بقلم الشيخ / محمود عطا
ماجستير في العلوم الانسانية
يعد الزواج في الإسلام من أعظم الروابط الإنسانية التي تجمع بين شخصين، وتحقق لهما الأنس والاستقرار. يهدف الزواج إلى تحقيق السكينة والمودة، كما هو مذكور في قوله تعالى: “وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً” (الروم: 21). هذا التوجيه الإلهي يظهر قيمة الانسجام العاطفي كعامل أساسي في بناء أسرة مترابطة ومجتمع سليم. ومن خلال فهم المعاني الإسلامية التي تدعو إلى الرعاية والرحمة، يمكننا الوصول إلى نمط حياة زوجية يفيض بالحب والوفاء.
مفهوم الانسجام العاطفي في الإسلام
الانسجام العاطفي في الإسلام لا يقتصر على مجرد التعايش أو القيام بالواجبات الزوجية، بل يشمل الأبعاد النفسية والعاطفية التي تجعل الزوجين قادرين على دعم بعضهما البعض في مختلف الظروف. يأتي مفهوم “المودة والرحمة” في القرآن ليؤكد على أن الحياة الزوجية تحتاج إلى ما هو أكثر من الالتزام الظاهري؛ إنها دعوة للعطاء المتبادل، والتقدير العميق، والدعم المستمر.
في السنة النبوية، نجد كيف كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم قدوة في التعامل الحسن مع زوجاته، حيث لم يكن يعاملهم مجرد معاملته لشريكات في الحياة اليومية، بل كان يحرص على التواصل معهن بمودة واحترام. روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي” (رواه الترمذي)، مؤكدًا بذلك على أن خيرية المرء في تعامله الحسن والعطوف مع شريكة حياته.
أنماط الانسجام العاطفي في ضوء القرآن والسنة
1. التواصل الصادق والمفتوح:
التواصل يعتبر من أهم عوامل بناء علاقة ناجحة، إذ يحث الإسلام على أن يكون الحوار بين الزوجين صريحًا وقائمًا على الاحترام المتبادل. يقول الله تعالى: “وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ” (النساء: 19)، بما يعني ضرورة التفاهم والتفاعل البناء.
كانت حياة النبي صلى الله عليه وسلم مع أزواجه مليئة بالأمثلة التي توضح كيف كان يصغي لهن ويقدر مشاعرهن. فكان يتيح لكل واحدة من زوجاته الفرصة للتعبير عما في داخلها دون حكم أو نقد، ما يعزز الثقة ويجعل العلاقة أكثر عمقًا وتماسكًا.
2. الاحترام المتبادل والتقدير:
الاحترام في الزواج يضفي طابعًا من السكينة والراحة في الحياة الزوجية. الإسلام يركز على مبدأ التقدير المتبادل، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقًا رضي منها آخر” (رواه مسلم)، داعيًا إلى النظر إلى الجوانب الإيجابية في الشريك بدلًا من التركيز على السلبيات.
عندما يكون الزوجان متقبلين لبعضهما بعيوبهما قبل مزاياهما، يكون هذا الاحترام ركيزة أساسية تدعم العلاقة وتمنحها الاستمرارية والاتزان.
3. التضحية والمساندة:
الحياة الزوجية تحتاج أحيانًا إلى التضحيات والمساندة المتبادلة، خاصة في أوقات الشدة. الإسلام يذكر الزوجين بمسؤوليتهما نحو بعضهما، فيكون كل منهما سندًا للآخر، في الأوقات السهلة والصعبة. قال تعالى: “وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى” (المائدة: 2)، إذ يعبر عن التعاون بين الشريكين كجزء أساسي من تحقيق الانسجام.
كان النبي صلى الله عليه وسلم مثالًا في المساندة، حيث كان يعين زوجاته ويشاركهن في أعمالهن، ما يؤكد أن التضحية جزء من الحب والتقدير.
مبادئ تقوية الانسجام العاطفي حسب التوجيهات الإسلامية
1. الصبر والتسامح:
من الصفات المهمة التي يجب أن يتحلى بها الزوجان، الصبر والتسامح، خاصة عندما تمر علاقتهما بتحديات. يقول الله تعالى: “وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ” (البقرة: 237)، مشيرًا إلى ضرورة الترفع عن الخلافات وتجاوز العثرات.
فالحياة لا تخلو من المشكلات، لكن الصبر عليها والتسامح يجعلها أكثر سلاسة وسعادة، ويزيد من ترابط الزوجين واستقرارهما.
2. التزين والتجمل للزوجين:
يشجع الإسلام كلا الزوجين على الاهتمام بمظهرهما والتجمل لبعضهما، فذلك يعزز الجاذبية بينهما ويمنع الشعور بالملل. جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: “إن الله جميل يحب الجمال” (رواه مسلم)، مما يدل على أن الاعتناء بالمظهر والاهتمام بالنظافة والمظهر الخارجي له دور في تعزيز الجاذبية المتبادلة بين الزوجين.
3. التشجيع على الترويح المشترك:
النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب المداعبة والملاطفة مع زوجاته، وكانت تلك اللحظات تضفي على حياتهم طابعًا مميزًا. المشاركة في الأنشطة التي تقرب الزوجين مثل ممارسة الهوايات أو السفر، تعزز الروابط العاطفية وتجدد الحب بينهما.
وفي ختام رسالتنا نستطيع أن نقول أن الانسجام العاطفي بين الزوجين ليس مجرد رفاهية، بل هو ضرورة لاستمرار العلاقة واستقرارها. إن اتباع الإرشادات القرآنية والهدي النبوي في التعامل مع الشريك يقود إلى بناء علاقة زوجية قائمة على الحب والاحترام، تفيض بالأمان والراحة، وتنعكس على الأسرة والمجتمع. لذا، يجدر بالزوجين أن يسعيا باستمرار لتعزيز أواصر المودة والرحمة بينهما، سعيًا وراء حياة زوجية سعيدة ومتناغمة في ضوء تعاليم الإسلام السمحة.