوية؛ لقد حُقَ لكل مصرى أن يفتخر بانتمائه لوطنه، لأن ربنا تبارك وتعالى كرم مصر فجعلها أرضاً للأنبياء فعلى أرض مصر وُلد نبي الله إدريس وعاش الخليل ابراهيم ويعقوب ويوسف وعيسى وموسى وهارون ولقمان عليهم السلام؛ وعلى أرض مصر ضرب موسى عليه السلام بعصاه فانفلق الحجر له ماءً وانشق البحر فكان كل فرق كالطود العظيم قال تعالى: ﴿فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ﴾(البقرة: ٦٠)، ويقول جل وعلا: ﴿فَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ﴾ (الشعراء: ٦٣)، ولقد بَشّر سيدنا رسول الله ﷺ أصحابه بفتح مصر وجعل الإحسان إلى أهلها وصية له فقال ﷺ: «إِنَّكم ستفتحونَ مصر، وهِيَ أرضٌ يُسَمَّى فيها القيراطُ، فإذا فتحتُموها، فاستَوْصُوا بأَهْلِها خيرًا، فإِنَّ لهم ذمَّةً، ورَحِمًا» رواه مسلم. 

– ولقد شهد بفضائل مصر وأهلها كثير من أصحاب النبي ﷺ من ذلك:                                                                                                        ٠ شهادة عبدالله بن عمرو بن العاص رضي اللّه عنه حيث قال: أهل مصر أكرم الأعاجم كلها وأوسعهم يداً وافضلهم عنصراً واقربهم رحماً بالعرب عامة وبقريش خاصة.

هذا ما شهد به عبدالله بن عمرو لأهل مصر، يؤيد هذا ما حدث فى عام الرمادة، حين أصاب القحط مدينة سيدنا رسول الله ﷺ فأرسل الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى عمرو بن العاص والى مصر يطلب منه الغوث؟ فأرسل إليه عمرو بن العاص قائلا: لأرسلن إليك بقافلة أولها عندك وآخرها عندي فأرسل إليه بألف بعير تحمل الدقيق، وبعث في البحر بعشرين سفينة تحمل الدهن، وبعث إليه بثلاثة آلاف عباءة أمده بذلك كله فمصر هي التي أغاثت أصحاب سيدنا رسول الله ﷺ.

٠ شهادة أبو موسى الأشعري رضي الله عنه حيث قال: أهل مصر الجند الشداد ما كادهم أحد إلا كفاهم الله مؤنته.

 ٠ شهادة كعب الأحبار حيث قال: مصر بلد معافاة من الفتن من أرادها بسوء أكبه الله على وجهه.                                                                                       

 مصر الكنانة الله يحرسها عطفاً و يرعها                                                                                                 

 نسألك يا رب أن  تحمى مرابعها   

فالشمس عين لها والليل نجواها                                                                                                                                         

 والسنبلات تصلى في مزارعها

 والعطر تسبيحها و القلب مرعاها                                                                  

 مآذن النور في آفاقها سطعت

  كأنها أعين بالنور ترعاها                                                                         

              يارب وفق حماة الأرض أن يصلوا   تاريخها بغد في الغيب يلقها

– دور الأزهر الشريف فى الحفاظ على هُوية الأمة؛ لقد قيد الله رب العالمين الأزهر وعلمائه الأجلاء للحفاظ على الهُوية الإسلامية فكانت حلقات العلم فيه منذ أكثر من ألف عام تضم العلوم الشرعية واللغوية وعلم الهيئة والفلك والرياضيات كالحساب والجبر والهندسة، وبلغ عدد الدارسين في القرن الثامن عشر نحو خمسة عشر ألف دارس، وكانت الأروقة مخصصة لكل الاجناس والأقطار، مثل رواق المغاربة والشوام والصعايدة، والأتراك وبلغ عدد الدارسين الآن نحو خمسة وثلاثين الف طالب من أكثر من مائة دولة.

– ولقد تخرج وتتلمذ في الازهر نخبة من أكبر وأهم علماء الاسلام على مدى تاريخه، أمثال ابن خلدون والمقريزي والسيوطي وغيرهم.

– ولم يقتصر دور الأزهر على تخريج العلماء ونشر العلوم الفقهية والحفاظ على تراث اللغة العربية فحسب، لكن دور الأزهر السياسي كان له أكبر الاثر في مقاومة المحتل وردّ المظالم منذ عصر المماليك.

ولقد ذكر الجبرتي دور الازهر في مقاومة الحملة الفرنسية التي قام جنودها بدكّ الأزهر بمدافعهم ودخلوا حرم الجامع بخيولهم.

واستمر هذا الدور السياسي في مقاومة الاحتلال البريطاني وثورة ١٩١٩ وحتى بعد قيام ثورة عام ١٩٥٢، حيث كانت خطبة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر الشهيرة من فوق منبر الأزهر الشريف.

ومن هنا تبوأت مصر مكانتها المرموقة..

 فاتقوا الله عباد الله وحافظوا على مصر، واعملوا من أجل رفعتها، ورقيها، وقوتها.

 أقول قولى هذا واستغفر الله العظيم لى ولكم.

الخطبة الثانية:

الحمدلله وكفى وصلاة وسلاماً على عباده الذين اصطفى أما بعد؛ فيا عباد الله: إن الحفاظ على الهُوية من أهم وأعظم عوامل الاستقرار وبناء الحضارة فكل واحد منا مسؤول عن حفظ الوطن وألا يؤتى من قبله، واعلموا أن أخطر ما يواجه الأوطان هو أن يتحول أمنها واستقرارها إلى خوف، فالأمن والأمان من أعظم نعم الله على خلقه، قال تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آَمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ﴾(العنكبوت: ٦٧)، وبالأمن والأمان تنعم الأوطان وتزدهر؛ يقول النبي ﷺ: «من أصبح منكم آمنا في سربه معافى في جسده عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا» الأدب المفرد البخاري.

♦ثالثاً: نضال مصر من أجل الحفاظ على الهُوية؛ لقد سجل التاريخ بحروف من نور دور ما خاضه أسلافنا الكرام من حروب ضارية من أجل الحفاظ على الهُوية من ذلك؛

– فتح بيت المقدس: لقد خاض المسلون معارك كثيرة من أجل إستعادة بيت المقدس ودحر العدوان الصليبى على بلادهم، وكان من أهم تلك المعارك معركة حطين ٥٨٣ هجرياً – ١١٨٧ ميلادياً لقد ضحى المسلون بدمائهم وبذلوها رخيصة من أجل إستعادة بيت المقدس، عندما دعا الملك الناصر صلاح الدين الأيوبى إلى النفير العام والتعبئة العامة جاء المتطوعون من كل حدب وصوب وتحركت الجيوش من أرض مصر الطيبة الطاهرة لتخلص المسلمين وبلادهم من شر العدوان الصليبى تقدم صلاح الدين بجيوشه إلى نهر الأردن فاستولى على جزيرة طبرية فقطع الماء عن الصليبيين حاول الصليبيون بقيادة ريموند الثالث الوصول إلى مرتفعات حطين كى يحصلوا على الماء لكن المسلمين منعوهم من ذلك حيث سيطر المسلمون على بحيرة طبرية؛ فاشتد الظمأ بالصليبين وبلغ مبلغاً عظيماً واعمل المسلمون فيهم القتل ودارت رحى المعركة فى حطين فظفر بهم المسلمون وأسروا ملك بيت المقدس- جاى لوزجنان وأرناط – وعدد من امرائهم، واستطاعوا تحرير مدن – عكا وبيروت وعسقلان- وغيرها من المدن الساحلية حتى فتحوا بيت المقدس عام ٥٨٣ هجرياً..

– معرکة دمياط وأسر لويس التاسع: لقد هاجم الصليبيون دمياط بقيادة لويس التاسع واستطاعوا الإستيلاء على دمياط فقام السلطان نجم الدين أيوب بالتصدى لتلك الحملة الصليبية على مصر لكن الملك الصالح مات قبل أن يكمل المهمة وهو مرابط فى سبيل الله بالمنصورة فى ليلة النصف من شعبان فأخفت زوجه شجرة الدر خبر وفاة الملك لئلا تخور عزائم الجند وتضعف معنوياتهم فلله درها إمرأة شجاعة تغار على الإسلام والمسلمين فتتحمل أعباء إدارة المعركة فاستدعت توران شاة ابن الملك الصالح وتولى قيادة الجيوش الأمير بيبرس البندقدارى والذى تمكن بحول الله وقوته من هزيمة الصليبيين وأسر ملكهم لويس التاسع فى معركة درات فى مدينة فارسكور وحبس لويس التاسع فى دار بن لقمان بالمنصورة وتم فدائه بالمال هو ومن معه من الأمراء.

– القضاء على المغول فى عين جالوت : لقد احتل المغول بغداد واسقطوا الخلافة وقتلوا الخليفة وسفكوا الدماء وانتهكوا الحرمات وأرسل هولاكو برسالة تهديد إلى قظز فلم يفت ذلك في عضد المصريين وتجهزت الجيوش بقيادة سيف الدين قطز وتوجهت نحو عين جالوت بفلسطين فلم ينتظر قطز مهاجمة المغول مصر بل خرج إلى عين جالوت ليبدأ بالهجوم ولما بدأت المعركة حمل المغول على جيوش قطز رأى ذلك قطز فخاف أن يفر الجنود أمام شراسة المغول فألقى خوذته على الأرض وصرخ بأعلى صوته: اللهم أنصر عبدك الفانى وصرخ بأعلى صوته “واسلاماه واسلاماه واسلاماه” ثم أخذ يحمل سيفه ويشق صفوف الأعداء فالتف حوله الجنود فى ملحمة عظيمة من الجهاد مما أفقد المغول صوابهم وتكبدوا خسائر هائلة ومكن الله عز وجل المسلمين من رقابهم فقتلوا قائد الجيش المغولى – كتبغا – وارتفعت الأصوات بالتكبير والتهليل فهزم المغول وولوا الأدبار وقتل منهم عدداً كبيراً وفر الباقون يجرون ورائهم أذيال الهزيمة والخزى والعار وبذلك تحطم غرور التتار أمام قوة وشجاعة المسلمين وبهذا تكون مصر قد خلصت العالم العربى من همجية المغول قال تعالى:(فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا ۚ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (الأنعام: ٤٥)،

 ولله در أمير الشعراء حيث قال:

بلاد مات فتيتها لتحيا.  

            وزالوا دون قومهم ليبقوا

وقفتم بين موت أو حياة 

       فإن رمتم نعيم الدهر فاشقوا

وللأوطان فى دم كل حر.

             يد سلفت ودين مستحق

ومن يسقى ويشرب بالمنايا.

       إذا الأحرار لم يسقوا ويسقوا

ولا يبنى الممالك كالضحايا.

          ولا يدنى الحقوق ولا يحق

ففى القتلى لأجيال حياة.

        وفى الأسرى فدى لهم وعتق

وللحرية الحمراء باب.

                  بكل يد مضرجة يدق

– ولقد واصلت مصر الكفاح ضد الفرنسيين والبريطان والصهيانية؛ فكان العدوان الثلاثى فى عام ١٩٥٦ ميلادياً؛ ثم الإحتلال الإسرائيلى لسيناء الحبيبة فى عام ١٩٦٧ ميلادياً حتى أذن الله تعالى بالنصر المؤزر فى العاشر من رمضان السادس من أكتوبر عام ١٩٧٣ ميلادياً، وهذا هو قدر مصر فهى الدرع الواقي للأمتين العربية والإسلامية، وهى الحصن الحصين للعرب والمسلمين وهى درة تاج العرب، ولقد بشر سيدنا رسول الله ﷺ من بات يحرس في سبيل الله بالنجاة من النار فقال ﷺ: «عينان لا تمسهما النار عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله» رواه الترمذي.

فعلى الجميع أن يدرك قيمة الوطن وأمنه وأن يتكاتف الجميع من أجل الحفاظ على مقدرات الوطن وحمايته من كل ما يحاك له.

اللهم احفظ الله مصر وشعبها من كل سوء ووفق ولاة أمورها إلى ما فيه خير البلاد والعباد وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

وأقم الصلاة.

 

لتحميل الخطبة pdf  يرجى الضغط على الرابط أدناه

تعزيزُ الهويةِ ودورُهَا في صناعةِ الحضارةِ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *