عقيدة الطريقة الرفاعية العلية
24 فبراير، 2025
منهج الصوفية

بقلم فضيلة الشيخ الدكتور : فواز الطباع الحسني
عميد رواق ودار الإمام أحمد الرفاعي رضي الله عنه الاردن
عقيدة الطريقة الرفاعية العلية .
العقيدة في اللغة :
هي ما أنعقد عليه القلب واستمسك به ، وتعذر تحويله عنه .
العقيدة اصطلاحاً:
هي التصور الإسلامي الكلي اليقيني عن الله الخالق، وعن الكون والإنسان والحياة، وعما قبل الحياة الدنيا وعّما بعدها ، وعن العلاقة بين ما قبلها وما بعدها .
الاعتقاد الصحيح واجب على كل مسلم لذلك إن لم يكن متعلماً ينبغي أن يكون مقتدياً . قال الله تعالى ( فاعلم انه لا اله الا الله ) وقال تعالى ﴿وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) الآية 65 الزمر .
عقيدة أهل التصوف :
قال الإمام الرواس رضي الله تعالى عنه عن عقيدة السادة الصوفية أبناء الطريقة الرفاعية العلية في كتابه بوارق الحقائق :
صحة الاعتقاد : وهو اأن يعتقد المرء أن الله واحد لا شريك له ، فرد لا مثل له ، صمد لا ضد له ، متفرد لا ند له ؛ وانه قديم لا أول له ، أزلي لا بداية له ، مستمر الوجود لا اخر له ، أبدي لا نهاية له ، قيوم لا انقطاع له ، دائم لا انصرام له ، وهو الأول والآخر ، والظاهر والباطن ، لا يماثل موجوداً ، ولا يماثله موجود ، وليس كمثله شيء ، ولا هو مثل شيء ، لا يحده المقدار ، ولا تحويه الأقطار ، ولا تحيط به الجهات ، ولا تكتنفه السموات ، العرش وحملته محملون بلطف قدرته ، ومقهورون في قبضته ، بائن بصفاته عن خلقه ، ليس في ذاته سواه ، ولا في سواه ذاته ، مقدس عن التغير والانتقال ، منزه عن الغيبة والزوال ، حي قادر جبار ، قاهر لا يعتريه قصور ولا عجز ، ولا تأخذه سنة ولا نوم ، ولا يعارضه فناء ولا موت ، ذو الملك والملكوت ، والعزة والجبروت ، وله السلطان والقهر ، والخلق والامر ، عالم بجميع المعلومات ، مريد للكائنات ، مدبر للحادثات ، وهو المبدىء المعيد ، الفعال لما يريد ، لا راد لحكمه ، ولا معقب لقضائه ، ولا مهرب لعبد عن معصيته إلا بتوفيقه ورحمته ، ولا قوة له طاعته إلا بمحبته وإرادته ، سميع بصير ، لا يعزب عن سمعه مسموع وإن خفي ؛ ولا يغيب عن رؤيته مرأي وإن دق ، متكلم آمر ، ناه واعد ، متوعد بكلام أزلي قديم ، قائم بذاته لا يشبه كلام الخلق ليس بصوت يحدث من انسلال الهواء ، واصطكاك أجرام ، ولا بحرف يتقطع باطباق شفة أو تحريك لسان ؛ وأن القرآن والتوراة والإنجيل والزبور كتبه المنزلة على رسله ، وأن القرآن مقروء بالألسنة ، مكتوب في المصاحف ، محفوظ في القلوب ، قديم قائم بذات الله لا يقبل الانفصال ، والفراق بالانتقال الى القلوب والأوراق ، وأن سيدنا موسى عليه السلام سمع كلام الله بغير صوت ولا حرف ، كما يرى الأبرار ذات الله من غير جوهر ولا عرض ، وإذا كانت له هذه الصفات كان جل علاه حياً عالماً قادراً مريداً سميعاً بصيراً بالحياة ، والعلم ، والقدرة ، والإرادة ، والسمع ، والبصر والكلام لا بمجرد الذات ، ويجب ايضا على المرء أن يعتقد أن الله حكيم في افعاله ، عادل في اقضيته ، يثيب عباده على الطاعات بحكم الكرم والوعد لا بحكم الاستحقاق واللزوم إذ لا يجب عليه فعل ولا يتصور منه ظلم ، ولا يجب لاحد عليه حق ، بعث الرسل واظهر صدقهم بالمعجزات الظاهرة فبلغوا امره ونهيه ووعده ووعيده واوجب على الخلق تصديقهم فيما جاؤوا به ، وبعث النبي الامي القرشي سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم برسالته كافة العرب والعجم والجن والإنس فنسخ بشرعه الشرائع إلا ما قرره ؛ وفضله على سائر الأنبياء ، وجعله سيد البشر ، ومنع كمال الإيمان بشهادة التوحيد وهي قول لا اله إلا الله ما لم تقترن بها شهادة الرسول ، وهي قول محمد رسول الله . وألزم الخلق بتصديقه في جميع ما أخبر عنه من أمر الدنيا والآخرة .
ويجب على المرء أن يؤمن بما أخبر عنه الرسول صلى الله عليه وسلم بعد الموت ، وذلك سؤال منكر ونكير وشأن القبر والميزان ، والصراط والحساب والقضاء العدل في أمر الخلق بعد حسابهم ، وتفاوت الخلق في الحساب إلى مناقش فيه ومسامح، ومن يدخل الجنة بغير حساب ، وأن يؤمن بالحوض المورود حوض سيد الوجود محمد صلى الله عليه وسلم يشرب منه المؤمنون قبل دخول الجنة وبعد جواز الصراط ؛ من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها ابداً ، وأن يؤمن بإخراج الموحدين من النار بعد الانتقام حتى لا يبقى في جهنم موحد بفضل الله تعالى ، ويؤمن بشفاعة الأنبياء ثم العلماء ثم الشهداء ثم سائر المؤمنين كل عل حسب جاهه ومنزلته ؛ ومن بقى من المؤمنين ولم يكن له شفيع أُخرج بفضل الله ولا يخلد في النار من كان في قلبه مثقال ذرة من الإيمان ، وأن يعتقد فضل الصحابة الكرام رضي الله تعالى عنهم وترتيبهم وأن يحسن الظن بهم جميعاً ويثني عليهم كما أثنى الله ورسوله عليهم .
قال الإمام أبي الهدى الصيادي رضي الله تعالى عنه :
الله أوجب أن ننزه ذاته عن رأي كل مشبهٍ كذابُ
إذ ليس عز كمثله شيءٌ ولا يعزى إلى جهةٍ عظيم جنابُ
نور السماء والأرض جل جلاله مجري الرياح مسببُ الأسبابُ
وهو الغني بذاته عن صاحبٍ في شأن قدرته وعن بوابُ
لا كيف لا تمثيل لا تجسيم لا تشبيه يصلحُ فيه للأبابُ
بالعدل يمنع ثم يرزق من يشا فضلاً وإحساناً بغير حسابُ
في الأرض قدرته ودولة أمره فوق السما نفذت على الأربابُ
وجميع ذرات الوجود فقيرةٌ مقهورةٌ لجنابه بالبابُ
ومن العقيدة الإيمان بالكرامات :
قال الإمام أبو جعفر الطحاوي في عقيدته :
(ولا نفضل أحداً من الأولياء على أحد من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، ونقول نبي واحد أفضل من جميع الأولياء ، ونؤمن بما جاء من كراماتهم ، وصح عن الثقات من رواياتهم )
الأولياء والكرامات :
أ- معنى الكرامة:
الكرامة: هي أمر خارق للعادة يظهره الله على يد بعض الصالحين من أتباع الرسل عليهم السلام الملتزمين لأحكام الشريعة الربانية من غير شذوذ ولا مخالفة، فضلاً من الله وإكراماً لهم، وهي غير مقرونة بدعوى النبوة، وهي في حقيقتها تأييد وتأكيد لرسالة الرسول باعتبار أن الله أظهرها على يد صلحاء أمته، وتابع من أتباعه.
ب- معنى الولي:
الولي: هو الرجل المؤمن التقي المواظب على الطاعات المتقيد بأوامر الله ونواهيه. العارف بالله على حسب الإمكان المعرض عن الأمهات في الشهوة.
قال الله تعالى في حق الأولياء: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [يونس: 62-63-64].
ج- ثبوت الكرامة في القرآن الكريم:
أولاً: ثبوت الكرامة لأهل الكهف: ما ثبت من كرامة لأهل الكهف، وهم فتية آمنوا بالله، وفروا بدينهم من ظلم ملك كافر كان في زمانهم، فأووا إلى كهف في جبل، فأنامهم الله ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعاً، ثم أيقظهم من نومهم الطويل، وقد ذكر قصتهم في سورة الكهف واسم السورة تشير إليهم.
قال الله تعالى: {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا* إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا * فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا * ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا} [الكهف: 9 – 12].
ثانياً: ثبوت الكرامة لمريم عليها السلام:
الكرامة الأولى: أن نبي الله زكريا عليه السلام يدخل عليها في محرابها فيجد عندها رزقاً دون أن يأتي به إنسان ودون سبب مادي.
قال الله تعالى: {وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}[آل عمران: 37].
الكرامة الثانية: وهي حملها بعيسى عليه السلام دون أن يمسها بشر حيث جاءها روح القدس جبريل عليه السلام بأمر من الله بصورة رجل عادي، وأخبرها بأن الله أرسله ليهب لها غلاماً زكياً طاهراً يكون له شأن عجيب ويعطيه الله النبوة والحكمة، فاطمأنت على نفسها بعد اضطرابها منه. وكانت هذه القصة من العلامات الخارقة التي لم يسبق لها مثيل.
قال الله تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذْ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا* فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا* قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنتَ تَقِيًّا * قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لأَهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا * قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُنْ بَغِيًّا * قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا } [مريم: 16 – 21].
الكرامة الثالثة: لما حملت به عليها السلام ابتعدت عن منازل أهلها، فلما جاءها مخاض الولادة جلست إلى جذع نخلة غير مثمرة، فهزتها فتساقط من الشجرة رطباً طرياً صالحاً للاجتناء والأكل. ولذلك أشار القرآن الكريم إلى ذلك:
{فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا * فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا * فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا* وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا } [مريم: 22 – 25].
الكرامة الرابعة: لما وضعت ابنها عيسى ابن مريم وأتت به إلى قومها وأخبرتهم أنه ابنها، كان الأمر صعباً عليهم تصديق هذه الخارقة فاتهموها اتهامات وجرحوها بكلماتهم وهي صامتة لا تتكلم وألحوا في استجوابها عن سبب حملها الذي لم يتصور كثير منهم فيه إلا الفاحشة، وهي منها براء، فلما ضاق حالها وانحصر المجال، واحتارت في أمرها، عظم توكلها على الله ذي الجلال والإكرام، ولم يبق إلا الإخلاص والاتكال فأشارت إلى طفلها عيسى ابن مريم حتى يخاطبوه ويكلموه، فعندها استغربوا الأمر، وقالوا كيف نكلم من كان في المهد صبياً، وهو لا يميز بالأمور فظنوا أنها تستهزيء بهم ، عندها تكلم ونطق وقال: إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبياً.
قال الله تعالى: {فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا * يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا * فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا * قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِي الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا * وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا} [مريم: 27 -33].
ثالثاً: ثبوت كرامة صاحب سليمان عليه السلام:
قصَّ لنا القرآن الكريم قصة إحضار عرش بلقيس من مسافات بعيدة في أقلّ من طرفة عين إلى سليمان عليه السلام وهو في بيت المقدس ، والذي أحضره واحد من المؤمنين عنده علم من الكتاب، قال الله تعالى: {قَالَ يَا أَيُّهَا المَلأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ * قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ * قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} [النمل: 38-40].
د- ثبوت الكرامة في التثبت من نص الأحاديث:
أولاً : قصة ثلاثة نفر من الأمم السابقة ، انطلقوا حتى آواهم المبيت إلى غار فدخلوه ، فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم مدخل الغار فدعوا الله بصالح أعمالهم فانفرجت الصخرة بسبب صالح دعواتهم وخرجوا من الغار يمشون.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “انطلق ثلاثة نفر ممن كان قبلكم حتى آواهم المبيت إلى غار، فدخلوه فانحدرت صخرة من الجبل ، فسدت عليهم الغار فقالوا : إنه لا يُنجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله تعالى بصالح أعمالكم، قال رجل منهم: اللهم كان لي أبوان شيخان كبيران وكنت لا أَغْبِق (شرب العشي ) قبلهما أهلاً ولا ولداً فنأى بي طلب الشجر يوماً فلم أُرِحْ عليهما حتى ناما ، فحلبت لهما غَبُوقهما فوجدتهما نائمين ، فكرهت أن أُوقظهما ، وأن أغبق قبلهما أهلاً أو ولداً ، فلبثت – والقدح على يَدِي – أنتظر استيقاظهما حتى برق الفجر، والصبية يتضاغون عند قدمي ، فاستيقظا فشربا غبوقهما. اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرِّج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة ، فانفرجت شيئاً لا يستطيعون الخروج منه.
قال الآخر : اللهم إنه كانت لي ابنة عم كانت أحبَّ الناس فأردتها على نفسها فامتنعت مني حتى ألمَّت بها سنة من السنين ، فجاءتني فأعطيتها عشرين ومائة دينار على أن تخلي بيني وبين نفسها ففعلت ، حتى إذا قدرت عليها، قالت : اتقِ الله ولا تفضَّ الخاتم إلا بحقه ، فانصرفت عنها وهي أحبُّ الناس إلي ، وتركت الذهب الذي أعطيتها ، اللهم إن كنتُ فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه ، فانفرجت الصخرة غير أنهم لا يستطيعون الخروج منها.
وقال الثالث : اللهم استأجرت أجراء وأعطيتهُم أجرهم غير رجل واحد ترك الذي له وذهب ، فثمَّرت أجرهُ حتى كثرت منه الأموال فجاءني بعد حين ، فقال : يا عبد الله أدِّ إليَّ أجري ، فقلت : كل ما ترى من أجرك من الإبل والبقر والغنم والرقيق ، فقال: يا عبد الله لا تستهزئ بي ! فقلت : لا أستهزئ بك ، فأخذه كله فاستاقه فلم يترك منه شيئاً ، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه ، فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون”. متفق عليه.
ثانياً: قصة تكلم صبي رضيع من بني إسرائيل تبرئة لامرأة أَمَةٍ اتهمت بالسرقة والزنى ، ولم تفعل ذلك وهذا كرامة لها.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “كانت امرأة ترضع ابنها من بني اسرائيل ، فمرَّ بها رجل راكب ذو شارة (صاحب هيئة وشكل حسن) ، فقالت : اللهم اجعل ابني مثله ، فترك ثديها ، وأقبل على الراكب ، وقال: اللهم لا تجعلني مثله، ثم أقبل على ثديها يمصه – قال أبو هريرة : كأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يمصُّ أصبعه – ثم مر بأمة فقالت : اللهم لا تجعل ابني مثل هذه فترك ثديها ، فقال : اللهم اجعلني مثلها ، فقالت له : لم ذاك ؟ فقال : الراكب جبار من الجبابرة وهذه الأَمَةُ يقولون لها : سرقت ، زنيت ، ولم تفعل “. متفق عليه.
ثالثاً: قصة العابد جريج:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “كان في بني إسرائيل رجل يقال له جريج كان يصلي ، فجاءته أمه فدعته ، فقال : أجيبها أو أصلي ؟ فقالت : اللهم لا تمته حتى تريه وجوه المومسات ، وكان جريج في صومعته ، فتعرضت له امرأة فكلمته فأبى ، فأتت راعياً فأمكنته من نفسها ، فولدت غلاماً ، فقالت : من جريج ، فأتوه فكسروا صومعته ، وأنزلوه وسُّبوه ، وتوضأ وصلى ثم أتى الغلام، فقال : من أبوك يا غلام ، فقال: الراعي ، فقالوا : أنبني لك صومعتك من ذهب ؟ فقال : لا ، إلا من طين”. متفق عليه.
رابعا ً: غلام من الأمم السابقة أجرى الله على يديه أموراً خارقة:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “كان ملك فيمن كان قبلكم ، وكان له ساحر فلما كبر قال للملك : إني قد كبرت فابعث إليَّ غلاماً أعلمه السحر، فبعث إليه غلاماً يعلمه ، وكان في طريقه إذا سلك راهب ، فقعد إليه وسمع كلامه ، فأعجبه وكان إذا أتى الساحر مرّ بالراهب، وقعد إليه فإذا أتى الساحر ضربه ، فشكا ذلك الراهب ، فقال : إذا خشيت الساحر ، فقل : حبسني أهلي ، وإذا خشيت أهلك ، فقل:حبسني الساحر ، فبينما هو على ذلك إذ أتى على دابة عظيمة قد حبست الناس ، فقال : اليوم أعلم الساحر أفضل أم الراهب أفضل ؟ فأخذ حجراً ، فقال : اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر ، فاقتل هذه الدابة حتى يمضي الناس ، فرماها فقتلها ومضى الناس فأتى الراهب فأخبره. فقال له الراهب : أيْ بُنّيَّ أنت اليوم أفضل مني قد بلغ من أمرك ما أرى ، وإنك ستبتلى ، فإن ابتليت فلا تدل علي ، وكان الغلام يبرئ الأكمه والأبرص ويداوي الناس من سائر الأدواء . فسمع جليس للملك كان قد عمي فأتاه بهدايا كثيرة ، فقال : ما ههنا لك أجمع إن أنت شفيتني ، فقال : إني لا أشفي أحداً ، إنما يشفي الله تعالى ، فإن آمنت به دعوتُ الله فشفاك ، فآمن بالله تعالى ، فشفاه الله تعالى ، أتى الملك ، فجلس إليه كما يجلس ، فقال له الملك : من ردَّ عليك بصرك ؟ قال : ربي. قال: أولك ربَّ غيري؟ قال: ربي وربك الله ، فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دلَّ على الغلام ، فجيء بالغلام ، فقال له الملك : أيْ بني قد بلغ من سحرك ما تبرئ الأكمة والأبرص ، وتفعل وتفعل ! فقال : إني لا أشفي أحداً ، إنما يشفي الله تعالى فأخذه أيضاً بالعذاب ، فلم يزل يعذبه حتى دلَّ على الراهب ، فجيء بالراهب ، فقيل له : ارجع عن دينك فأبى ، فدعا بالمنشار في مفرق رأسه ، فشقه حتى وقع شقاه ، ثم جيء بجليس الملك ، فقيل له : ارجع عن دينك فأبى فوضع المنشار في مفرق رأسه ، فشقه به حتى وقع شقاه، ثم جيء بالغلام ، فقيل له : ارجع عن دينك فأبى فدفعه إلى نفر من أصحابه ، فقال : اذهبوا به إلى جبل كذا وكذا، فاصعدوا به الجبل، فإذا بلغتم ذروته (أعلاه) ، فإن رجع عن دينه وإلا فاطرحوه ، فذهبوا به الجبال ، فقال: اللهم اكفينهم بما شئت ، فرجف بهم الجبل فسقطوا وجاء يمشي إلى الملك ، فقال له الملك : ما فعل أصحابك ؟ قال : كفانيهم الله تعالى، فدفعه إلى نفر من أصحابه ، فقال : اذهبوا به فاحملوه في قرقور(نوع من السفن) وتوسطوا به البحر فإن رجع عن دينه وإلا فاقذفوه فذهبوا به ، فقال : اللهم اكفينهم بما شئت ، فانكفأت (انقلبت) بهم السفينة فغرقوا، وجاء يمشي إلى الملك، فقال له الملك: ما فعل أصحابك؟ فقال : كفانيهم الله تعالى، فقال للملك: إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به. قال: ما هو؟ قال : تجمع الناس في صعيد (الأرض البارزة) واحد، وتصلبني على جذع (عود من أعواد النخيل) ، ثم خذ سهماً من كنانتي ثم ضع السهم في كبد القوس ، ثم قل : بسم الله رب الغلام ثم ارمني فإنك إذا فعلت ذلك ، قتلتني ، فجمع الناس على صعيد واحد ، وصلبه على جذع ثم أخذ سهماً من كنانته، ثم وضع السهم في كبد القوس ، ثم قال : بسم الله رب الغلام ثم رماه فوقع السهم في صدغه (ما بين العين والأذن) ، فوضع يده في صدغه فمات، فقال الناس: آمنا برب الغلام، فأُتي الملكُ، فقيل له : أرأيت ما كنت تحذر قد والله نزل بك حذرك، قد آمن الناس فأمر بالأخدود (الشقوق في الأرض) بأفواه السكك (حديد لحفر الأرض وشقها) فخُدَّت (شقت)، وأضرم (أوقد) فيها النيران، وقال : من لم يرجع عن دينه، فاقحموه(ألقوه) فيها أو قيل له اقتحم (ألقي نفسك) ، ففعلوا حتى جاءت امرأة ومعها صبي لها فتقاعست (توقفت وجبنت) أن تقع فيها ، فقال لها غلام : يا أمَّهْ اصبري فإنك على الحق”. رواه مسلم.
هـ- ثبوت الكرامة لبعض الصحابة رضي الله عنه:
أولاً: تكثير الطعام لأبي بكر رضي الله عنه:
عن عبد الرحمن بن أبي بكر قال: إن أصحاب الصُّفة كانوا أناساً فقراء وإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث، ومن كان عنده طعام أربعة فليذهب بخامس أو بسادس، وإن أبا بكر جاء بثلاثة، وانطلق النبي صلى الله عليه وسلم بعشر، وإن أبا بكر تعشى عند النبي صلى الله عليه وسلم، ثم لبث حتى صليت العشاء، ثم رجع فلبث حتى تعشى النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء بعد ما مضى من الليل ما شاء، قالت: له امرأته: ما حبسك عن أضيافك؟ قال: أو ما عشيتهم؟ قالت: أبوا حتى تجيء فغضب، وقال: والله لا أَطْعمه ابداً، فحلفت المرأة أن لا تطعمه، وحلف الأضياف أن لا يطعموه، قال أبو بكر: كان هذا من عمل الشيطان – يعني يمينه – فدعا بالطعام فأكل وأكلوا، فجعلوا لا يرفعون لقمة إلا ربت من أسفلها أكثر منها، فقال لامرأته: يا أخت بني فراس ما هذا؟! قالت: وقرَّة عيني إنها الآن لأكثر منها قبل ذلك بثلاث مرار، فأكلوا وبعث بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر أنه أكل منها. متفق عليه.
ثانياً: كرامة أسيد بن حضير وعبَّاد بن بشر رضي الله عنهما:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه : أن أسيد بن حضير وعبَّاد بن بشر تحدثا عند النبي صلى الله عليه وسلم في حاجة لهما ، حتى ذهب من الليل ساعة في ليلة شديدة الظلمة، ثم خرجا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقلبان ، وبيد كل واحد منهما عُصَيَّة ، فأضاءت عصا أحدهما لهما حتى مشيا في ضوئها ، حتى إذا افترقت بهما الطريق أضاءت للآخر عصاه ، فمشى كل واحد منهما في ضوء عصاه ، حتى بلغ أهله . رواه البخاري.
ثالثاً: كرامة سَفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم:
عن ابن المنكدر: أن سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أخطأ الجيش بأرض الروم ، أو أسر فانطلق هارباً يلتمس الجيش فإذا هو بالأسد ، فقال: يا أبا الحارث (كنية الأسد)، أنا مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان من أمري كيت وكيت ، فأقبل الأسد له بصبصة (تحريك الذنب) حتى قام إلى جنبه ، كلما سمع صوتاً أهوى إليه ، ثم أقبل يمشي إلى جنبه حتى بلغ الجيش ، ثم رجع الأسد . رواه الحاكم . وقال : صحيح على شرط مسلم ، ووافقه الذهبي.
رابعاً: كرامة عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن عمر بعث جيشاً ، وأَقَّرَ عليهم رجلاً يدعى سارية ، فبينما عمر يخطب ، فجعل يصيح : يا ساريةُ الجبلَ ! فقدم رسول من الجيش ، فقال : يا أمير المؤمنين لقينا عدونا فهزمونا ، فإذا بصائح يصيح : يا ساريةُ الجبلَ ، فأسندنا ظهورنا إلى الجبل ، فهزمهم الله تعالى . رواه البيهقي في دلائل النبوة ورواه ابن عساكر وغيره بإسناد حسن.
خامساً: كرامة علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
ورد أنَّ علياً رضي الله عنه حدَّث بحديث، فكذبه رجلٌ ، فقال عليٌّ : أدعو عليك إن كنت كاذباً؟ فقال: ادْعُ ، فدعا عليه ، فلم يبرح حتى ذهب بصره . رواه الطبراني في الأوسط.