التعليق على الفكر الوهابي والتصوف
5 يناير، 2025
الوهابية ومنهجهم الهدام, منوعات

بقلم الدكتور الشيخ / محمد سعيد صبحي السلمو ( الأزهرى البابي الحلبي )
التعليق على الفكر الوهابي والتصوف:
إن الموضوع الذي يتم التطرق إليه في هذا النص يعكس قلقًا كبيرًا تجاه الانتشار الواسع للفكر الوهابي في بعض المناطق الإسلامية وتأثيره على العلوم الشرعية و الأخلاق و الروحانية ، كما يتم التطرق إلى التصوف كبديل يعزز التهذيب الروحي و التحصين النفسي ضد الفواحش و الموبقات، ويُعزز من مراقبة الله و تحقيق التقوى.
1. الفكر الوهابي والإقصاء:
أحد أهم الانتقادات الموجهة إلى الفكر الوهابي هو التفكير المحدود و الإقصائي الذي لا يسمح بوجود مخالفات أو اختلافات في الفهم بين العلماء والمذاهب. في حين أن الفقه الإسلامي و علم الكلام كانا في العصور الذهبية للإسلام يتسعان لكثير من الآراء و المناهج المختلفة، وكان العلماء يرحبون بـ التنوع الفكري و الاختلاف على اعتبار أن الاختلاف لا يُفسد للود قضية، نجد أن الفكر الوهابي يميل إلى تكفير كل من لا يتفق مع تفسيره الضيق.
هذا النوع من الفكر يضيق أفق العلماء ويشغلهم في مسائل فرعية و جدلية لا تمت بصلة إلى الجوهر الأساسي للدين. كما أنه يقلل من المساحة الفكرية التي تسمح للعلماء بتطوير العلوم الشرعية و الفكر الإسلامي. بدلاً من التركيز على العلوم العقلية والنقلية مثل التفسير و الحديث و علم الكلام و النحو، يجد العلماء أنفسهم مضطرين للانشغال بمسائل فرعية مثل تكفير الناس أو التحليل والتحريم في أمور لا تمس جوهر الدين.
2. الإقصاء الفكري:
الفكر الوهابي، كما أشار النص، لا يتسع للمخالفة أو الاختلاف في الآراء الفقهية والعقائدية. في داخل هذه الدائرة الضيقة، تُعتبر المخالفة بمثابة خيانة للإيمان، مما يؤدي إلى التكفير المتبادل بين أتباع هذا الفكر ذاته، فضلاً عن تكفير المذاهب الإسلامية الأخرى. وهذا يؤدي إلى تفكك الأمة و تفرقتها، حيث يتحول التركيز من الوحدة و التعاون إلى العداء و التكفير.
هذا النوع من الفكر الإقصائي يُعرقل الحوار الفكري و التعايش السلمي بين المسلمين وبين الآخرين. إذا كان الفكر الوهابي يرفض الاختلاف ويعتبره بدعة، فإن هذا يُحدِث انقسامًا في الأمة الإسلامية، ويجعلها ضعيفة أمام التحديات التي تواجهها.
3. تأثير الفكر الوهابي على الأخلاق:
من الناحية الأخلاقية، يُلاحظ أن الفكر الوهابي يروج لفكرة التدين الجاف والمادي، الذي يتجاهل التربية الروحية و تهذيب النفس. وهذا النوع من التدين الصوري قد يؤدي إلى شيوع الجفاء و التعامل القاسي مع الآخرين، ويغيب فيه الرحمة و اللين و الرفق، وهي من أبرز سمات الإسلام في تعامله مع الناس.
إن التمسك بالأخلاق الإسلامية لا يتوقف فقط عند الظاهر مثل اللباس أو الطعام أو العبادات، بل هو منظومة شاملة تشمل تهذيب النفس و مراقبة الله في كل تصرف. وفي هذا السياق، يبرز التصوف كأحد السبل الروحية التي تعزز من التحصين الأخلاقي ضد الآثام و الفواحش.
4. التصوف كبديل روحي وأخلاقي:
التصوف، في مفهومه الصحيح، لا يتعارض مع الشرع ولا مع الفقه الإسلامي. بل هو نهج روحي يعزز من تقوى الله و مراقبته، ويشجع على تهذيب النفس و التحكم في الشهوات. التصوف الحقيقي يعتمد على الزهد و الورع و الخشية من الله، ويُدرب المسلم على التحلي بالأخلاق النبيلة مثل الرحمة و التواضع و الصبر.
إن التربية الروحية التي يقدمها التصوف هي الحصن ضد الفواحش و الموبقات، لأن التصوف يُعلم المسلم أن النية و الصدق مع الله أهم من الظاهر أو الشكل. وعليه، فإن التحصين الروحي من خلال الذكر و العبادة و التزكية هو الذي يُؤثر في النفس ويُزكيها من الذنوب و المعاصي.
5. الخلاصة:
إن الفكر الوهابي الإقصائي قد يساهم في ضياع الكثير من العلوم الشرعية و ضعف الأمة بسبب التكفير و الإقصاء الفكري. بينما يظل التصوف نهجًا يُعزز من التهذيب الروحي و التحصين الأخلاقي، وهو الطريق الذي يعين المسلمين على الوقاية من الفواحش و مساوئ الأخلاق.
من أجل نجاة بلادنا و نهضة أمتنا، لا بد من العودة إلى نهج الإسلام الشامل الذي يجمع بين العلم و الروحانية، ويُعزز من الوحدة و التعايش بين المسلمين، دون إقصاء أو تكفير لأي طرف.