الوِلَايَةُ الخَاصَّةُ عند سيدي برهان الدين أبو الإخلاص رضي الله عنه
5 يوليو، 2025
منهج الصوفية

من مذكرات سيدي برهان الدين أبو الإخلاص رضي الله عنه
يقدمها لكم : الشيخ السيد محمد البلبوشي
خويدم الطريقة الإخلاصية – خطيب بوزارة الأوقاف
الوِلَايَةُ الخَاصَّةُ
قَالَ اللهُ تَعَالَى :﴿ اللهُ وَلِىُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجهُمُ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ﴾.
( فَتْحُ طَلْسَمِ الكَنْزِ ) خُذْ حُرُوفَ الطَّلْسَمِ الإِنْسَانِى وَاسْتَخْرِجْ مِنْهَا الاسْمَ الرَّوْحَانِى وَوَفِّقْهُ بِتَوْفِيقِكَ وَتَحَجَّبْ بِهِ فِى طَرِيقِكَ ، فَإِذَا جِئْتَ إِلَى البَابِ وَوَقَفْتَ عَلَى الأَعْتَابِ ، فَاشْتَغِلْ بِصَرْفِ العَائِقِ ، وَاسْتَعِذْ مِنْ شَرِّ الطَّارِقِ ، وَلَا تَذْ كُرِ المُوَكَّلَ إِلَّا بِأَحْسَنِ أَسْمَاهُ ، وَلَا تَغْفَلْ عَنْ عَزِيمَتِكَ حَتَّى يَحْضُرَ مُسَمَّاهُ ، وَقَدِّمْ بُخُورَكَ المُطَيَّبَ لِلوَارِدِ فِى حَالَةِ اسْتِحْضَارِ العَوْنِ المُسَاعِدِ ، وَإِيَّاكَ إِنْ أَذِنَ لَكَ وَفَتَحَ وَتَفَضَّلَ وَسَمَحَ ، أَنْ تُسَارِعَ إِلَى الأَمْتِعَةِ وَأَخْذِ المَالِ ، فَإِنَّ ذَلِكَ مَهْلَكَةٌ فِى الحَالِ وَالمَآلِ بَلِ اجْعَلْ قَصْدَكَ المَلِكَ لَاغَيْرَ ، فَإِنْ وَهَبَكَ سِرَّ خَاتَمِهِ فِى السَّيْرِ ، فَقَدْ ظَفِرْتَ بِكُلِّ خَيْرٍ .
هُنَالِكَ يَضُوعُ نَشْرُ الاسْتِخْدَامِ لِكُلِّ الخَوَاصِّ وَالعَوَامِّ ، فَاهْنَأ بِوِرَاثَةِ المُلْكِ مِنْ غَيْرِ مُعَانِدٍ وَلَا هُلْكٍ .
(حَلُّ مُعَمَّى اللُّغْزِ ) السِّرُّ المَكْنُونُ هُوَ الوَلِىُّ المَصُونُ ، مُغْنِى أَهْلِ الإِرَادَةِ بِكِيمْيَاءِ السَّعَادَةِ .
( فَتْحُ طِلَّسْمِ الكَنْزِ ) حَقِيقَةُ الوِلَاْيَةِ الخَاصَّةِ الَّتِى يَتَوَلَّى بِهَا الحَقُّ سُبْحَانَهُ وَلِيَّهُ خُصُوصُ عِنَايَةٍ وَرِعَايَةٌ أَزَلِّيَّةٌ ، وَسَبْقُ مَحَبَّةٍ تَظْهَرُ عَلَيْهِ فِى الأَبَدِيَّةِ .
وَآثَارٌ تَلُوحُ عَلَى الوَلِىَّ كَمِثْلِ الرَّقْمِ فِى الثَّوْبِ الوَشِىِّ
وَهَذَا الوَصْفُ هُوَ مِفْتَاحُ طَلْسَمِ كَنْزِ الأَسْرَارِ الرَّبَّانِيَّةِ ، الجَامِعَةِ لِلصُّحُفِ العِبْرَانِيَّةِ وَالسِّرْيَانِيَّةِ .
( حَلُّ مُعَمَّى اللُّغْزِ ) وَلِىُّ اللهِ المَحْبُوبُ ، هُوَ خِزَانَةُ الأَسْرَارِ وَالغُيُوبِ ، وَلَيْلَةُ القَدْرِ السَّامِيَةِ الفِعَالِ ، وَالاسْمُ المُجَابُ وَالحَرْفُ الفَعَّالُ ، فَلَاْ تَجِب إِنْ ظَهَرَتْ عَلَيْهِ الكَرَامَاتُ ، وَخُرِقَتْ لَهُ العَادَاتُ ، لِأَنَّهُ فِى بَقَاهُ صَارَ فِعْلُهُ فِعْلَ مَوَلَاهُ .
أَمْرُهُ كُلُّهُ عَوَائِدُ فِينَا لَيْسَ فِى الكَوْنِ عِنْدَنَا خَرْقُ عَادَةٍ
( فَتْحُ طِلَّسْمِ الكَنْزِ ) وَلِىُّ اللهِ المَخْصُوصُ دَخَلَ حَضْرَةَ الذَّاتِ ، وَانْجَلَتْ لَهُ حَقَائِقُ الصِّفَاتِ ، وَشَهِدَ مَعَانِى الأَسْمَاءِ بِسَائِرِ التَّجَلِّيَاتِ ، هُنَالِكَ رَأَى مَالَاْ عَيْنٌ رَأَتْ وَلَاْ أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَاْ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ .
( حَلُّ مُعَمَّى اللُّغْزِ ) الإِكْسِيرُ يَانِحْرِيرُ هُوَ وَلِىُّ اللَّهِ الكَبِيرُ ، مَنْ حَصَلَ لَهُ ، حَصَّلَ الغِنَى وَاسْتَرَاحَ مِنَ التَّعَبِ وَالعَنَا .
( فَتْحُ طِلَّسْمِ الكَنْزِ ) إِذَا رَأَيْتَ عَارِفَاً جَلَسَ عَلَى بِسَاطِ الإِرْشَادِ وَنَادَى لِسَانُ حَالِهِ أَوْ قَالِهِ لِلْعِبَادِ ، فَبَادِرْ أَيُّهَا الطَّالِبُ لِمَا فُتِحَ مِنَ المَطَالِبِ .
( حَلُّ مُعَمَّى اللُّغْزِ ) تَأَمَّلْ حُرُوفَ الهِجَاءِ تَجِدْهَا فِى حَرْفِ الأَلِفِ تَصَوَّرَ وَعَمَّ جَمِيعَ المَرَاتِبِ لَمَّا تَطَوَّرَ ، كَذَلِكَ الوَلِىُّ الكَامِلُ يَتَطَوَّرُ بِجَمِيعِ الأَطْوَارِ لِيَقْضِىَ سَائِرَ الأَوْطَارِ .
غَدَوْتُ إِمَامَاً لِلْمُحِبِّينَ فَاقْتَضَى تَنَوُّعُهُم فِى الحُبِّ أَنْ أَتَلَوَّنَا
( فَتْحُ طِلَّسْمِ الكَنْزِ ) الفَتْحُ لَا يَكُونُ عَادَةً بِغَيْرِ مِفْتَاحٍ وَلَا فَتَّاحٍ ، فَالمِفْتَاحُ هُوَ التَّيْسِيرُ وَالفَتَّاحُ هُوَ الرَّجُلُ الكَبِيرُ ، فَإِذَا حَصَّلْتَ مِرْآةَ الهِبَاتِ ، انْفَتَحَ طِلَّسْمُ الكَائِنَاتِ بِحَقَائِقِ كَنْزِ الذَّاتِ ، فَلَا تَكُن مِمَّنْ جَحَدَ وَأَنْكَرَ لِفَتْحِ هَذَا الكَنْزِ الأَ كْبَرِ .
( حَلُّ مُعَمَّى اللُّغْزِ ) قَالَ عَارِفٌ :” العِلْمُ حِجَابٌ “، قِيلَ : “مَذْمُومُهُ لَا مَحْمُودُهُ ” ، قَالَ :
” أَقُولُ وَلَا أَسْتَثْنِى ” ، قُلْنَا : ” لَا يَكُونُ إِلَّا بِاعْتِبَارِ التَّكَثُّرِ بِالصِّفَةِ العِلْمِيَّةِ فِى حَضْرَةِ الوَحْدَةِ الذَّاتِيَّةِ ” .
( فَتْحُ طِلَّسْمِ الكَنْزِ ) إِذَا دَخَلَ المَخْصُوصُ حَضْرَةَ الذَّاتِ قُلِبَتْ مِنْهُ الرُّسُومُ وَالصِّفَاتُ ، لِذَلِكَ
لَا يَعْرُجُ عَلَى المَقَامَاتِ ، وَلَا يَكُونُ بِسَبَبِ ذَلِكَ لَهُ إِلَيْهَا الْتِفَاتُ ، فَإِنْ أَرَدْتَ ذَلِكَ فَانْهَجْ نَهْجَ هَذِهِ المَسَالِكِ .
وَمَهْمَا تَرَى كُلَّ المَرَاتِبِ تُجْتَلَى عَلَيْكَ فَحُلْ عَنْهَا فَعَنْ مِثْلِهَا حُلْنَا
وَقُل لَيْسَ لِى فِى غَيْرِ ذَاتِكَ مَطْلَبٌ فَلَاْ صُورَةٌ تُجْلَى وَلَا طُرْقَةٌ تُجْنَى
( حَلُّ مُعَمَّى اللُّغْزِ ) قَالَ عَارِفٌ : ” خُضْنَا بَحْرَاً وَقَفَتْ الأَنْبِيَاءُ بِسَاحِلِهِ ” ، قُلْنَا : “خَاضَ العَارِفُونَ بَحْرَ التَّوْحِيدِ أَوَّلَاً بِالدَّلِيلِ وَالبُرْهَانِ ، وَبَعْدَ ذَلِكَ وَصَلُوا إِلَى رُتْبَةِ الشُّهُودِ وَالعِيَانِ ، وَالأَنْبِيَاءُ وَقَفُوا بِأَوَّلِ وَهْلَةٍ عَلَى سَاحِلِ العِيَانِ ، ثُمَّ وَصَلُوا إِلَى مَالَاْ يُعَبِّرُ عَنْهُ العِرْفَانُ ، فَكَانَتْ بِدَاِيَتُهُم (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ) نِهَايَةَ العَارِفِينَ وَالسَّلامُ .
( فَتْحُ طِلَّسْمِ الكَنْزِ ) قَالَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّي اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمْ) : يَقُولُ اللهُ تَعَالَى : ” لَايَزَالُ العَبْدُ يَتَقَرَّبُ إِلَىَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ لَهُ سَمْعَاً وَبَصَرَاً وَيَدَاً وَمُؤَيِّدَاً ” ، قُلْنَا : ” سَمْعَاً بِإِخْبَارِ الإِلْهَامِ ، وَبَصَرَاً بِأَنْوَاعِ عِنَايَةِ الاصْطِلَامِ ، وَيَدَاً بِالتَّأْيِيدِ ، وَمُؤَيَّدَاً بِالتَّسْدِيدِ ” .
( حَلُّ مُعَمَّى اللُّغْزِ ) قَالَ عَارِفٌ : ” وَكُلُّ بَلَاءِ أَيُّوبَ بَعْضُ بَلِيَّتِى ” ، قُلْنَا : ” بَلَاءُ أَيُّوبَ فِى الجَسَدِ دُونَ الرُّوحِ ، وَبَلَاءُ هَذَا العَارِفِ فِيهِمَا مَعَاً فِى الرُّوحِ بِالأُوَامِ وَفِى الجَسَدِ بِالسِّقَامِ .
( فَتْحُ طِلَّسْمِ الكَنْزِ ) قَالَ عَارِفٌ :
مَقَامُ النُّبُوَّةِ فِى بَرْزَخٍ فُوَيقُ الرَّسُولِ وَدُونَ الوَلِىِّ
قُلْنَا : ” هَذَا يَنْكَشِفُ بِوَزْنِ الحَقَائِقِ ، ذَلِكَ أَنَّ النُّبُوَّةَ تُعْطِى الأَخْذَ عَنِ اللهِ بِوَاسِطَةِ وَحْىِ اللهِ وَمَقَامَ الرِّسَالَةِ يُعْطِى تَبْلِيغَ أَمْرِ اللّهِ لِعِبَادِ اللهِ ، وَمَقَامَ الوِلَاْيَةِ أخْذٌ عَنِ اللهِ بِاللهِ ، أَىِ الوِلَايَةِ الخَاصَّةِ دُونَ العَامَّةِ ” ـ يَامَنْ فَهِمَ عَنِ اللهِ ـ ، وَهَذِهِ الحَقَائِقُ مَوْجُودَةٌ فِيمَنْ كَانَ رَسُولَاً ، فَافْهَمِ التَّحْقِيقَ مِنْ كَلَامِ أَهْلِ الطَّرِيقِ وَلَا تَظُنُّ أَنَّهُم يَعْتَقِدُونَ تَفْضِيلَ الوُلَاْيَةِ عَلَى النُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ وَنَزِّهْهُم عَنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ ضَلَالَةٌ .
( حَلُّ مُعَمَّى اللُّغْزِ ) قَالَ عَارِفٌ : ” يَصِلُ الوَلِىُّ إِلَى رُتْبَةٍ تَزُولُ عَنْهُ فِيهَا كُلْفَةُ التَّكْلِيفِ ” ، قُلْنَا : ” يَكُونُ الوَلِىُّ أَوَّلَاً يَجِدُ كُلْفَةَ التَّعَبِ ، فَإِذَا وَصَلَ وَجَدَ بِالتَّكْلِيفِ الرَّاحَةَ وَالطَّرَبَ مِنْ بَابِ ـ أَرِحْنَا بِهَا يَابِلَاْلُ ـ ، وَذَلِكَ مَقْصِدُ الرِّجَالِ .
( فَتْحُ طِلَّسْمِ الكَنْزِ ) قَالَ عَارِفٌ : ” لِلرُّبُوبِيَّةِ سِرٌّ لَوْ ظَهَرَ نُورُهُ لَعَطَّلَ نُورَ الشَّرِيعَةِ ” ، قُلْنَا : ” أَىْ سِرُّ الإِحَاطَةِ بِجَمِيعِ الأَفْعَالِ بِالخَلْقِ وَالاخْتِرَاعِ حَتَّى فِى مَعْنَى الكَسْبِ المُطَاعِ الَّذِى هُوَ مَنَاطُ التَّشْرِيعِ لِكُلِّ عَبْدٍ مُطِيعِ .
( حَلُّ مُعَمَّى اللُّغْزِ ) قَالَ عَارِفٌ :
تَوَضَّأْ بِمَاءِ الغَيْبِ إِنْ كُنْتَ ذَا سِرِّ وَإِلَّا تَيَمَّمْ بِالصَّعِيدِ وَبِالصَّخْرِ
وَقَدِّمْ إِمَامَاً كُنْتَ أَنتَ إِمَامَهُ وُصَلِّ صَلَاةَ الفَجْرِ فِى أَوَّلِ العَصْرِ
فَهذِى صَلَاةُ العَارِفِينَ بِرَبِّهِم فَإِنْ كُنْتَ مِنْهُم فَانْضَحِ البَرَّ بِالبَحْرِ
قُلْنَا : ” الوُضُوءُ هُنَا طَهَارَةُ أَعْضَاءِ الصِّفَاتِ القَلْبِيَّةِ مِنَ النَّجَاسَاتِ المَعْنَوِيَّةِ بِمَاءِ غَيْبِ التَّوْحِيدِ الَّذِى لَيْسَ عَلَى تَطْهِيرِهِ مِنْ مَزِيدٍ ، وَيُرِيدُ بِهِ تَوْحِيدَ العِيَانِ ، فَإِنْ لَمْ تَجِدْهُ فَتَطَهَّر بِصَعِيدِ البُرْهَانِ ، وَقَدِّمْ إِمَامَاً كَانَ فِى يَومِ الخِطَابِ ثُمَّ صِرْتَ أَنتَ إِمَامَهُ بَعْدَ سَدْلِ الحِجَابِ ، وَصَلِّ صَلَاةَ الفَجْرِ أَىْ صَلَاةَ نَهَارِ كَشْفِ شُهُودِكَ بَعْدَ حِجَابِ ظُلْمَةِ وُجُودِكَ فِى أَوَّلِ العَصْر أَىْ فِى أَوَّلِ زَمَانِ العُمْرِ ، تَجَرَّدْ بِفَقْرِكَ وَلَا تَتَأَخَّرْ عَنْ دَوْرِكَ لِأَنَّ الحُكْمَ لِلوَقْتِ ، وَالتَّوْقِيتُ لَهُ مَقْتٌ ، هَذَا فِى صَلَاةِ المُحَقِّقِينَ العَارِفِينَ بِرَبِّهْم الَّذِينَ لَاْ يَخْرُجُونَ عَنْ مُتَابَعَةِ الأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ فِى جَمِيعِ مَشَاهِدِ شُهُودِ الرُّبُوبِيَّةِ ، فَإِنْ كُنْتَ مِنْهُم وَقُمْتَ بِآدَابِهِم ، فَانْضَحِ البَرَّ بِالبَحْرِ أَىْ اغْسِل بِمَاءِ بَحْرِ الحَقِيقَةِ مَا تَدَنَّسَ مِنْ بَدَنِكَ فِى بَرِّ الشَّرِيعَةِ “.
مَا نَالَ مَنْ جَعَلَ الشَّرِيعَةَ جَانِبَاً شَيْئَاً وَلَو بَلَغَ السَّمَاءَ مَنَارُهُ
( فَتْحُ طِلَّسْمِ الكَنْزِ ) قَالَ لِسَانُ الوَارِدِ : ” هَذِهِ نُجُومُ فَرَائِدَ ، طَلَعَتْ بِسَمَاءِ فَوَائِدَ وَأَشْرَقَتْ بِشُمُوسِ مَشَاهِدَ ” ، اعْلَمْ أَيُّهَا المُشَاهِدُ أَنَّ الجَلَالَ وَالجَمَالَ هُمَا عَيْبٌ ظَاهِرٌ مَا يَبْدُو عَنْهُمَا فِى كُلِّ حَضْرَةٍ مِنْ حَضَرَاتِ التَّلْوِينِ وَأَطْوَارِ تَجَلِّيَاتِ التَّعْيِينِ ، مِثَالُ ذَلِكَ فِى التَّلْوِينِ فِى أَطْوَارِ البَشَرِيَّةِ الكَامِلَةِ المَوْصُوفَةِ بِالنُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ ظُهُورُ خَوْفِ الإِجْلَاْلِ لِلجَلَالِ ، وَمَحَبَّةُ الجَمَالِ لِلْاتِّصَالِ ، وَفِى طَوْرِ الوِلَاِيَةِ ظُهُورُ خَوْفِ العَاقِبَةِ لِعَدَمِ العِصْمَةِ ، وَرَجَاءُ القُرْبِ لِلْكَرَمِ الْوَاسِعِ وَالرَّحْمَةِ ، فَلِهَذَا يَكُونُ الوَلِىُّ فِيهَا مُحَرَّرَ اللِّسَانِ ، مِيزَانُ سَيْرِهِ بَيْنَ الخَوْفِ وَالرَّجَاءِ ، حَذِرَاً مِنْ نُقْصَانِ إِحْدَى الكِفَّتَيْنِ ، لِأَنَّ بِهَاتَيْنِ الكِفَّتَيْنِ يَصِيرُ لَهُ جَنَاحَانِ بِهِمَا يَطِيرُ عَلَى سِلْسِلَةِ الاسْتِقَامَةِ فِى الدُّنْيَا وَيُسْرِعُ فِى صِرَاطِ الامْتِحَانِ فِى الآخِرَةِ ، وَحِكْمَةُ ظُهُورِهِمَا تَخْتَلِفُ بِحَسْبِ كُلِّ مَقَامٍ ، فَفِى مَقَامِ الخِلَافَةِ يَظْهَرَانِ بِالعَفْوِ وَالقِصَاصِ لِأَجْلِ مَقَامِ الاخْتِصَاصِ .
قَالَ اللِّسَانُ الشَّرِيفُ ، العَزِيزُ التَّعْرِيفِ :
لَهُ خُلُقُ الرَّحْمَنِ فِى العَفْوِ مِثْلَمَا لَهُ خُلُقُ الجَبَّارِ حَقَّا إِذَا اقْتَفَى
وَيَظْهَرَانِ فِى مَقَامِ كَرَمِ الأَخْلَاقِ العَلِيَّةِ وَالأَوْصَافِ المَرْضِيَّةِ بِاللِّينِ وَالخُشُونَةِ الأَبِيَّةِ لِأَجْلِ نَزَاهَةِ النَّفْسِ مِنَ الأَوْصَافِ الدَّنِيَّةِ .
كَرِيمٌ يَغُضُّ الطَّرْفَ فَضْلُ حَيَائِهِ وَيَرْنُو وَأَطْرَافُ الرِّمَاحِ دَوَانِى
حَكَى السَّيْفَ إِنْ لَايَنْتَهُ لَانَ مَسُّهُ وَحَدَّاهُ إِنْ خَاشَنْتَهُ خَشِنَانِ
وَيَظْهَرَانِ فِى مَقَامِ الجَبَرُوتِيَّةِ لِأَجْلِ مَصْلَحَةِ الحِكْمَةِ فِى البَرِيَّةِ وَالإِضْرَارِ ، يَشْهَدُ ذَلِكَ أُولُو البَصَائِرِ وَالأَبْصَارِ .
إِذَا أَنْتَ لَمْ تَنْفَعْ فَضُرَّ فَإِنَّمَا يُرْجَى الفَتَى كَيْمَا يَضُرُّ وَيَنْفَعُ
وَأَمَّا ظُهُورُهُمَا فِى أَسْرَارِ التَّكْوِينِ فَفِيمَا يَشْهَدُهُ مِنَ الحَسَنِ وَالقَبِيحِ وَالأَلْكَنِ وَالفَصِيحِ وَالمَرِيضِ وَالصَّحِيحِ وَالنَّاقِصِ وَالكَامِل وَالقَاطِعِ وَالوَاصِلِ وَالظَّلَامِ وَالنُّورِ وَالحُزْنِ وَالسُّرُورِ ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الأَمُورِ ، وَأَمَّا ظُهُورُهُمَا بِأَطْوَارِ تَجَلِّيَّاتِ التَّعْيِينِ ، فَمَا أَشْهَدَهُ الحَقُّ لِأُوْلِى البَصَائِرِ وَالاطِّلَاعِ فِى حَضَرَاتِ شُهُودِ مَشَاهِدِ الدَّرَجَاتِ الرِّفَاعِ مِنْ حِكْمَةِ التَّدْبِيرِ وَقَضَاءِ التَّقْدِيرِ فِى كُلِّ تَعْسِيرٍ وَتَيْسِيرٍ .
فَلِهَذَا تَرَاهُم قَدْ اسْتَوَى عِنْدَهُم شُهُودُ وَصْفِ الجَلَالِ وَالجَمَالِ ، عِلْمَاً مِنْهُم أَنَّ ذَلِكَ يُورِثُ مَقَامَ الكَمَالِ.
يَا حَاكِمِى وَحَكِيمى أَحْكَامُكَ الكُلُّ حِكْمَةٌ
إِنْ أَثَبْتَ بِالنِّعْمَةِ فَذَلِكَ مِنْكَ فَضْلٌ ، وَإِنْ حَكَمْتَ بِالنِّقْمَةِ فَذَلِكَ مِنْكَ عَدْلٌ ، فَلَا تَحْجِبْنَا بِأَحَدِ الوَصْفَيْنِ عَنْ شُهُودِ الآخَرِ فَتَكُونَ مِنَ المَحْجُوبِينَ عَنْكَ ، بَلِ اكْشِفْ لَنَا عَنْكَ بِكَ ، يَامَنْ كُلُّ وَصْفٍ لِمَخْلُوقٍ نَشَأَ عَنْ وَصْفِهِ وَلَوْلَا وَصْفُكَ مَا كَانَ وَصْفُنَا ، فَصَفِّنَا مِنْ كَدَرِنَا حَتَّى نَرَى وَصْفَكَ فِى مِرْآةِ وُجُودِنَا المُسْتَفَادِ مِنْ جُودِ وُجُودِكَ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَئٍ قَدِيرٌ ، فَمِنْكَ بَدَأْنَا وَبِكَ قُمْنَا وَإِلَيْكَ المَصِيرُ ، أَنْتَ مَوْلَانَا فَنِعْمَ المَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ .
( حَلُّ مُعَمَّى اللُّغْزِ ) نَزَلَ العَارِفُ عَلَى سَاحِلِ بَحْرِ المَعَانِى الذَّوْقِيَّةِ وَأَشْرَقَتْ عَلَيْهِ هُنَاكَ شَمْسُ المَعَارِفِ الكَشْفِيَّةِ فَصَارَ بِذَلِكَ أُفُقُ طُلُوعِهَا بِنُورِ شُرُوقِهَا وَمَحَلُّ غُرُوبِهَا بَعْدَ بُرُوقِهَا ، لَهُ التَّصَرُّفُ فِى جَوَاهِرِ التَّحْقِيقِ وَاليَدُ الطُّولَى فِى التَّدْقِيقِ ، فَيَامَنْ دَخَلَ بَحْرَ التَّوْحِيدِ وَاسْتَغْنَى بِشَمْسِ الذَّاتِ وَاسْتَنَارَ بِنُورِ الصِّفَاتِ وَقَرَأَ سِرَّهُ المَكْتُومَ وَفَهِمَ تَعَلُّقَ العِلْمِ بِالمَعْلُومِ وَحَلَّ بُحْبُوحَةَ ذَلِكَ الفَضَاءِ الوَاسِعِ فِى حَضَرَاتِ شُهُودِ النُّورِ السَّاطِعِ ، أَنْتَ الغَرِيبُ فِى الأَ كْوَانِ لِمَا جَمَعْتَ مِنْ حَقَائِقِ العِرْفَانِ ، حَضْرَةُ غَيْبِكَ لَا تُفْهَمُ وَأَسْرَارُ حِكْمَتِكَ لَا تُعْلَمُ .
وَمُذْ عَنْكَ غِبْنَا ذَلِكَ العَامَ إِنَّنَا نَزَلْنَا عَلَى بَحْرِ وَسَاحِلُهُ مَعَنَا
وَشَمْسٌ عَلَى المَعْنَى تُوَافِقُ أُفْقَنَا فَمَغْرِبُهَا فِينَا وَمَشْرِقُهَا مِنَّا
وَمَسَّتْ يَدَانَا جَوْهَرَاً مِنْهُ رُكِّبَتْ نُفُوسٌ لَنَا لَمَّا صَفَتْ فَتَجَوْهَرْنَا
فَمَا السِّرُّ وَالمَعْنَى وَمَا الشَّمْسُ قُلْ لَنَا وَمَا جَوْهَرُ البَحْرِ اَّلذِى عَنْهُ عَبَّرْنَا
حَلَلْنَا وُجُودَاً وَاسْمُهُ عِنْدَنَا الفَضَا يَضِيقُ بِنَا وِسْعَاً وَنَحْنُ فَمَا ضِقْنَا
تَرَكْنَا البِحَارَ الزَّاخِرَاتِ وَرَاءَنَا فَمِنْ أَيْنَ يَدْرِى النَّاسُ أَيْنَ تَوَجَّهْنَا
( فَتْحُ طِلَّسْمِ الكَنْزِ ) قَالَ اللهُ تَعَالَى :﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا ِلآدَمَ فَسَجَدُوا ﴾.
فَإِنْ قُلْتَ : ” السُّجُودُ لِغَيْرِ اللهِ حَرَامٌ ، فَكَيْفَ جَازَ هَذَا السُّجُودُ ؟ ” ، قُلْنَا : ” هَذَا السُّجُودُ مَعَنَاهُ خُضُوعُ الأَصْغَرِ لِلأَ كْبَرِ ، لَا أَنَّهُ سُجُودُ المَرْبُوبِ لِلرَّبِّ لِأَنَّ آدَمَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) عَبْدٌ لَارَبٌ لَكِنَّهُ أَكْرَمُ فِى الصُّورَةِ الآدَمِيَّةِ بِظُهُورِ النَّسَمَةِ المُحَمَّدِيَّةِ ، فَهَذَا الَّذِى أَوْجَب السُّجُودَ لَهُ فِى هَذَا المِحْرَابِ يَا أُولِى الأَلْبَابِ ، وَذَلِكَ أَنَّ رَأْسَ مُحَمَّدٍ مِيمٌ وَيَدَاهُ حَاءٌ وَسُرَّتَهُ مِيمٌ وَسَاقَاهُ دَالٌ ، وَلِذَلِكَ كَانَ يُكْتَبُ فِى الخَطِّ القَدِيمِ عَلَى صُورَةِ الإِنْسَانِ ، فَإِنْ قُلْتَ : ” هَلَّا ظَهَرَتْ اليَدُ الأُخْرَى حَتَّى تُقْرَأَ يُمْنَى وَيُسْرَى ؟”، قُلْنَا :” وَإِذَا كُتِبَ كَذَلِكَ كَانَ أَبْلَغَ فِى المَدْحِ ، وَذَلِكَ أَنَّهُ ثَبَتَ عَنْهُ (صَلَّي اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم) أَنَّهُ كَانَ يَنْظُرُ مِنْ خَلْفِهِ كَمَا يَنْظُرُ أَمَامَهُ فَيَصِيرُ يَسَارَ الخَلْفِ يَمِينَاً لِذَلِكَ الوَجْهِ المُخْتَصِّ بِهِ (صَلَّي اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم) “، وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ العَارِفِينَ : ” لَا يَصِحُّ أَن يُقَالَ لَهُ يَسَارٌ بَلْ يُقَالُ لَهُ اليَمِينُ الأُولَى وَاليَمِينُ الثَّانِيَةُ أَوْ يَمِينُ وَجْهِهِ وَيَمِينُ خَلْفِهِ ” ، هَذَا أَدَبُ أَهْلِ الحَقِيقَةِ ، وَيُؤَيِّدُ مَقَالَنَا مَا قَالَ أُسْتَاذُنَا :
لَوْ أَبْصَرَ الشَّيْطَانُ طَلْعَةَ نُورِهِ فِى وَجْهِ آدَمَ كَانَ أَوَّلَ مَنْ سَجَدْ
وَهُوَ )صَلَّي اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم) نُورُ كُلِّ الرُّسُلِ وَالأَنْبِيَاءِ وَجَمِيعِ أَهْلِ الصَّلَاْحِ مِنَ الأَتْقِيَاءِ .
عِيسَى وَآدَمُ وَالصُّدُورُ جَمِيعُهُم هُمْ أَعْيُنٌ هُوَ نُورُهَا لَمَّا وَرَدْ
وَذَلِكَ أَنَّهُ (صَلَّي اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم) جَمَعَ اللهُ لَهُ نُورَ الأَنْبِيَاءِ وَإِرْشَادَ الرُّسُلِ وَهِدَايَةَ الأَوْلِيَاءِ ثُمَّ اخْتَصَّهُ بِنُورِ الخَتْمِ .
( وِهِهُنَا لَطِيفَةٌ ) وَهِى أَنَّ اسْمَ مُحَمَّدٍ ، المِيمُ الأَوَّلُ مِنْهُ إِذَا قُلْتَ مِيم كَانَ ثَلَاثَةَ أَحْرُفٍ، وَالحَاءُ حَرْفَانِ حَاءٌ وَأَلِفٌ وَالهَمْزَةُ لَاتُعَدُّ لِأَنَّهَا أَلِفٌ، وَالْمِيمَانِ المُضَعَّفَانِ كَذَلِكَ سِتَّةُ أَحْرُفٍ ، وَالدَّالُ كَذَلِكَ دَالُ أَلِفٌ لَامٌ ، فَإِذَا عَدَدْتَ حُرُوفَ اسْمِهِ كُلَّهَا ظَاهِرَهَا وَبَاطِنَهَا حَصَلَ لَكَ مِنَ العَدَدِ ثَلَاثُمَائَةُ وَأَرْبَعَةُ عَشْرَ عَلَى عَدَدِ الرُّسُلِ الجَامِعِينَ لِلنُبُوَّةِ ، وَيَبْقَى وَاحِدٌ مِنَ العَدَدِ هُوَ مَقَامُ الوِلَايَةِ المُفَرَّقِ عَلَى جَمِيعِ الأَوْلِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ التَّابِعِيْنَ لِلأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِم أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ .
( وَهَهُنَا دَقِيقَةٌ ) وَهِىَ كَوْنُهُ لَم يَبْقَ لِلأَوْلِيَاءِ مِنَ العَدَدِ إِلَّا الفَرْدُ لِأَنَّ فِيهِم الأَفْرَادَ الَّذِينَ اخْتَصُّوا فِى التَّحْقِيقِ بِالانْفِرَادِ ، أُولَئِكَ الآحَادُ ، الوَاحِدُ مِنْهُم يَجْعَلُهُ الحَقُّ فِى كَيَانِهِ جَامِعَاً لِنُورِ زَمَانِهِ ، وَهَذِهِ الدَّقِيقَةُ الفَرَدِيَّةُ مِنَ الحَقِيقَةِ الجَامِعَةِ المُحَمَّدِيَّةِ .
وَلَيْسَ عَلَى اللهِ بِمُسْتَنْكَرٍ أَن يَجْمَعَ العَالَمَ فِى وَاحِدٍ
( حَلُّ مُعَمَّى اللُّغْزِ ) قَالَ عَارِفٌ : ” النَّبِىُّ مُشَرِّعٌ لِلعُمُومِ ، وَالوَلِىُّ مُشَرِّعٌ لِلخُصُوصِ “، قُلْنَا :” أَىِ
الرَّسُولُ النَّبِىُّ الوَلِىُّ مُبَيِّنٌ لِلْعَوَامِّ بِرِسَالَتِهِ، وَمُبِيِّنٌ لِلْخَوَاصِّ بِوِلَايَتِهِ لَا أَنَّ الوَلِىَّ يُشَرِّعُ الأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ، لَكِنْ تَتَبَيَّنُ لَهُ الحَقَائِقُ الكَشْفِيَّة بِطَرِيقِ الوِرَاثَةِ لِلأَنْبِيَاءِ ، وَهَذَا لَا يُنْكَرُ عَلَى السَّادَةِ الأَوْلِيَاءِ” .
( فَتْحُ طِلَّسْمِ الكَنْزِ ) قَالَ عَارِفٌ : ” الخُضْرِيَّةُ مَقَامٌ ، فَأُنْكِرَ عَلَيْهِ هَذَا الكَلَامُ “، قُلْنَا :” الوَلِىُّ المَحْبُوبُ، المُطَّلِعُ عَلَى الغُيُوبِ ، يُعْطَى مِنَ الكَرَامَاتِ مَا كَانَ لِلخَضِرِ مِنَ المُعْجِزَاتِ ، وَذَلِكَ عِنْدَ الوِرَاثَةِ الخَضِرِيَّةِ قَبْلَ الوِرَاثَةِ المُوسَويَّةِ ، وَالوِرَاثَةُ مَقَامٌ ، فَافْهَم يَامُنْكِرَ الكَلَامِ” .
( حَلُّ مُعَمَّى اللُّعْزِ ) قَالَ عَارِفٌ :” لَيْسَ فِى الإِمْكَانِ أَبْدَعُ مِمَّا كَانَ ” ، قُلْنَا :” إِمْكَانَ الحِكْمَةِ الإِلهِيَّةِ لَاْ إِمْكَانَ القُدْرَةِ الرَّبَّانِيَّةِ ، وَهَذَا اللَّائِقُ بِفَهْمِ كَلَامِ هَذَا الإِمَامِ ، حُجَّةَ الإِسْلَامِ “.
( فَتْحُ طِلَّسْمِ الكَنْزِ ) قَالَ عَارِفٌ :” أَخْبَرَنِى قَلْبِى عَن رَبِّي ، قَالَ : مَنْ أَنْكَرَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى لَم يُكَلِّمْ إِلَّا مُوسَى الأَ كْبَرَ” ، قُلْنَا : ” مُوسَى (عَلَيْهِ السَّلَامُ) اخْتَصَّهُ اللهُ بِالكَلَامِ وَالوَلِىُّ يَمْنَحُهُ اللهُ خَبَرَ الإِلْهَامِ ، وَهُوَ وَحْىُ الأَوْلِيَاءِ الَّذِى هُوَ دُونَ وَحْىِ الأَنْبِيَاءِ ، فَفَرْقٌ بَيْنَ خَبَّرَ وَكَلَّمَ ، يَامَنْ أَنْكَرَ وَ تَوَهَّمَ .
( حَلُّ مُعَمَّى اللُّغْزِ ) قَالَ عَلِىٌّ بِنُ أَبِى طَالِبٍ (رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ) :
أَتَحْسَبُ أَنَّكَ جُرْمٌ صَغِيرٌ وَفِيكِ انْطَوَى العَالَمُ الأَ كْبَرُ
قُلْنَا : ” الإِنْسَانُ يُوَازِى الكِيَانَ ، وَذَلِكَ أَنَّ الحَكِيمَ (سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى) لَمَّا رَكَّبَ العَالَمَ العُلْوِىَّ جَعَلَ الأَفْلَاكَ فِيهِ تِسْعَ طِبَاقَا بَعْضَهَا فَوْقَ بَعْضٍ ، وَجَعَلَ فِى كُلِّ طَبَقَةٍ جِنْسَاً مِنَ المَلَائِكَةِ ﴿ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَايَفْتُرُونَ ﴾ وَكَذَلِكَ رَكَّبَ بِنْيَةَ الإِنْسَانِ مِنْ تِسْعِ جَوَاهِرَ بَعْضِهَا فَوْقَ بَعْضٍ وَجَعَلَ فِى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ القُوَى وَالحَرَكَةِ الدَّائِمَةِ كَالنَّبْضِ مَالَا يَفْتُرُ عَنِ الحَرَكَةِ إِلَى وَفَاءِ المُدَّةِ وَهِىَ العِظَامُ وَالمُخُّ وَالعَصَبُ وَالعُرُوقُ وَالدَّمُ وَاللَّحْمُ وَالشَّحْمُ وَالجِلْدُ وَالشَّعْرُ وَكُلُّ جَوْهَرٍ مِنْهَا يَزِيدُ وَيَنْمُو ، وَلَمَّا كَانَ الفَلَكُ مَقْسُومَاً لِاثْنَى عَشَرَ بُرْجَاً كَذَلِكَ فِى بِنْيَةِ الإِنْسَانِ اثْنَا عَشَرَ ثُقْبَاً مُمَاثِلَةٌ لَهَا وَهِىَ العَيْنَانِ وَالأُذُنَانِ وَالمَنْخَرَانِ وَالثَّدْيَانِ وَالسَّبِيلَاْنِ وَالفَمُ وَالسُّرَّةُ ، وَلَمَّا كَانَتْ مِنْهَا سِتَّةٌ شَمَالِيَّةٌ وَسِتَّةٌ جَنُوبِيَّةٌ كَذَلِكَ انْقَسَمَتِ الأَثْقُبُ سِتَّةً فِى الجَانِبِ الأَيْمَنِ وَسِتَّةً فِى الجَانِبِ الأَيْسَرِ ، وَلَمَّا كَانَ فِى الفَلَكِ سَبْعُ كَوَاكِبَ سَيَّارَةٍ ، كَذَلِكَ وُجِدَ فِى الإِنْسَانِ سَبْعُ قُوَىً يَكُونُ بِهَا صَلَاحُ الجَسَدِ .
وَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الكَوَاكِبُ أُعْطِيَتْ مِنْ بَارِيِهَا الفِعْلَ بِرُوْحَانِيَّتِهَا فِى النُّفُوسِ كَذَلِكَ جَعَلَ فِى جَسَدِ الإِنْسَانِ سَبْعَ قُوىً جُسْمَانِيَّةٍ وَهِىَ :القُوَّةُ الجَاذِبَةُ وَالمَاسِكَةُ وَالهَاضِمَةُ وَالدَّافِعَةُ وَالغَازِيَّةُ وَالنَّامِيَةُ وَالمُصَوِّرَةُ ، ثُمَّ جَعَلَ فِيهِ سَبْعَ قُوىً رُوحَانِيَّةٍ وَهِىَ :البَاصِرَةُ وَالسَّامِعَةُ وَالذَّائِقَةُ وَالشَّامَّةُ وَاللَّامِسَةُ وَالنَّاطِقَةُ وَالعَاقِلَةُ ، وَلَمَّا كَانَتْ تَحْتَ فَلَكِ القَمَرِ أَرْبَعَةُ أَرْكَانٍ وَهِىَ الأُمَّهَاتُ ، أَعْنِى النَّارَ وَالهَوَاءَ وَالمَاءَ وَالأَرْضَ، وَبِهَذِهِ قَوَامُ الأَشْيَاءِ المُوَلَّدَةِ فِى الحَيَوَانِ وَالنَّبَاتِ وَالمَعْدِنِ ، كَذَلِكَ وُجِدَ فِى بِنْيَةِ جَسَدِهِ أَرْبَعَةُ أَعْضَاءٍ هِىَ تَمَامُ جُمْلَةُ الإِنْسَانِ ، أَوَّلُهَا الرَّأْسُ ثُمَّ الصَّدْرُ ثُمَّ البَطْنُ ثُمَّ جَوْفُهُ إِلَى قَدَمِهِ ، فَالرَّأْسُ مُوَازِنٌ لِلنَّارِ وَالصَّدْرُ مُوَازِنٌ لِلهَوَاءِ وَالبَطْنُ مُوَازِنٌ لِلمَاءِ وَجَوْفُهُ إِلَى قَدَمِهِ مُوَازِنٌ لِلأَرْضِ .
( وَبَيَانُ المُشَابَهَةِ ) إِنَّ الرَّأْسَ إِنَّمَا شُبِّهَ بِالنَّارَ لِأَجْلِ أَشِعَّةِ البَصَرِ وَمَا يَتَصَاعَدُ إِلَيْهِ مِنْ أَبْخِرَةِ أَنْفَاسِهِ الحَارَّةِ ، وَالصَّدْرُ شُبِّهَ بِرُكْنِ الهَوَاءِ لِاسْتِنْشَاقِهِ الهَوَاءَ وَتَرَدُّدِهِ فِى الرِّئَةِ مَرَّةً إِلَى دَاخِلٍ وَمَرَّةً إِلَى خَارِجٍ ، وَمَرَّةً يَسْكُنُ وَمَرَّةً يَتَحَرَّكُ ، وَالبَطْنُ شُبِّهَ بِالمَاءِ لِمَا فِيهِ مِنَ الرُّطُوبَاتِ المَائِعَاتِ ، وَمِنْ عَانَتِهِ إِلَى قَدَمِهِ شُبِّهَ بِالأَرْضِ لِمَا فِيهِ مِنَ العِظَامِ اليَابِسَةِ الجَامِدَةِ الَّتِى يَكُونُ المُخُّ فِيهَا مَخْفِيًّا كَمَا أُخْفِيَتِ المَعَادِنُ فِى التُّرَابِ ، وَاسْتِقْرَارُ الثَّلَاثَةِ عَلَيْهَا كَذَلِكَ الرَّأْسُ وَالصَّدْرُ وَالبَطْنُ مُسْتَقِرَّةٌ جَمِيعُهَا عَلَى الرِّجْلَيْنِ ، وَلَمَّا كَانَ فِى العَالَمِ الشَّمْسُ وَالقَمَرُ، جَعَلَ فِى الإِنْسَانِ رُوْحَاً وَعَقْلاً ، فَالرُّوحُ كَالشَّمْسِ وَالعَقْلُ كَالقَمَرِ ، وَلَمَّا كَانَ فِيهِ مَلَائِكَةٌ وَشَيَاطِيْنٌ ، جَعَلَ فِى الإِنْسَانِ إِرَادَتَهُ وَنِيَّاتِهِ الحَسَنَةَ كَالمَلَائِكَةِ وَخَوَاطِرَهُ وَنِيَّاتِهِ السَّيِّئَةَ كَالشَّيَاطِينِ ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَكْثُرُ جَلْبُهُ وَلَا يَسَعُ هَذِهِ الكَرَارِيسُ كَتْبَهُ ، فَإِذَا تَأَمَّلَ اللَّبِيبُ سِرَّ حِكْمَةِ بِنْيَةِ الإِنْسِانِ وَانْفَتَحَ لَهُ فِيهَا أَبْوَابُ النَّظَرِ بِالعِرْفَانِ ، عَلِمَ يَقِينَاً أَنَّ هَذِهِ النُّسْخَةَ الإِنْسَانِيَّةَ نُسْخَةُ كَمَالٍ قُوبِلَ بِهَا الحَضْرَةُ الرَّبَّانِيَّةُ :
يَاتَائِهَاً فِى مَهْمَـــــهٍ عَنْ سِرِّهِ ارْجِعْ تَجِدْ فِيكَ الوُجُودَ بِأَسْرِهِ
أَنْتَ الكَمَالُ حَقِيقَةً وَطَرِيقَةً يَاحَاوِيَــــــاً سِــــرَّ الإِلَهِ بِأَسْرِهِ