أصناف السالكين في طريق التصوف

بقلم فضيلة الشيخ : مخلف العلي القادري الحذيفي
خادم الطريقة القادرية البريفكانية العلية

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً وعملاً وفقهاً وإخلاصاً في الدين.

مقدمة

أحبتي الكرام، هذه المقالة هي ثمرة تجربة شخصية ومراقبة دقيقة لمواطن الخلل في طريق السلوك إلى الله، والتي رأيت أثرها في نفسي وفي غيري من السائرين. أسأل الله أن يجعلها نورًا لمن أراد الوصول، وأن تكون سببًا في إصلاح ما فسد من أحوال المريدين.

إنني أستمد هذه المعارف مما تلقيته عن أهل الله، وعلى رأسهم مرشدي وشيخي السيد الشريف عبيد الله القادري الحسيني قدس الله سره، وأخيه وشيخنا محمد القادري الحسيني، نقيب السادة الأشراف، رحمه الله. فببركة صحبتهم اهتديت، وعلى أيديهم تعلمت. وكما قال أهل المعرفة: “لولا المربي، ما عرفت ربي”.

أهمية هذه الدروس

إن هذه الدروس ليست إلا نصائح وإرشادات تهدف إلى كشف العقبات والعلل التي تواجه السالكين، سواء كانت نابعة من الجهل بالشريعة، أو عدم فهم الطريق وقواعده، أو بسبب أمراض النفوس، أو نتيجة مفاهيم خاطئة أُقحمت في التصوف حتى ظنها الناس من أصوله وهي ليست كذلك.

لقد أصبحنا في زمن بات فيه من الصعب توجيه المريدين، إذ نجد الكثير منهم يسيرون في الطريق دون أن يتقدموا، وتمر عليهم السنين وهم في أماكنهم لا يزدادون هدى ولا يقينًا. فكان لا بد من تقديم هذه الدروس، أملاً في تصحيح المسار لمن أراد الوصول بصدق.

أصناف السالكين في التصوف :

الصنف الأول: الصادقون الطالبون لله عز وجل

وهم السالكون الذين يقصدون وجه الله بصدق، غايتهم رضا الله ومحبته، وتحقيق الاستقامة والفلاح في الدنيا والآخرة. وهؤلاء هم قلة في هذا الزمان، لكنهم كنوز الطريق وأهله الحقيقيون، يستحقون أن يُبذل في سبيلهم الجهد والتربية والتوجيه.

وينقسم هؤلاء إلى ثلاثة أقسام:

1. من وفقه الله إلى شيخ مرشد كامل، يربيه وفق منهج صحيح، وهذا الصنف مستثنى من هذه الدروس إلا إذا وجد فيها فائدة.

2. من يعاني من أمراض نفسية أو قلبية تؤخره عن السير، كحب الدنيا، والتعلق بالمحرمات، أو الأفكار الخاطئة التي تتنافى مع روح التصوف.

3. من حال بينه وبين التربية عائقٌ، كعدم وجود شيخ مرشد في بلده، أو انشغالات الحياة، أو الوقوع تحت تأثير مشايخ غير مؤهلين. وسنقدم لاحقًا حلولًا لهذه المشاكل.

الصنف الثاني: المتصوفون الذين خلطوا التصوف بالروحانيات

وهذا الصنف منتشرٌ بكثرة، حيث يظنون أن التصوف قائم على المكاشفات والرؤى والأحلام والروحانيات، حتى أصبحوا يعتقدون أن غاية التصوف هي العلوم الروحانية وليس تزكية النفس.

إن هؤلاء أشكل عليهم الأمر ولبّس عليهم الشيطان، فبدلًا من السعي إلى تزكية أنفسهم وتقويم سلوكهم، انشغلوا بالكرامات والخوارق، وغفلوا عن الأساس الحقيقي وهو التخلق بأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم. وسنتحدث في دروس قادمة عن هذه الظاهرة وخطورتها.

الصنف الثالث: السالكون بالوراثة أو البيئة

وهم الذين نشأوا في بيئات صوفية، فوجدوا أنفسهم فيها دون اختيار أو قناعة، فهم يمارسون التصوف كعادة لا كطريق للوصول. هؤلاء لا يتعمقون في التصوف ولا يسعون لفهمه، وهم على حال شيخهم، فإن كان مرشدًا كاملًا استفادوا، وإن كان ضعيفًا بقوا على حالهم.

هذا الصنف لا ضرر منه غالبًا، بل يمكن توجيهه إن وجد الشيخ القادر على إيقاظ همته وبث روح الطلب الصادق في قلبه.

الصنف الرابع: المتصوفون لأغراض دنيوية

وهم أخطر الأصناف، وهم سبب تشويه التصوف، وتحريف مساره، وإدخال البدع والمفاهيم الباطلة فيه. وهؤلاء أنواع:

1. من سلك التصوف طلبًا للمال والمناصب، مستغلًا الدين لجمع الدنيا.

2. من سلك التصوف طلبًا للمشيخة والظهور، دون أن يكون مؤهلًا.

3. من ادعى التصوف رياءً ونفاقًا، وهم المنافقون الذين يحذر منهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: “إن أخوفَ ما أخافُ على أمتي كل منافق عليم اللسان”.

ويجب الحذر من هؤلاء، فإنهم يخدعون الناس بظاهرهم، لكنهم في الباطن فاسدون، يتلاعبون بالدين ويتاجرون بالسالكين، وسنعمل في هذه الدروس على كشف أساليبهم، حتى لا يقع الناس في فخاخهم.

خاتمة

لقد بينت لكم أصناف السالكين، وكشفت مواطن الخلل في كل فئة، وسنسعى في الدروس القادمة إلى تقديم العلاج والتوجيه المناسب لكل صنف، حتى يسير السالك إلى الله على بصيرة.

وليعلم القارئ الكريم أن حديثي عن أمراض السالكين لا يعني أن كل المتصوفة على خطأ، بل إن في التصوف صادقين كُثُر لا يحتاجون إلى توجيه أمثالي، وإنما الهدف هو تصحيح المسار لمن تعثر في طريقه.

أسأل الله أن يجعل هذه الدروس نورًا للقلوب، وهداية للسائرين، وصلاحًا للمريدين. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اترك تعليقاً