التغريب وأثره على المجتمع
22 ديسمبر، 2024
العلمانية وغزو بلاد العرب

بقلم الشيخ الدكتور : مسعد أحمد سعد الشايب
إمام وخطيب بوزارة الأوقاف
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وسيدنا المرسلين سيدنا محمد بن عبد الله صادق الوعد الأمين، اللهم صلْ وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
((النبي صلى الله عليه وسلم يحذر من التغريب))
فعن أبي سعيد رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ، شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ دَخَلُوا فِي جُحْرِ ضَبٍّ لَاتَّبَعْتُمُوهُمْ) (متفق عليه)، هذا الحديث هو أحد معجزات النبي (صلى الله عليه وسلم) لإخباره عن التغريب قبل أن يقع بمئات السنين.
والتغريب هو: حمل الأمم المسلمة ـ بطرق متعددة ـ على التشبه بالأمم غير المسلمة، واتباعهم في عاداتهم الذميمة، وتقاليدهم الفاسدة المخالفة لدين الله (عزّ وجلّ) وشرعه، وإبعادهم عن شرائع دينهم بقصد نشر الحضارة الغربية والسيطرة السياسية والاقتصادية عليهم.
والتغريب هو: أحد الحروب الثقافية في العصر الحديث لجأ إليه أعداء الإسلام حينما فشلوا في غزو البلدان الإسلامية بالسيف من خلال الحروب الصليبية، والحملات الاستعمارية لتغيير هويتها وثقافتها، ونهب خيراتها وثرواتها ومقدرات شعوبها، والتغريب بهذا المفهوم له آثاره الضارة على المجتمعات المسلمة، كالتالي:
((ظهور المتغرِّبين))
وهي مجموعة متواجدة في أغلب المجتمعات الإسلام انبهرت بأضواء الحضارة الغربية، وانبهرت بتقدمها السياسي والاقتصادي والعسكري، فباتت داعية للتغريب، وصار أفرادها أبواقًا لها داعين للأخذ بها بكل ما فيها بدون تمييزٍ وإبعادٍ لما لا يصلح ويتفق مع هويتنا الإسلامية، بل الأدهى والأمرّ أن منهم من ينادي بتنحية الهوية الإسلامية جانبًا عن الحياة العامة، وسياسة الدول، ورأينا منهم: مَنْ يهاجم ثوابت الشريعة اليوم، كالهجوم على السنة عمومًا، أو الهجوم على بعض أحكام الأسرة…الخ.
جاء سيدنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) بكتابٍ أصابه من بعض أهل الكتاب، فقرأه عليه فغضب النبي (صلى الله عليه وسلم)، وقال: (أَمُتَهَوِّكُونَ فِيهَا يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً، لَا تَسْأَلُوهُمْ عَنْ شَيْءٍ فَيُخْبِرُوكُمْ بِحَقٍّ فَتُكَذِّبُوا بِهِ، أَوْ بِبَاطِلٍ فَتُصَدِّقُوا بِهِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ مُوسَى كَانَ حَيًّا، مَا وَسِعَهُ إِلَّا أَنْ يَتَّبِعَنِي) (رواه أحمد)
ومتهوكون: أي: متحيرون في قبول الشريعة الإسلامية، فهذا إرشاد من النبي (صلى الله عليه وسلم) بالتمسك بالشريعة الإسلامية، وترك ما عداها.
((انتشار العامية، وظهورُ جيلٍ لا يفقه عن اللغة العربية شيئًا))
فقد باتت اللغة العامية لغة الكتابة اليوم في العلوم والآداب والجرائد والمجلات والروايات، وباتت لغة البرامج التليفزيونية والإذاعية، وانتشر التحدث بها بين الأفراد والمجتمعات، ورأينا المحلات والمؤسسات والمدارس والمعاهد بل والجامعات تتباهي في كتابة أسمائها باللغات الأجنبية ضاربة باللغة العربية عُرضَ الحائط، وأصبحت (العربلشية) أو (الفرانكو) أي: كتابة الأحرف العربية بحروف إنجليزية هي لغة التحدث (الدردشة) على وسائل التواصل الاجتماعي، والأدهى والأمرّ أن كثيرًا من أولياء الأمور أصبحوا يدفعون لأبنائهم آلاف الجنيهات حتى يتعلموا ويدرسوا باللغات الأجنبية، وأبناؤهم لا يعلمون عن لغتهم الأم اللغة العربية (لغة القرآن الكريم) شيئًا.
((انتشار العادات والتقاليد والأخلاق المخالفة لتعاليم الشريعة الإسلامية))
فالدين الإسلامي هو دين المثل والقيم والأخلاق، وما أرسل نبينا (صلى الله عليه وسلم) إلا ليتمم صالح الأخلاق، فعن أبي هريرة (رضي الله عنه) أنّ النبىَّ (صلى الله عليه وسلم) قال: (إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ) (رواه أحمد)، وقد كان من أثر هذا التغريب اضمحلال القيم والعادات والأخلاق الإسلامية، فأضحى الشباب متشبهًا بالغربيين في طريقة لباسه ومظهره، كارتداء البنطال الضيق المجسم للعورة، والبنطال المبلول، والبنطال الملئ بالخروقات، وحلق الشعر كالنجم الفلاني، والمغني العلاني، ورأينا الشاب يعانق عروسه ويقبلها ويتراقص معها أمام جموعٍ غفيرة من الناس بدون خجلٍ وبدون حياء، وصدق النبي (صلى الله عليه وسلم) حينما قال: (إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ)(رواه البخاري).
وأصبح التعصب والولاء والبراء لحزب سياسي أو لفريق كرة قدم…إلخ، هذا التعصب ولّد بين المتعصبين السباب والشتائم، والهمز واللمز، والسخرية، والاستهزاء، والاحتقار، والازدراء أو ما يسمى ويعرف بين الشباب بـــــ (التحفيل)، وخصوصًا على صفحات التواصل الاجتماعي، بل قد وصل للقتل، قال (صلى الله عليه وسلم): (…وَمَنْ قُتِلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ، يَغْضَبُ لِلْعَصَبَةِ، وَيُقَاتِلُ لِلْعَصَبَةِ، فَلَيْسَ مِنْ أُمَّتِي…)(رواه مسلم)، وقال (صلى الله عليه وسلم): (إِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ، لاَ يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ، لاَ يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ)(رواه البخاري) وقال (صلى الله عليه وسلم): (وَإِنَّ سُوءَ الْخُلُقِ لَيُفْسِدُ الْعَمَلَ كَمَا يُفْسِدُ الخل العسل)(اصطناع المعروف لابن أبي الدنيا).
((ضعف الوازع الديني، والجهل بأمور الدين، والشعور بالغربة))
ففي الوقت الذي تشتكي فيه المساجد لربها من قلة أعدد المصلين وخصوصًا في صلاة الفجر، وقلة أعداد المستمعين لدروس العلم؛ مكاتب ومحلات أجهزة الكمبيوتر (السايبرات)، والمقاهي والحانات، والمراكز الاجتماعية ومراكز الشباب، والأندية الرياضية…الخ تعجّ بالأطفال والشباب والفتيات والرجال والنساء.
وأصبح العري، والخنا والفجور، والمسلسلات التافهة، والأغاني الهابطة، والأفكار الهدامة، فنًا وحرية شخصية، وأصبح الالتزام والتمسك بتعاليم الدين تزمت وتشدد ورجعية وفكر متخلف، وأصبح الحلال (الزواج) عسيرًا بما أدخلناه فيه من شكليات وأعراف وعادات وتقاليد لا تمت للشرع بصلة، وأضحى الحرام (الزنا) سهلا ميسورًا.
وأصبح الأقارب عقارب، والعمّ همّ، والخال غمّ، واللي يحتاجوا البيت (المنزل) يحرم على الجامع، والجار عدو، وخطبة الفتاة خلوة بها وتحرش وانتهاك حرماتها، وصدق نبينا (صلى الله عليه وسلم) حينما قال: (بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا، وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ)(رواه مسلم)، ومعناه: أن الإسلام بدأ في آحادٍ وقلةٍ من الناس، ثم انتشر فظهر، ثم سيلحقه النقص والاختلال حتى لا يبقى إلا في آحادٍ وقلةٍ أيضا كما بدأ.
والله المستعان، وعليه التكلان، وهو الموفق، والهادي لسواء السبيل