خطبة الجمعة بعنوان( وجعلنا من الماء كل شئ حى) للشيخ :ياسر عبدالبديع

خطبة الجمعة بعنوان( وجعلنا من الماء كل شئ حى)
ل
لشيخ :ياسر عبدالبديع

بتاريخ / 7 من صفر 1447 هجرية- 1 من أغسطس 2025 م

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ مِلْءَ السَّمَوَاتِ وَمِلْءَ الْأَرْضِ وَمَلْءَ مَابَيْنَهُمَا وَمُلْءَ مَاشِئْتَ يَارِبُ مِنْ شَئٍّ بَعْدَ أَهْلِ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ أَحَقُّ مَاقَالَ الْعَبْدُ وَكُلُّنَا لَكَ عَبْدٌ اللَّهُمَّ لَامُعْطَى لِمَا مَنَعْتَ وَلَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ وَنَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ

سَبْحَانُكَ اللَّهُمَّ خَيْرَ مُعَلِّمٍ عَلَّمْتَ بِالْقَلَمِ الْقُرُونَ الْأُولَى أَخْرَجْتَ هَذَا الْعَقْلَ مِنْ ظُلُمَاتِهِ وَهَدَيَتَهُ النُّورَ الْمُبِينَ سَبِيلًا وَأَرْسَلْتَ بِالتَّوْرَاةِ مُوسَى مُرْشِدًا وَابْنَ الْبَتُولِ فَعَلَّمَ الْإِنْجِيلَا وَفَجَرَتْ يَنْبُوعَ الْبَيَانِ مُحَمَّدًا فَسَقَى الْحَدِيثَ وَنَاوَلَ التَّنْزِيلَا

وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا وَمُصْطَفَانَا سَيِّدَنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيًّا وَرَسُولًا أُوصِيكُمْ وَنَفْسَى بِتَقْوَى اللَّهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُو اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحُ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرُ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا أُحَدِّثُكُمْ الْيَوْمَ عَنْ مَوْضُوعٍ تَحْتَ عُنْوَانِ

وجعلنا من الماء كل شئ حى

العُنْصُرُ الْأَوَّل : نِعْمَة الْمَاءِ

وَمِنْ أَجْلِ نِعَمِ اللَّهِ عَلَى الْإِنْسَانِ وَأَعْظَمُهَا -وَكُلُّهَا جَلِيلَة وَعَظِيمَة- نِعْمَةٍ هِيَ مِنْ أَجْلِ النِّعَمِ، وَمِنْهُ مَنْ أَعْظَمُ الْمِنَن، وَايَةٍ مِنْ أَكْبَرِ الْايَاتِ وَالسُّنَنِ، بِهَا تَدُوم الْحَيَاة وَتَعِيش جَمِيعِ الْكَائِنَاتِ، فَلَا غِنًى لِمَخْلُوق عَنْهَا، وَلَا عَيْشَ لَهُمْ بِدُونِهَا، أَنَّهَا النِّعْمَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ – فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ وَرَبَط حَيَاةَ كُلِّ شَيْءٍ بِهَا، وَلَقَدْ حَظِيت هَذِهِ النِّعْمَةِ بِأَهَمِّيَّة كَبِيرَة وَعِنَايَة بَالِغَةً؛ فَقَدْ ذَكَرَهَا اللَّهُ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ فِي (63) مَوْضِعًا، وَإِنْ نِعْمَة ذُكِرَتْ فِي الْقُرْانِ الْكَرِيمِ (63) مَرَّة، لَجَدِيرَةٌ بِأَنْ يَقِفَ أَمَامَهَا الْإِنْسَان مُتَفَكِّرًا وَمُتَأَمِّلٍأ، أَنَّهَا نِعْمَةٌ أَلَمْــاء، وَكَيْفَ لَا وَالْمَاء مَصْدَر الْحَيَاة وَأَصْل الْخَلْقِ؟ قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَاَللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رَجُلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعِ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ أَنْ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [النُّور: 45]، وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: ((كُلُّ شَيْءٍ خُلِقَ مِنْ مَاءٍ))، وَيَقُولُ تَعَالَى: ﴿ وَجَعَلَنَا مِنْ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ﴾ [الْأَنْبِيَاء: 30].

فَالْمَاء عَصَب الْحَيَاة، وَلَقَدْ سَطْر التَّارِيخِ أَنَّ حَضَارَات الْبَشَر شِيدَتْ عَلَى ضَفَاف الْأَنْهَارُ، وَقَطَرَات الْأَمْطَار، وَسَوَاحِل الْبِحَارِ؛ فَقَدْ كَانَ الْبُدُوُّ يَرْحَلُون بِأَنْعَامٍهِمْ إلَى مَوَاقِعِ الْمَاءِ وَالْكَلَأِ، وَيُقِيمُون فِيهَا إلَى أَنْ تَجِفَّ، فَيَرْحِلُّون مِنْهَا إلَى غَيْرِهَا، فَكَانَتْ مَوَاضِعَ الْمِيَاه عَامِرَة، كَمَا كَانَتْ الصَّحَارِي الْجَافَّة خَالِيَة؛ إذْ أَنَّ فِي الْمَاءِ شَرَاب الْإِنْسَان وَقِوَام حَيَاتِهِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَأَنْزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا * لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا ﴾ [الْفُرْقَان: 48، 49]، وَيَقُولُ فِي مَوْضِعٍ اخَرَ: ﴿ فَأَنْزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ ﴾ [الْحَجْرِ: 22].

وَلَمْ يَكُنْ الْمَاءُ مُجَرَّد شَرَاب لِلْكَائِنَات فَقَطْ، بَلْ بِهِ نَبَت كُلِّ شَيْءٍ، وَمِنْهُ الشَّجَرُ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْهُ الثَّمَرَاتِ وَالْبَرَكَاتِ: ﴿ وَأَنْزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنْ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ ﴾ [إِبْرَاهِيمَ: 32]، ﴿ وَأَنْزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتِ شَتَّى * كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ ﴾ [طَه: 53، 54]، ﴿ وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ ﴾ [الذَّارِيَات: 22].

وَقَدْ كَانَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ إذَا نَظَرَ إلَى السَّحَابِ يَقُولُ: “فِيهِ- وَاَللَّهُ- رَزَقَكُم وَلَكِنَّكُمْ تُحَرِّمُونَه بِخَطَايَاكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ”.

فَمَنْ الْمَاءَ يُشْرَبُ الْإِنْسَانُ، وَمِنْهُ يَخْرُجُ الْمَرْعَى، وَبِه تُكْسَى الْأَرْضَ بِسَاطًا أَخْضَر؛ فَتَبْدُو لِلنَّاظِرِين أَجْمَل وَأَنْضَر، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ * يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعُ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لايَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [النَّحْل: 10، 11]، وَيَقُولُ تَعَالَى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتُ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ اُنْظُرُوا إلَى ثَمَرِهِ إذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لايَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [الْأَنْعَامِ: 99].

بَلْ إنْ الْمَاءُ مَصْدَر ابْتِهَاج الْإِنْسَان وَسَعَادَتُه، وَهُوَ يَرَى اخْضِرَار الْأَرْضِ بَعْدَ هُطُول الْأَمْطَار وَغَشَيَان السُّيُولِ عَلَيْهَا، قَالَ تَعَالَى: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً ﴾ [الْحَجّ: 63]، وَيَزْدَاد ابْتِهَاجٍا بِالنَّظَرِ إلَى رَبِيعِهَا وَحَدَائِقِهَا الْغِنَاءِ، كَمَا وَصَفَهَا اللَّهُ بِقَوْلِهِ: ﴿ فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ ﴾ [النَّمْل: 60].

* وَجَعَلَ الْمَاءَ طَهَارَة وَنَقَاء، بِهِ يَكُونُ الِاغْتِسَالُ وَالْوُضُوءُ وَالِاسْتِنْجَاء، قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَيُنَزِّل عَلَيْكُمْ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ ﴾ [الْأَنْفَال: 11].

وَالْمَاء شِفَاءٌ بِإِذْنِ اللَّهِ، فَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ، فَأَبْرِدُوهَا بِالْمَاءِ))؛ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَالْمَاءُ الْبَارِدُ شِفَاءٌ مِنْ أَمْرَاضِ مُتَعَدِّدَة، فَلَمَّا أَصَابَتْ الْحُمَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي اخِرِ حَيَاتِهِ أَمَر بِسَبْعِ قِرَبٍ لَمْ تَحِلَّ أَوْكِيَتُهُنّ لِتُرَاق عَلَيْهِ، وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: ((أَيُّمَا أَحَدٍ مِنْكُمْ أَخَذَه الْوَرْد يَصُبُّ عَلَيْهِ جَرَّةٌ مَاءٌ بَارِدٌ))، قَالَ الْحَضْرَمِيُّ: الْوَرْد: الْحُمَّى، وَقَالَ تَعَالَى عَنْ نُبَيْهِ أَيُّوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: ﴿ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَان بِنَصْب وَعَذَاب * ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ ﴾ [ص: 41، 42].

بَلْ الْأَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ وَالْأَهَمّ أَنَّ الْمَاءَ مِنْ دَلَائِلِ وُجُودِ اللَّهِ وَشَوَاهِدُه عَلَى وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى سَوَاءٌ نُزُولِهِ مِنْ السَّمَاءِ أَوْ اخْتِصَاصِهِ بِأَرْضٍ دُونَ أَرْضِ، أَوْ خُرُوجِهِ مِنْ بَاطِنِ الْأَرْضِ بِطَعْم مُخْتَلَف رَغْمَ أَنَّهَا مِنْطَقَة وَاحِدَةً؛ أَمَّا عَذْبٌ فُرَاتٌ، أَوْ مِلْحٍ أُجَاجٍ، فَفِي ذَلِكَ دَلَائِلُ عَلَى وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ، وَاَللَّهَ سُبْحَانَهُ أَوْجَدَه وَامْتَنَّ عَلَى عِبَادِهِ بِهِ، وَدَعَاهُمْ لِلتَّفَكُّرِ فِي إنْزَالِهِ وَتَكْوِينِه، قَالَ تَعَالَى: ﴿ أَفَرَأَيْتُمْ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاه أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُون ﴾ [الْوَاقِعَة: 68 – 70]، وَقَالَ اللَّهُ: ﴿ وَمَنْ ايَاتِهِ يُرِيكُمْ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لايَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [الرُّوم: 24]، وَصُدِّق الْقَائِل:

فَوَاعَجَبَا كَيْفَ يُعْصَى الْالَة
أَمْ كَيْفَ يَجْحَدُهُ الْجَاحِدُ
وَلِلَّهِ فِي كُلِّ تَحْرِيكَةٍ
وَتَسْكِينَةٍ أَبَدًا شَاهَدَ
وَفِي كُلِّ شَيْءٍ لَهُ ايَةٌ
تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ وَاحِد

* عِبَادِ اللَّهِ، هَذَا نُعَيْم الْإِنْسَان بِالْمَاءِ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا، أَمَّا فِي الْاخِرَةِ فَإِنْ الْمُؤْمِن يُنْعِمُ بِهِ فِي الْعَرَصَاتِ وَمَوْقِف الْحِسَاب حِينَ يَشْتَدُّ بِالنَّاس الظَّمَأِ وَالْعَطَشِ؛ فَيُكْرِم اللَّه الْبَعْض بِالْوُرُودِ عَلَى حَوْضٍ الرَّسُولِ الْكَرِيمِ -صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ- فَيَشْرَبَ حَتَّى يَرْتَوِي وَلَا يَظْمَأُ بَعْدَ تِلْكَ الشَّرْبَةَ أَبَدًا، وَتَغْدُو كُلِّ شَرْبَةٍ بَعْدَ ذَلِكَ لِلَذَّةٍ لَا مِنْ عَطَش.

وَيُلَازِم الْمَاء عِبَادِ اللَّهِ الْمُؤْمِنِينَ حَتَّى دُخُولِ الْجَنَّةِ؛ فَيَجِدُون فِيهَا الْأَنْهَارِ وَالْعُيُونِ الْعَذَبَة ذَات الْحَسَن وَالْبَهَاء، يَقُولَ رَبُّ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ: ﴿ مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وَعَدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ اسِنٍ ﴾ [مُحَمَّدٍ: 15]، وَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ أَنْ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالِ وَعُيُون ﴾ [الْمُرْسَلَات: 41].

وَأَخْبَرَ عَنْ بَعْضِ أَصْنَافِ الْمَاءِ فِي الْجَنَّةِ، فَقَالَ: ﴿ وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا * عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا ﴾ [الْإِنْسَانِ: 17، 18]، وَقَالَ أَيْضًا: ﴿ عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا ﴾ [الْإِنْسَانِ: 6].

فَكَانَ جَرَيَانُ الْمَاءِ وَتَدَفَّق الْأَنْهَار بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمْ نَعِيمًا اخَر وَمَنْظرا مَلْفَتًا وَجَمَالًا مُفَضِّلًا لِأَهْلِ الْجَنَّةِ وَهُمْ عَلَى أَرَائِكِهِمْ مُتَّكِئُون وَمُتَقَابِلُون، قَالَ اللَّهُ: ﴿ لَكِنْ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا ﴾ [الزُّمَر: 20].

أَيُّهَا الإِخْوَةُ، وَأَنَّ مَنْ أَسْرَار الْحِكْمَةُ الْإِلَهِيَّةُ فِي الْمَاءِ إنْ اللَّهُ تَعَالَى لَمْ يَجْعَلْ لِلْمَاءِ لَوْنًا، وَلَا طَعْمًا، وَلَا رَائِحَةَ، كُلُّ طَعَامٍ وَكُلُّ شَرَابٍ خَلَقَهُ اللَّهُ، لَهُ لَوْنٌ، وَلَهُ طَعْمٌ، وَلَهُ رَائِحَةٌ، إلَّا الْمَاءُ؛ وَذَلِكَ لِحِكْمَةِ عَظِيمَةٍ، لَا يُدْرِكُهَا إلَّا أَهْلُ الْبَصَائِرِ وَالْأَلْبَاب؛ فَلَوْ أَنَّ طَعْمَ الْمَاءِ كَانَ حُلْوًا مَثَلًا، لَصَار كُلِّ شَيْءٍ خَالَطَهُ الْمَاءُ حُلْوًا، وَلَصَار كُلِّ شَيْءٍ غُسِلَ بِالْمَاءِ حُلْوًا، وَلَصَارَتْ الْحَيَاةِ كُلِّهَا طَعْمُهَا حُلْو، تَزْهُقها الأَنْفُسُ، وَتَمَجها الْأَلْسُنُ، وَلَا تَسْتَسيغها الْفِطْرُ السَّلِيمَة ﴿ ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ﴾ [الْأَنْعَامِ: 96].

وَلَوْ تَأَمُّلِنَا فِي أَحْوَالِ مَنْ اُبْتُلُوا بِالْجَدْب وَالْقَحْط، وَالْجَفَاف وَالْمَجَاعَة، لَعَرَفْنَا قِيمَةِ الْمَاءِ، وَقَدَّرْنَا هَذِهِ النِّعْمَةِ حَقٌّ قَدْرِهَا، قَالَ تَعَالَى: ﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ ﴾ [الْمِلْكِ: 30].

* وَفِيمَا يَتَعَلَّقُ بِاسْتِهْلَاك الْمِيَاه، نَجِدُ أَنَّ الْإِسْلَامَ كَانَ لَهُ السَّبْقِ فِي إقْرَارِ مَبَادِئ تَرْشِيد الِاسْتِهْلَاك لِكُلِّ مَا فِي يَدِ الْإِنْسَانِ مِنْ نِعَمِ وَثَرَوَات، بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْإِسْرَافَ وَالتَّبْذِير مِنْ أَهَمِّ عَوَامِل الْخَلَل وَالِاضْطِرَابُ فِي مَنْظُومَةِ التَّوَازُنِ البِيئِيِّ الْمُحْكَمَ الَّذِي وَهَبَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لِلْحَيَاة وَالْإِحْيَاءِ فِي هَذَا الْكَوْن.

وَقَدْ أَقَامَ الْإِسْلَام مَنْهَجِهِ فِي هَذَا الصَّدَدِ عَلَى الْامِرِ بِالتَّوَسُّط وَالِاعْتِدَالَ فِي كُلِّ تَصَرُّفَاتِ الْإِنْسَانِ، وَأَقَام بِنَاءَه كُلُّهُ عَلَى الْوَسَطِيَّة وَالتَّوَازُن وَالْقَصْد. فَالْإِسْرَاف يُعْتَبَرَ سَبَبًا مِنْ أَسْبَابِ تَدَهْوُر الْبِيئَة وَاسْتِنْزَاف مَوَارِدِهَا؛ مِمَّا يُؤَدِّي إلَى إهْلَاكِ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ، وَتَدْمِير الْبِيئَة، وَقَدْ نَهَى الْقُرْانُ الْكَرِيمُ عَنْ الْإِسْرَافِ فِي أَكْثَرِ مِنْ مَوْضِعٍ، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [الْأَعْرَافِ: 31]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إذَا أَثْمَرَ وَاتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [الْأَنْعَام: 141]، وَتَوَعَّد الْقُرْان الْمُسْرِفِين بِالْهَلَاك، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿ ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْنَاهُمْ وَمَنْ نَشَاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ ﴾ [الْأَنْبِيَاء: 9].

العُنْصُرُ الثَّانِي : الْمَاءُ سِرُّ الْحَيَاةِ

فَإِنَّ نِعَمَ اللَّهِ عَلَى الْإِنْسَانِ لَا يَحِدَّهَا حَدَّ، وَلَا يُحْصِيهَا عَدٌّ وَلَا يُسْتَثْنَى مِنْ عُمُومِهَا أَحَدٌ، فَهِيَ نَعَمٌ عَامَّة، سَابِغَة تَامَّة، يَقُولُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النَّحْل: 18] وَيَقُولُ جَلَّ شَأْنُهُ: ﴿ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ﴾ [لُقْمَان: 20]، وَمِنْ أَجْلِ نِعَمِ اللَّهِ عَلَى الْإِنْسَانِ وَأَعْظَمُهَا – وَكُلُّهَا جَلِيلَة وَعَظِيمَة – نِعْمَة الْمَاء وَكَيْفَ لَا وَالْمَاء مَصْدَر الْحَيَاة؟

الْمَاء عِمَاد الْحَيَاةِ وَهُوَ الشَّيْءُ الَّذِي يُعْتَبَرُ أَسَاسُهَا وَمَنْ مُقَوِّمَات الْعَيْشَ عَلَى الْأَرْضِ لِكُلّ الْكَائِنَاتِ الْحَيَّةِ، فَلَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَتَخَيَّلَ الْحَيَاةِ بِدُونِ مَاءٍ، فَبِفَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَنِعَمِهِ الَّتِي لَا تُحْصَى تَنْزِل قَطَرَاتِ الْمَاءِ مِنْ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ فَتَلْتَقِطُهَا الْأَرْضِ بِشَوْق وَحَبّ وَلَهَفَه لِتَهْدِئَةِا لِلْإِنْسَانِ وَلِلْبِحَار وَلِلْحَيَوَانَات وَالْأَنْهَار فَهِي الْحَبِيب الْمُنْتَظَر الَّذِي لَا يَقْدِرُونَ عَلَى العَيْشِ بِدُونِه.

الْمَاءَ أَصْلٌ جَمِيعِ الْكَائِنَاتِ: أُمِّه الْحَبِيب الْأَعْظَم – مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أَنْ الْمَاءِ هُوَ أَصْلُ كُلِّ الْكَائِنَاتُ الَّتِي أَوْجَدَهَا رَبِّ الْأَرْضِ وَ السَّمَاوَات يَقُولُ جَلَّ جَلَالُهُ ﴿ وَجَعَلَنَا مِنْ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ﴾ [سُورَةِ الأَنْبِيَاءِ الْايَة: 30].

الْمَاء سَابِقٌ فِي وُجُودِهِ عَلَى جَمِيعِ الْخَلَائِقِ، فَقَدْ أُثْبِتَتْ دِرَاسَات عُلُومُ الْأَرْضِ أَنْ هَذَا الْكَوْكَبِ يَرْجِع عُمْرِهِ إلَى أَكْثَرَ مِنْ 46 بَلَىون سَنَةً مَضَتْ، بَيْنَمَا يَرْجِع عُمَر أَقْدَم أَثَر لِلْحَيَاةِ فِي صُخُور الْأَرْضِ إلَى 38 بَلَىون سَنَةً، وَهَذَا يَعْنِي أَنَّ عَمَلِيَّةَ إعْدَادَ الْأَرْضِ لِاسْتِقْبَال الْحَيَاة اسْتَغْرَقَتْ أَكْثَرَ مِنْ ثَمَانِمِائَةٍ مِلْيُونَ سَنَةٍ وَالدَّلِيلُ الشَّرْعِيُّ الَّذِي اسْتَنَدَ إلَيْهِ الْعُلَمَاءُ فِي أَنَّ أَصْلَ الْعَالَمِ، هُوَ الْمَاءُ وَهُوَ أَوَّلُ الْمَخْلُوقَاتِ، خَبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّادِقَ الْمَصْدُوقَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي إِذَا رَأَيْتُكَ طَابَتْ نَفْسِي وَقَرَّتْ عَيْنِي أَنْبِئْنِي عَنْ كُلِّ شَيْءٍ قَالَ كُلُّ شَيْءٍ خُلِقَ مِنْ الْمَاءِ” رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ.

وَرَوَى السُّدِّيُّ بِأَسَانِيد مُتَعَدِّدَةً عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ “إنْ اللَّهُ لَمْ يُخْلَقْ شَيْئًا مِمَّا خَلَقَ قَبْلَ الْمَاءِ” فَيَتَبَيَّنُ بِذَلِكَ أَنَّ الْمَاءَ هُوَ أَصْلُ جَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ وَهُوَ أَوَّلُ الْخَلْقِ، فَمَنْ الْمَاءَ خُلِقَ اللَّهُ العَالِمَ قَالَ تَعَالَى ﴿ وَجَعَلَنَا مِنْ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الْأَنْبِيَاءِ: 30].

قَالَ ابْنُ حَجَرٍ – رَحِمَهُ اللَّهُ – رَوَى أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي رَزِينٍ الْعَقْلِيّ مَرْفُوعًا أَنَّ الْمَاءَ خُلِقَ قَبْلَ الْعَرْش وَرَوَى السُّدِّيُّ فِي تَفْسِيرِهِ بِأَسَانِيد مُتَعَدِّدَةٍ إنْ اللَّهُ لَمْ يُخْلَقْ شَيْئًا مِمَّا خَلَقَ قَبْلَ الْمَاءِ.

وَأَمَّا مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ مَرْفُوعًا أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمُ ثُمَّ قَالَ اُكْتُبْ فَجَرَى بِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ

فَيَجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا قَبْلَهُ بِأَنَّ أَوَّلِيَّة الْقَلَم بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا عَدَا الْمَاءَ وَالْعَرْش أَوْ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا صَدَرَ مِنْهُ مِنْ الْكِتَابَةِ أَيْ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ اُكْتُبْ أَوَّلُ مَا خَلَقَ” انْتَهَى” فَتْحٌ الْبَارِي لِابْنِ حَجَرٍ (19/ 403).

وَفِي تَفْسِيرِ الْقُرْطُبِيِّ قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿ وَجَعَلَنَا مِنْ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ﴾ [الْأَنْبِيَاء: 30] ثَلَاثَة تَأْوِيلَاتٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّهُ خُلِقَ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ الْمَاءِ؛ قَالَهُ قَتَادَة.

الثَّانِي: حِفْظُ حَيَاةِ كُلِّ شَيْءٍ بِالْمَاء.

الثَّالِث: وَجَعَلَنَا مِنْ مَاءٍ الصُّلْب كُلِّ شَيْءٍ حَيٍّ؛ قَالَهُ قُطْرُبٌ وَجَعَلْنَا بِمَعْنَى.

* وَالْإِنْسَان يَبْدَأُ مِنْ دَفْقَة مَاءٍ؛ يَقُولُ تَعَالَى: ﴿ فَلْيَنْظُرْ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ ﴾ [الطَّارِق: 5، 6]، وَبَعْدَ 3 أَيَّامٍ يَحْوِي الْجَنِينِ 97 % مِنْ وَزْنِهِ مَاء، وَعِنْدَمَا يُصْبِح عُمْرَة 3 شُهُور تَقُل نِسْبَةُ الْمَاءِ فِي جَسَدِهِ إلَى 91 % مَنْ وَزْنِهِ مَاء، وَتَصِل نِسْبَةَ الْمَاءِ فِي الطِّفْلِ الْمَوْلُودِ إلَى 80 % مَنْ وَزْنِهِ، وَعِنْدَمَا يَبْلُغ عَامَّة الْأَوَّلِ تَكُونُ نِسْبَةَ الْمَاءِ فِي جِسْمِهِ 66% كَمَا فِي الْبَالِغِينَ، وَتَخْتَلِف نِسْبَةَ الْمَاءِ فِي كُلِّ عُضْوٍ بِحَسَبِ وَظِيفَتِه، فَخِلَايا الدِّمَاغِ تَتَكَوَّنُ مِنْ 70 % مَنٍّ الْمَاء، وَتَبْلُغُ هَذِهِ النِّسْبَةِ 82 % فِي الدَّمِ، بَيْنَمَا تَصِلُ إلَى 90 % فِي الرِّئَتَيْن، وَسُبْحَانَه عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: ﴿ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنْ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا ﴾ [الْفُرْقَان: 54].

أَيُّهَا الْابَاءُ أَيُّهَا الإِخْوَةُ الأَعِزَّاء: الْمَاءِ مِنْ أَعْظَمِ مَا امْتَنَّ اللَّهُ بِهِ عَلَى عِبَادِهِ: ﴿ أَفَرَأَيْتُمْ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاه أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُون ﴾ [الْوَاقِعَة: 68 – 70]. وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ فَلْيَنْظُرْ الْإِنْسَانُ إلَى طَعَامِهِ * أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا * ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا * فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا * وَعِنَبًا وَقَضْبًا * وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا * وَحَدَائِقَ غُلْبًا * وَفَاكِهَةً وَأَبًّا * مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ ﴾ [عَبْس:24-32].

أَنَّ ذِكْرَ الْمَاءِ فِي كِتَابِ اللَّهِ بِمُفْرَدَاتِه وَمُكَوِّنَاتِه مِنْ الْبِحَارِ وَالْأَنْهَارِ وَالسَّحَاب يَدُلُّ عَلَى عِظَمِ أَثَرُهُ فِي حَيَاةِ الْبَشَرِيَّة.

هَذَا السَّائِلُ الْمُبَارَكِ هُوَ أَغْلَى مَا تَمْلِكُ الْإِنْسَانِيَّة لِاسْتِمْرَار حَيَاتِهَا بِإِذْنِ اللَّهِ، أَدْرَكَ ذَلِكَ النَّاسُ كُلُّهُمْ كَبِيرِهِمْ وَصَغِيرِهِمْ عَالِمِهِمْ وَجَاهِلِهِمْ، حَاضِرُهُمْ وَبَادِيَةٍمْ، عَرَفُوهُ فِي اسْتِعْمَالَاتِهِمْ وَتَجَارِبِهُمْ وَعُلُومَهُمْ، إنْ خَفَّ كَانَ سَحَابًا، وَإِنْ ثَقُلَ كَانَ غَيْثًا ثَجَّاجًا، وَإِنْ سُخِّنَ كَان بُخَارًا، وَإِنْ بِرَدِّ كَان نَدًى وَثَلَجا وَبَرْدًا. تَجْرِي بِهِ الْجَدَاوِلِ وَالْأَنْهَارِ، وَتَتَفجر مِنْهُ الْعُيُونِ وَالْأبَارِ، وَتَخْتَزِنَه تَجَاوِيف الْأَرْض وَالْبِحَار: ﴿ وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ ﴾ [الْحَجَرِ:22] وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَأَنْزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ ﴾ [الْمُؤْمِنُون:18].

* قِصَّة “مِلْكٍ لَا يُسَاوِي شَرْبَةَ مَاءٍ” الْخَلِيفَةِ هَارُونَ الرَّشِيدِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَا نَصُّهُ: «دَخَلَ ابْنُ السَّمَّاكِ عَلَى الرَّشِيدِ، فَاسْتَسْقَى الرَّشِيد مَاءً، فَقَالَ لَهُ ابْنُ السَّمَّاكِ: بِاللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَوْ مَنَعَتْ هَذِهِ الشَّرْبَةَ بِكُمْ تَشْتَرِيهَا؟ قَال: بِمِلْكِي، قَالَ: لَوْ مَنَعَتْ خُرُوجِهَا، بِكُمْ كُنْت تَشْتَرِيهِ؟ قَال: بِمِلْكِي، فَقَالَ: إِنَّ مَلَكًا قِيمَتِه شَرْبَةَ مَاءٍ لَجَدِير إلَّا يُنَافِس عَلَيْهِ»

الْمَاءُ جُنْدِيّ مِنْ جُنُودِ اللَّهُ:

أُمَّةً الْإِسْلَام: الْمَاء جُنْدٌ مِنْ جُنُودِ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي هِيَ مِنْ أَشَدِّ الْجُنُود فَهُو جُنْد بِه يَنْصُرُ اللَّهُ تَعَالَى أَوْلِيَائِه وَ بِهِ يَغْرَق اللَّهُ تَعَالَى أَعْدَائِه وَ الْقُرْانُ الْكَرِيمُ قَدْ بَيَّنَ لَنَا ذَلِكَ فِي مَوَاطِنَ مُتَعَدِّدَة نَذْكُر مِنْهَا:

* الْمَاءُ جُنْدِيّ يَنْتَقِمُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ مِنْ أَعْدَاءِ دَيْنِه: فَهَا هُوَ نَبِيٌّ اللَّهِ تَعَالَى نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَدْعُو قَوْمَهُ أَلْفَ سَنَةٍ إلَّا خَمْسِينَ عَامًا وَ لَكِنْ هَذِهِ الْقُلُوبَ مَاتَتْ وَ الْعُقُول قَدْ تَحَجَّرْت فَلَمْ يَنْفَع فِيهِ وَعْظٌ وَلَا تَرْهِيبٌ وَ لَا الْوَعْدِ وَ لَا الْوَعِيدِ لِذَا كَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى إِنْ يَهْلِك تِلْك الْجَمَاجِم فَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ جُنْدًا مِنْ جُنُودِهِ أَنَّهُ الْمَاءُ ﴿ فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوب فَانْتَصَر * فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءِ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِّرَ * وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ * تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كَفَّرَ * وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا ايَةٌ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ * فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ ﴾ [الْقَمَر: 10 – 16].

* أَهْلَكَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فِرْعَوْنُ وَجُنْدُه ﴿ فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ * وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا أَنَّهُمْ جُنْد مُغْرَقُون * كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا اخَرِينَ * فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِين * وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ الْعَذَابِ الْمُهِينِ * مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِنْ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [الدُّخَان: 23 – 31].

الْمَاء جُنْد يَحْفَظُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ أَوْلِيَائِه هَا هُوَ الْمَاءُ يَتَحَوَّلُ إلَى جُنْدِ يَحْفَظ كَلِيمُ اللَّهِ وَ هُوَ مَا زَالَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا يَقُولُ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَى:

﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنَّ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتَ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ * فَالْتَقَطَهُ الُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ * وَقَالَتْ امْرَأَت فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَك لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ * وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قِبَلِ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ * فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنْ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقَّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الْقَصَص: 7 – 13].

* الْمَاء تَثْبِيت لِلْإِقْدَام وَطَهَارَة لَلْأَبَدَان وَإِزَالَة لِرَجُز الشَّيْطَانُ: فَفِي غَزْوَةِ بَدْرٍ الْكُبْرَى أَرْسَلَ اللَّهُ تَعَالَى جُنُودًا عَدِيدَة لِنُصْرَة أَوْلِيَائِه وَلْتَخْذِيل أَعْدَائِهِ وَكَانَ مِنْ تِلْكَ الْجُنُود الْمَاءَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ إذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيَنْزِلُ عَلَيْكُمْ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ ﴾ [الْأَنْفَال: 11].

فَهِيَ قِصَّةٌ مَدَد اخَرَ مِنْ أَمْدَادِ اللَّه لِلْعَصَبَة الْمُسْلِمَة، قُبَيْل الْمَعْرَكَةِ.

قَالَ عَلَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نَزَلَ النَّبِيُّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-حِينَ سَارَ إلَى بَدْرٍ وَالْمُشْرِكُونَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمَاءِ رَمْلَةٌ وَعَصَه، وَأَصَابَ الْمُسْلِمِينَ ضَعْفٌ شَدِيدٌ، وَأَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي قُلُوبِهِمْ الْغَيْظ يُوَسْوِس بَيْنَهُمْ: تَزْعُمُونَ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ تَعَالَى وَفِيكُمْ رَسُولُهُ، وَقَدْ غَلَبَكُمُ الْمُشْرِكُونَ عَلَى الْمَاءِ، وَأَنْتُمْ تُصَلُّونَ مُجْنِبِين؟ فَأَمْطَرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَطَرًا شَدِيدًا، فَشَرِبَ الْمُسْلِمُونَ وَتَطَهَّرُوا، وَأَذْهَبَ اللَّهُ عَنْهُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ، وَثَبَت الرَّمَل حِينَ أَصَابَهُ الْمَطَرُ، وَمَشَى النَّاسُ عَلَيْهِ وَالدَّوَابّ، فَسَارُوا إلَى الْقَوْمِ، وَأَمَد اللَّهُ نَبِيَّهُ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-بِأَلْفِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ، فَكَانَ جِبْرِيلُ فِي خَمْسِمِائَةٍ مُجَنِّبَة، وَمِيكَائِيلُ فِي خَمْسِمِائَةٍ مُجَنِّبَة»

العُنْصُرُ الثَّالِث : هَدْيِ النَّبِيِّ فِي اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ

هَيَّأ أَيُّهَا الإِخْوَةُ لِنَرَى كَيْفَ كَانَ هَدْيَ النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ تَعَالَوْا لِنَتَعَلَّم مِنْ مُعَلِّمٍ الْبَشَرِيَّة الطَّرِيقَة السَّوِيَّةِ فِي اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فَقَدْ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – مُرَبِّيًا لِأُمَّتِهِ عَلَى الِاقْتِصَادِ وَ عَلَى الْوَسَطِيَّة فِي كُلِّ شَيْءٍ وَتَأَمَّلُوا فِي سَنَةٍ نَبِيِّكُمْ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يَغْسِلُ، أَوْ كَانَ يَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ، إِلَى خَمْسَةِ أَمْدَادٍ، وَيَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرِهِمَا.

بَلْ جَاءَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: (أَنَّهَا كَانَتْ تَغْتَسِلُ هِيَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إنَاءٍ وَاحِدٍ يَسَعُ ثَلَاثَةَ أَمْدَادٍ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ)

وَلَقَدْ شَدَّدَ أَهْلِ الْعِلْمِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ فِي الْمَنْعِ مِنْ الْإِسْرَافِ بِالْمَاءِ وَلَوْ كَانَ عَلَى شَاطِئِ النَّهْرِ أَوْ الْبَحْرِ. قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: «اقْتَصَدَ فِي الْوُضُوءِ وَإِنْ كُنْت عَلَى شَاطِئِ نَهْرٌ»

وَقَالَ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ: [كَانَ يُقَالُ: مِنْ ضَعْفِ عَلِمَ الرَّجُلُ وَلُوعِهِ بِالْمَاءِ فِي الطَّهُور].

وَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، فَقَالَ: (يـا بْنِ عَبَّاسٍ كَمْ يَكْفِينِي مِنْ الْوُضُوءِ؟ قَالَ: مُدٌّ، قَالَ: كَمْ يَكْفِينِي لِغَسْلي؟ قَالَ: صَاعٌ، فَقَالَ الرَّجُلُ: لَا يَكْفِينِي، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: لَا أُمَّ لَكَ! قَدْ كَفَى مِنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْك، رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)

التَّحْذِيرَ مِنْ الْإِسْرَافِ فِي الْمَاء:

وَاعْلَمُوا -عَلَّمَنِي اللَّهُ تَعَالَى وَإِيَّاكُمْ-: أَنْ الْإِسْرَافِ فِي اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ مِنْ الْأُمُورِ الْمَذْمُومَة الْمُحَرَّمَة فَاَللَّهُ تَعَالَى حَرَّمَ عَلَيْنَا الْإِسْرَافِ فِي كُلِّ شَيْءٍ فَقَالَ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَى ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [الْأَعْرَاف: 31].

﴿ وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ * الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ ﴾ [الشُّعَرَاء: 151، 152].

وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ﴿ وَاتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا ﴾ [الْإِسْرَاء: 26، 27].

رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِسَعْدٍ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ فَقَالَ: مَا هَذَا السَّرَفُ يَا سَعْدٍ؟

قَالَ: أَفِي الْوُضُوءِ سَرَفٌ؟

قَالَ: نَعَمْ، وَإِنْ كُنْت عَلَى نَهْرٍ جَار)

“وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْإِسْرَافَ فِي اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ مَكْرُوه”

فَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْإِسْرَافَ فِي الْوُضُوءِ وَغَيْر الْوُضُوء مِنْ الْأُمُورِ الْمَذْمُومَة ” انْتَهَى مِنْ “شَرْحِ رِيَاض الصَّالِحِين”..

الْمَاءِ لَيْسَ مِلْكًا لِأَحَدٍ: أَعْلَم عَلَّمَنِي اللَّهُ تَعَالَى وَ إِيَّاكَ -أَنْ الْمَاءِ لَيْسَ مِلْكًا لِأَحَدٍ بَلْ هُوَ مِنْهُ وَعَطِيَّةً لِلْخَالِق -عَزَّ وَجَلَّ- لِلنَّاسِ جَمِيعًا فَيُقَرِّر رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ صَرَاحَةً عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثِ: فِي الْمَاءِ، وَالْكَلَأِ، وَالنَّارِ، وَثَمَنُهُ حَرَامٌ ” قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: «يَعْنِي الْمَاءَ الْجَارِي»

وَمُوجِبُ هَذِهِ الْمُشَارَكَةَ إلَّا يَتَعَدَّى إنْسَانٌ عَلَى حَقِّ الْاخَرِينَ فِي اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ سَوَاءٌ فِي كُمِّهِ أَوْ كَيْفَهْ.

حِمَايَةِ الْإِسْلَامِ لِلْمِيَاه مِنْ التَّلَوُّثِ: أَخِي الْمُسْلِمَ لَقَدْ نَبَّه الْخَالِقِ -عَزَّ وَجَلَّ -أَنْ أَيْ إفْسَادُ فِي الْبِيئَةِ عَلَى وَجْهِ الْعُمُومِ وَبِيئَة الْمَاءِ عَلَى وَجْهِ الْخُصُوصِ إنَّمَا مِنْ كَسْبِ الْبَشَر وَتَدْخُلُهُمْ السَّيِّئُ الَّذِي أَفْسَدَ الْبِيئَة وَأَخَلّ بِأَسَاسِهَا الْمُتَوَازِن، قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقٍ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 60] وَقَالَ جَلَّ وَعَلَا ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ ﴾ [الرُّومِ: 41].

* كَمَا نَهَى النَّبِيُّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – عَنْ تَلْوِيثِ الْمَاءِ الرَّاكِدِ أَوْ الِاغْتِسَالِ فِيهِ، فَعَنْ جَابِرٍ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ-قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُبَالَ فِي الْمَاءِ الرَّاكِد»

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ الَّذِي لَا يَجْرِي ثُمَّ يَغْتَسِلُ فِيهِ» (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

فَهَذَا النَّهْيُ وَالتَّحْذِيرُ النَّبَوِيّ بِهَدَف الْمُحَافَظَةِ عَلَى نَقَاءٍ الْمَاءِ، كَمَا رَتَّبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّعْنِ عَلَى مَنْ يُلَوِّث الْمَوَارِد الْمَائِيَّةِ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” اتَّقُوا الْمَلَاعِنَ الثَّلَاثَةَ: الْبَرَازَ فِي الْمَوَارِدِ، وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ، وَالظِّلّ “»

«وَالْمُرَادُ» أَنَّ هَذِهِ الْأَفْعَالِ تَجْلِب اللَّعْن؛ لِأَنَّ أَصْحَابَهَا يَلْعَنُونَ عَلِيَّ فِعْلِهِمْ الْقَبِيحِ؛ لِأَنَّهُمْ أَفْسَدُوا عَلَى النَّاسِ مَنْفَعَتِهِمْ، فَكَانَ ظُلْمًا وَالظَّالِمُ مَلْعُون.

أُخُوَّةَ الْإِسْلَامِ فَقَدْ أُثْبِتَتْ الْأَبْحَاثُ الْعِلْمِيَّةُ أَنَّهُ «يَنْتِجُ عَنْ التَّبَوُّل الْمُبَاشِر وَالتَّبَرُّز الْمُبَاشِرِ أَوْ إلْقَاءِ مُخَلَّفَات الْمَجَارِي فِي الْمَصَادِرِ الْمَائِيَّة وُصُول الْعَدِيدِ مِنَ الطُّفَيْلِيات وَالْمِيكْرُوبِات الَّتِي تَضُرُّ بِصِحَّة الْإِنْسَانُ مِنْهَا: الْبَلْهَارِسِيًّا، وَالدُّودَةُ الْكِبِدِيَة وَ الْإِنْكِلِستوما».

* بَلْ مِنْ عَجِيبِ مَا قَرَأْتَ حَرَصَ الإِسْلَامُ فِي الْمُحَافَظَةِ عَلَى نَقَاءٍ الْمَاء؛ وِقَايَة لِلْإِنْسَانِ مِنْ الْأَمْرَاضِ، الَّتِي يُمْكِنُ أَنْ تَنْتَقِلَ بِغِيَاب النَّظَافَةُ، قَالَ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلَا يَدْخُلُ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا فَإِنْ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدِهِ)

* بَلْ وَالْعَجِيب فِي الْأَمْرِ؛ وَتَحْذِيرًا مِمَّا قَدْ يَلْحَقُ بِصِحَّة الْإِنْسَانِ مِنْ أَمْرَاضِ، مِنْ جَرَّاءِ التَّلَوُّث الْمَائِيّ وَالْهَوَائِيّ، قَالَ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((غَطُّوا الإِنَاءَ، وَأَوْكُوا السِّقَاءَ، فَإِنَّ فِي السَّنَةِ لَيْلَةً يَنْزِلُ فِيهَا وَبَاءٌ، لَا يَمُرُّ بِإِنَاءٍ لَيْسَ عَلَيْهِ غِطَاءٌ، أَوْ سِقَاءٍ لَيْسَ عَلَيْهِ وِكَاءٌ، إلَّا نَزَلَ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ الْوَبَاءِ))؛ رَوَاه مُسْلِم.

تَحْذِير النُّبَلَاءُ مِنْ حِرْمَانِ نِعْمَة الْمَاء وَأَخِيرًا: عَلَيْنَا عَبَّادُ اللَّهُ أَنَّ نُحَافِظُ عَلَى تِلْكَ النِّعْمَةِ وَنَشْكُرُهُا وَلَا نُكَفِّرها، لِأَنَّ النِّعْمَةَ بِالشُّكْرِ مَوْصُولَة وَبِالْكُفْر مَقْطُوعَة قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إِبْرَاهِيم: 7].

وَأَنْشَد الْهَادِي وَهُوَ يَأْكُل:

أَنَالَك رِزْقِه لِتَقُوم فِيه
بِطَاعَتِه وَتَشْكُر بَعْض حَقِّهِ
فَلَمْ تَشْكُرْ لِنِعْمَتِه وَلَكِنْ
قَوِيَتْ عَلَى مَعَاصِيهِ بِرِزْقِهِ
قَالَ جَعْفَرٌ الصَّادِقُ: إِذَا سَمِعْتَ النِّعْمَةِ الشُّكْرَ فَتَأَهَّبْ لِلْمَزِيد.

وَيَشْهَد لِهَذِهِ الْحَقِيقَةِ، وَيُبَرْهِن عَلَيْهَا حَدِيثُ النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: ” يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسُ إذَا اُبْتُلِيتُمْ بِهِنَّ، وَأَعُوذُ بِاَللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ: لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ، حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا، إلَّا فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ، وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمْ الَّذِينَ مَضَوْا، وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ، إلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ، وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ، وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ، إلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنْ السَّمَاءِ، وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا، وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ، وَعَهْدِ رَسُولِهِ، إلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ، فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ، وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أُنْزِلَ اللَّهِ، إلَّا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ “)

* أَمْرَان اثْنَان بِهِمَا يُمْنَعُ الْقَطْرَ مِنْ السَّمَاءِ، بِهِمَا يَحْصُلُ الْجَدْب وَالْقَحْط:

أَوَّلِهِمَا: ((لَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ))، وَالْأَخْذ بِالسِّنِين مِنْ الْبَلَاءِ وَمِنْ الْعَذَابِ، قَالَ -تَعَالَى – عَنْ عَذَابِ الِ فِرْعَوْنَ: ﴿ وَلَقَدْ أَخَذْنَا الَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ﴾ [الْأَعْرَاف: 130].

ثَانِيهِمَا: قَوْلُهُ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ))، فَهَذَا هُوَ السَّبَبُ الثَّانِي وَالْكَبِير لِانْحِبَاس وَتَأَخَّر نُزُولِ الْغَيْثِ مِنْ السَّمَاءِ؛ ((إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنْ السَّمَاءِ))، يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَالْأَمْوَالِ، وَلَا يَخْرُجُونَ مِنْهَا شَيْئًا، وَإِنْ أَخْرَجُوا فَدُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ فِي النِّصَابِ؛ قَالَ – تَعَالَى -: ﴿ وَاَلَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [التَّوْبَةِ: 34]، وَإِذَا نَزَلَتْ قَطَرَاتٍ مِنْ الْمَطَرِ، وَإِذَا نَزَلَ غَيْثٌ مِنْ السَّمَاءِ، مَا كَانَ ذَلِكَ إلَّا لِلْبَهَائِم ((وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا)).

رُوِيَ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ سُلَيْمَانَ – عَلَيْهِ السَّلَامُ – “خَرَجَ يَسْتَسْقِي، فَرَأَى نَمْلَةً مُسْتَلْقِيَةً، وَهِيَ تَقُولُ: اللَّهُمَّ إنَّا خَلْقٌ مِنْ خَلْقِكَ، لَيْسَ بِنَا غِنًى عَنْ رِزْقِك، فَقَالَ سُلَيْمَانُ: ارْجِعُوا فَقَدْ سُقِيتُمْ بِدَعْوَةِ غَيْرَكُمْ”

إِذَا الْمَطَرِ الَّذِي يَنْزِلُ قَلِيلًا، لَيْسَ لِهَؤُلَاءِ الْعُصَاة الْمُصِرِّينَ عَلَى مَعَاصِيهِمْ، الَّذِينَ لَا يُقْلِعُونَ عَنْهَا؛ إنَّمَا الرَّحْمَة بِالْبَهَائِم، بِالْعَجَمِاوَات، هَكَذَا بَيْنَ لَنَا الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ، وَإِذَا مَا أَقْلَعَ النَّاسُ عَنْ مَعَاصِيهِمْ، وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ – تَعَالَى – وَرَجَوه الرَّحْمَةُ وَنُزُولِ الْغَيْثِ، لِإِغَاثَةِمْ بِفَضْلِهِ، وُجُودِه وَمِنْهُ.

أَنْ التَّوْبَةِ النَّصُوحِ وَالِاسْتِغْفَار، هُوَ السَّبَبُ فِي اسْتِنْزَالِ خَيْرَات السَّمَاءِ؛ قَالَ – سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى – عَنْ نُوحٍ – عَلَيْهِ السَّلَامُ -: ﴿ فَقُلْت اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾ [نُوحٍ: 10 – 12]، وَيَقُولُ – سُبْحَانَهُ – عَنْ نُبَيْهِ هُودٍ – عَلَيْهِ السَّلَامُ -: ﴿ وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ ﴾ [هُودٍ: 52].

وَلَيْسَ الِاسْتِغْفَارُ بِاللِّسَانِ دُونَ الْأَفْعَالِ، لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِغْفَار صَادِقًا عَمَلِيًّا؛ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: “اسْتِغْفَارُنَا يَحْتَاجُ إلَى اسْتِغْفَارٍ”

الدُّعَاءِ

اللَّهُمَّ أَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِنَا وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا وَحَبِّبْنَا فَى بَعْضِنَا وَانْزِعْ الشَّحْنَاءَ وَالْبَغْضَاءَ مِنْ قُلُوبِنَا وَانْشُرْ الْأَمْنَ وَالْأَمَانَ فَى بِلَادِنَا وَسَائِرِ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ وَارْفَعْ الْبَلَاءَ وَالْغَلَاءَ عَنَّا اللَّهُمَّ انْصُرْ إِخْوَانَنَا الْمُسْتَضْعَفِينَ فَى بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِوَالِدَيْنَا كَمَا رَبَّيَانَا صِغَارًا اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُمَا وَارْحَمْهُمَا يَارِبَ الْعَالَمِينَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ وَارْحَمْ مَشَايِخَنَا وَعُلَمَائِنَا وَإِلَى كُلِّ مَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ عَلَيْنَا يَارِبَ الْعَالَمِينَ

وَأَقُمْ الصَّلَاةُ