لقاء بين الحق والباطل
29 ديسمبر، 2024
بستان الصالحين

بقلم د : سيد مندور ( كاتب وداعيه إسلامى )
لقاء بين الحق والباطل
الحجاج: ما اسمك؟
سعيد: سعيد بن جبير.
الحجاج: بل أنت شقي بن كسير.
سعيد: بل أمي كانت أعلم باسمي منك.
الحجاج: شقيتَ أنت، وشقيتْ أمك.
سعيد: الغيب يعلمه غيرك.
الحجاج: لأبدلنَّك بالدنيا نارًا تلظى.
سعيد: لو علمتُ أن ذلك بيدك لاتخذتك إلهًا.
الحجاج: فما قولك في محمد.
سعيد: نبي الرحمة، وإمام الهدى.
الحجاج: فما قولك في على بن أبي طالب، أهو في الجنة أم في النار؟ سعيد: لو دخلتها؛ فرأيت أهلها لعرفت.
الحجاج: فما قولك في الخلفاء؟
سعيد: لست عليهم بوكيل.
الحجاج: فأيهم أعجب إليك؟
سعيد: أرضاهم لخالقي.
الحجاج: فأيهم أرضى للخالق؟
سعيد: علم ذلك عنده.
الحجاج: أبيتَ أن تَصْدُقَنِي.
سعيد: إني لم أحب أن أكذبك.
الحجاج: فما بالك لم تضحك؟
سعيد: لم تستوِ القلوب وكيف يضحك مخلوق خلق من طين والطين تأكله النار.
رفض المال والدنيا
اتبع الحجاج مع سعيد بن جبير طريقًا آخر، لعله يزحزحه عن الحق، فقد أغراه بالمال والدنيا، لكن سعيد أفهمه أن المال هو أعظم وسيلة لإصلاح الأعمال وصلاح الآخرة.
الحجاج: ويلك يا سعيد!
سعيد: الويل لمن زحزح عن الجنة وأدخل النار.
الحجاج: أي قتلة تريد أن أقتلك؟
سعيد: اختر لنفسك يا حجاج، فوالله ما تقتلني قتلة إلا قتلتك مائة قتلة في الآخرة.
الحجاج: أتريد أن أعفو عنك؟
سعيد: إن كان العفو فمن الله، وأما أنت فلا براءة لك ولا عُذر.
الحجاج: اذهبوا به فاقتلوه.
فلما خرجوا ليقتلوه، بكي ابنه لما رآه في هذا الموقف، فنظر إليه سعيد وقال له: ما يبكيك؟ ما بقاء أبيك بعد سبع وخمسين سنة؟ وبكي أيضًا صديق له، فقال له سعيد: ما يبكيك؟
الرجل: لما أصابك.
سعيد: فلا تبك، كان في علم الله أن يكون هذا، ثم تلا: {ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها} [الحديد:22] ثم ضحك سعيد، فتعجب الناس وأخبروا الحجاج، فأمر بردِّه،
فسأله الحجاج: ما أضحكك؟
سعيد: عجبت من جرأتك على الله وحلمه عنك.
الحجاج: اقتلوه.
سعيد: {وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفًا وما أنا من المشركين} [الأنعام: 79].
الحجاج: وجهوه لغير القبلة.
سعيد: {فأينما تولوا فثم وجه الله} [البقرة:115].
الحجاج: كبوه على وجهه.
سعيد: منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى.
الحجاج: اذبحوه.
سعيد: أما أنا فأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله، خذها مني يا حجاج حتى تلقاني بها يوم القيامة، ثم دعا سعيد ربه فقال: اللهم لا تسلطه على أحد يقتله بعدي .