مشاهد من النار في الإسراء والمعراج
30 يناير، 2025
منبر الدعاة

بقلم الشيخ / احمد عزت حسن
الباحث فى الشريعة الإسلامية
حتى تتعادل الصورة في رحلة الإسراء والمعراج كان
لا بُدَّ لرسول الله ﷺ أن يرى بعض المشاهد من النار؛ لتكتمل بذلك له رؤية العالم الغيبي ودار الجزاء بشقَّيْهَا: الجنة والنار؛ ولكن من المؤكَّد أن رسول الله ﷺ لم يدخل النار ليتعرَّف عليها كما فعل في الجنة، إنما هي فقط الرؤية والنظر من بعيد، أو لعلَّها مشاهد تجسيمية رآها رسول الله ﷺ وهو في مكان آخر بعيد تمامًا عن حرِّ النار وسمومها.
سياق بعض الأحاديث يُوحي أن رؤية هذه المشاهد المؤلمة من مشاهد النار كان بعد دخول الجنة؛ حيث جاء ذلك في الرواية نفسها التي ذكرت أمر بلال بن رباح رضي الله عنه، ثم ذكرت اجتماع النبي ﷺ مع ثلاثة من الأنبياء عليهم السلام، فإنها ذكرت أن رسول الله ﷺ بعد لقاء موسى وعيسى وإبراهيم عليهم السلام- نظر في النار!
قال ابن عباس رضي الله عنهما: “فَنَظَرَ فِي النَّارِ فَإِذَا قَوْمٌ يَأْكُلُونَ الْجِيَفَ، قَالَ: مَنْ هَؤُلاَءِ يَا جِبْرِيلُ؟
قَالَ: هَؤُلاَءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ.
وَرَأَى رَجُلاً أَحْمَرَ أَزْرَقَ جَعْدًا شَعِثًا إِذَا رَأَيْتَهُ، قَالَ: مَنْ هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَذَا عَاقِرُ النَّاقَةِ” [أحمد، وقال ابن كثير: إسناد صحيح ولم يخرجوه. انظر: ابن كثير: تفسير القرآن العظيم ].
وفي مشهد آخر رأى عذابًا آخر للعصاة أنفسهم، وهم الذين يقعون في أعراض الناس؛ رواه أبو داود -وصحَّحه الألباني- فعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله ﷺ: “لَمَّا عُرِجَ بِي مَرَرْتُ بِقَوْمٍ لَهُمْ أَظْفَارٌ مِنْ نُحَاسٍ يَخْمُشُونَ [يخدشون، وخمش وجهه: جرح بشرته ] وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُمْ، فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلاَءِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلاَءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ، وَيَقَعُونَ فِي أَعْرَاضِهِمْ” وفي رواية: وينتقصون من أعراضهم). صحيح [أبو داود، وأحمد، وقال شعيب الأرناءوط: إسناده صحيح على شرط مسلم].
* ورأى أكلة أموال اليتامى ظلمًا لهم مشافر كمشافر الإبل، يقذفون في أفواههم قطعًا من نار كالأفهار، فتخرج من أدبارهم. قال ﷺ: “ثم رأيت رجالا لهم مشافر كمشافر الإبل، فى أيديهم قطع من نار يقذفونها فى أفواههم، فتخرج من أدبارهم، فقلت من هؤلاء يا جبريل؟ قال هؤلاء “أكلة أموال اليتامى ظلما”.
* الذين يمشون بالغيبة: رآهم بصورة قوم يخمشون وجوههم وصدورهم بأظفار نحاسية.فقد روى الإمام أحمد وأبو داود من حديث أنس بن مالك قال: قال رسول الله ﷺ: لما عُرِجَ بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم ، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويَقَعُون في أعراضهم. وصححه الألباني.
* ورأى أكلة الربا لهم بطون كبيرة لا يقدرون لأجلها أن يتحولوا عن أماكنهم، ويمر بهم آل فرعون حين يعرضون على النار فيطأونهم. قال رسول الله ﷺ: “ثم رأيت رجالاً لهم بطون لم أر مثلها قط بسبيل آل فرعون يمرون عليهم كالإبل العطاش حين يعرضون على النار، قال: قلت من هؤلاء يا جبريل؟ قال هؤلاء أكلة الربا، ثم قال رأيت نساء معلقات بثديهن، فقلت من هؤلاء يا جبريل؟ قال هؤلاء اللاتى أدخلن على رجالهن من ليس من أولادهم “الزانيات”.
ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه الطويل في المعراج … “وأتى على قومٍ تُرضَخُ رؤوسُهم بالصَّخرِ كلَّما رُضِخَت عادت كما كانت ولا يفتُرُ عنهم من ذلك شيءٌ قال يا جبريلُ مَن هؤلاءِ ِ قال: أقبالُهم رقاه يسرَحونَ كما تسرَحُ الأنعامُ إلى الضَّريعِ والزَّقُّومِ ورَضْفِ جهنَّمَ قال: ما هؤلاءِ ِ يا جبريلُ؟
قال: هؤلاءِ الَّذين لا يُؤدُّونَ صدقاتِ أموالِهم وما ظلَمهم اللهُ وما اللهُ بظلّامٍ للعبيدِ.
* ثُمَّ أتى على قومٍ بينَ أيديهم لحمٌ في قدرٍ نضيجٌ ولحمٌ آخرُ نيِّء خبيثٌ فجعَلوا يأكُلونَ الخبيثَ ويَدَعونَ النَّضيجَ الطَّيِّبَ قال: يا جبريل مَن هؤلاءِ؟
قال الرَّجلُ: الرَّجلُ من أمَّتِك يقومُ من عند امرأتِه حلالًا فيأتي المرأةَ الخبيثةَ فيَبيتُ معها حتّى يُصبِحَ والمرأةُ تقومُ من عندِ زوجِها حلالاً طيِّبًا فتأتي الرَّجلَ الخبيثَ فتَبيتُ عندَه حتّى تُصبِحَ
* ثُمَّ أتى على رجلٍ قد جمَع حزمةً عظيمةً لا يستطيعُ حملَها وهو يُرِيدُ أن يزيدَ عليها فقال: يا جبريلُ مَن هذا؟ قال: رجلٌ من أمَّتِك عليه أمانةُ النّاسِ لا يستطيعُ أداءَها وهو يزيدُ عليها
* ثُمَّ أتى على قومٍ تُقرَضُ شفاهُم ألسنتُهم بمقاريضَ من حديدٍ كلَّما قُرِضَت عادت كما كانت لا يفتُرُ عنهم من ذلك شيءٌ قال: يا جبريلُ ما هؤلاءِ؟ قال: خطباءُ الفتنةِ
* ثُمَّ أتى على جُحرٍ صغيرٍ يخرُجُ منه ثورٌ عظيمٌ فيُرِيدُ الثَّورُ أن يدخُلَ من حيث خرَج فلا يستطيعُ فقال: ما هذا يا جبريلُ قال: هذا الرَّجلُ يتكلَّمُ بالكلمةِ العظيمةِ فيندَمُ عليها فيُرِيدُ أن يرُدَّها فلا يستطيعُ
* ثُمَّ أتى علي وادٍ فوجَد ريحًا طيِّبةً ووجَد ريحَ مسكٍ مع صوتٍ فقال: ما هذا قال: صوتُ الجنَّةِ
* ثُمَّ أتى على وادٍ فسمِع صوتًا منكرًا فقال: يا جبريلُ ما هذا الصَّوتُ؟ قال: هذا صوتُ جهنَّمَ.” [رواه الهيثمي عن أبي هريرة، مجمع الزوائد (١/٧٢) • رجاله موثقون إلا أن الربيع بن أنس قال عن أبي العالية أو غيره فتابعيه مجهول • أخرجه البزار (٩٥١٨) واللفظ له، والطبري في (التفسير: ١٤ /٤٢٤) على الشك في راويه أبو هريرة أو غيره، وابن أبي حاتم في التفسير: ١٣٥٢١) باختلاف يسير]