أحداث الهجرة النبوية (1)

بقلم الشيخ : أبو بكر الجندى

ظل النبي صلى الله عليه وسلم في مكة ثلاثة عشرة سنة يدعوا قريشاً إلى توحيد الله، ونبذ ما يعبد من دون الله، فما آمن معه إلا قليل، حتى جهر النبي صلى الله عليه وسلم بالدعوة، وقريش لا تزداد إلا عناداً واستكبارا واضطهادا للمسلمين بالأذى والضرب تارة والحصار والتجويع تارة أخرى وغير ذلك من وسائل الضغط عليهم، حتى أذن الله تعالى لرسول -صلى الله عليه وسلم- بالهجرة.

ولم تهتم قريش بادئ الأمر بأمر الهجرة، وظنت أن المسلمين سيهاجرون ثم يعودون كما هاجروا من قبل إلى الحبشة مرتين وعادوا، وما أن علمت قريش أن النبي صلى الله عليه وسلم نفسَه سيهاجر مع المهاجرين فقامت ولم تقعد تفكر وتدبر، كيف تمنع النبي صلى الله عليه وسلم من الهجرة؛ لأنها تعلم يقيناً أنه صلى الله عليه وسلم إن هاجر سيجتمع حوله الناس ، وستقوى شوكته، وفي قوته ضعف واضمحلال لهم، حتى عزمت على قتله صلى الله عليه وسلم وأن يشترك في ذلك كل قبائل قريش، وحددوا لذلك ليلة علمها النبي صلى الله عليه وسلم بالوحي، وكان أكثر المسلمين قد هاجروا قبل النبي صلى الله عليه وسلم إلا نفر قليل، ثم أسر النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر بليلة الهجرة وتحديدها.

ولما جاءت هذه الليلة طوقت قريش البيت النبوي بالسلاح، والنبي صلى الله عليه وسلم بداخله، وعلي بن أبي طالب نائم في فراشه مُسَجَّى ببرده الأخضر، وخرج النبي صلى الله عليه وسلم من بيته يحثوا التراب على رؤوسهم استهزاءً بهم، وهو يتلو قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ}[يس: 9]، ثم ذهب صلى الله عليه وسلم إلى بيت أبي بكر وخرجوا نحو اليمن، تاركين طريق المدينة المعهود والمباشر ، حتى ذهب إلى غار ثور، فمكث فيه ثلاثة أيام، وأسماء تأتيهم بالطعام، وعبد الله بن أبي بكر يأتيهم بالأخبار، و عامر بن فهيرة يمحو أثار أقدامهم بالأغنام التي كانوا يشربون من ألبانها.

وما أيقنت قريش بخروج النبي صلى الله عليه وسلم إلا وقد ‌ثارت ثورتها واستشاط غضبها واتخذت عدة قرارات حاسمة لإدراك الموقف، فاغلقوا طرق المدينة بالسلاح، ووضعوا جائزة مائة بعير لمن يأتي بالنبي صلى الله عليه وسلم حيا أو ميتاً أو بصاحبه، فانتشر الناس لأجل هذه الجائزة يبحثون ويفتشون ويقتفون الآثار ، حتى وقفوا على فم الغار، وأبو بكر يقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم: لو نظر أحدهم تحت قدمه لرآنا، فقال صلى الله عليه وسلم: “يا أبا بكر مَا ‌ظَنُّكَ باثنين اللَّهُ ثَالِثُهُمَا”.

ولما هدأت ثورة قريش خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر على راحلتين مع عبد الله بن أُريقط دليلهما في الطريق، وفي الطريق كانت رعاية الله تعالى تحوط المصطفى صلى الله عليه وسلم من كل جانب حتى وصل صلى الله عليه وسلم إلى المدينة التي تنتظر لقائه بصبر واشتياق، والتي نوَّرت وأضاءت بقدومه صلى الله عليه وسلم.