الرضا بقضاء الله وقدره باب الخيرات ومهبط البركات
8 ديسمبر، 2024
منبر الدعاة
بقلم فضيلة الشيخ / أحمد السيد شقرة – من علماء الأزهر الشريف
الحمد لله الذي ملأ قلوب أوليائه بمحبته، واختص أرواحهم بشهود عظمته، وهيأ أسرارهم لحمل أعباء معرفته.
والصلاة والسلام على خاتم أنبيائه ورسله، وبعد؛ فإن السعيد الحق هو من رضي بما قسم الله له، وصبر لمواقع القضاء خيره وشره، فذاق طعم الإيمان ووجد حلاوته؛ كما قال سيدنا المصطفى والرسول المجتبى -صلى الله عليه وسلم-: «ذَاقَ طَعْمَ الإِيمَانِ مَنْ رضي بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا».
وعن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ أَنَّ سيدنا رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «مَنْ قَالَ: رَضِيتُ بِاللهِ رَبًّا، وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ».
إن للرضا حلاوة وعذوبة دونهما كل حلاوة وعذوبة، روى الترمذي في سننه عن عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: نَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى حَصِيرٍ، فَقَامَ وَقَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبِهِ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوِ اتَّخَذْنَا لَكَ وِطَاءً. فَقَالَ: «مَا لِي وَلِلدُّنْيَا، مَا أَنَا فِي الدُّنْيَا إِلَّا كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا».
فالإنسان إذا رضي بما قسمه الله له كان أغنى الناس؛ كما قال سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في إحدى وصاياه الجامعة” «وارض بما قسم الله لك؛ تكن أغنى الناس».
نعم؛ فالغنى ليس عن كثرة العرض، ولكن الغنى غنى النفس.
روى البيهقي في سننه عن عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه- أنه قال: “وَخَيْرُ مَا أُلْقِيَ فِي الْقَلْبِ الْيَقِينُ، وَخَيْرُ الْغَنَى غِنَى النَّفْسِ”.
ومن جميل ما قيل في الرضا والقناعة: ما نسب إلى رابعة العدوية، والحلاج، وأبي فراس الحَمْدانيِّ:
فَـلَيـتَـكَ تَـحلو وَالحَياةُ مَريرَةٌ * وَلَيـتَـكَ تَرضى وَالأَنامُ غِضابُ
وَلَيـتَ الَّذي بَـيني وَبَينَكَ عامِرٌ * وَبَيني وَبَينَ العالَمينَ خَرابُ
إِذا نِلتُ مِنكَ الوُدَّ فَالكُلُّ هَيِّنٌ * وَكُلُّ الَّذي فَوقَ التُرابِ تُرابِ
فَيا لَيتَ شُربي مِن وِدادِكَ صافِياً * وَشُربِيَ مِن ماءِ الفُراتِ سَرابُ.
وأختم بما روي عن سيدنا النبي -صلوات ربي وسلامه عليه- أنه كان يُكثر من دعاء: «اللهم إني أسألُكَ نَفْسًا مطمئنةً، تُؤْمِنُ بلِقائِكَ، وتَرْضَى بقضائِكَ، وتَقْنَعُ بعَطائِكَ».
والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
بارك الله لك وعليك فضيلة الشيخ