الرجولة والرجال في القرآن الكريم والسنة المطهرة

بقلم الشيخ: أحمد عزت حسن
الباحث فى الشريعة الإسلامية

إن من يتتبع كلمة رجل في القرآن الكريم يجد أنها تأتي في المواطن الخاصة التي يحبها الله تعالى، وقد ذكر الله الرجولة في القرآن الكريم في أكثر من خمسين موضعًا، فذكر الرجل، والرجلين، والرجال، وقرن الرجل بالمرأة في آيتين اثنتين، والرجال بالنساء في عشرة مواضع،

 

ذكر الله الرجولة في القرآن، وذكرها النبي -ﷺ- في سنته، وأراد الله بالرجولة النوع تارة، وأراد بها الصفة تارة أخرى، وأراد بها النوع والصفة تارة ثالثة.

▪︎ أما النوع فيقصد بها الذكورة، فقد قال -سبحانه وتعالى-: “وَبَثَّ مِنهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً ” النساء ١
وقال: “وَلاَ تَتَمَنَّوا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعضَكُم عَلَى بَعضٍ, لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكتَسَبنَ” النساء:٣٢

وقال: “إِنَّكُم لَتَأتُونَ الرِّجَالَ شَهوَةً مِن دُونِ النِّسَاءِ بَل أَنتُم قَومٌ مُسرِفُونَ ” الأعراف:٨١
▪︎ وأما الصفة فيقصد بها توافر صفات الرجولة في الذكر فقد قال -سبحانه وتعالى-: “مِنَ المُؤمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيهِ فَمِنهُم مَن قَضَى نَحبَهُ وَمِنهُم مَن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبدِيلاً” الأحزاب:٣٢،

فكلمة المؤمنين جمع مذكر سالم، ولم يقل الله -عز وجل- كل المؤمنين رجال وإنما قال: “مِنَ المُؤمِنِينَ رِجَالٌ”، ومن للتبعيض أي ليس كل ذكر رجلاً وإنما كل رجل ذكر، فأراد هاهنا صفة الرجولة ولم يرد النوع أي الذكورة،

▪︎ وأما النوع والصفة:
فيذكر الله -عز وجل- الرجولة ويريد بها توافر النوع والصفة، ومن ذلك قوله -تعالى-: “الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعضَهُم عَلَى بَعضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِن أَموَالِهِم” النساء:٣٤،
فلابد للقوامة من الذكورة ومن الرجولة فنحن نرى رجالًا تقودهم النساء وذلك راجع إلى انتفاء الصفة مع وجود النوع.

▪︎ الاشتراك في الحكم:
إذا ورد لفظ الرجل في القرآن الكريم والسنة ولم يرد دليل على اختصاص الرجل بالحكم، فالأصل دخول النساء في الحكم مع الرجال لقوله -ﷺ-: «إنما النساء شقائق الرجال» [رواه الترمذي وصححه الألباني]

وحديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله جاء فيه السبعة بلفظ رجل، ومع ذلك فهذا الحديث يشمل الرجال والنساء، فمن النساء من سيظلهن الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.

● الرجولة والنبوة
ولذلك كان رسل الله إلى الناس كلهم رجال قال تعالى: “وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا” يوسف:١٠٩ أرسل الله -عز وجل- الرسل وبعث الأنبياء وكلهم بلغوا الكمال في صفات الرجولة، ولم يرسل الله -عز وجل- أنثى قط، أما من قال بنبوة مريم وأم موسى -عليهما السلام- مستدلاً على ذلك بالوحي لهما فمردود عليه بأن الوحي هنا بمعنى الإلهام ومنه قوله -تعالى-: “وَأَوحَى رَبٌّكَ إِلَى النَّحلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعرِشُونَ “النحل: ٦٨

وقوله -ﷺ- في حديث الذي قتل مائة نفس: «فأوحى الله تعالى إلى هذه أن تباعدي وإلى هذه أن تقربي وقال: قيسوا ما بينهما فوجدوه إلى هذه أقرب بشبر فغفر له» [متفق عليه].

والوحي هنا إلى أرض المعصية وأرض التوبة، ولم يقل أحد بنبوة النحل أو الأرض؟! كما أن الله -عز وجل- قد حسم القضية بقوله -تعالى-: “مَا المَسِيحُ بنُ مَريَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَد خَلَت مِن قَبلِهِ الرٌّسُلُ وَأُمٌّهُ صِدِّيقَةٌ “المائدة: ٧٥، ولم يقل نبية، بل إن كفار قريش يعلمون أن الأنبياء رجال فقد حكى الله عنهم قولهم: “وَقَالُوا لَولاَ نُزِّلَ هَذَا القُرآنُ عَلَى رَجُلٍ, مِنَ القَريَتَينِ عَظِيمٍ” [الزخرف: ٣١

● الطهارة بشقيها المادي والمعنوي،
قال تعالى في صفات عمار أول مسجد أقيم في الإسلام “لَمَسجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقوَى مِن أَوَّلِ يَومٍ, أَحَقٌّ أَن تَقُومَ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبٌّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبٌّ المُطَّهِّرِينَ” التوبة: ١٠٨
القوامة وحسن التوجيه لبيوتهم وذويهم: “الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ الله بَعضَهُم عَلَى بَعضٍ, وَبِمَا أَنفَقُوا مِن أَموَالِهِم” النساء: ٣٤ ● والرجولة هي الإيجابية وتحمُّلُ المسئولية في الذب عن التوحيد، والنصح في الله، والدفاع عن أولياء الله والتحرك السريع لدرء الخطر وبذل النصيحة

قال الله تعالى: “وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ” القصص:٢٠ ما الذي جعله يأتي من أقاصي المدينة، وما جاء يمشي بل جاء يسعى لماذا؟ دفاعًا عن أولياء الله والدعاة إلى الله، إنها الرجولة الحقة بكل معانيها.

● قوةٌ في القول، وصدعٌ بالحق، كلمة حق عند سلطان جائر،
قال الله تعالى مادحًا من يدافع عن موسى عليه السلام “وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ ” غافر

● الصمودٌ أمام الملهيات، والاستعلاء على المغريات؛ حذرًا من يوم عصيب يشيب فيه الولدان وتتبدل الأرض غير الأرض والسماوات، قال الله تعالى في وصف عمّار المساجد بأنهم: “رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ” النور ٣٧

● الرجولة: رأيٌ سديد، وكلمة طيبة، ومروءةٌ وشهامةٌ، وتعاون وتضامن.

● الرجال هم الذين يَصدُقون في عهودهم، ويوفون بوعودهم، ويثبتون على الطريق، قال الله تعالى: “مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ” الأحزاب٢٣

● عند الأزمات تشتد الحاجة لوجود الرجال الحقيقيين، عند الفتن نحتاج إلى رجال يثبتون على الحق ويدافعون عن الحق ولا يخافون في الله لومة لائم. يقول الله تعالى في وصف الذين ثبتوا مع نبي الله موسى: “قَالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ “المائدة:٢٣.

■ وفي السنة الرجال لا يُقاسون بضخامة أجسادهم وبهاء صورهم، وقوة أجسامهم ، فعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: «أمر النبي ﷺ ابن مسعود فصعد على شجرةٍ أمره أن يأتيه منها بشيء فنظر أصحابه إلى ساق عبد الله بن مسعود حين صعد الشجرة فضحكوا من دقة ساقيه، فقال رسول الله ﷺ: “أتعجبون من دقّة ساقيه؟! إنّهما أثقل في الميزان من جبل أحد” رواه أحمد وصححه ابن حبان

● فمن صفاتهم القيام بالفرائض:
فعن أبي هريرة-رضي الله عنه- قال: إن أعرابيًا أتى النبي -ﷺ- فقال: دلني على عمل إذا عملته دخلت الجنة، قال: «تعبد الله لا تشرك به شيئًا وتقيم الصلاة المكتوبة وتؤدي الزكاة المفروضة وتصوم رمضان». قال: والذي نفسي بيده لا أزيد على هذا، فلما ولى قال النبي -ﷺ-: «من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا» متفق عليه

– الصلاح:
عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: رأيت في المنام كأن في يدي قطعة إستبرق «حرير سميك» وليس مكان أريد من الجنة إلا طرت إليه، قال: فقصصته على حفصة، فقصته حفصة على النبي -ﷺ- فقال: «أرى عبد الله رجلاً صالحًا» متفق عليه

– الصبر على الشدائد:
عن خباب بن الأرت -رضي الله عنه- قال: شكونا إلى رسول الله -ﷺ- وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، فقلنا: ألا تستنصر لنا ألا تدعو لنا. فقال: «قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه فما يصده ذلك عن دينه، والله لَيَتِمَنَّ هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون» البخاري.

– الثبات:
عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -ﷺ- خرج عليهم وهم جلوس فقال: ألا أخبركم بخير الناس، فقلنا: نعم يا رسول الله، قال: رجل ممسك برأس فرسه أو قال: فرس في سبيل الله حتى يموت أو يقتل، فأخبركم بالذي يليه، فقلنا: نعم يا رسول الله، قال: امرؤ معتزل في شعب يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة يعتزل الناس”
رواه الدارمي ورواه الترمذي

– الأمانة والقناعة والحكمة:
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -ﷺ- قال: كان فيمن كان قبلكم رجل اشترى عقارًا فوجد فيها جرة من ذهب فقال: اشتريت منك الأرض ولم اشتر منك الذهب. فقال الرجل: إنما بعتك الأرض بما فيها، فتحاكما إلى رجل فقال: ألكما ولد؟ فقال أحدهما: لي غلام، وقال الآخر: لي جارية، قال: فأنكحا الغلام الجارية وأنفقا على أنفسهما منه وليتصدق. رواه ابن ماجه

فسبحان الله كيف كانت أمانة المشتري وقناعة البائع وحكمة القاضي بينهما!!

– السماحة:
عن عثمان بن عفان -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله ﷺ: «أدخل الله الجنة رجلاً كان سهلاً بائعًا ومشتريًا» رواه ابن ماجه وحسنه الألباني فالسماحة في البيع والشراء والاقتضاء تحتاج إلى رجل، فكم رأينا من يبيع ويعود في بيعه من أجل أموال قليلة أو يبيع على بيع أخيه

– قيام الليل:
عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه -رضي الله عنهما- أن النبي -ﷺ- قال: نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل. قال سالم: فكان عبد الله بعد ذلك لا ينام من الليل إلا قليلاً. متفق عليه

– ترك الحرام:
عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: لعن رسول الله -ﷺ- المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء. وفي رواية: لعن رسول الله -ﷺ- المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال. رواه البخاري. وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: لعن رسول الله -ﷺ- الرجل يلبس لبسة المرأة والمرأة تلبس لبسة الرجل. رواه أبو داود

– وضياع الرجولة من علامات الساعة:
فعن أنس -رضي الله عنه- قال: سمعت من رسول الله -ﷺ- حديثًا لا يحدثكم به غيري، قال: من أشراط الساعة أن يظهر الجهل ويقل العلم ويظهر الزنا وتشرب الخمر ويقل الرجال ويكثر النساء حتى يكون لخمسين امرأة قيم رجل واحد” رواه البخاري

– وذكر قلة الرجال وكثرة النساء مع ارتكاب الكبائر وظهور الجهل وقلة العلم يدل على أن قلة الرجال وكثرة النساء أمر سيئ تترتب عليه مفاسد كثيرة.، وعن عبد الله -رضي الله عنه- عن النبي -ﷺ- قال: لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث الله فيه رجلاً من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي يملأ الأرض قسطًا وعدلاً كما مُلئت ظلمًا وجورًا.رواه أبو داود 

– ورب عبد ضعيف البدن قليل المال وهو مع ذلك يعيش بهمة الرجال فالرجولة مضمون قبل أن تكون مظهرًا، وما أكثر ما ضيعت المظاهر الجوفاء من حقوق وواجبات وكم طمست من حقائق، فعن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: “رب أشعث مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره” ورجلاً واحداً قد يساوي مائة، ورجلاً قد يوازي ألفاً ، ورجلاً قد يزن شعباً بأسره ، وقد قيل: رجلٌ ذو همة يُحيي أمة.

حاصر خالد بن الوليد «الحيرة» فطلب من أبي بكر مددًا، فما أمده إلا برجلٍ واحدٍ هو القعقاع بن عمرو التميمي وقال: لا يهزم جيش فيه مثله، وكان يقول: لصوت القعقاع في الجيش خيرٌ من ألف مقاتل!

ولما طلب عمرو بن العاص المدد من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في فتح مصر كتب إليه: «أما بعد: فإني أمددتك بأربعة آلاف رجل، على كل ألف: رجل منهم مقام الألف: الزبير بن العوام، والمقداد بن عمرو، وعبادة بن الصامت، ومسلمة بن مخلد».

وتصـل الأخبار سنة ٢١ هـ إلى عمــر بن الخطاب رضي الله عنه أن ملك الفرس يزدجر قد جمع مائة وخمسين ألفاً من رجاله لغزو مدينة رسول الله ﷺ واستئصال شأفة الإسلام وأهله؟ فماذا يفعل عمر وهو يسمع بهذا الجيش الجرار بعدده وعدته فذهب عمر رضي الله عنه إلى المسجد محراب العبادة وغرفة العمليات ليجري اتصالاً ربانيا عاجــلاً بجبار الأرض والسماوات لأنه عرف أن القوة بيد الله وأن النصر يأتي من عنده ومن يخذله الله فلا ناصر له، وبعد الصلاة ألتفت عمر فوجد رجل من الصحابة يصلي بخشوع فإذا هو النعمــان بن مقــرن رضي الله عنه فلما أكمل قال له عمر: يا نعمان إني أريد أن أوليك أمرًا عظيمًا، فقال له النعمان: يا أمير المؤمنين إن كنت تريد أن توليني على أمر من أمور المال وجمع المال وحساب المال فلستُ لذلك الأمر إني أخاف الله رب العالمين فالمال فتنة وأنا أخشى الوقوع فيها، وإن كنت تريدني للقتال في سبيل الله فإنني أناشدك الله أن لا تحرمني الشهادة في سبيل الله فقال عمر: أريدك أن تكون قائد جيش المسلمين لملاقاة الفرس بنهاوند، وتولى القيادة وسار بجيش المسلمين إلى نهاوند واصطف الجيشان وحانت ساعة الصفر وصمتت الألسنة ونطقت السيوف قال النعمان لجيشه: إني سأكبر ثلاث مرات وسأدعو الله ثلاث دعوات فأمنّوا وخفقت القلوب وخشعت الأصوات وعنت الوجوه، قال النعمان: اللهم أعزّ دينك، ثم قال اللهم انصر عبادك ثم قال اللهم اجعلني أول شهيد في هذه المعركة.

وأمير المؤمنين عمر هنالك فى عاصمة الخلافة لا ينام الليل ولا يهدأ له بال حتى تقرحت عيناه من طول السهر ينتظر الأنباء فى وقت لم يكن فيه انترنت ولا قنوات فضائية ولا اتصالات لاسلكية ودارت المعركة وكان النعمان أول شهيد وقتل من الفرس وجرح وأسر منهم أعداد كبيرة وهرب منهم من هرب ودخل المسلمون حصون نهــاوند يدكونها ويغنمون ما فيها وكان النصر حليفهم بإذن الله

إنه عمر رضي الله عنه الذي كان يبحث دائماً عن معدن الرجال في أخلاقهم وقيمهم وصلتهم بالله وعلو همتهم ليستعملهم في طاعة الله إن الرجولة أخلاق وقيم تدور مع الحق وتربأ بنفسها عن سفاسف الأمور فالاستجابة للاستفزاز والانفعال عند الغضب أمر يجيده الكثير لكن الذي لا يجيده إلا الرجال الحلم والصبر عندما تطيش عقول السفهاء ،عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: “لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ” وسئل الأحنف بن قيس بم سدت قومك؟ قال وجدت الحِلم أنصر لي من الرجال

وفي النهاية لابد أن نقول: إن خير ما تقوم به دولة لشعبها، وأعظم ما يقوم عليه منهج تعليمي، وأفضل ما تتعاون عليه أدوات التوجيه كلها من صحافة وإذاعة، ومسجد ومدرسة، هو صناعة هذه الرجولة، وتربية هذا الطراز من الرجال فبعد أن ذكرنا الرجولة ومعناها في الكتاب والسنة، فما أحوجنا اليوم أن نتصف بصفات الرجولة، فوالله ما ضيعنا الدين إلا بتضييعنا لصفات الرجولة، فعندما سقطت الأندلس وقف آخر ملوكها يبكي، فقالت له أمه: «ابك بكاء النساء ملكًا لم تحفظه حفظ الرجال». فعلينا بالتحلي بصفات الرجولة وتعليمها لأبنائنا حتى نعيد للإسلام صولته كما كان.

وما أروع قول الشاعر العربي:

أحبُّ مـكارمَ الأخلاق جَهدى
وأكـره أن أَعـيب وأن أُعابا
وأصفح عن سِباب الناس حِلمًا
وشرُّ الناس من يهوى السبابا
ومـن هـاب الرجـال تهيّبوه
ومـن حقّر الرجالَ فلن يُهابا

اترك تعليقاً