لماذا يميل الناس دوما للتصوف المعتدل ونبذ الجامعات المتعصبة تحت مسمى السلفيه
22 نوفمبر، 2024
منهج الصوفية
بقلم / د. أحمد سليمان أبوشعيشع عضو هيئة التدريس بجامعة كفر الشيخ وخادم الساحة المنهلية
الصوفية: طريق الاعتدال والتوازن بين النصوص وروح العصر
الإسلام دين شامل يدعو إلى التوازن والاعتدال، ويرفض الغلو أو الجمود. وقد تجسّد هذا المنهج الوسطي بوضوح في التصوف الإسلامي، الذي يجمع بين التمسك بالنصوص الشرعية وفهمها العميق من جهة، وبين مراعاة روح العصر ومتطلبات الواقع من جهة أخرى. هذه النظرة المتجددة جعلت من الصوفية منهجًا روحيًا وتربويًا يعبر عن جوهر الإسلام ويحقق غاياته الكبرى.
التصوف وفهم النصوص: منهج عميق ومقاصدي
من أبرز ميزات التصوف أنه لا يقتصر على الفهم الظاهري للنصوص الشرعية، بل ينظر إليها باعتبارها ذات أبعاد روحية وأخلاقية أعمق.
الشيخ عبد القادر الجيلاني (470-561 هـ)، أحد أعلام التصوف، أشار في كتبه إلى أن “النصوص الشرعية تهدف إلى إصلاح الظاهر والباطن معًا، ولا يمكن أن يتحقق هذا إلا بفهم مقاصدها والعمل على تحقيقها” (الغنية لطالبي طريق الحق).
الصوفية يؤكدون أن النصوص ليست مجرد قواعد حرفية، بل وسيلة لتحقيق الرحمة والعدل بين الناس، وهو ما ينسجم مع قول الله تعالى:” (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) [الأنبياء: 107].
مراعاة تطور العصر: روح الإسلام المتجددة
الصوفية تسعى لتحقيق المواءمة بين النصوص والواقع، معتمدين على القاعدة الشرعية: “تغير الفتوى بتغير الزمان والمكان”.
الإمام الشاطبي، في كتابه الموافقات، بيّن أن الشريعة جاءت لمراعاة مصالح الناس، ومن ثمّ فإن فهم النصوص يجب أن يأخذ بعين الاعتبار تغير الأحوال والأعراف.
هذا الفهم انعكس في تصرفات الصوفية، الذين تعاملوا مع مستجدات العصر بحكمة واتزان، مما جعلهم قادرين على قيادة المجتمعات دون اصطدام أو نفور.
السلفية: بين النصوص والتطبيق الحرفي
على النقيض، نجد أن السلفية المتشددة تعتمد على القراءة الحرفية للنصوص الشرعية دون اعتبار لمقاصدها أو الظروف المحيطة، مما يؤدي إلى:
1. الجمود الفكري: التمسك بالنصوص دون فهم أبعادها، وهو ما أشار إليه ابن رشد في كتابه فصل المقال بقوله: “الجمود على ظاهر النصوص يوقع في التضييق الذي ينافي سعة الشريعة”.
2. التنفير من الدين: بسبب التشدد في الأحكام والتطبيق القاسي، كما ورد في الحديث النبوي:
” إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه” [صحيح البخاري].
التصوف والتربية الروحية: إشراق النفس وإحياء القلوب
الصوفية تدعو إلى الجمع بين العلم الظاهر (الفقه والحديث) والعلم الباطن (تربية النفس وتزكيتها).
أعلام التصوف، مثل الإمام الغزالي في كتابه إحياء علوم الدين، ركزوا على أهمية العمل القلبي والروحي لتحقيق مقاصد الشريعة.
التصوف ساهم في بناء مجتمعات متسامحة من خلال قيم المحبة والرحمة، وهو ما أكده الإمام الرفاعي بقوله: “الحب طريق العارفين، به ينالون رضى الله”.
مقارنة بين المنهجين: التصوف والسلفية
الصوفية: رسالة الإسلام الحقيقية
إن التصوف يمثّل صورة مشرقة للإسلام، تعكس وسطيته واعتداله، بينما ساهمت السلفية المتشددة في تقديم صورة ضيقة ومنفرة للدين.
الإسلام في جوهره يدعو إلى التيسير لا التعسير، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:
> يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا [صحيح البخاري].
الصوفية حافظوا على هذا المبدأ، بينما غاب عن أذهان المتشددين، الذين جعلوا الدين أقرب إلى القوالب الجامدة منه إلى الحياة المتجددة.
خاتمة
الإسلام دين يجمع بين الثوابت والمتغيرات، ويحقق التوازن بين النصوص وروح العصر. منهج التصوف كان وما زال شاهدًا على قدرة الإسلام على التكيف مع الزمن، دون أن يفقد جوهره أو قيمه. في المقابل، يظل الجمود السلفي المتشدد عائقًا أمام فهم الدين بعمقه وشموليته. الإسلام يحتاج اليوم إلى منهج كالتصوف، يعيد للدين رونقه، ويحقق رسالته في إصلاح الفرد والمجتمع.