معجزات الإسلام الكونية الباقية [الركائز الأساسیة للعدالة البیئیة]

بقلم الدكتور : حاتم عبد المنعم أحمد
أستاذ علم الاجتماع البیئى كلیة البيئة جامعة عین شمس

المقال التاسع من سلسلة معجزات الإسلام الباقية الركائز الأساسیة للعدالة البیئیة :

تعتمد فلسفة العدالة البیئیة على عدة ركائز متكاملة لبعضھا البعض نحاول عرضھا منفصلة بغیة التوضیح النظري مع الإقرار وتداخلھا وتكاملھا مع بعضھا بعضاً وھي ستة ركائز أساسیة یمكن عرضھا من خلال الآتي:

1 – أمر من ﷲ سبحانه وتعالى :

أولاً: أمر من ﷲ سبحانه وتعالى في قوله { فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ } [سورة: الشورى – الآیة15] ان تحقیق العدالة بمفھومھا الشامل أمر من ﷲ سبحانه وتعالى ویلاحظ أن المیزان كان یرمز للعدل في مصر الفرعونیة ویقول المولى سبحانه وتعالى: {وَأقَِیمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تُخْسِرُواْ الْمِیزَانَ} [سورة الرحمن – الآیة: 9].

قال تعالى: { يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى } [سورة: ص – الآیة: 26] ثم جاء الإسلام بتفاصیل واضحة وصارمة عن العدالة یمكن إیجازھا الآن فیما یلي:

أ‌ – أن المال وھو مال ﷲ سبحانه وتعالى :

قال تعالى: { لِلَّهِ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا فِيهِنَّۚ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرُۢ } [سورة المائدة – الآیة: 120] قال تعالى: { وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ۚ } [سورة النور – الآیة: 33] إن حق الملكیة الفردیة یقره الإسلام بقیود، لأن المال في الأساس ھو مال ﷲ، وعلى الإنسان أن یتذكر ذلك دائماً، وخاصة عند ما یعطي الفقیر أو الضعیف ویرتبط ذلك بحدیث عبد الرحمن بن عوف أن رسول ﷲ – صلى ﷲ علیه وسلم – قال:

ثلاث والذي نفس محمد بیده إن كنت لحالفاً علیھن لا ینقص مال من صدقة فتصدقوا، ولا یعفو عبد عن مظلمة یبتغي بھا وجھ ﷲ إلا رفعھ ﷲ بھا عزاً یوم القیامة، ولا یفتح

عبد باب مسألة إلا فتح ﷲ علیھ باب فقر وبالتالي یؤكد الشیخ الغزالي أن المال لیس ملك للإنسان، بل ھو مقید بحسن التصرف فیه لمصلحة المجتمع والمسلمین، وھذا یؤكد أن الملكیة الخاصة مقیدة لصالح المجتمع

ب‌ – إن الإنسان مستخلف بأمر ﷲ في الإنفاق في الصالح العام :

قال تعالى: { آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ ۖ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ } [سورة: الحدید – الآیة: 7].

ھذه الآیة توضح أن الإنسان وسیط أو وكیل وخلیفة في إنفاق المال، بما یرضي ﷲ والمال مال ﷲ، وھم خلفاء لا ملاك فھذه ملكیة التصرف والانتفاع ج- إن حق التصرف في المال مرھون بالرشد وإحسان القیام بالوظیفة :

لأنه إذا كانت الملكیة في الإسلام ھي ملكیة التصرف والانتفاع، فھذا یعني ان سوء التصرف بما لا یرضي ﷲ تنفي ھذه الملكیة .

ویقول المولى الكریم { وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا } [سورة النساء – الآیة: 5].

وھذا یعني أن المال مال ﷲ لمصلحة الجماعة، واستخلف فیه الفرد أو وظف له فرد أو أفراد وإذا لم یحسن التصرف فیه یعود للجماعة ویقول الغزالي”أن الظن بمحاسبة أصحاب المال على تصرفاتھم المالیة إنما تكون في الدار الآخرة فقط لیس صحیحاً، بل یحاسب علیه في الدنیا أیضاً، لأنه إذا كان من حق الأسرة أن تحجر على رب الأسرة إذا كان سفیھاً، فالمجتمع أولى بذلك وسیرة الخلفاءالراشدین تؤكد ذلك وھذا ما أخذ بھ عمر بن الخطاب رضي ﷲ عنھ عندما اخد ممتلكات المسلمین لحساب المجتمع، وقوله لا ثروة لأحد عند المجاعة، لأن إصلاح حال المجتمع ضرورة، حتى لو على حساب حقوق مكتسبة لبعض الأفراد ، لأن القاعدة تقول یجوز ھلك ثلث الناس لإصلاح حال الثلثین (الغزالي، 2005، 149).

د – كراھیة تركیز الثروة في أیدي قلة من المسلمین والعمل على الحد من الفوارق بین الطبقات :

قال تعالى: { مَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ ۚ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ *لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ } [سورة الحشر الآیات: 7 : 8]

وھذه الآیات أو تلك الآیتین تقر مبدأ إسلامي ھام في ملكیة المال، وھو كراھیة حبسه في أیدي فئة من الناس، یتداول بینھم ولا یجده آخرون قال تعالى: (كَيْ لَا یَكُونَ دُولَةً بَیْنَ الْأغَْنِیَاءِ مِنكُمْ) [سورة الحشر – الآیة: 7] ومعنى ھذا جواز أن یأخذ الحاكم بعض المال من الأغنیاء ویعطیه للفقراء، وعلى الحاكم أن یعید للمجتمع قدراً من التوازن في ملكیة المال، لتعدیل أوضاع وتحسین أحوال فقراء المجتمع، ففي قصة بني النضیر التي لم تقع فیھا الحرب بل استسلمت للنبي علیه الصلاة والسلام” فكان فیؤھا أو أرباحھا كله لله وللرسول عندئذ رأى الرسول “علیه الصلاة والسلام أن یعید لمجتمع المسلمین توازنه في ملكیة المال، فمنح ھذه المغانم أو الفيء للمھاجرین ورجلین فقیرین من الأنصار،حیث كان المھاجرون قد تركوا أموالھم وممتلكاتھم في مكة وبالتالي كانوا أكثر فقراً،لذلك خصھم “صلى ﷲ علیھ وسلم” لتحقیق التقارب بین الطبقات لیكون ھناك نوعاً من التوازن، ولكي لا یكون دولة بین الأغنیاء، ذلك لأن تضخم المال في جانب وإنحساره في الجانب الآخر مثارة مفسدة وحقد طبقي كبیر

ومن ھنا فالعدالة الاجتماعیة ملزمة الدولة، ولیست بالمحبة كما یدعي البعض أو بالاحسان لأن تحقیق العدالة أمر واضح وصریح من ﷲ سبحانه وتعالى للجمیع .

وإذا نظرنا إلى الزكاة وھي كما أوضحنا كانت موجودة قبل الإسلام، وھي وسیلة من وسائل تحقیق العدالة الاجتماعیة، من خلال الأخذ من أموال الأغنیاء وتوزیعھا على الفقراء، مما یؤدي بشكل تلقائي للحد من الفجوة بین الطبقات، والأھم أن الزكاة تؤدي إلى إزالة الحقد بین الطبقات، ولتوضیح ذلك إذا فرضنا أن ھناك مصنعین یمتلكھما

اثنان من رجال الأعمال، والمصنعین في منطقة فقیرة، وكان أحدھما یدفع الزكاة، بینما الآخر یرفضھا، فإذا تصورنا نشوب النار فجأة في كلا المصنعین ماذا سیكون رد فعل

الفقراء؟ المؤكد أنھم سوف یسعون بكل السبل لأخماد النار في مصنع معطي الزكاة بشكل

أساسي، لأن في ذلك مصلحة لھم وكلما زاده ﷲ في الرزق فرحوا بذلك، لأن تصیبھم من الزكاة سوف یزداد والعكس مع منكر الزكاة، ومن ھنا فالزكاة مثلھا مثل العدالة الاجتماعیة تذیب الحقد بین الطبقات، مما یسھم في حدوث التنمیة والتقدم، وعدم تفعیل العدالة الاجتماعیة سیزید من الاحتجاجات والمشكلات التي تھدد كیان المجتمع، ومن ھنا فتحقیق العدالة مصلحة ومنفعة للغني قبل الفقیر، لأن الغني لدیھ ما یخاف علیھ من مال وثروات، ویحتاج للأمن والأمان أكثر من الفقیر، الذي لیس لدیھ ما یخشاه فماذا یفعل الغني في دولة نصفھا أو كثیر منھا تحت خط الفقر ویغیب فیھا الأمن والأمان