وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَىٰ
19 فبراير، 2025
منهج الصوفية

بقلم فضيلة الدكتور : رزق ندا
أمام وخطيب بوزارة الأوقاف
كثيرا ما نسمع لفظ الحضرة ، والعجيب أن هذا اللفظ حين نسمعه فإن أول ما يجول بخاطرنا أن هذا اللفظ خاص بالسادة الصوفية .
وبالفعل فإن أولئك السادة الأكارم قد اهتموا بالحقيقة وخاضوا فى سبيلها كل الصرط التى تؤدى بهم إلى الصراط المستقيم الذى دخلوا من خلاله لمعرفة معنى الحضرة الحقيقية .
فتسلحوا بالتشريع حتى فتح لهم باب التحقيق , فانكشفت لهم بواطن الأمور فما وجدوها إلا بواطنهم ، لذلك ترجم كل منهم عن حقيقته فى الحضرة من خلال ما كشفت لهم الحضرة .
عزيزى القارئ :
الآن نتعرف سويا على بعض معنى الحضرة من خلال مشارب أهل الحضرة ، جمعنى الله وإياكم بهم فى معية الحضرة وأهل الحضرة .
الحضرة هي حضور القلب مع الله وهي على ثلاثة أقسام :
– حضرة القلوب
– وحضرة الأرواح
– وحضرة الأسرار
فحضرة القلوب لأهل المراقبة ، وحضرة الأرواح لأهل المشاهدة . وحضرة الأسرار لأهل المكالمة
أن الروح ما دامت تتقلب بين الغفلة والحضرة كانت في حضرة القلوب ، فإذا إستراحت بالوصال سميت روحاً وكانت في حضرة الأرواح .
وإذا تمكنت وتصفت وصارت سراً من أسرار الله سميت سراً، وكانت في حضرة الأسرار .
يقول الإمام القشيري : وأهل الحضرة تفاضلهم بلطائفهم من الأنس بنسيم القربة بما لا بيان يصفه ولا عبارة ، ولا رمز يدركه ولا إشارة . منهم من يشهده ويراه مرة فى الأسبوع ، ومنهم من لا يغيب من الحضرة لحظة ، فهم يجتمعون فى الرؤية ويتفاوتون فى نصيب كلّ أحد، وليس كلّ من يراه يراه بالعين التي بها يراه صاحبه .
ومنها ما يخرج العبد عن دائره حسه ويغرقه في بحر حضرة الألوهية فيسمع هناك ويشهد ما لا طاقة للعقول بفهمه .
في آداب الحضرة :
يقول الشيخ أبو علي الدقاق : قال عيسى عليه السلام : ” إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ ”
( المائدة : 116 ) ، ولم يقل : لم أقل ، رعاية لأدب الحضرة .
ويقول الشيخ شهاب الدين السهروردي : قال الله عز وجل : ” ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى “
حفظ آداب الحضرة … وهذه غامضة من غوامض الآداب ، اختص بها أخبر الله تعالى عن اعتدال قلبه المقدس في الإعراض والإقبال ، أعرض عما سوى الله وتوجه إلى الله ، وترك وراء ظهره الأرضيين والدار العاجلة بحضوضها والسماوات والدار الآخرة بحظوظها ، فما التفت إلى ما أعرض عنه ولا لحقه الأسف على الفائت في أعراضه .
ويقول الشيخ أبو الحسن الشاذلي : آداب الحضرة ثلاثة : دوام النظر ، وإلقاء السمع ، والتوطين لما يرد من الحكم .
الدخول إلى الحضرة :
فالحضرة مقدسة منزهة مرفعة لا يدخلها إلا المطهرون , فحرام على القلب الجنب أن يدخل مسجد الحضرة و جنابة القلب غفلته عن ربه.
قال تعالى : ” يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة و أنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون و لا جنبا إلا عابرى سبيل حتى تغتسلوا “
اى لا تقربوا صلاة الحضرة و أنتم سكارى بحب الدنيا و شهود السوى حتى تتيقظوا و تتدبروا ما تقولون فى حضرة الملك ، فإذا رحل القلب من وطن شهوته و تطهر من لوث غفلاته وصل إلى حضرة ربه و تنعم بشهود قربه .
يقول الشيخ الجنيد البغدادي : سبق في علم الله القديم ألا يدخل أحد لحضرته إلا على يد عبد من عباده .
يقول الشيخ أحمد بن عجيبة : إرادة الوصول إلى الحضرة : هي لأهل التجريد وقوة العزم .
فاللهم اجمعنا بالحضرة وأهل الحضرة ، واكتب لنا شهودا دائما فى حضرة الحضور مع أهل الحب فى صحبة المحبوب . اللهم آمين .