رمضان (نفحات الرحمة وبواعث الهمة )
21 فبراير، 2025
منبر الدعاة

بقلم فضيلة الشيخ : أحمد السيد السعيد
(واعظ عام، وعضو لجنة التحكيم والمصالحات بالأزهر الشريف)
الحمد لله الذي جعل رمضان موسمًا للرحمة والغفران، وفتح فيه أبواب الجنان، ورفع لمن اغتنمه الدرجات، وأشهد أن لا إله إلا الله شهادةً تُبلغ قائلها المقامات العلية، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، خير من صام وقام، وسابق إلى الخيرات، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاةً ترفعنا إلى الدرجات المرضية.
أما بعد، فيا أيها المشتاقون إلى رحمة الله، ويا طلاب المغفرة والرضوان، ها هو شهر رمضان يقترب، وتحل نسائمه المباركة، شهرٌ تُفتح فيه أبواب الجنة، وتُغلق أبواب النيران، وينادي فيه منادٍ: “يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر” (رواه الترمذي). هو شهر الطاعة والمغفرة، شهر تتنزل فيه الرحمات، وتُضاعف فيه الحسنات، وتُعتق الرقاب من النار.
شهر الصالحين وميدان المتقين
لقد كان سيدنا النبي -صلى الله عليه وسلم- يُعظّم هذا الشهر العظيم، ويجتهد فيه ما لا يجتهد في غيره، وكان أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان (متفق عليه).
وكان الصحابة الكرام -رضوان الله عليهم- يسابقون فيه إلى الطاعة، ويتنافسون في الخيرات. فقد كان سيدنا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يحرص على الصلاة والقيام، وسيدنا عثمان -رضي الله عنه- يختم القرآن كل ليلة، وسيدنا علي -كرم الله وجهه- يكثر من التهجد والذكر.
أما ساداتنا الصوفية وأهل الله، فكان رمضان عندهم ميدانًا للمجاهدات والعبادات
فكان سيدنا الإمام الجنيد يقول: “رمضان نهار الصائمين، وليل العابدين”.
وكان سيدنا عبد القادر الجيلاني يكثر من التلاوة والقيام، ويُطيل السجود حتى يُظن أنه لا يرفع رأسه إلا عند الفجر.
وكان سيدنا أبو الحسن الشاذلي يقول: “إذا دخل رمضان، فجدِّد عهدك مع الله، واستقم كما أمرت تكن في ضيافة الحق”.
القرآن والقيام: غذاء الأرواح في رمضان
قال الله تعالى: ﴿شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان﴾ (البقرة: 185). فرمضان هو شهر القرآن، وقد كان جبريل -عليه السلام- يدارس سيدنا النبي -صلى الله عليه وسلم- القرآن في كل ليلة من رمضان (متفق عليه).
وكان السلف الصالح يختمون القرآن مرات عديدة، فمنهم من كان يختمه في كل ثلاث، ومنهم من كان يختمه في كل ليلة. وكان سيدنا الإمام مالك إذا دخل رمضان ترك مجالس الحديث وانشغل بالقرآن.
أما صلاة القيام، فهي زاد الأرواح في رمضان، وقد قال سيدنا النبي -صلى الله عليه وسلم-: “من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه” (متفق عليه).
وكان الصالحون يُحيون ليالي رمضان بالصلاة والتلاوة، فكان الإمام الحسن البصري يقول: “إن الله جعل رمضان مضمارًا لخلقه، يستبقون فيه إلى طاعته، فسبق قوم ففازوا، وتخلف آخرون فخابوا”.
الصدقة وإطعام الطعام
كان سيدنا النبي -صلى الله عليه وسلم- أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان. وقد قال -عليه الصلاة والسلام-: “من فطّر صائمًا كان له مثل أجره، غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء” (رواه الترمذي).
وكان سيدنا عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- لا يفطر إلا مع المساكين، وكان الإمام أحمد بن حنبل يخرج الطعام للفقراء في رمضان، ويقول: “هذا موسم التجارة مع الله”.
خاتمة
يا باغي الخير أقبل! فهذا شهر الرحمة والمغفرة، شهر تُرفع فيه الأعمال، وتتنزل فيه البركات.
فلنجدد العهد مع الله، ولنجعل من رمضان محطة للتوبة والتغيير، ولنحرص على الصيام والقيام، والقرآن والذكر، والصدقة والإحسان، حتى نكون من عتقاء الله من النار.
نسأل الله أن يبلغنا رمضان، وأن يرزقنا فيه القبول والغفران، وصلى الله على سيدنا النبي محمد وعلى آله وصحبه وسلم