الثمار الطيبة للإخوة وسلامة الصدر
17 فبراير، 2025
منبر الدعاة

بقلم الشيخ : أحمد عزت حسن( الباحث فى الشريعة الإسلامية )
لا شك أن سلامة صدر المسلم لأخيه المسلم ستجعل الجميع يشعر بروح الإخوة التي قال عنها المولى جلا وعلا: “إنما المؤمنون إخوة”، فسيحب كلٌ منهم لأخيه ما يحبه لنفسه -ويكره لهم ما يكرهه لنفسه-
ولكي نتيقن من نجاح تطبيق ذلك لبنيان الأخوة والمحبة يجب أن نعلم أهم آثارها على عددٍ من المستويات:
أولاً: على مستوى العمل الجماعي:
لا شك في أنَّ رُوح الفريق ستجعل من كلِّ فردٍ شُعلة نشاط يبذل كل ما في وسعه، ويأخذ بكل الوسائل لإنجاح ما يعد له: مثل اليدين تغسل إحداهما الأخرى، كما سيعمل على تنفيذ ما أعد له هو وإخوانه من تحقيق عبادة رب العالمين ونصرة الحق والدين، وعلو كلمة المؤمنين فسيكونون جميعًا على قلب رجل واحد لتنفيذ ما اتفق عليه، متناسين أي خلافٍ قد يكون نشأ في مرحلة ما.
ولا شك في أنَّ أي مجتمع يعمل الجميع به -قيادةً وجنودًا- بقلب رجل واحد، متجردين لله ولا يرجون من إنسان جزاءً ولا شكورًا، أقدر على تحقيق أهدافه كلها بإذن الله، فلقد حقق المسلمون الأوائل ما حققوه لعقيدتهم الراسخة وإيمانهم الوثيق بالله، ثم بأخوتهم التي أرساها المصطفي -ﷺ- حين آخى بينهم.
كما تعزز الأخوة وحدة المجتمع بكل معانيها، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ الله يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنيَانٌ مَرْصُوصٌ﴾ (الصف:٤)، فروح الأخوة ستجعله صفًّا واحدًا يصعب اختراقه وتدميره.
ثانيًا على المستوى الفردي:
إنَّ أول المستفيدين من رُوح الأخوة هو الفرد نفسه إذ يستشعر أنه ليس وحيدًا، وأنَّ معه إخوانه يساعدونه على تقوى الله، وعبادته، وطاعته، فقد جاء في الحديث: “إنما يأكل الذئب من الغنم القاصيه”، كما سيجد فيهم خير الأصحاب فهو إذا ذكر الله أعانوه، وإذا نسي ذكروه.
وعندما يختلط المسلم بإخوانه سيكتسب منهم خبرات، وتجارب متنوعة في شتى المناحي، وسيرتفع بذلك مستوى أدائه في المجالات جميعًا الدعوية والدنيوية والمهنية قال تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ (المائدة:٢).
كما سيجد الفرد من بعض إخوانه -لا أقول كلهم-، قدوة حسنة، تقربه من ربه، وتزرع فيه خصالًا يحاول الوصول إليها دون جدوى، وذلك من خلال معايشته لهم، بل سيقتدي بهم في مختلف الأحوال والأوقات فيكتسب قدرات لا تُقدَّر بثمن.
وتعين الأخوة الفردَ على الثبات؛ ذلك أنَّ من يسير في طريق الدعوة إلى الله يكون- بطبيعة الحال- عُرضةً لملاقاةِ الأذى، والابتلاء، والفتن، فالطريق محفوف بالمكاره، مليئ بالعقبات، والمسلم في حاجةٍ لإخوانه، وقلوبهم معه، يعينونه على مكارهِ الطريق، ويتواصون معه بالحق.
المجتمع الذي يكون أعضاؤه على قدرٍ كبيرٍ من المحبةِ والتعاون، ويعرف كل منهم حقوقه وواجباته، يكون مستواه متميزًا حتى لو كان هؤلاء الناس قلة لأنهم سيكونون قدوة، وسيؤثرون في المجتمع، وسيتأثر بهم المجتمع، وسيرتفع مستواه الإيماني والاجتماعى والثقافي.. إلخ، مما سيؤثر على إنتاجه في جميعِ المستويات والجوانب.
هذا المجتمع سيقف في وجه أشد الصعاب، فلقد صمد الصحابة في شعبِ أبي طالب، وأبلوا بلاءً حسنًا، بإيمانهم ثم بأخوتهم الفذة، كما صمد المسلمون في المدينة أمام التحديات الداخلية- من داخل المدينة- والخارجية وجاهدوا أفضل الجهاد.
واجهوا في بدرٍ وأحد والخندق أكبر التحديات، وكانت أكبر عدة لهم، بعد الله ثم إيمانهم الراسخ، هي أخوتهم، ووحدة صفهم، وتماسكهم ، فلقد ذاب كل واحد منهم في المجموع فتشكلت قوة واحدة منهم يصعب اختراقها بل كان النصر حليفها.
كما أن المجتمع المتحاب أفراده سيكون من القوة بمكانٍ ليقف في مواجهة شتى التحديات، أو على الأقل الخروج بأقل الخسائر؛ لأن هذه المجموعات ستشيع هذه الروح في أسرها، وعائلاتها، وجيرانها وأصدقائها من خلال فهمها الصحيح للإسلام، وبعملها به، فما بالنا لو كان المجتمع كله على هذه الدرجة العالية من الأخوة، والحب في الله؟
رابعًا: على مستوى غير المسلمين:
حبنا بعضنا بعضًا وأخوتنا وروابطنا الإسلامية العظيمة تُثير غيظ أعداء الإسلام مهما حاولوا إخفاء ذلك، لأن هذا الجانب الروحي قل -إن لم ينعدم- في مجتمعاتهم المادية. وإذا وجد أعداؤنا أننا على درجةٍ عاليةٍ من الحب والأخوة فسيهابوننا، أما تفرقنا وتشرذمنا الآن فهو برد وسلام على قلوبهم بل هو غاية مُناهم، قال سبحانه: ﴿لأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنْ الله﴾ (الحشر).
وإذا رأى أعداؤنا فينا القوةَ والصلابةَ العقدية، والأخوة الملتحمة فسيؤثر ذلك حتمًا فيهم، ويضعفهم معنويًّا، إذ كيف يحاربون مجتمعًا متحابًا متعاونًا على قلب رجل واحد؟
وعلى العكس من ذلك تمامًا فإن البلد إذا تقرق أهله أصبحوا نُهبة لكل غادر وخائن من الداخل والخارج.
ومن جانبٍ آخر فإنَّ غير المسلمين إذا وجدوا فينا الصورة المشرقة للإسلام ، ومثله العليا فربما اتجهوا إلينا؛ لأن الإسلام دين الفطرة، فالواجب علينا -إذن- أن نقدم لهم الصورة المشرفة للأخوة الإسلامية كما قدمها أسلافنا، وفتحوا بسلوكهم المتآخي كثيرًا من بقاع العالم.
والخلاصة: إذا ازدهرت شجرة الأخوة وترعرعت ونمت فلا بد من أن تنمو شجرة العمل وتزدهر، وتُعطي حينها أطيب الثمار.
ومن هنا علينا جميعًا وعلى المخلصين العاملين للإسلام خاصةً، أن يعملوا على ازدهار شجرة الأخوة، وعلى حمايتها، وصيانتها من الهجماتِ الشرسة التي تعمل على اقتلاعها.
إننا في حاجةٍ لهذه الروح وهذا الفقه ليسري في جسد الأمة، فتنبعث فيه الحياة بعد طول رقاد.
إنَّ على العلماء والدعاة والمربين العمل على غرس روح وفقه الأخوة الإيمانية في نفوس إخوانهم وحثهم على تخليص صدورهم من رواسب الحقد والضغينة من خلال برامح عملية وقدوات صادقة مخلصة، وكذلك تأصيل هذه الروح وتجذيرها في النفوس فلقد انتصر المسلمون في بدر وهم قلة مؤمنة تتمتع بقدر عالٍ من التربية والأخوة، لكنهم انهزموا في حنين على كثرتهم، ذلك أنَّ الكثرةَ قد تحوي الخَبَث الذي سرعان ما ينزوي عندما يواجه محنة أو اختبار.
أدام الله الحب والود على طاعة الله أرجاء المسلمين وعمر قلوبهم بعبادة رب العالمين وسدد على طريق الخير خطاهم , وجعل الله قلوبنا سليمة لا تحمل حقداً ولا غلاً على مسلم،
عباد الله، أصلحوا قلوبكم، وطهِّروا سرائركم، وتفقدوا بواطنكم؛ فإن مَن صلحت سريرته صلَحت علانيته، ومن طهر قلبه حسن عمله، (ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب)
فطهارة القلوب، وسلامة الصدور من صفات الصالحين الصادقين، وقد أثنى الله تبارك وتعالى على صاحب القلب السلي فقال سبحانه عن خليلة إبراهيم عليه الصلاة والسلام: ﴿ إذ جاء ربه بقلب سليم﴾
فينبغي للعبد أن يسأل ربه الكريم سلامة الصدر، فقد كان من دعاء رسول الله ﷺ: (واسلُل سخيمة صدري) [أخرجه الترمذي رحمه الله وقال حديث حسن صحيح]
ومن كان سليم القلب والصدر فطوبى له قال الإمام الذهبي -رحمه الله- في كتابه: تاريخ الإسلام: عبدالرحمن بن محمد بن أحمد بن محمد بن قدامة “كان رقيق القلب، غزير الدمعة سليم القلب كريم النفس كثير القيام بالليل والاشتغال بالله… وكان يبلغه الأذى من جماعة فما أعرف أنه انتصر لنفسه”… إلى أن قال: قد أوقع الله محبته في قلوب الخلق.
ومن لم يكن سليم الصدر فلن يكون له صاحب فمن آداب الصحبة سلامة الصدر. قال أبو عبدالرحمن السلمي رحمه الله: الصحبة…من آدابها: سلامة الصدر للإخوان والأصحاب والنصيحة لهم وقبول النصيحة منهم.
سلامة القلب والصدر تحتاج إلى صبر ومصابرة من صدق في أن يكون من أصحاب القلوب الطاهرة والصدور السليمة أعانه الله الرحيم الكريم.
نسأل الله تعالى أن يثبتنا على طاعته، وأن يرزقنا صدورًا سليمة، وقلوبًا مطمئنة.