سفانة ابنة حاتم الطائي

بقلم الشيخ/ عاطف على

لما جيء بسبايا بني طيئ إلى المدينة المنورة وأدخل السبي على النبي
(صلى الله عليه وآله وسلم) ، دخلت مع السبايا سفانة بنت حاتم الطائي وكانت أمرأة عيطاء لعساء ، عيناء

– والعيطاء: الطويلة المعتدلة بين النساء.
– واللعساء : جميلة الفم والشفتين.
– والعيناء : واسعة العينين –
فعجب الحاضرون من حسنها وجمالها ،فلما تكلمت نسوا حسنها وجمالها ، لحلاوة منطقها وجمال فصاحتها ! فقالت:

يامحمد… هلك الوالد ،وغاب الوافد، فأن رأيت أن تخلي عني ولاتشمت بي الأعداء من قبائل العرب، فأني أبنةُ سيد قومه، وأن أبي كان يُحب مكارم الأخلاق، وكان يُطعم الجائع ،ويفكُ العاني ويكسو العاري، وما أتاهُ طالب حاجة إلا ورّدهُ بها معززاً مكرّماً..

فقال النبي صل الله عليه واله وسلم:
من والدك و من وافدك ؟
قالت: والدي حاتم بن عبدالله الطائي، ووافدي أخي عدي بن حاتم، وكان عدي قد فرّ الى الشام بعد هزيمة قبائل بني طي أمام المسلمين في السنة التاسعة من الهجرة، ثم تنصّر هناك وإلتجأ إلى ملك الروم.

فقال صل الله عليه واله وسلم:
فأنت أبنة حاتم الطائي ؟
قالت:بلى..
فقال صل الله عليه واله وسلم :
يا سفانة ..هذه الصفات التي ذكرتيها إنما هي صفات المؤمنين، ثم قال لأصحابه: أطلقوها كرامة لأبيها لأنه كان يحب مكارم الأخلاق!!

فقالت: أنا ومن معي من قومي من السبايا والأسرى ؟

فقال صل الله عليه واله وسلم:
أطلقوا من معها كرامة لها ولأبيها، ثم قال صلى الله عليه واله وسلم :
[أرحموا ثلاثاً ، وحق لهم أن يُرحموا :
عزيزاً ذلّ من بعد عزّهِ.
وغنياً افتقر من بعد غناه.
وعالماً ضاع ما بين جُهّال

فلما رأت سفانة هذا الخلق الكريم الذي لايصدر إلا من قلبٍ كبير ينبض بالرحمة والمسؤولية، قالت وهي مطمئنة :
أشهد أن لاإله إلا الله….. وأشهد أن محمداً رسول الله، وأسلم معها بقية السبي من قومها.

وأعاد رسول الله صل الله عليه واله وسلم ماغنمه المسلمون من بني طيئ إلى سفانه، ولما تجهزوا للرحيل قالت سفانة : يارسول الله إن بقية رجالنا وأهلنا صعدوا إلى صياصي الجبال خوفاً من المسلمين فهل ذهبت معنا وأعطيتهم الأمان حتى ينزلوا ويسلموا على يديك فأنه الشرف؟

فقال (صل الله عليه وآله وسلم):
سأبعث معكم رجلاً من أهل بيتي يحمل إليهم أماني.
فقالت من هو يارسول الله ؟
قال: علي بن أبي طالب..
ثم أمر النبي أن يجهزوا لها هودجاً مبّطناً تجلس فيه معززة مكرمة وسيرها مع السبايا من قومها ومعهم علي بن أبي طالب حتى وصلوا إلى منازل بني طي في (جبل أجأ)

ونادى علي بن أبي طالب بأمان رسول الله بأعلى صوته حتى سمعه كل من في الجبل، فنزلت رجال طي وفرسانها جماعات وفرادى إلى الوادي فلما وقعت أبصارهم على نسائهم وأبنائهم وأموالهم وقد عادت إليهم بكوا جميعا وألتفوا حول الإمام وهم يرددون الشهادتين.

فلم يمض ذلك اليوم إلا ودخلت كل قبيلة بني طي في الإسلام ، ثم بعثت سفانة الى أخيها عدي تخبره عن عفو رسول الله صل الله عليه واله وسلم وكرمه وأخلاقه، وحثـّتهُ على القدوم إلى المدينة المنورة ومقابلة النبي الكريم محمد صل الله عليه واله وسلم والإعتذار منه والدخول في الإسلام.

فتجهز عدي من ساعته وقصد المدينة ودخل على رسول الله صل الله عليه واله وسلم وأسلم على يديه الشريفتين، ثم عاد الى قومه معززاً مكرماًً وصار بعد ذلك من خيار المسلمين..

وهكذا نرى كيف أن هذا الخلق النبوي قد جعل من الناس العصاة بشر طائعين مسلمين.

هذا هو الإسلام الحقيقي أخلاق ومكارم وعفو ،وليس شهوة وسلطة، ومن تخلق بعكس ذلك فهو ليس من الإسلام في شئ…
اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لايهدي لأحسنها إلا أنت.
اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا رسول الله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *