من وظائف الأشهر الحرم، والعمل فيها

بقلم الشيخ الدكتور : مسعد أحمد سعد الشايب
إمام وخطيب بوزارة الأوقاف 

بعض العبادات والطاعات

الحمد لله رب العالمين، أعدّ لمَنْ أطاعه جنات النعيم، وسعرّ لمَنْ عصاه نار الجحيم، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأصلي وأسلم على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

الاستقبال الأمثل للأشهر الحرم

فقد عشنا في مقال سابق مع المكانة العالية، والمنزلة السامية للأشهر الحرم، فقد أشار الله (عزّ وجلّ) إليها في قرآنه، وأتبع النبي (صلى الله عليه وسلم) ذلك ببيانه،
فكيف نستقبلها، وكيف نحياها؟
أنستقبلها باللهو واللعب؟
أنستقبلها بالغفلة والإعراض عن ذكر الله؟
أنستقبلها بالإفساد في الأرض، وارتكاب المعاصي والآثام؟
أنستقبلها بالأحقاد والضغائن وقطيعة الأرحام؟!

إن هذا ليس من منطق الحكماء و لا العقلاء؛ أن نضيع تلك الفرصة بل الفرص الثمينة العظيمة من بين أيدينا بدون أن نغتنمها في مرضات الله، وفيما ينفعنا في الدنيا والأخرة.

إن الاستقبال الأمثل لتلك الأشهر المباركات يكون بالتعرض لنفحات الله ورحماته كما حثنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم), وذلك يكون بالتفاني في مرضات الله (عزّ وجلّ)، والإقبال على طاعته وعبادته، وعلى جميع الأعمال الصالحة، التي تخدم الفرد، والمجتمع والبيئة والوطن، بل والبشرية أجمع، فالعمل كلما زاد نفعه وكثر عدد المستفيدين به كان عند الله أفضل وأحسن.

بعض العبادات والطاعات

فأول ما ينبغي علينا من الأعمال الصالحة في تلك الأيام والأشهر المباركة:

1ـ المحافظة على الفروض والواجبات: سواء المتعلقة بحقّ الله (عزّ وجلّ) علينا، أم المتعلقة بحقوق العباد، وهذا هو أفضل ما نتقرب به إلى الله في تلك الأشهر وفي تلك الأيام المباركات، فعن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ…) (رواه البخاري)، فعلينا المحافظة على الصلوات الخمس، وبرّ الوالدين، وصلة الأرحام، والإحسان إلى الجيران، علي كل واحد منا أن يؤدي عمله المنوط به على أكمل وجه، الإمام في مسجده، المدرس في مدرسته، الموظف في مصلحته الحكومية، العامل في مصنعه، الفلاح في حقله، الزوج في أسرته، الزوجة في بيت زوجها، وعلينا بتقوى الله في السرّ والعلن، فعبد الله بن عمر (رضي الله عنهما) قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: (كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) (متفق عليه واللفظ للبخاري).

2ـ ومن تلك الأعمال الصالحة في تلك الأيام والأشهر المباركة: الصيام لبعض أيامها؛ لقوله (صلى الله عليه وسلم): (صُمْ مِنَ الحُرُمِ وَاتْرُكْ) (رواه أبو داود)، فلنحرص على تحري صيام الأيام التي رغب النبي (صلى الله عليه وسلم) في صيامها، كالاثنين والخميس، والثلاثة القمرية، حتى نتحصل على أجرين إن شاء الله.

3ـ ومنها: الإكثار من الدعاء: فالدعاء هو العبادة، ومن لم يسأل الله يغضب عليه، فعن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (إِنَّهُ مَنْ لَمْ يَسْأَلِ اللَّهَ يَغْضَبْ عَلَيْهِ)(رواه الترمذي)، وصدق الشاعر حينما قال:
لَا تسألنَّ بُنيَّ آدم حَاجَة … وسل الَّذِي أبوابَه لَا تُحجب
الله يغضب إن تركت سؤاله… وبُني آدم حين يسئل يغضب

وقد حثنا الحق تبارك وتعالى على الدعاء ووعدنا الإجابة عليه فقال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}[البقرة:186]، وقال تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}[غافر:60].

4ـ ومنها: الإكثار من ذكر الله (عزّ وجلّ)، فهو العبادة الوحيدة التي طلبها الحق تبارك وتعالى منا بكثرة، فقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا*وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا}[الأحزاب:42،41].

فعلي المسلم أن يكثر من أصناف ذكر الله (عزّ وجلّ) في تلك الأيام والأشهر المباركات امتثالا لأوامر القرآن والسنة، فعليه بالتسبيح، والتحميد، والتكبير، والتهليل، والاستغفار، وقراءة القرآن إلى آخر ألوان ذكر الله، فالذكر هو غراس وزروع الجنة، فعن أبي هريرة، أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مرَ به وهو يغرس غرسا، فقال: (يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، مَا الَّذِي تَغْرِسُ؟). قلت: غراسا لي، قال: (أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى غِرَاسٍ خَيْرٍ لَكَ مِنْ هَذَا؟). قال: بلى يا رسول الله، قال: (قُلْ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، يُغْرَسْ لَكَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ شَجَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ)(رواه ابن ماجه).

5ـ ومنها: السلام الكوني مع جميع البشر والمخلوقات، والسلام الكوني يتلخص في أمرين: (أولهما): إعطاء كل ذي حقٍ حقه، فذلك أدعى لقطع النزاعات، ونشر السلام، والشدّ من أواصر الألفة والمحبة بين الأفراد والمجتمعات والأوطان، والأمم، قال سيدنا سلمان الفارسي لسيدنا أبي الدرداء (رضي الله عنهما): (إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ). قال النبي (صلى الله عليه وسلم) معقبًا على ذلك: (صَدَقَ سَلْمَانُ) (رواه البخاري).

(ثانيهما): محبة الخير، والسعي له، وبغض الشرّ، والكفّ عنه، قال (صلى الله عليه وسلم): (إِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلْخَيْرِ، مَغَالِيقَ لِلشَّرِّ، وَإِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلشَّرِّ مَغَالِيقَ لِلْخَيْرِ، فَطُوبَى لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الْخَيْرِ عَلَى يَدَيْهِ، وَوَيْلٌ لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الشَّرِّ عَلَى يَدَيْهِ) (رواه ابن ماجه).

والله أعلى وأعلم، وهو المستعان وعليه التكلان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *