ما حكم الاسلام في اختيار جنس المولود ؟
9 يناير، 2025
قضايا شرعية

بقلم الشيخ : محمد أبو النصر
الكاتب والباحث فى الشريعة الإسلامية
🔴 اختيار جنس المولود.
📃ما حكم الاسلام في اختيار جنس المولود ؟
✍️ الحمد لله والصلاه والسلام على رسول الله وبعد.
▪️اختيار جنس المولود موضوع يتعلق بالتدخلات الطبية الحديثة التي تهدف إلى تحديد جنس الجنين قبل الحمل أو في مراحله المبكرة.
هذا الموضوع يثير تساؤلات شرعية وأخلاقية، وقد اختلف العلماء في حكمه بناءً على الأدلة الشرعية والمقاصد الإسلامية. فيما يلي تفصيل لحكم الإسلام في
اختيار جنس المولود
◾ أقوال أهل العلم
اختلف العلماء المعاصرون في حكم اختيار جنس المولود باستخدام التقنيات الطبية الحديثة، مثل التلقيح الاصطناعي أو فصل الحيوانات المنوية، على النحو التالي:
◾ القول بالجواز بشروط:
يرى بعض العلماء أن اختيار جنس المولود جائز إذا كان لغرض مشروع، مثل تجنب الأمراض الوراثية المرتبطة بجنس معين (كالأمراض التي تصيب الذكور فقط)،
فيجوز حينئذٍ التدخل ، بالضوابط الشرعية المقررة ، على أن يكون ذلك بقرار من لجنة طبية مختصة ، لا يقل عدد أعضائها عن ثلاثة من الأطباء العدول ، تقدِّم تقريراً طبيّاً بالإجماع يؤكد أن حالة المريضة تستدعي أن يكون هناك تدخل طبي حتى لا يصاب الجنين بالمرض الوراثي ، ومن ثمَّ يعرض هذا التقرير على جهة الإفتاء المختصة لإصدار ما تراه في ذلك .
كما يجوز إذا كان لغرض
تحقيق التوازن في الأسرة بعد وجود عدة أبناء من جنس واحد.
ويشترطون أن يتم ذلك بطرق مشروعة، دون تعريض الأم أو الجنين للضرر،”وألَّا يكون في التقنية المستخدمة ما يَضُرُّ بالمولود في قَابِلِ أيامه ومُستَقبَله، وهذا مَرَدُّه لأهل الاختصاص، فلا يُقبَل أن يكون الإنسان محلًّا للتجارب، ومحطًّا للتلاعب” .
وألا يتضمن محظورًا شرعيًا.
ودون تدخل في عملية الخلق بشكل يتنافى مع قدرة الله تعالى.
وقالوا أن الحكم يختلف حسب الغرض والطريقة المستخدمة. فإذا كان الهدف مشروعًا (كعلاج العقم أو تجنب الأمراض الوراثية)، وكانت الطريقة مشروعة ولا تؤدي إلى ضرر، فإنه يجوز. أما إذا كان الهدف غير مشروع (كالتفاخر أو التمييز بين الأبناء)، فإنه لا يجوز.
من هؤلاء العلماء:
الشيخ شوقي إبراهيم علام
حيث قال إنه إذا كان الهدف مشروعًا ولا يتضمن محظورًا شرعيًا، فإنه لا مانع من ذلك.
◾ ضوابط شرعية لاختيار جنس المولود
إذا تم اللجوء إلى اختيار جنس المولود، فيجب مراعاة الضوابط الشرعية التالية:
– أن يكون الهدف مشروعًا: مثل علاج العقم أو تجنب الأمراض الوراثية.
– أن تكون الطريقة مشروعة: بحيث لا تتضمن مخالفات شرعية، مثل اختلاط الأنساب أو الإضرار بالأم أو الجنين.
– عدم التعدي على قدر الله: بأن يكون القصد هو الاستعانة بالعلم دون الاعتقاد بأن الإنسان قادر على التحكم الكامل في النتائج، بل يبقى الأمر بيد الله تعالى. قال الله تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ} [الأنعام: 59].
– عدم الإضرار بالأم أو الجنين: يجب أن تكون الطريقة المستخدمة آمنة ولا تعرض صحة الأم أو الجنين للخطر. قال النبي صلى الله عليه وسلم: “لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ” (رواه ابن ماجه).
– عدم التمييز بين الأبناء: يجب أن لا يؤدي اختيار جنس المولود إلى التمييز بين الذكور والإناث أو التفضيل غير المبرر، لأن الإسلام حرم التمييز بين الأبناء. قال النبي صلى الله عليه وسلم: “اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ” (رواه البخاري ومسلم).
– عدم الإخلال بالتوازن الطبيعي: يجب أن لا يؤدي اختيار جنس المولود إلى اختلال التوازن بين الذكور والإناث في المجتمع، مما قد يسبب مشكلات اجتماعية.
◾ القول بالمنع:
يرى آخرون أن اختيار جنس المولود يتدخل في تقدير الله تعالى، وقد يؤدي إلى مفاسد اجتماعية، مثل التمييز بين الأبناء أو الإخلال بالتوازن الطبيعي بين الذكور والإناث في المجتمع.
يستدلون بقوله تعالى: {وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} [الشورى: 50]، والذي يؤكد أن الخلق وتحديد الأجناس هو من اختصاص الله تعالى، وأن التدخل في ذلك قد يكون تعديًا على حكمته.
◾ جنس المولود عطاء الله
● أولًا: الأدلة من القرآن الكريم
– قدرة الله تعالى في الخلق وتحديد الأجناس:
قال الله تعالى: {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} [الشورى: 49-50].
هذه الآية تؤكد أن تحديد جنس المولود هو من اختصاص الله تعالى، وأنه هو الذي يهب الذكور أو الإناث أو يزوج بينهما.
– الخلق بيد الله:
قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران: 6].
هذه الآية تشير إلى أن الله هو الذي يصور الجنين في الأرحام كما يشاء، بما في ذلك تحديد جنسه.
● ثانيًا: الأدلة من السنة النبوية
– عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
“إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يُرْسَلُ إِلَيْهِ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ، وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ : بِكَتْبِ رِزْقِهِ، وَأَجَلِهِ، وَعَمَلِهِ، وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ”.أخرجه البخاري ، ومسلم
هذا الحديث يوضح مراحل خلق الجنين في بطن أمه، وأن الملك الموكل بالجنين يؤمر بكتابة أربع كلمات: رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أم سعيد. وهذا يشمل أيضًا تحديد جنس المولود، حيث إن الله تعالى هو الذي يصور الجنين في الأرحام كما يشاء، بما في ذلك تحديد جنسه.
– قال عبدالله بن مسعود سمعت رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يقولُ: إذَا مَرَّ بالنُّطْفَةِ ثِنْتَانِ وَأَرْبَعُونَ لَيْلَةً، بَعَثَ اللَّهُ إلَيْهَا مَلَكًا، فَصَوَّرَهَا وَخَلَقَ سَمْعَهَا وَبَصَرَهَا وَجِلْدَهَا وَلَحْمَهَا وَعِظَامَهَا، ثُمَّ قالَ: يا رَبِّ، أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى؟ فَيَقْضِي رَبُّكَ ما شَاءَ، وَيَكْتُبُ المَلَكُ، ثُمَّ يقولُ: يا رَبِّ، أَجَلُهُ؟ فيَقولُ رَبُّكَ ما شَاءَ، وَيَكْتُبُ المَلَكُ، ثُمَّ يقولُ: يا رَبِّ، رِزْقُهُ؟ فَيَقْضِي رَبُّكَ ما شَاءَ، وَيَكْتُبُ المَلَكُ، ثُمَّ يَخْرُجُ المَلَكُ بالصَّحِيفَةِ في يَدِهِ، فلا يَزِيدُ علَى ما أُمِرَ وَلَا يَنْقُصُ.صحيح مسلم
هذا الحديث يؤكد أن الملك الموكل بالرحم يسأل الله تعالى عن جنس المولود (ذكر أم أنثى) وعن رزقه وأجله، وأن الله تعالى هو الذي يقدر ذلك ويكتبه. وهذا دليل واضح على أن تحديد جنس المولود هو من تقدير الله تعالى
وهذه الأحاديث الشريفة تؤكد أن تحديد جنس المولود هو من تقدير الله تعالى وقضائه، وأنه لا قدرة لأحد على التحكم في ذلك إلا بإذن الله
– كما يخشى هؤلاء العلماء من أن يؤدي اختيار جنس المولود إلى مفاسد اجتماعية، مثل التمييز بين الذكور والإناث، أو الإخلال بالتوازن الطبيعي بين الجنسين في المجتمع.
“وقد خَلَق اللهُ تعالى الإنسانَ خَلْقًا مُتَوَازِنًا، فجعله زوجين: ذكرًا وأنثى، وميَّز كلًّا منهما بخصائص تتناسب مع الوظائف التي أقامه فيها، وبيَّن أن هذه هي طبيعة الخلق التي تقتضي استمراره؛ فقال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: 1]، وقال تعالى: ﴿وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى﴾ [النجم: 45-46]، وقال تعالى: ﴿وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [الذاريات: 49].
وهذا التنوُّع في الخَلْق والتوازن في الطبيعة هو ما اقتضته حكمة الله تعالى العليم بكلِّ شيءٍ والقدير على كلِّ شيءٍ؛
قال تعالى: ﴿لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ﴾ [الشورى: 49-50].
قوله (يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا) أي : يرزقه البنات فقط .
( وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ ) أي : يرزقه البنين فقط .
( أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا ) أي : ويعطي مَن يشاء مِن الناس الزوجين الذكر والأنثى ، أي : من هذا ، وهذا .
( وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا ) أي : لا يولد له .
فجعل الناس أربعة أقسام ، منهم من يعطيه البنات ، ومنهم من يعطيه البنين ، ومنهم من يعطيه من النوعين ذكوراً وإناثاً ، ومنهم مَن يمنعه هذا وهذا ، فيجعله عقيماً لا نسل له ، ولا يولد له .
“
▪️ولا تنس أيها المسلم الدعاءَ، قال تعالى حكايةً على لسان نَبِيِّهِ سيدنا إبراهيم عليه السلام: ﴿رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ﴾ [الصافات: 100-101]، وقال على لسان نَبِيِّهِ سيدنا زكريا عليه السلام: ﴿وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا﴾ [مريم: 5].
ومِن جملة الأسباب والوسائل التي يَنصَحُ بها الأطباءُ المختَصُّون مِن أجل زيادة نسبة اختيار نوع الجنين: اختيار نوع الغذاء، أو توقيت الجماع قبل التبويض أو أثنائه
⚫ الخلاصة
اختيار جنس المولود باستخدام التقنيات الطبية الحديثة هو موضوع معاصر اختلف فيه العلماء المعاصرون:
◾فريق يرى الجواز إذا كان الهدف مشروعًا والطريقة مشروعة، مع مراعاة الضوابط الشرعية.
◾ وفريق يرى المنع خشية من التدخل في قدر الله أو حدوث مفاسد اجتماعية.
● والراجح هو القول بالمنع حيث يؤدي إلى التفاخر أو التمييز بين الأبناء)
-و يجب أن يتذكر المسلم أن الله تعالى هو الذي يهب الذكور والإناث، وأن التوكل عليه والرضا بقضائه هو الأصل.
– التركيز على التربية الصالحة: بدلًا من التركيز على جنس المولود، ينبغي الاهتمام بتربية الأبناء تربية إسلامية صالحة، فهم زينة الحياة الدنيا كما قال الله تعالى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الكهف: 46].
– المسلم مطالب بأن يلتزم بأحكام الشريعة ويحرص على عدم التعدي على حدود الله تعالى. وفي النهاية، فإن الرضا بقضاء الله وقدره هو أعظم ما يمكن أن يتحلى به المؤمن، كما قال الله تعالى: {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا} [التوبة: 51].
وينبغي أن نتذكر دائمًا أن الله تعالى هو الذي يهب الذكور والإناث، وأنه أعلم بما هو خير لعباده. قال الله تعالى: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216].
لذلك، فإن على المسلم أن يجتهد في طلب ما ينفعه، مع التسليم الكامل لإرادة الله تعالى والرضا بقضائه. وليكن شعارنا دائمًا قول النبي صلى الله عليه وسلم: “عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ” (رواه مسلم).