الطلاق الصامت
5 يناير، 2025
بناء الأسرة والمجتمع

بقلم الدكتور : مصطفى عبد الله – باحث في العلوم الإنسانية
خلف الأبواب المغلقة، هناك ماس لا تروى، ومشاعر تقتل في صمت.
إنه الطلاق الصامت بين الزوجين، ذلك الشبح الذي يسرق دفء العلاقات، يطفئ نور القلوب، ويحول الحياة المشتركة إلى جدران باردة وسكون قاتل.
الطلاق الصامت ليس انفصالا شرعيا أو وثيقة قانونية تعلن انتهاء الزواج، بل هو انفصال نفسي وعاطفي، حيث يتشارك الزوجان سقفا واحدا، لكنهما يعيشان في عالمين متباعدين.
هو الغربة في الحضور، والافتراق دون مغادرة، والعيش مع شريك فقد صفة الشريك وأصبح غريبا لا يحمل سوى اسمه.
تبدأ القصة بهفوة صغيرة، كلمة جارحة لم تعتذر، إحساس بالإهمال لم يعبر عنه، خيبة أمل تكرر حتى تتحول إلى جدار من الصمت.
شيئًا فشيئا، يدفن الحب تحت أكوام من الصمت واللامبالاة، ويصبح الحديث مجرد مجاملات جافة، واللحظات المشتركة روتينا يخلو من أي دفء أو حميمية.
لكن الطلاق الصامت لا يولد من فراغ، فهو نتاج سنوات من الإهمال المتبادل، من تجاهل الحاجات النفسية والعاطفية لكل طرف.
قد يكون انشغالا بالحياة اليومية، أو غيابا عن الحوار الصادق، أو حتى تجاهلا للألم المكبوت.
وفي خضم هذا الصمت، يقتل الحلم الذي جمعهما، وتدفن الذكريات التي كانت يوما وقود الحب.
إن أخطر ما في الطلاق الصامت هو أثره الذي يمتد كظل ثقيل إلى كل زاوية من الحياة.
فهو لا يدمر فقط العلاقة بين الزوجين، بل يلقي بظلاله على الأبناء، الذين يكبرون في بيئة مليئة بالتوتر والكآبة، عاجزين عن فهم سبب هذا البرود بين أبويهم.
الحل يبدأ بإرادة صادقة لاستعادة ما ضاع، يبدأ بالحديث، بالكلمات التي تكسر حاجز الصمت، وبالإصغاء الذي يعيد بناء الجسور المهدمة.
يجب أن نتذكر أن الحب ليس مجرد شعور عابر، بل هو قرار يتطلب جهدا مستمرا للحفاظ عليه.
أيها الزوجان، لا تدعوا الصمت يسرق أجمل ما في حياتكما.
لا تنتظروا حتى يصبح الندم ضيفا دائما على قلوبكم.
الحب يستحق القتال من أجله، والشراكة تستحق العطاء بلا حدود.
الطلاق الصامت ليس نهاية حتمية، بل بداية جديدة لمن يملك الشجاعة لإعادة إحياء الحب.