سيدى العارف بالله تعالى الشيخ فتحي أحمد السيد الطهطاوي

بقلم الشيخ : محمود رأفت فتحى احمد

هو الشيخ العارف بالله، والوارث المحمدي، مرشد السالكين، ومربي المريدين، العالم الرباني، شريف النسبتين، طاهر السلالتين، أحد من أقامه الله رحمةً للعباد، وسخره تعالى لنشر أنوار الطريقة الشاذلية الفاسية ، وبث روحها في قلوب العباد، فأحيا بها ما اندرس من معالم السلوك، وقرّر بها أصول العرفان على منهاج أهل السنة والجماعة، من سلك طريق القوم على أصوله، وأخلص في المجاهدة والمراقبة، حتى فُتحت له أبواب الفتح، وصار من أهل الذِّكر والفهم والتوفيق، جمع بين الشريعة والحقيقة، وتحقق بمقام الإخلاص والإحسان، فكان إمامًا في العلم، راسخًا في العمل، حاضرًا في مقامات العرفان، سائرًا على هدي أئمة التصوف السُّني. افتخرت به الأزمان، ونزلت بساحته سكان مصر.


اسمه :
هو سيدى فتحي حمد السيد الطهطاوي المالكي الشاذلي الفاسي رضي الله عنه وأرضاه .

ولادته ونشأته:
ولد رضي الله عنه في مدينة طهطا، محافظة سوهاج، في شهر شعبان عام 1339 هـ 1921 م، ونشأ في بيئة طاهرة على محبة الله ورسوله، وتربّى على مكارم الأخلاق في حضرة أهل الله، فصقلته أنوار الصحبة، وغمَرته أسرار المحبة، وتجلّت عليه مواهب القَبول.

مع شيخه سيدى عمران احمد عمران رضى الله عنه:
درس في الازهر الشريف وتلقّى العلوم الشرعية والروحية على يد شيخه العارف بالله سيدي عمران بن احمد بن عمران المالكي مذهباً، السيوطي بلداُ ، الشاذلي الفاسي مشرباً الحسني نسباُ وشرفاً وقال له سيدي عمران “اسمك فتحي وسيفتح الله على يديك خيراً كثيراً” ، رضي الله تعالى عنه. الذي بشره حتى تأهّل للقيادة والإرشاد، فكان من الأوتاد الراسخين، ومن الأئمة المهديّين، المتحققين بمقام الإحسان، العاملين بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.

جهوده رضى الله عنه فى الدعوة الى الله تعالى :
نشر الطريقة في الآفاق، وجعل منها شعلةً تهدي الحائرين، وتربي السالكين، وتجمع بين العلم والعمل، والظاهر والباطن، حتى قيل عن طهطا في عهده : “من كثرة مريدين الشيخ أنه ما من بيت فيها إلا وقد دخله التصوف “. فكان مجلسه منارةً للذكر، ومدرسةً للفقه والتزكية، تهفو إليه قلوب المريدين من كل مكان في مصر .

تخرّج على يديه جماعةٌ من السالكين، وربّى أجيالًا من المحبّين، وكانت له إمدادات ظاهرة، وأنفاس عالية، ومجالسُه روضةٌ من رياض الذِّكر، تُحيي القلوب، وتطهّر النفوس، وتوجّه السالكين إلى باب الملك الحق المبين .

لم يكن جهده محصورًا في دائرة التصوف، بل وسّع الله له في ميادين الخير، فكان سبّاقًا إلى انشاء وإعمار المساجد فقام بإنشاء مسجد الشيخ رفاعة الأنصاري، ومسجد شهاب الدين، ومسجد السلام، ومسجد الفتح، وكان الختام بمسجد مسك الختام.

قام رضي الله عنه بإنشاء معهد الفتح الأزهري الابتدائي، ودار حضانة الفتح، وإنشاء مستشفى دار الشفاء الخيرية التي سخرها لخدمة أبناء مدينة طهطا وكانت صرحاً طبياً آنذاك.

قام بإنشاء جمعية الفتح الشاذلية التي كانت فتحاً وخيراً على أبناء مدينة طهطا عمل فيها على كفالة اليتامى، ومساعدة الفقراء، وقام بإنشاء ساحة الشيخ فتحي الطهطاوي في وادي حميثراء لاستقبال وضيافة زوار سيدي أبي الحسن الشاذلي وهي من أوائل الساحات التي بنيت هناك، وأخيراً قام بإنشاء الروضة العمرانية بطهطا وهي ساحة لأبناء ومريدين الشيخ رضي الله عنه يقومون فيها بمجالس الذكر والمجالس العلمية وأيضا هي لاستقبال زوار الشيخ وأبناء السبيل. فصار بذلك قدوة في خدمة الدين والخلق، لا يفتر لسانه عن الذكر، ولا تنقطع يداه عن العطاء .

جمع الله له بين السيادة الروحية، والقيادة المجتمعية، وكان شعاره التواضع، وسَمتُه الوقار، وأثره باقٍ في النفوس والأماكن، شاهده القاصي والداني، واتفقت القلوب على محبته، واللسان على الثناء عليه .

وفاته رضي الله عنه:
انتقل رضي الله عنه الى رحمة الله تعالى صباح يوم الاحد 11 من ربيع الاخر 1433 هـ 2012 م، وقد شُيِّعت جنازته عصر ذلك الي م في موكبٍ مهيبٍ لم تشهد البلاد له نظيراً، حضره الأحباب والمريدون والمحبون من سائر الأقطار، جاؤوا من كل فجٍّ عميق، تسبقهم الدموع، وتحفّهم القلوب، يودّعون جسدًا طاهراً طالما عمّر الأرض بالذكر والخير، وبكت عليه المساجد، واهتزت لرحيله الساحات، في مشهدٍ خاشعٍ تلألأت فيه أنوار الوفاء، وارتفعت فيه رايات المحبة والولاء.

وقد دُفن رضي الله عنه في روضته الشريفة، تلك الساحة الطاهرة التي شيدها في حياته لتكون مقاماً للذكر والخدمة، فاختارها مَثواه الأخي بإذن الله، وجعل الله فيها بركةً ومددًا، فصارت قِبلةً للقلوب، ومهوىً للأرواح، ومزارًا يتوافد إليه الأحباب من سائر البلاد، ينهلون من أنفاسه، ويتفيئون ظلال سِرّه، ويجددون العهد معه في الله .


تُفتح الروضة المباركة أبوابها لكل من قصَدها بقلبٍ سليم، تُستقبل فيها الزائرين بالبِشر والفضل، وتُقام فيها المجالس العامرة بالذكر وتلاوة القرآن والصلاة على النبي المختار صلى الله عليه وسلم، حتى غدت منارات الهدى في مدينة طهطا، لا يمرّ بها عاقل إلا وتعلّق قلبه بها، وحنّ لزيارتها مرات بعد مرات .

ويُقام له رضي الله عنه احتفال سنويّ عظيم في ذكرى انتقاله، تحضره الجموع من مختلف الأقاليم، يجتمع فيه المحبون والمريدون، شيوخاً وشباباً، يُتلى فيه القرآن، وتُرفع فيه أكفّ الضراعة، وتُستعرض فيه سيرته العطرة ومآثره الجليلة، وتُجدَّد فيه البيعة على المحبة والإتباع والوفاء .
لقد سُطرت مناقبه رضي الله عنه في قلوب مريديه، وسارت أنفاسه في مجالس العارفين، جزاه الله عن الأمة خير الجزاء، ورضي الله عنه وأرضاه، ونفعنا بسره في الدارين، وجعلنا من السائرين على دربه، المتعلقين بأذياله، المتتبعين لأنفاسه، وأبقّ روضته منارةً تُضيء الدرب للسالكين، وتَجمع القلوب على الله مدى الأيام والسنين. آمين .