الإلحاد في المجتمع ،الأبعاد الخطيرة ، الدوافع واستراتيجيات العلاج

بقلم الدكتورة : زينب بسيوني ابو اليزيد
مدرس العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر

 

الحمد لله الذي جعل الإيمان قُوتَ القلوب، ونورَ الدروب، وسُلوى المكلوم المكروب الحمد لله الذي أنشأ وبرا ، وخلق الماء والثرى ، وأبدع كل شيء ذرا ، لا يغيب عن بصره دبيب النمل في الليل إذا سرى ، ولا يعزب عن علمه ما عن وما طرا واصلى على سيدنا محمد أصل الأصول، نور الجمال، وسر القبول، أصل الكمال، وباب الوصول، صلاة تدوم ولا تزول، من جاهه مقبول، ومحبه موصول، المكرم بالصدق في الخروج والدخول، صلاة تشفي من الأسقام والنحول والأمراض والذبول، وننجو بها يوم الكرب العظيم من الذهول، صلاة تشمل آل بيت الرسول والأزواج والأصحاب، وتعم الجميع بالقبول، الشباب فيهم والكهول، وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.

وبعد،،،،
يُروى عن الإمام الفضيل بن عياض دعاءٌ عميقٌ ومؤثرٌ لابنه، يعكس فيه غاية توكله على الله واعترافه بعجزه البشري عن إصلاح من يحب. كان يقول: “اللهم إني عجزت عن إصلاح ولدي فأصلحه لي”. هذه الكلمات القليلة تحمل في طياتها معاني عظيمة من التضرع واللجوء إلى القوة الإلهية المطلقة.

إن من الكوارث العظيمة التي تفاقمت في هذه الأيام وانتشرت بشكل كبير، ظاهرة الإلحاد وإنكار وجود الخالق سبحانه وتعالى. نلاحظ تزايدًا في الجرأة على التصريح بمعتقدات وأفكار شاذة تحمل في طياتها معاني الإلحاد والكفر والزندقة، فضلًا عن التشكيك في الثوابت والمقدسات التي تُعتبر من المسلمات في المجتمعات. هذا الانتشار يُعدُّ تحديًا خطيرًا للقيم الدينية والأخلاقية، ويتطلب مواجهة فكرية وثقافية لتصحيح المفاهيم وحماية الإيمان.

وقد خاطب الشيخ محمد متولى الشعراوى رحمة الله عليه الملحد بقوله : أنت أيها الإنسان الذي ألحد فأنكر وجود إله ، لا تشك في وجود نفسك ولا في كونٍ أنت تتصل به اتصال انتفاع، فإذا ما استعرضت نفسك والكون الذي تنتفع به، وجدت نفسك سيد هذا الكون، لأن الكون المُحس لك لا يخرج عن أجناس تقترب منك مرة وتبتعد أخرى، وأقرب هذه الأجناس إليك الحيوان إلا أنّك تتميز عنه بالفكر، ويأتي جنس آخر يقرب من الحيوان إلا أنّ الحيوان يمتاز عنه بالحس والحركة وهو النبات، ويأتي جنس آخر يتميز عنه النبات بالنمو وهو الجماد، لذا فأنت بالاستقراء الوجودي جنس بين أجناس، هذه الأجناس حيوان يقرب منك، ونبات يبعد عنك مرحلتين، وجماد يبعد عنك ثلاثة مراحل.

وإذا نظرالإنسان إلى سيادته على هذه الأجناس، يجد أنّ كل جنس أدنى يكون في خدمة الجنس الأعلى، فالجماد في خدمة النبات يمدّه بعناصر غذائه لينمو مثل الماء، ثم يأتي ليخدم الحيوان والإنسان أيضًا لذا فالماء في خدمة الأجناس الثلاثة الذين يعلوه، فإذا انتقلت إلى جنس النبات فهو في خدمة الحيوان، وإذا ارتقيت إلى جنس الحيوان فهو في خدمة ذلك الإنسان، لذا فالإنسان سيد هذه الأجناس كلها، وهذه الأدلة كلها استقرائية وجودية لا يحتاج فيها الإنسان إلى قال الله أو قال رسول الله.

لم يكن الإلحاد ظاهرة جديدة تمامًا، فقد ذكر القرآن الكريم المعاندين والمكذبين في مواضع عدة. إلا أن ما يميز الإلحاد المعاصر هو انتشاره الواسع وسهولة تداوله، خاصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي توفر منصات لنشر الشبهات والأفكار الإلحادية .

القرآن الكريم يصف حال المكذبين بقوله تعالى: (وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْمَدِينَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُورًا )هذه الآية تدل على إنكار البعث والقيامة، وهي صورة من صور الإلحاد. كما يصف القرآن حال المستهزئين بالحق: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ) يكمن الخطر الأكبر للإلحاد في تأثيره على منظومة القيم والأخلاق التي تقوم عليها المجتمعات المسلمة. فغياب الإيمان بوجود الله واليوم الآخر يؤدي إلى تفكك الروابط الاجتماعية وانتشار الفردية والأنانية وفساد وهلاك المجتمعات.

أسباب الإلحاد ، تتعدد الأسباب التي قد تدفع الأفراد إلى الإلحاد، ومنها :

✓ الشبهات الفكرية والعلمية: قد يواجه بعض الأفراد شبهات توهم تعارض الدين مع العلم أو صعوبة فهم بعض النصوص الدينية أو الغاية من بعض الأحكام الدينية.

✓ التجارب الدينية السلبية: قد تكون التجارب السيئة مع بعض المتدينين المتهمين بالجمود والتشدد .

فالإسلام ينهى عن الغلو والتطرف في الدين. قال الله تعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ )

✓ النشأة وضعف التربية الإيمانية: قد يكون غياب التربية الدينية الصحيحة من الأسباب الرئيسية.
فقد قال النبي ﷺ: “كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه” (رواه البخاري ومسلم)

✓ تأثير الرغبات والشهوات: قد يكون رفض الأوامر والنواهي الشرعية سبباً في البحث عن مبررات لرفض الدين.

فقد قال الله تعالي:( أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ)

✓✓العلاج
•• تعزيز الفهم الصحيح للإسلام:
تقديم الإسلام بمنهج وسطي، وإبراز سماحته ويسره.

•• التأكيد على الإعجاز العلمي في القرآن
•• الحوار الهادئ والعلمي

•• مواجهة الشبهات بالحجة العلمية والمنطقية.
•• التكافل الاجتماعي ورعاية الفرد
•• معالجة المشكلات النفسية والاجتماعية التي قد تدفع إلى الإلحاد.
•• التربية الإيمانية السليمة”

سوآء من الأسرة أوالمؤسسات التعليمية في غرس الإيمان وربط القلب بالله.

كما أن وجود الوالدين في حياة الأبناء يُعدّ عنصرًا حيويًا لنموهم النفسي والاجتماعي السليم. فالأب والأم لا يقتصر دورهما على توفير الاحتياجات المادية فحسب، بل يتجاوز ذلك ليشكل الركيزة الأساسية في بناء شخصية الطفل وتكوينه العاطفي والسلوكي.

كما أن الإفراط في تلبية الاحتياجات المادية للأبناء يعد من المخاطر حيث إن الإسراف في إشباع رغبات الأبناء المادية ممارسة شائعة في العديد من الأسر، ومسارعة الوالدان إلى تلبية كل طلبات أبنائهم دون قيود أو ضوابط. وعلى الرغم من أن هذا السلوك غالبًا ما ينبع من دافع الحب العميق والرغبة الصادقة في إسعاد الأبناء، إلا أنه يحمل في طياته عواقب وخيمة على شخصياتهم وتكوينهم النفسي والاجتماعي.

ختاماً:
سأل الزمخشري أبا حامد الغزالي عن آية {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} فأجابه بقوله :
إذا استحال أن تعرف نفسك بكيفية أو أينية ، فكيف يليق بعبوديتك أن تصفه تعالى بأين أو كيف وهو مقدس عن ذلك ، ثم جعل يقول:
قل لمن يفهم عني ما أقول * قَصِّرِ القَولَ فذا شَرحٌ يَطول
ثَـمَّ سـرٌّ غامِـضٌ مـن دونـه * قَصرَت واللهِ أَعناقُ الفُحُول
أنـت لا تـعـرف إيّـاك ولا * تدرِ من أنت ولا كيف الوُصُول
لا ولا تدري صفاتٍ رُكِّبت * فيك حارت في خفاياها العُقُول
أين منك الرُّوحُ في جوهرها * هل تراها فترى كيف تَجُول
و كذا الأنفاسُ هل تحصُرُها * لا ولا تدري متى عنك تزُول
أين منك العقلُ والفَهمُ إذا * غَلَبَ النَّومُ فقُل لي يا جَهُول
أنـت أكـلُ الخُبـزِ لا تَعـرِفُهُ * كيف يَجرِي مِنكَ أم كيف تَبُول
فـإذا كانـت طَواياكَ الـتـي * بين جَنبَيكَ كذا فيها ضُلُول
كيف تَدرِي مَن على العَرشِ استَوى * لا تَقُل كيف استوى كيف النُّزُول
كيف يُحكى الرَّبُّ أم كيف يُرى * فلَعَـمرِي لـيس ذا إلّا فُـضُول
فـهو لا أيـن و لا كـيف لـهُ * وهو رَبُّ الكَيفِ والكَيفُ يَحُول
وهو فوقَ الفَوقِ لا فوقَ لَهُ * وهو في كُلِّ النَّواحِي لا يَزُول
جَـلَّ ذاتًـا وصِفـاتٍ وسَمـا * وتَـعالى قَـدرُهُ عَمـّا تَـقُول
قيل أن هذه القصيدة ليست للإمام الغزالي وإنما هي للإمام السيوطي
وصلى اللهم وسلم وبارك على سيدنا ومولانا رسول الله