إعداد الأستاذة : سيدة حسن
خلّف الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) منظومة فكرية متكاملة
فهي معين لا ينضب ما نهل منه شارب الا وخرج بجديد ينفع الناس والمخلوقات كافة ، و ليس في الأمر مبالغة ان أسميتها : «البيان الجامع»
ان اصلاح العباد و البلاد هو الهدف الاساسي الذي يقوم عليه نهج أمير المؤمنين علي (عليه السلام) . فقد عالجت خطبه ورسائله ، و أقواله شؤون المجتمع الاجتماعية والاقتصادية ، و العلمية ، والسياسية ، والبيئية ، والحفاظ علي أمن الناس، وتأمين العيش الكريم لهم، ورسمت المعالم الأساسية لأول ميثاق لحقوق الانسان.
وكان (عليه السلام) ، في سلوكه اليومي و ممارسته العملية منسجماً تمام الانسجام ، مع أقواله ليس فقط مع محبيه ، بل حتى مع مبغضيه ، لأنه كان يؤمن أن الناس كلهم أخوة سوداً كانوا أم بيضاً، مسلمين، أو معاهدين ،
ولما كانت العدالة الاجتماعية في نهج أمير المؤمنين عليه السلام هي موضوع مقالتي ، فسأنهل منها قدر طاقتي، وليس بقدر ما فيها من معان وتجليات و سأكتفي بالكتابة قليلاً عن عهده الأعظم و رسالته الأفخم الى واليه على مصر مالك بن الأشتر النخعي حينما ولاه مصر موصياً إياه بوصايا تخص البلاد و أهلها
– ثم اعلم يا مالك أني قد وجهتك إلى بلاد قد جرت عليها دول قبلك من عدل وجور، وأن الناس ينظرون من أمورك في مثل ما كنت تنظر فيه من أمور الولاة قبلك، ويقولون فيك ما كنت تقول فيهم. وإنما يستدل على الصالحين بما يجري الله لهم على ألسن عباده. فليكن أحب الذخائر إليك ذخيرة العمل الصالح. فاملك هواك، وشح بنفسك عما لا يحل لك، فإن الشح بالنفس الانصاف منها فيما أحبت أو كرهت.
– وأشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم، ولا تكونن عليهم سبعا ضاريا تغتنم أكلهم، فإنهم صنفان إما أخ لك في الدين وإما نظير لك في الخلق يفرط منهم الزلل، وتعرض لهم العلل، ويؤتى على أيديهم في العمد والخطأ فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب أن يعطيك الله من عفوه وصفحه، فإنك فوقهم، ووالي الأمر عليك فوقك، والله فوق من ولاك. وقد استكفاك أمرهم وابتلاك بهم. ولا تنصبن نفسك لحرب الله فإنه لا يدي لك بنقمته، ولا غنى بك عن عفوه ورحمته.
ـ ولا تندمن على عفو، ولا تبجحن بعقوبة، ولا تسرعن إلى بادرة وجدت منها مندوحة، ولا تقولن إني مؤمر آمر فأطاع فإن ذلك إدغال في القلب ومنهكة للدين، وتقرب من الغير.
– وإذا أحدث لك ما أنت فيه من سلطانك أبهة أو مخيلة فانظر إلى عظم ملك الله فوقك وقدرته منك على ما لا تقدر عليه من نفسك، فإن ذلك يطامن إليك من طماحك، ويكف عنك من غربك، ويفئ إليك بما عزب عنك من عقلك إياك ومساماة الله في عظمته والتشبه به في جبروته، فإن الله يذل كل جبار ويهين كل مختال أنصف الله وأنصف الناس من نفسك ومن خاصة أهلك ومن لك فيه هوى من رعيتك، فإنك إلا تفعل تظلم، ومن ظلم عباد الله كان الله خصمه دون عباده، ومن خاصمه الله أدحض حجته وكان لله حرباً حتى ينزع ويتوب. وليس شئ أدعى إلى تغيير نعمة الله وتعجيل نقمته من إقامة على ظلم، فإن الله سميع دعوة المضطهدين وهو للظالمين بالمرصاد.
ـ وليكن أحب الأمور إليك أوسطها في الحق، وأعمها في العدل وأجمعها لرضى الرعية، فإن سخط العامة يجحف برضى الخاصة، وإن سخط الخاصة يغتفر مع رضى العامة. وليس أحد من الرعية أثقل على الوالي مؤونة في الرخاء، وأقل معونة له في البلاء، وأكره للإنصاف، وأسأل بالإلحاف، وأقل شكرا عند الاعطاء، وأبطأ عذرا عند المنع، وأضعف صبرا عند ملمات الدهر، من أهل الخاصة. وإنما عماد الدين وجماع المسلمين والعدة للأعداء العامة من الأمة، فليكن صغوك لهم وميلك معهم.
ـ وليكن أبعد رعيتك منك وأشنؤهم عندك أطلبهم لمعائب الناس، فإن في الناس عيوبا الوالي أحق من سترها. فلا تكشفن عما غاب عنك منها فإنما عليك تطهير ما ظهر لك، والله يحكم على ما غاب عنك. فاستر العورة ما استطعت يستر الله منك ما تحب ستره من رعيتك. أطلق عن الناس عقدة كل حقد. واقطع عنك سبب كل وتر. وتغاب عن كل ما لا يضح لك، ولا تعجلن إلى تصديق ساع فإن الساعي غاش وإن تشبه بالناصحين. ولا تدخلن في مشورتك بخيلاً يعدل بك عن الفضل ويعدك الفقر ولا جباناً يضعفك عن الأمور، ولا حريصاً يزين لك الشره بالجور، فإن البخل والجبن والحرص غرائز شتى يجمعها سوء الظن بالله.
وللحديث بقية إن شاء الله تعالى