خطبة بعنوان «الحال أبلغ من المقال» لفضيلة الدكتور محمد جاد قحيف

كتبها فضيلة الدكتور : محمد جاد قحيف

خطبة الجمعة القادمة..

الحمد لله الملك الواحد الديان ، الكريم المنان ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، ذي الطول والفضل والإحسان ، هدانا للإيمان ، وفضل ديننا على سائر الأديان.

وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله المبعوث للإنس والجان ..

روحي فداء لمن أخلاقه شهــدت

بأنَّه خير مبعوثٍ من البــشر

عمَّت فضائله كل البلاد كــما عمَّ البرية ضوء الشمس والقمـــــر ..

اللهم صل وسلم وبارك عَلَى سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين ، ورحمة الله للعالمين ، وعلى صحابته أجمعين ، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وذريته وآل بيته كما صليتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد ..

وبعد: فيا إخوة الإسلام لقد مرت بأمة الإسلام على مر التاريخ والزمان مراحل عصيبة، ومحن وبلايا شديدة، بدأت منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم وحتى أيامنا هذه، ولا زالت المحن والابتلاءات والنكبات تتوالى على المسلمين ، هذا بوجه عام ، وعلى نحو خاص ابتلاء الصهاينة والأمريكان ومن معهم لأمة الإسلام ، الذين ظنوا أنهم تحكِّموا في الأرض وملكوا نفوس العباد ..

ولا شك أن حالة الضعف والوهن التي تعيشها الأمة الإسلامية في هذه الأيام، والتي أصبحت فيها دماء المسلمين أرخص دماء ، بسبب تخاذلها وبعدها عن كتاب ربها وسنة نبيها-صلى الله عليه وسلم-.

وإن ما يقع بالأمس واليوم في ديار المسلمين على أيدي أعداء الأمة المتربصين بها ؛ ليدفع الإنسان دفعًا إلى مراجعة فورية مع النفس وتصحيح الأخطاء ، وحسن الاقتداء بالنبي عليه الصلاة والسلام في جميع أحواله ، وشئونه وتصرفاته ..

فَرُبَّ حَالٍ أَفْصَحُ مِنْ مقال ، وَإِنَّ تَأْثِيرَ الأَحْوَالِ أَقْوَى فِي القُلُوبِ مِنْ مَوَاعِظِ الأَقْوَالِ، وَهَذَا هُوَ سِرُّ الحَالِ النَّبَوِيِّ الشَّرِيفِ الَّذِي فَتَحَ بأحواله وسنته القُلُوبَ وَالعُقُولَ لِدِينِ اللهِ رَبِّ العَالَمِينَ..

قال تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 21].

العنصر الأول : حال النبي صلى الله عليه وسلم متعبدا ..

لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أكثر الناس عبادة لربه و خشية له ومعرفة به ؛ فخوفه ربه وطاعته له ، وشدة عبادته على قدر علمه بربه ..

( الشفاء بتعريف حقوق المصطفى)

قال ﷺ:”لَوْ تَعْلَمُونَ ما أعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا، ولَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا ” .

أخرجه الإمام البخاري..

ومن يطالع حال النبي صلى الله عليه وسلم مع ربه قبل البعثة وبعدها ، يعلم كيف نال مقام العبودية الكامل..

قبل البعثة “…كَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ يَتَحَنَّثُ فِيهِ – وَهُوَ التَّعَبُّدُ – اللَّيَالِيَ أُوْلَاتِ الْعَدَدِ، قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى أَهْلِهِ وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا..”أخرجه الإمام مسلم

وكان يعتزل الأوثان وشرب الخمر ، فما سجد لصنم ولا شرب الخمر قط ، حتى قبل البعثة ، وبعد البعثة كان مصليا تاليا للقرآن ، قائما بالليل ، ذاكرا مستغفرا لربه ؛ لذا كان حريا أن يوصف بأشرف وأسمى الأوصاف، التي كان يحبها ، وهي وصف العبودية حتى في أشرف المواقف ..

قال تعالى :(سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى”الإسراء/١.

ويقول أيضاً: (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا) الفرقان/١.

وهذا هو حال رسولنا صلى الله عليه وسلم في عبادته، في صلاته وصيامه، في تلاوته للقرآن وذكره للرحمن ، فخطبه كلها ذكر لله ، وكلامه وليله ونهاره وحركاته وسكناته ذكرٌ لله جل في علاه ..

وفي كتب السنة الصحاح كان النبي عليه الصلاة والسلام يذكر الله في كل أحيانه، وعلى جميع أحواله، فكلامه كله في ذكر الله وما والاه، وكان أمره ونهيه وتشريعه ذكراً منه لربه سبحانه، وكان إخباره عن ربه في أسمائه وصفاته وأفعاله وأحكامه ذكراً منه لربه، وكان حمده لربه، وتسبيحه وتمجيده له، وثناؤه عليه، ذكراً منه لربه.

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم كثير الذكر والحمد لربه، ولذلك سمي أحمد لكثرة حمده ، فقد كان يثني على الله بما هو أهله في سائر الأحوال ؛ لكمال معرفته بأسماء الله وصفاته وأفعاله ، وفضله وعدله ورحمته ..

فرسول الله -صلى الله عليه وسلم- هو أعبد الخلق لله، وأشدهم له خشية، وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ومع ذلك أجهد نفسه في العبادة، في صلاة الليل، في الذكر، في تلاوة القرآن، في التسبيح والتهليل.

عملا بقول الله تعالى: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) [الحجر: 99].

واليقين هو : الموت ..

مما كان له أبلغ الأثر في صحابته رضوان الله عليهم أن المارّ ببيوتهم في السّحر يسمع دوياً كدوي النحل، من قراءة القرآن والصلاة والذكر والدعاء، فما هو حالنا مع حالهم، كيف نحن بالنسبة لهم ، إن تلاوة القرآن ، وقيام الليل والدعاء و الاستغفار والمناجاة ، بدل في بيوتنا -إلا من رحم الله- بالغناء والمسلسلات الهابطة والرقص والمحرمات ..

وكان عليه الصلاة والسلام إذا قام بالليل يصلِّي يُكْثر من قراءة القرآن الكريم ، ويترسَّل فيها، ويدعُو عند آيات الرحمة والعذاب منها، ويُنَزِّه ربَّه عند آيات التسبيح..

وكان يقرأ القراَن قائماً، وقاعداً، ومضطجعاً، ومتوضئاً، ومُحْدِثاً، ولم يكن يمنعه من قِراءته إلا الجنابة، وكان صلى الله عليه وسلم يتغنَّى به، ويبكي عند تلاوته وسماعه للقرآن الكريم ، فخير من بكى ودمعت عيناه هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك برحمته وشفقته على أمته وإخوانه ، وخشيته من ربه جل جلاله ..

عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه: (أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ تَلا قَوْلَ اللهِ عزَّ وجلَّ في إبْراهِيمَ: {رَبِّ إنَّهُنَّ أضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فمَن تَبِعَنِي فإنَّه مِنِّي} [إبراهيم: 36] الآيَةَ، وقالَ عِيسَى عليه السَّلامُ: {إنْ تُعَذِّبْهُمْ فإنَّهُمْ عِبادُكَ وإنْ تَغْفِرْ لهمْ فإنَّكَ أنْتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ} [المائدة: 118]، فَرَفَعَ يَدَيْهِ وقالَ: اللَّهُمَّ أُمَّتي أُمَّتِي، وبَكَى، فقالَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: يا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إلى مُحَمَّدٍ، ورَبُّكَ أعْلَمُ، فَسَلْهُ ما يُبْكِيكَ؟ فأتاهُ جِبْرِيلُ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، فَسَأَلَهُ فأخْبَرَهُ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ بما قالَ، وهو أعْلَمُ، فقالَ اللَّهُ: يا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ إلى مُحَمَّدٍ، فَقُلْ: إنَّا سَنُرْضِيكَ في أُمَّتِكَ، ولا نَسُوءُكَ) رواه الإمام مسلم. وفي رواية للإمام أحمد عَنْ أَبِي ذَرٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: (صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -ﷺ-لَيْلَةً فَقَرَأَ بِآيَةٍ حَتَّى أَصْبَحَ، يَرْكَعُ بِهَا وَيَسْجُدُ بِهَا: ﴿إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ فَلَمَّا أَصْبَحَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا زِلْتَ تَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ حَتَّى أَصْبَحْتَ تَرْكَعُ بِهَا وَتَسْجُدُ بِهَا؟ قَالَ: “إِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي، عَزَّ وَجَلَّ، الشَّفَاعَةَ لِأُمَّتِي، فَأَعْطَانِيهَا، وَهِيَ نَائِلَةٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لِمَنْ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا)..

والسيرة النبوية غنية بالمواقف التي تدل على بكاء النبي صلى الله عليه وسلم وخشوعه عند عبادته ، وذكره ، ودعائه ، وتلاوته وسماعه للقرآن الكريم ..

العنصر الثاني : حال النبي صلى الله عليه وسلم في بيته ..

وفي هذا العنصر نتحدث عن حال النبي صلى الله عليه وسلم مع أهل بيته ، فما أروعها من لحظات نعيشها في هذا اللقاء في بيت النبوة ؛ لنتعرف على أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم، ومعاشرته لنسائه ( أمهات المؤمنين) ..

مودة النبي صلى الله عليه وسلم لأهل بيته 

فقد كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم خير الناس ، وأرحَمَ النَّاسِ ، وأرفَقَهم في مُعاملةِ أهلِه وعِشرتِه،

كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل على أهله ألقى عليهم السلام، عملا بالأدب الرباني ، والأمر الإلهي ..

قال تعالى: ﴿ فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً ﴾ [النور: 61].

وكان النبي يتلطف بزوجاته ويحسن معاملتهن ؛ ليضع لنا أسس التعامل مع الزوجة ؛ حتى تكون الحياة الزوجية حياة طيبة هنيئة سعيدة .

والمتأمل في القرآن الكريم يجد أن الله عز وجل خاطب نبيه، وخاطب المؤمنين بقوله في سورة النساء ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾..النساء: 19.

أي عاشروا النساء بالمعروف، وتلطفوا معهن ، والمعاشرة بالمعروف تكون بطِيب القول، وبسط الوجه ..

عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: قال رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((خَيرُكم خَيرُكم لأهلِه، وأنا خَيرُكم لأهلي)) أخرجه الإمام الترمذي وسنده صحيح .

وهذه صور مشرقة من بيت النبوة توضح رقي النبي صلى الله عليه وسلم مع أهل بيته ، وطيب تلطفه بأزواجه ، وحسن مُعاملتهنّ بالمودّة والرحمة، وفي مشورتهن في أمور الدين والدولة ، وفي الوفاء لمن مات منهن ، و مساعدتهن في بعض الأعمال المنزلية

فمن صُور المودّة، والرحمة في حياة النبيّ مع زوجاته أنّه ذات يوم دخل على السيدة صفية -رضي الله عنها- وهي تبكي، فسألها عن سبب بُكائها، فقالت إنّ السيدة حفصة عيّرتها بأنّها بنت يهوديّ، فقال لها النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (إنَّكِ لَابنة نَبيٍّ وإنَّ عمَّكِ لَنَبيٌّ وإنَّكِ لَتحتَ نَبيٍّ فبِمَ تفخَرُ عليكِ) ثمَّ قال -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: (اتَّقِ اللهَ يا حَفصةُ)) ، وفي هذا الحديث تطييب وجبر لخاطرها، وبيان أنّها زوجة نبيّ، وأُمّ للمؤمنين، كما أنّها تنتسب إلى نبيَّين، هما: موسى، وهارون -عليهما السلام-

و في إحدى غزوة الغزوات، قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: «تقدموا» وتأخر عن الخيل والبعير، ومعه أم المؤمنين عائشة ؛ ليدخل السرور على أمنا عائشة ؛ و ليُذهب ما بها من ملل وكآبة.

فعن السيدة عائشةَ، رضيَ اللَّهُ عنها،: « أنَّها كانَت معَ النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ في سفَرٍ قالت: فسابقتُهُ فسبقتُهُ على رجليَّ، فلمَّا حَملتُ اللَّحمَ سابقتُهُ فسبقَني فقالَ: هذِهِ بتلكَ السَّبقةِ». أخرجه أبو داود وسنده صحيح .

ورغم شواغل النبي صلى الله عليه وسلم الكثيرة أيضاً ، وهموم الدعوة إلى الله ، وصعوبة محاربة الأعداء الذين يجيدون تدبير المكائد ، ونصب الفخاخ ، لم يتخلى عن مساعدة أهل بيته في مهنتهم ، وهذا إن دل فإنما يدل على أن أساس مهنة المرأة الأعمال التي يقمن بها في المنزل ، وكان النبي عليه الصلاة والسلام يخفف عنهن ، فيقوم بمعاونتهن ومساعدتهن شفقة ورحمة بهن ..

سُئِلَتْ السيدة عَائِشَةَ -رضي الله عنها -ما كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَصْنَعُ في بَيْتِهِ؟ قالَتْ: كانَ يَكونُ في مِهْنَةِ أهْلِهِ – تَعْنِي خِدْمَةَ أهْلِهِ – فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ خَرَجَ إلى الصَّلَاةِ.

أخرجه الإمام البخاري.

يعني كان يُساعِدُهنَّ في الأعمالِ الَّتي يَقُمْنَ بها، كان يَخدُمُ نفْسَه، ويَحلُبُ شاتَه، ويَرقُعُ ثَوبَه، ويَخصِفُ نَعْلَه، وكان إذا حضَرَتِ الصَّلاةُ خرَجَ إليها دُونَ تَأخيرٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ .

ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم ككثير من الأزواج الذين يستنكفون من مساعدة زوجاتهم، ويعاملونهن بمبدأ السيد والأمة، كلَّا بل كان النبي صلى الله عليه وسلم عطوفًا رحيمًا متواضعًا في بيته مع أزواجه، وأولاده ، وخادمه ، ورفاقه ..

العنصر الثالث : حال النبي صلى الله عليه وسلم مع صحابته الكرام ..

لقد كان من حال النبي صلى الله عليه وسلم مشاركة أصحابه فى البلاء والشدة ، والفرح والحزن ، يواسي أصحابه ويعود مرضاهم..

عن سهل بن حنيف رضي الله عنه قال : كان رسول الله ﷺ ” يَأْتِي ضُعَفَاءَ الْمُسْلِمِينَ، وَيَزُورُهُمْ وَيَعُودُ مَرْضَاهُمْ، وَيَشْهَدُ جَنَائِزَهُمْ” أخرجه الحاكم في مستدركه وصححه ووافقه الذهبي ..

كما كانت معاملة النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه معاملة يسودها الرحمة والعفو والتسامح …

على وفق ما أمره به الله تعالى؛ كما في قوله سبحانه وتعالى:”فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ” آل عمران (159).

ومن صور رحمته أنه كان رفيقا بهم صابر على تعليمهم أو جفاء بعضهم.

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: ” كُنْتُ أَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ بُرْدٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الحَاشِيَةِ، فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ فَجَبَذَ بِرِدَائِهِ جَبْذَةً شَدِيدَةً، قَالَ أَنَسٌ: فَنَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عَاتِقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ أَثَّرَتْ بِهَا حَاشِيَةُ الرِّدَاءِ مِنْ شِدَّةِ جَبْذَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ مُرْ لِي مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي عِنْدَكَ، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ فَضَحِكَ، ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ”

(متفق عليه).

وعن أبي هُرَيْرَةَ : ” أَنَّ أَعْرَابِيًّا بَالَ فِي المَسْجِدِ، فَثَارَ إِلَيْهِ النَّاسُ ليَقَعُوا بِهِ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دَعُوهُ، وَأَهْرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ، أَوْ سَجْلًا مِنْ مَاءٍ، فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ ” .

أخرجه الإمام البخاري .

وعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ، قَالَ: ” بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ، فَقُلْتُ: يَرْحَمُكَ اللهُ! فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ، فَقُلْتُ: وَاثُكْلَ أُمِّيَاهْ، مَا شَأْنُكُمْ؟ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ، فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي، لَكِنِّي سَكَتُّ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي! مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ، فَوَاللهِ! مَا كَهَرَنِي وَلَا ضَرَبَنِي وَلَا شَتَمَنِي، قَالَ: إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ … ” .

أخرجه الإمام مسلم ..

قصة مزاحه مع المرأة العجوز التي جاءت تطلب منه الدعاء لها بدخول الجنة ..

فقالت: ( ادع اللهَ لي أنْ يدْخِلَني الجنةَ، فقال لَها: يا أمَّ فلانٍ، إِنَّ الجنَّةَ لا يدخلُها عجوزٌ، وانزعجَتِ المرأةُ وبكَتْ ظنًّا منها أنها لن تدخلَ الجنةَ، فلما رأى ذلِكَ منها؛ بيَّنَ لها غرضَهُ أنَّ العجوزَ لَنْ تدخُلَ الجنَّةَ عجوزًا، بل يُنشِئُها اللهُ خلقًا آخرَ، فتدخلُها شابَّةً بكرًا، وتَلَا عليها قولَ اللهِ تعالى: (إِنَّا أَنشَأْناهُنَّ إِنشَاءً* فَجَعَلْنَاهُنَّ أبْكًارًا)). أخرجه الإمام الترمذي في الشمائل وسنده صحيح ..

العنصر الرابع  : حال أمتنا بين الأمس واليوم..

سؤال يطرح نفسه على دوحة الأفق مفاده: كيف كنا بالأمس؟ وكيف أصبحنا اليوم؟ ..

ففي أمس أمتنا الزاهر رأينا حياة تعج بمواقف الفخر والاعتزاز ، ومن ذلك: حينما انتصر المسلمون على الروم في واقعة اليرموك المشهورة، وقف ملك الروم يسأل فلول جيشه المنهزم، والمرارة تعصر قلبه، والغيظ يملأ صدره: أخبروني عن هؤلاء الذين يقاتلونكم! أليسوا بشرًا مثلكم؟! قالوا: بلى أيها الملك، قال: فأنتم أكثر أم هم؟ قالوا: بل نحن أكثر منهم في كل موطن. قال: فما بالكم إذن تنهزمون؟! فأجابه عظيم من عظماء قومه: إنهم يهزموننا لأنهم يقومون الليل، ويصومون النهار، ويوفون بالعهد، ويتناصحون بينهم.

حقًّا إن تلكم الأحوال ، وذلكم السجايا العظيمة والخصال الكريمة، كانت وراء ذلك العز والمجد التليد، التي رسمت ملاحم النصر الباهرة، وأقامت حضارة الإسلام العالميَّة، وانتقلت بأسلافنا تلك النقلة الكبيرة، من أخلاق الجاهليَّة الفاسدة، إلى منازل (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)[الْفَاتِحَةِ: 5]، حيث الأرواح المتطلعة إلى السماء، والنفوس السابحة في العلياء، ولكن وما فتئ الزمان يدور حتى مضى بالمجد قوم آخرون..

نعم؛ لقد دارت الأيام فتغيَّر الحالُ، كنا قادة الأمم ، فأصبحنا كالغنم في ذيل الأمم !! وهَوَتِ الأمةُ من العلياء، لتستقرَّ في الحضيض، ومع الأسف لقد أصبح المسلمون اليومَ -مع كثرتهم- غثاء كغثاء السيل كما جاء في الحديث المشهور، وأصبح زمام القافلة بيد أعدائهم، الذين تسلَّطوا على بلادهم، وثرواتهم وأبنائهم، والأملُ بالله كبيرٌ، في عودة أمتنا إلى سابق عهدها وما ذلك على الله بعزيز.

يا مسلمون: إن الناظر في حال أمتنا العربيَّة والإسلاميَّة يدرك تمامًا ما هي عليه من الضَّعْف والتخلُّف، فالعرب والمسلمون هذه الأيام أكثر أهل الأرض ضِيقًا في العيش، وأشدهم مكابدةً للحياة، وأكثرهم تعرُّضًا للحروب المدمرة الظالمة، كما هو الحال في كثير من بلادنا، والكثير من الدول، التي تئن تحت المأساة وآلام المعاناة، ولوعات الثكالى، وآهات اليتامى، وصرخات الأطفال، وصيحات التعذيب والحصار، ويصبحون ويمسون على صفوف الأكناف المرعبة، والجثث المتحللة التي تملأ الشوارع، والجنائز المتوالية، والمؤسَّسات والبيوت المحرقة ، والمساجد المهدمة والمنتهكة حرماتها، إلى غير ذلك مما هو مشاهد لدى القاصي والداني.

انحياز واضح للمشروع الصهيوني في أرض العرب والمسلمين ، ومؤامرات وانتهاكات كلها تصب في مجرى واحد، وهو الحفاظ على الصياهنة إخوان القردة والخنازير، ولا فرق بين النتنياهو وشارون، وبايدن وترامب..

ما أشبَهَ اليومَ بالبارحة، وكأنَّ التاريخَ يُعِيد نفسَه، وأعداء الإسلام اليوم هم أعداؤه بالأمس، فقد عادوا من جديد، في محاولة لإطفاء نور الله، والقضاء على الإسلام، بتشويه صورته المشرقة، وبنسج الأكاذيب والأباطيل من حوله، وبالنيل من تعاليمه وشرائعه السمحة، وكتابه وفرقانه الذي (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ)[فُصِّلَتْ: 42]..

لذا ؛ فمن الواجب على كل غيور على هذه الأمة أن يشخص الداء، قبل أن يصف الدواء، وأن يكشف عن الأسباب التي أوصلتها إلى هذا الحال..

يا مؤمنون: إن الواجب على الأمة أن تعلم أن ما أصابها من هذه المصائب والبلايا فإنما هو بسبب تقصيرها في جنب الله، وبعدها عن هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعدم تصدِّيها لرياح الإفساد، ومسيرة التغريب، التي نَخَرَتْ في شبابها، وفتياتها وأُسَرِها.

إن أعداء الأمة لا يألون جهدًا في تطويع العالَم الإسلاميّ في اتباع الحياة الغربيَّة من تقاليد وعادات، يساندهم في ذلك فساق مستغربون، ومنافقون ، و علمانيون ، تارة بتأويل نصوص الكتاب والسُّنَّة، وتارة بالنيل من الرموز و العلماء والدعاة، وتارة بالنيل من القرآن والسنة ، وتارة بالدعوة إلى الاختلاط المحرم، والدعوة إلى تحرر المرأةمن الحجاب والدين ، ويلبسون ثياب الإصلاح، على قلوب عشعش فيها النفاق والفساد..

قال تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ)[الْبَقَرَةِ: 11-12]..

إن أعداء الأمة لم يتقدموا عليها إلا بتأخرها، ولم يتسلطوا عليها إلا بتخاذلها، وتخليها عن استئناف الحياة الإسلاميَّة من جديد، ووالله لا يمكن الله للمسلمين في الأرض، ولا ينصرهم على أعدائهم حتى يصلحوا من حالهم، ويرجعوا إلى دينهم وعقيدتهم، قال الله -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ)[الرَّعْدِ: 11]..

لقد أحبَّ المسلمون القدسَ، وسكنَتْ سويداءَ قلوبهم؛ لأنَّها قِبلتَهم الأُولى، ومسرى نبيهم -صلى الله عليه وسلم-، فأوت إليها أفئدتهم وأرواحهم، وشدوا إليها الرحال من كل فج عميق؛ ولما لا وهي درة الدر، ومدينة المدائن، ما حانت لمحتل ذميم، وما طأطأت رأسها لمستعمر حاقد، وهي أمانة في أعناق المؤمنين، في مشارق الأرض ومغاربها، تحوطها القداسةُ من أطرافها، وتُزيِّنها بركةُ السماء مع أكنافها، تاج عزها ومجدها المسجد الأقصى المبارَك، بكل معالمه ومساحاته، ما عزَّها أحدٌ إلا عزَّ، وما فرَّط فيها كائنٌ مَنْ كان إلا ذلَّ وخَسِرَ..

فالبدء كان الإسراء، ثم الفاتحون على يد عمر الفاروق، وأبي عبيدة بن الجراح، والكثير من الصحابة الأجِلَّاء، وسعى إليها الأدباء والفقهاء، مُعلِّمينَ ومتعلمين، وقد برزت القدس في أوصافهم الأدبيَّة وأشعارهم..

فاغتنِموا هذا العطاء، ورابِطوا واحتسِبوا، حتى يكشف الله عَنَّا وعنكم وعن أمتنا هذا الغم وهذا الظلم..

العنصر الخامس :العمل أبلغ من القول

قال تعالى: {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ} [العنكبوت:٤٣] ..

مهما كان العالم وطالب العلم والداعية فصيحًا بليغًا مؤثرًا بارعًا؛ فإن كلامه وعلمه لا يتجاوز الآذان، ما لم يعمل به، حتى إذا ما عمل به دبت فيه الحياة، دبت في كل كلمةٍ ينطق بها، واتجهت كل جملةٍ كأنها قذيفة؛ ترهف آذان الغافلين، وتوقظ ضمائر المتغافلين، وتصبح دروسه وخطبه ومواعظه برنامجًا عمليًا يتقبله الناس راضين به، عاملين مذعنين، فلا يغني العلم شيئاً لوحده؛ لأن العلم لا يعْلِّم وحده، إنما هو بمن يحمله ويعلمه.

إن فعل رجل في ألف رجل أبلغ من قول ألف رجل في رجل..

وعادة السيف أن يزهى بجوهره وليس يعمل إلا في يدي بطل

والذين يعلمون ثم لا يعملون، أو يعملون بخلاف ما يقولون ويعلمون، بئس ما يصنعون، إنما هم أوعيةٌ للعلم، يسيرون ثم لا ينفعون، بل قد يضرون. “كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ” الصف/٣.

جلسوا على باب الجنة -كما يقول ابن القيم – يدعون الناس إليها بأقوالهم، ويدعونهم إلى النار بأفعالهم، كلما قالت أقوالهم: هلموا اسمعوا، قالت أفعالهم: لا تسمعوا، لو كان حقًا ما يدعون إليه لكانوا أول المستجيبين له، فهم في الصورة هُداة مُرشدون أدلاء، لكنهم في الحقيقة قطاع طرق، أذلاء وما هم بأجلاء، بئس ما يصنعون: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمْ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ} [الجمعة:٥].

إنَّما هو كالسراج يُضيءُ البيت ويحرق نفسه، عليه بُوره، ولغيره نوره، يَحق عليه قول القائل:

فأَسعدت الكثير وأنت تشقى وأضحكت الأنام وأنت تبكي

خير من القول فاعله، وخير من الصواب قائله ..

{وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ} [النساء:٦٦] أي: عملوا بمقتضى ما علموا: {لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا * وَإِذًا لآَتَيْنَاهُم من لدُنا أَجْرًا عَظِيمًا * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مسْتَقِيمًا} [النساء:٦٦ – ٦٨]..

قال ابن عيينة رحمه الله : لا تكونوا كالمُنْخل يخرج الدقيق الطيب، ويُمسك النُخَالة؛ تخرجون الحكمة من أفواهكم ويبقى الغل في صدوركم، إن من يَخُوض النهر لابد أن يصيب ثوبه، وإن اجتهد ألا يصيبه..

أيها العالم إياك الزلل واحذر الهفوة فالخطب جلل..

هفوة العالم مستعظمة إن هفا أصبح في الخلق مَثَلْ. وعلى زلَته عمدتهم …

إن تكن عندك مستحقرة … فهي عند الله والناس جَبَلْ ..

أنت ملح الأرض ما يصلحه إن بدا فيه فساد وخلل .. الشيخ علي القرني (المكتبة الشاملة)..

يا أيها الرجل الْمُعَلِّمُ غَيْرَهُ ..

هَلَّا لِنَفْسِك كَانَ ذَا التَّعْلِيمُ ..تَصِفُ الدَّوَاءَ لِذِي السِّقَامِ وَذِي الضَّنَى ..كَيْمَا يَصِحَّ بِهِ وَأَنْتَ سَقِيمُ ..

لَا تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وَتَأْتِيَ مِثْلَهُ ..عَارٌ عَلَيْك إذَا فَعَلْت عَظِيمُ..

ابْدَأْ بِنَفْسِك فَانْهَهَا عَنْ غَيِّهَا..فَإِذَا انْتَهَتْ عَنْهُ فَأَنْتَ حَكِيمُ .. فَهُنَاكَ تُعْذَرُ إنْ وَعَظْتَ وَيُقْتَدَى ..بِالْقَوْلِ مِنْك وَيحصل التسليمُ ..

يقول أحد الدعاة: جاءني ذات مرة رجل يشتكي من شرب أبنائه للدخان، وأنه أعيته الحيل في منعهم عن ذلك، فقالت له: وأنت هل تدخن؟ قال: نعم، قلت: إذًا كيف تريد أن ينتهوا وأنت تنهاهم بلسانك وتحثهم على الدخان بفعلك؟!

فالوالد يدخن أو يدمن المخدرات والأم متبرجة، والبيت لا ترى فيه من يصلي أو يقرأ القرآن، فلا بد أن يكون المنتج الذي ينتج عن تلك الأسرة رديئًا، وغير سوي، يهدم ولا يبني، يُخرب ولا يعمر، يفرِّق ولا يؤلِّف..

وختاماً: يا إخوة الإسلام إن حالنا وحال أمتنا لا يخفى علينا ، يقرر أعداء الأمة مصيرها ، ويعبثون بحالها ، لذا لا نجاة لنا ولا عز إلا في ديننا ، ووحدتنا ، والاقتداء بنبينا وهذا هو حال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ، وهذه شذرات من صفحات حياته ..

فما أحوجنا أن نقتدي بنبينا صلى الله عليه وسلم ، إننا أصبحنا نفتقد الأسوة والقدوة لدى كثير من الآباء والأمهات ..

فاللهمَّ يا مُنزِلَ الشفاء، ورافعَ البلاء، ومجيبَ الدعاء، ارفع عَنَّا البلاء والوباء ، وانصرنا على أعدائنا، واحفظ بلدنا مصر وسائر بلاد المسلمين، واحفظ المسجد الأقصى من كل سوء ، وأَبعِدْ عنه كيدَ المعتدينَ، ودنَسَ المدنسينَ، واجعل أفئدةً من الناس تهوي إليه؛ ليبقى عامرًا بالركع السجود ..

واللهُمَّ ارحم شهداءنا وأمواتنا في كل مكان، وأسكنهم فسيح جناتك، واحشرهم مع النبيين والصديقين والشهداء، وحسن أولئك رفيقًا ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *