ما حكمُ الصِّيَامِ في شهرِ رجب؟

بقلم الشيخ : محمد أبو النصر
الكاتب والباحث فى الشريعة الإسلامية

🔴 ما حكمُ الصِّيَامِ في شهرِ رجب؟
– شهر رجب من الأشهر الحرم الأربعة التي ذكرها الله تعالى في القرآن الكريم، وهي: ذو القعدة، ذو الحجة، المحرم، ورجب.

– وقد اختلف العلماء في حكم الصيام في شهر رجب، فمنهم من رأى اباحته أو استحبابه، ومنهم من رأى كراهته إذا كان الصيام على وجه التخصيص دون غيره من الشهور.

وفي هذا المقال سنستعرض الأدلة من القرآن والسنة، ونناقش آراء العلماء في هذه المسألة.

● رجب من الأشهر الحرم:
قال الله تعالى: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾ [التوبة: 36].

هذه الآية تشير إلى أن الأشهر الحرم لها مكانة خاصة، ومنها شهر رجب. والعمل الصالح في هذه الأشهر له فضل عظيم.

و”إنما كانت الأشهر المحرمة أربعة، ثلاثة سرد، وواحد فرد؛ لأجل أداء مناسك الحج والعمرة، فحرم قبل شهر الحج شهر، وهو ذو القعدة؛ لأنهم يقعدون فيه عن القتال، وحرّم شهر ذي الحجة؛ لأنهم يوقعون فيه الحج، ويشتغلون فيه بأداء المناسك، وحرم بعده شهر آخر، وهو المحرّم ليرجعوا فيه إلى نائي أفصى بلادهم آمنين، وحرم رجب في وسط الحول، لأجل زيارة البيت والاعتمار به، لمن يقدم إليه من أفصى جزيرة العرب فيزوره، ثم يعود إلى وطنه فيه آمنًا”

● صيام النبي صلى الله عليه وسلم:
– الصيام بشكل عام عبادة عظيمة تُقرِّب العبد من ربه، وتزيد من تقواه.
-روى الإمام مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: “كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لَا يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ لَا يَصُومُ، وَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ قَطُّ إِلَّا رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْتُهُ فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ.”

هذا الحديث يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم في أشهر متفرقة من السنة، ولم يرد عنه أنه خصص شهر رجب بالصيام.

● صيام الأشهر الحرم:
روى أبو داود عن مجيبة الباهلية عن أبيها أو عمها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “صُمْ مِنَ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ، صُمْ مِنَ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ، صُمْ مِنَ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ.” هذا الحديث يشير إلى استحباب الصيام في الأشهر الحرم، ومنها شهر رجب، لكن دون تخصيصه بالصيام.

● عدم تخصيص رجب بالصيام:
لم يرد في السنة النبوية أحاديث صحيحة تدل على تخصيص شهر رجب بالصيام أو العبادة. بل إن بعض الأحاديث التي تُروى في فضل صيام رجب هي أحاديث ضعيفة أو موضوعة، مثل الحديث المشهور: “رجب شهر الله، وشعبان شهري، ورمضان شهر أمتي.” وهذا الحديث لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم.

● آراء العلماء في صيام رجب:

● – القول الأول: جواز الصيام في رجب مع عدم تخصيصه:
ذهب فريق آخر إلى جواز الصيام في شهر رجب كغيره من الشهور، ولكن مع عدم تخصيصه أو الاعتقاد بفضيلة خاصة له.
واستدلوا بعموم الأدلة التي تحث على الصيام في غير رمضان، مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم: “أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم.” (رواه مسلم).
فالصيام في رجب جائز إذا كان جزءًا من صيام متفرق .

● – القول الثاني: استحباب الصيام في رجب دون تخصيصه:

-ذهب بعض العلماء إلى استحباب الصيام في شهر رجب كغيره من الأشهر الحرم، ولكن دون تخصيصه بالصيام أو الاعتقاد بفضيلة خاصة له.
واستدلوا بحديث مجيبة الباهلية الذي ذكرناه سابقًا، حيث أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى الصيام في الأشهر الحرم بشكل عام.

وفي سنن النسائي عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: قلت: يا رسول الله ما أراك تصوم شهرًا من الشهور ما تصوم من شعبان! قال: «ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان..» الحديث.

قال الإمام الشوكاني: (ظاهر قوله في حديث أسامة.. أنه يستحب صوم رجب؛ لأن الظاهر أن المراد أنهم يغفلون عن تعظيم شعبان بالصوم كما يعظمون رمضان ورجبًا به)

وعليه: فالصوم في شهر رجب مُباح، بل هو مُستحب، وليس هناك ما يمنع من إيقاع العبادة -أيِّ عبادة- في أي وقت من العام إلا ما نص الشرع الشريف على منعه وفق الضوابط والأحكام الفقهية المُستقرة،

● – القول الثالث : كراهة تخصيص رجب بالصيام:

– ذهب آخرون إلى كراهة تخصيص شهر رجب بالصيام، خشية الابتداع في الدين أو التشبه بالجاهلية، حيث كان بعض العرب في الجاهلية يعظمون شهر رجب بشكل خاص.

استدلوا بعدم ورود أحاديث صحيحة تثبت فضيلة خاصة لصيام رجب، وأن تخصيصه بالصيام قد يؤدي إلى اعتقاد فضيلة غير ثابتة.

ومن هؤلاء العلماء ابن تيمية، حيث قال: “أما تخصيص رجب وشعبان جميعًا بالصوم أو الاعتكاف، فلم يرد فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء، ولا عن أصحابه، ولا أئمة المسلمين”

قال الإمام ابن قدامة في المغني: ( ويكره إفراد رجب بالصوم.
)أما الأشهر الحرم، فوافق الحنابلة الجمهور في استحباب صومها، وتزول كراهة إفراد صيام رجب عند الحنابلة بفطر يوم فيه.

قال المرداوي في الإنصاف( ويكره إفراد رجب بالصوم هذا المذهب، وعليه الأصحاب، وقطع به كثير منهم، وهو من مفردات المذهب.

قال ابن رجب: “وأما الصيام فلا يصح في فضل صوم رجب بخصوصه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه”

 الخلاصة والرأي الراجح:
– الصيام في شهر رجب جائز إذا كان جزءًا من صيام متفرق في السنة أو كعادة للشخص في الصيام، دون تخصيصه بفضيلة خاصة أو اعتقاد أنه أفضل من غيره من الشهور.

– تخصيص شهر رجب بالصيام أو الاعتقاد بفضيلة خاصة له بدعة، لأنه لم يرد دليل صحيح من القرآن أو السنة يثبت ذلك.

– الأفضل أن يصوم المسلم في الأشهر الحرم بشكل عام، مثل رجب، دون تخصيصه، وأن يحرص على الصيام في الأيام المستحبة الأخرى، مثل أيام البيض (13، 14، 15 من كل شهر قمري)، ويوم عرفة، ويومي الاثنين والخميس.

– شهر رجب من الأشهر الحرم التي لها مكانة في الإسلام، لكن لم يرد دليل صحيح يثبت فضيلة خاصة لصيامه أو تخصيصه بالعبادة. لذلك، يجوز الصيام فيه كغيره من الشهور، ولكن دون تخصيصه أو الاعتقاد بفضيلة خاصة له.

والله تعالى أعلم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *