التسامح زينة الفضائل

بقلم / د. محمد سالم الأستاذ المساعد بجامعة الأزهر 

لا شك أن آفة شوارعنا في الأخلاق, وما نراه ونشهده على الساحة من زيادة لجرائم العنف, والبلطجة ‏والاعتداء على حرمة الغير, إنما مرده إلى افتقاد جزء كبير من أخلاقنا وسلوكياتنا, ولعل المتأمل في حديث ‏الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو يقول إنما بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مكارمَ و في روايةٍ ( صالحَ ) الأخلاقِ, يعرف أن الأصل في ‏الرسالات السماوية الارتقاء بالأخلاق وتهذيب النفس, ومن بين تلك الأخلاق التي حضت عليها الشريعة ‏الإسلامية, وأكدت عليها رسالات السماء جميعا ( خلق التسامح) والتسامح اسم جامع لكل معان العفو والصفح, ‏والحلم والجود, وكف الأذى وكظم الغيظ, مصداقا لقول الله تعالى ﴿ الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ ‏الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [ آل عمران: 134] ‏

والمتأمل في حياة النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم يجد أن هذا الخلق متأصل فيه صلى الله عليه وسلم, فهو القائل عن نفسه ” بُعِثْتُ ‏بالحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ ” فكان صلى الله عليه وسلم هينا لينا, لما فتح مكة, قال قولته المشهورة لأهلها, ما تظنون إني فاعل بكم, ‏قالوا أخ كريم, وابن أخ كريم, قال فاذهبوا فأنتم الطلقاء, ولما رفع بعض الصحابة صوته قائلا: اليوم يوم الملحمة ‏رد عليه الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم قائلا اليوم يوم المرحمة, إنما بعثت رحمة للعالمين. ‏

وهذا زيد بن سعنه وكان لا يزال على يهوديته يأخذ بمجمع رداء النبي صلى الله عليه وسلم حتى أثر ذلك في عنقه ‏الشريف صلى الله عليه وسلم ويقول له إنكم قوم مطل … ومع هذا لم يزد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا حلما وصبرا وعفوا وسماحة, بل ‏وأمر عمر رضي الله عنه أن يذهب مع زيد وأن يكيل له, وأن يزيد له في العطاء بسبب أن عمرا رضي الله عنه, أراد ‏أن يفتك بزيد لما رآه يفعل ذلك برسول الله صلى الله عليه وسلم ‏

هذه الأخلاق السامية والقيم العالية ما أحوجنا إليها, ما أحوجنا إلى التسامح والعفو والصفح, بيننا وبين ‏بعضنا البعض, وأن نعلم هذا الخلق لأولادنا وبناتنا, وأن نفعل تلك الأخلاق في مدارسنا ومعاهدنا وشوارعنا. ‏

ولله در شوقي وهو يقول: وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت —  فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا

ويقول: صلاح أمرك للأخلاق مرجعه فقوّم النفس بالأخلاق تستقم

وقال أيضا:  وإذا أصيب القوم في أخلاقهم فأقم عليهم مأتما وعويلا ‏

التسامح ليس تنازل عن الحقوق بالذل والمهانة، بل هو نابع من صفاء القلوب، وما غلب عليها من ‏الحب والعطف والرحمة والتعاطف والحنان.‏

التسامح ليس تنازل من ضعف أو خوف وقلة حيلة؛ بل هو صادر عن قوة إرادة وعزيمة صادقة في ‏الانتصار على النفس والذات بكل إيجابية، بعيدًا عن السلبيات وما يصاحبها من الغضب والقسوة والعدوانية ‏للغير.‏

التسامح هو التماس العذر للمخطئ، والبحث عن أسباب هذا الخطأ وإعانته على تصحيح المسار ‏والنهوض من كبوته لما فيه خير له ولمجتمعه وأمته.‏

وفي الحديث الشريف حَرُم على النارِ كلُّ هيِّنٍ لينٍ سهلٍ قريبٍ من الناسِ ‏

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *