لا تحكم على الأمور بظواهرها
19 يونيو، 2025
منبر الدعاة

بقلم الكاتب والباحث الصوفى الكردى الدكتور :عبدالكريم فتاح أمين
جامعة الحلبجة – كلية نريية الشهزور – قسم تنمية البشرية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين.
أغلب البشر يحكممون على المواضيع من زاوية الظاهر
هؤلاء الذين يدورون في إطار زخارف الدنيا ويذوبون فيها يصيرون أسيرا للأهواء والنفس الأمارة بالسوء ويخسرون الحكم الذاتي والحرية في التعابير والتقارير والقرار الصادرات من الشريعة ومصادر الحكم، وللأسف تتكثف أنظارهم على المظاهر فقط ويخسرون المكيال الوجداني والمعنوي والبحث والتقييم الناجم من المعارف والتعاليم، ويقولون: هذه الأشياء رائعة وطريفة ولا نرى فيها عيبا قط ، وبالمقابل حول الحقائق صم وبكم وعمى فهم لا يبصرون.
يكاد أن أقول: من خسر قرار الحاسم الذي ينجم من شعوره ونباهته فقد وقع في ظلام حالك بحت اعاذنا الله منه، فقد اندرج في نفق طويل لا يرى أقصاه، وحينئذ يعتبر ما فعل فعلا عشوائياً وعميا خارجاً عن مصداق آية: ﴿ قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾[ يوسف: 108]
الأهم عندهم القشر الظاهر وحده و القشر الباطن غير معني قاطبة وهذا داء جسيم وخطير تورطت به الاغبياء.
والجدير بالذكر: هذه الحالة السيئة والسقيمة قد أشير إليها في القرآن الكريم وصرح بها : ﴿ يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (7)الروم
وبخلاف ذلك هم في غاية العلم والاطلاع في الجانب الدنيوي وتحصيل الثروات كما أشار إلى ذلك شيخ الزهاد: ( الحسن البصري في مقولته المشهورة الهادفة: (( والله لبلغ من أحدهم بدنياه أنه يقلب الدرهم على ظفره ، فيخبرك بوزنه ، وما يحسن أن يصلي .
فاعلم أخي العزيز لهذه الحقيقة المدروسة قد وضع الحديث القدسي الآتي بنانه المبارك على هذا المحتوي العظيم : (( إنَّ الله لا ينظر إلى صوركم، ولا إلى أموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم))
وفي الواقع فالمكيال الوحيد في الدين والوجدان الإنساني لرفض شيء أو قبوله هو القلب والافعال الحسنة أو السيئة، وبالمقابل فالاشياء الظاهرية من القيل والقال ليس له ثقل ثقيل ووزن مذكور عند الباحث إذا كان صاحب تلك الأشياء خاليا عن الحقيقة والمحتوى.
لا يزال الإنسان الناضج باق على تلك الوتيرة المهمة ولا يتغير قاطبة بل علاوة على ذلك يلتفت على من تصدر عنه الخزعبلات والسفاسف لفتة خفة واستهانة لأنهم لا يحاسبون أنفسهم أبدا بل ينظرون إلى غيرهم بعجرفة وفوقية وإنية وانانية غير مشروعة، فهم لا ينتقدون أنفسهم البتة ولا يقبل من غيرهم كذلك من الانتقاد والتوجيه والتصحيح : ﴿ وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) الكهف.
وللأسف وقعوا في ورطة الجهل المركب ولذا ينتظرون الثناء والشكر من غيرهم، أقول: وينبغي عليهم أن يستحيوا من الله تعالى ويحتلهم الخجل والاستصغار والاحتقار، فقد أشار إليهم سبحانه في محكم كتابه العزيز: ﴿ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا﴾(١٨٨) آل عمران.
إن الله يبحث عن حقيقة هؤلاء بوجه دقيق رافع الغموض: ﴿ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ ۖ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ۖ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ ۖ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ۚ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۖ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ (4)المنافقون
مرة أخرى ينظر سبحانه وتعالى إلى هذه الشريحة الباطلة التافهة السالفة، ويضعهم تحت العملية الجراحية الخطيرة تسبب لفظ أنفاسهم الأخيرة: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205) البقرة.
فلا ريب إن الأفعال الحسنة والصفات المحمودة محل للثناء والشكر والعرفان كما قال سبحانه وتعالى : ﴿ وَقُلِ اعْمَلُوا [التوبة:105]
الجنة غالية القيمة وبحاجة إلى قيمة قيمة غالية وسعيرة، إن ثمن الجنة شيء واحد لا يتعدد بخلاف ثمن الأمتعة الدنيوية التي تتعدد أثمانها، ألا إن أثمان دخول الجنة منحصرة في شيئين: الإيمان الراسخ والعمل الصالح، وفي الحقيقة فهما شيئان صورة والا في الحقيقة شيء واحد لا يتجزأ أبدا: ﴿ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [النحل:32]
وصلى الله وسلم على سيدنا ونبينا وحبيبنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحابته غر الميامين اجمعين.